الْحَثُّ عَلَى صِلَةِ الرَّحِمِ وَبِرِّ الْوَالِدَيْنِ

عايد القزلان التميمي
1446/06/11 - 2024/12/13 07:59AM

خطبة :

الْحَثُّ عَلَى صِلَةِ الرَّحِمِ وَبِرِّ الْوَالِدَيْنِ

الْحَمْد لِلَّهِ خَلْقَ مِنْ اَلْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا، وَأَوْجَبَ فِي كِتَابِهِ صِلَةَ اَلْأَرْحَامِ وَأَعْظَم فِي ذَلِكَ اَلْأَجْر وَالثَّوَاب، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهْ وَرَسُولُهُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ واَلتَّابِعِينَ لَهُ بِإِحْسَانٍ وَسَلَّمَ تَسْلِيما كَثِيرا.

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) أما بعدُ فيا عباد الله

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ، قَالَت الرَّحِمُ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَهُوَ لَكِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ﴾ متفقٌ عَلَيهِ

عباد الله إن صِلَةَ الرَّحِم أَمْرٌ عَظِيم في الإسلام. وهي وَاجِبٌ أَوْجَبَهُ اللهُ وَفَرَضَهُ عَلَيْنا، كَمَا قَالَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ وَهِيَ الْآيَة الَّتِي كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَؤُهَا فِي خُطْبَةِ الْحَاجَةِ (( وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ ))

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَغَيْره: (أَيْ: اتَّقُوا اللَّهَ وَاتَّقُوا الْأَرْحَامَ أَنْ تَقْطَعُوهَا، خَافُوا مِنْ اللَّهِ أَنْ تَقْطَعُوهَا، وَلَكِنْ بِرُّوْهَا وَصِلُوهَا).

وقال عز وجل ﴿ وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ الله ﴾

وَصِلَةُ الرَّحِمِ: هِيَ الْإِحْسَانُ إِلَى الْأَقَارِبِ عَلَى حَسَبِ حَالِ الْوَاصِلِ وَالْمَوْصُولِ: فَتَارَةً تَكُونُ بِالْمَالِ، وَتَارَةً بِالْخِدْمَةِ، وَتَارَةً بِالزِّيَارَةِ، وَتَارَةً بِالسَّلَامِ ، وَتَارَةً بِطَلَاقَةِ الْوَجْهِ، وَتَارَةً بِالنُّصْحِ، وَتَارَةً بِرَدِّ الظُّلْمِ، وَتَارَةً بِالْعَفْوِ . وَالْأَرْحَامُ: هُمْ الْأَقَارِبُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ، وَمِنْ جِهَةِ الْأَبِ، فَالْآبَاءُ وَالْأُمَّهَاتُ وَالْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ أَرْحَامٌ، وَالْأَوْلَادُ وَأَوْلَادُهُمْ مِنْ ذُكُورٍ وَإِنَاثٍ ، وَأَوْلَادُ الْبَنَاتِ كُلُّهُمْ أَرْحَامٌ، وَهَكَذَا الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ وَأَوْلَادُهُمْ أَرْحَامٌ، وَهَكَذَا الْأَعْمَامُ وَالْعُمَّاتُ وَالْأَخْوَالُ وَالْخَالَاتُ وَأَوْلَادُهُمْ أَرْحَامٌ.

 فَالْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَعْتَنِيَ بِالرَّحِمِ، وَأَنْ يَصِلَ أَرْحَامَهُ، وَأَنْ يُحْسِنَ إِلَى أَرْحَامِهِ وَقَرَابَاتِهِ.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ إِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ عَلَامَةٌ مِنْ عَلَامَاتِ كَمَالِ الْإِيمَانِ ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: ((وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ )) أخرجه البخاري ومسلم.

وَصِلَةُ الرَّحِمِ مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِدُخُولِ الْجِنَانِ، وَالْوِقَايَةِ مِنْ النِّيرَانِ ، فعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ سَلَام، رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قَالَ: ((أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ؛ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ)).

عِبَاد اللَّهِ وَقَدْ أَعَدَّ اللَّهُ تَعَالَى الْأَجْرَ الْكَبِيرَ وَالثَّوَابَ الْجَزِيلَ لِمَنْ يَصِلَ رَحِمَهُ، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ))(متفق عليه)

وَاحْذَرُوا عِبَادَ اللَّهِ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ فَهِيَ كَبِيرَةٌ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ،

وَلَوْ تَدَبَّرْنَا كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَوَجَدْنَا أَنَّ اللَّهَ كُلَّمَا ذَكَرَ الْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ فَإِنَّهُ يَقْرِنُهُمْ بِالَّذِينَ يَقْطَعُونَ أَرْحَامَهُمْ كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ ، (( وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)).

وَاعْلَمُوا أَنَّ قَاطِعَ الرَّحِمِ تُعَجَّلُ لَهُ الْعُقُوبَةُ فِي الدُّنْيَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  (( مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ)) أخرجه أحمد وصححه الألباني.

 وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه  أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ. فَقَالَ:" لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ "(مسلم).  وقال صلى الله عليه وسلم (( لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا)).

فاتقوا الله ـ عباد الله ـ وَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ، فَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَرْحَامَهُ عَدَاوَة فَلْيُبَادِرْ بِالصِّلَةِ وَلْيُعِفُ وَلْيَصْفَحْ، قَالَ تَعَالَى (( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى ٱللَّهِ )).

بارك الله لي ولكم...

الخطبة الثانية الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَمَرَ بِالْإِحْسَانِ بِالْوَالِدَيْنِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ اَلدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أما بعدُ فيا عباد الله  وأَوْلَى الأَرْحَام بالصِّلة الوَالِدَان ، وَلَقَدْ أَكْثَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي كِتَابِهِ مِنْ ذِكْرِ شَأْنِ الْوَالِدَيْنِ وَأَوْجَبَ الْإِحْسَانَ إِلَيْهِمَا لِفَضْلِهِمَا وَعَظِيمِ مَعْرُوفِهِمَا، حَيْثُ قَرَنَ الْمَوْلَى سُبْحَانَهُ حَقَّهُمَا بِحَقِّهِ، وَجَعَلَ شُكْرَهُمَا مِنْ شُكْرِهِ،

فَقَالَ سُبْحَانَهُ ((وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا))

وقال سبحانه (( وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ))

وَالْمَقْصُودُ بِالْإِحْسَانِ إلَى الْوَالِدَيْنِ: الْبِرُّ بِهِمَا، مَعَ اللُّطْفِ وَلِينِ الْجَانِبِ لَهُمَا. وَعَدَمُ أَذِيَّتِهِمَا بِالْقَوْلِ السَّيِّئِ؛ مِثْلُ: قَوْلِ أُفٍّ، أَوْ نَهْرِهِمَا، وَيَقُولُ لَهُمَا قَوْلًا حَسَنًا وَكَرِيمًا. وَالتَّوَاضُعُ لَهُمَا وَخِدْمَتُهِمَا. وَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا، إِذَا كَانَ اَلْوَلَدُ غَنِيًّا، وَالْوَالِدَانِ فَقِيرَيْنِ وَمُحْتَاجَيْنِ.  وَالدُّعَاءُ لَهُمَا بِالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ. وَشُكرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ شُكر الْوَالِدَيْنِ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ. وَالِاسْتِئْذَانُ عَلَيْهِمَا وَصِلَةُ أَهْلِ وُدِّهِمَا.

عِبَادَ الله وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ لَيْسَ مَقْصُورًا عَلَى الْحَيَاةِ فَقَطْ، فَإِنَّ مِنْ تَمَامِ الْبِرِّ وَكَمَالِهِ أَنْ يَبِرَّ الْوَلَدُ وَالِدَيْهِ حَتَّى بَعْدَ مَوْتِهِمَا.

 وَمِنْ صُوَرِ بِرِّهِمَا بَعْدَ مَوْتِهِمَا الصَّدَقَةُ عَنْهُمَا وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ عَنْهُمَا وَقَضَاءِ دُيُونِهِمَا وَصِلَةُ أَصْدِقَائِهِمَا.

وَلْيَحْذَرِ الْمُسْلِمُ مِنْ عُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ الَّذِي هُوَ مِنْ كَبَائِرِ الذّنُوبِ، وَعَدَّ رَسُولُ اللَّهِ  من الثَلاثَةِ الذينَ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: ((الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ)) والحديث في صحيح الجامع.

عباد الله من وَصَلَ رَحِمَه وبَرَّ والدِيه بَارَكَ اللَّهُ لَهُ فِي الْمَالِ وَالْوَلَدِ وَأَبْقَى لَهُ الذِّكْرَ الْحَسَنَ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ أَوْلَادهُ بَارِّينَ بِهِ فَلْيُبُرَّ وَالِدَيْهِ، وَمَنْ عَقَّ وَالِدَيْهِ فَلْيَنْتَظِرْ الْعُقُوقَ مِنْ أَبْنَائِهِ، وَلَا يَأْمَنُ الْعُقُوبَةَ الْعَاجِلَةَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، فَالْجَزَاءُ منْ جِنْسِ العملِ .

أَسْأَل اللَّهَ أَنْ يُعِينَنَا وَيُوَفِّقَنَا لِبِرِّ وَالِدَيْنَا أحياءً وأمواتا، اَللَّهُمَّ ارْزُقْنَا الْإِحْسَانَ إِلَى وَالِدَيْنَا، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا، رَبِّ ارْحَمْهما كَمَا رَبُّونَا صِغَارًا.

هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ......      

المرفقات

1734067130_الْحَثُّ عَلَى صِلَةِ الرَّحِمِ وَبِرِّ الْوَالِدَيْنِ.doc

المشاهدات 547 | التعليقات 0