الحث على صلة الرحم

الحث على صلة الرحم والتحذير من القطيعة

الخطبة الأولى

الحمد لله خالق الأنام ، المحمود سبحانه أبداً على الدوام ، حثَّ المؤمنينَ على المحبة والوئام ، وأوجب عليهم صلة الأرحام ، وحذَّرَهم من القطيعة والخصام ، وأشهد أن لَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له ، وأشهدُ أنَّ نبينا محمداً عبدُه ورسولُه ، صلَّى اللهُ وسلَّم وبارَك عليه ، وعلى آله وأصحابه الكرام ، ما تعاقبت الليالي والأيام ، أما بعد :-

 فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته في السر والعلن .

عباد الله : خطبتنا اليوم ، عن عبادة عظيمة من أفضل العبادات ، وأعظم الطّاعات ، عظيم شأنها ، جليل قدرها ، لا يقوم بها على وجه الكمال إلا خواص المؤمنين ، والأنبياء والصالحين ، العمل بها والحرص عليها يطيل الأعمار ، ويبارك في الأرزاق ، ويملأ الحياة سعادة وهناء ، ويحظى صاحبها بعد مفارقة الدنيا بحسن الثناء ، وخالص الدعاء . والتخلق بها منقبة ، تملأ قلوبَ الناس لك حباً ، وتزيدك من مولاك قرباً ، إنها صلة الأرحام يا عباد الله . والمقصود بالرحم والأرحام هم من بينك وبينهم قرابة وصلة ، وهم الوالدين ثم الأقرب فالأقرب كالأجداد والجدّاتِ و الأولاد وأولادهم ، والإِخْوَةِ والأَخَواتِ وأولادِهم ، والأَعمامِ والأَخْوالِ وأولادِهم ، والعَمَّاتِ والخَالاتِ وأولادِهِنّ .

واعلموا أنه كُلَّما قرُبَت الصِّلةُ تأكَّد الحقُّ ، وثبت الواجبُ ، وزادَت الحقوقُ والواجباتُ ، ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رجل : يا رسولَ اللهِ ، من أحقُّ الناسِ بحُسنِ الصُّحْبةِ ؟ قال : « أمُّك ، ثم أمُّك ، ثم أمُّك ، ثم أبوك ، ثم أدناك فأدناك » ، فكلما قرُبَتْ الصِّلة تأكَّدَ الحقُّ وعظُم .

عباد الله : إن صلةَ الرَّحِم حقٌّ ثابتٌ للأقاربِ ، ولو بدَرَت منهم الإساءةُ ، وبَدَتْ منهم القَطِيعةُ ، فالواجبُ على العبدِ أن يَصِلَ رحمَه ولو قطعوه ، وأن يحسِنَ إليهم ولو آذَوْه وأساؤُوا إليه ، ففي صحيحِ البخاري من حديثِ عبد الله بنِ عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ليس الواصلُ بالمُكافِئ ، ولكنَّ الواصِلَ مَن إذا قُطِعَت رحِمُهُ وَصَلَها » . وفي صحيحِ مسلمٍ من حديث أبي هريرةَ  رضي الله عنه  أنَّ رَجُلًا قالَ : يا رَسُولَ اللهِ ، إنَّ لي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي ، وَأُحْسِنُ إليهِم وَيُسِيؤُونَ إلَيَّ ، وَأَحْلُمُ عنْهمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ ، فَقالَ : لَئِنْ كُنْتَ كما قُلْتَ : فَكَأنَّما تُسِفُّهُمُ المَلَّ - أي : كأنما تطعمهم الرَّمادَ الحارَّ - وَلَا يَزَالُ معكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عليهم - أي : مُعينٌ لك عليهم - ما دُمْتَ علَى ذلكَ » . فأبشرْ بحسنِ العاقبةِ ، وجميلِ الخاتمةِ ، يا مَنْ وصلتَ مَنْ قطَعَكَ ، وأحسنت إلى من أساءَ إليك ، قال تعالى : ﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) .

عباد الله : صلة الرحم من علامات الإيمان بالله واليوم الآخر ، يقول صلى الله عليه وسلم : ( وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ) . صلة الرحم تُوسِّع في الأرزاق وتزيد في الأعمار ، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « من سرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ في رِزْقِهِ ، وأن يُنْسأَ لَهُ في أثَرِهِ ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ » . صلة الرحم من خصال نبينا صلى الله عليه وسلم ، ومن فضائله التي عُرف بها قبل بعثته ، فحين رجع من غار حراء فزِعاً وجِلاً ، قَالَ لخديجة رضي الله عنها : ( قَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي ) ، قَالَتْ : " كَلَّا أَبْشِرْ ، فَوَاللَّهِ لاَ يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا ، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ "، رواه البخاري ومسلم . صلة الرحم سبب لدخول الجنة والبعد من النار ، قال أعرابي لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أخبرني بما يقربني من الجنة وما يباعدني من النار ، فقال : { تَعْبُدُ اللَّهَ َلَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ وَتَصِلُ الرَّحِمَ } رواه مسلم عن أبي أيوب . وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَيُّهَا النَّاسُ ، أَفْشُوا السَّلَامَ ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ ) سنن الترمذي . صلة الرحم تعمر الديار والأوطان ، كما قال عليه الصلاة والسلام : ( صِلَةُ الرَّحِمِ ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ ، وَحُسْنُ الْجِوَارِ ، يُعَمِّرَانِ الدِّيَارَ ، وَيَزِيدَانِ فِي الْأَعْمَارِ ) رواه أحمد بسند رجاله ثقات . نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل الإيمان والبر والصلة ، وأن يجنبنا العقوق والقطيعة . أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

 

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي هدانا للإسلام ، وأمرنا بصلة الأرحام ، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك القدوس السلام ، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله خير من وصل الأرحام ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله البررة الكرام ، وصحابته الأئمة الأعلام ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب النور والظلام . أما بعد :-

 فَبَادِروُا إِلَىَ صِلَةِ أَرْحامِكُمْ ، صِلوُها بِكُلِّ خَيْرٍ ، فَإِنَّ اللهِ تَعالَىَ وَرَسوُلَهُ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمَّا أَمَرَ وَحَثَّ عَلَىَ صِلِةِ الأَرْحامِ لمْ يَذْكُرْ في ذَلِكَ صُوُرةً بِعَيْنِهاَ ، بَلْ صِلَةُ الرَّحِمِ تَكوُنُ بِكُلِّ خَيْرٍ تُوَصِّلُهُ إِلَىَ أَقْربائِكَ وَإِلَىَ ذَوِيِ رَحِمِكَ ، سَواءٌ كانَ ذَلِكَ بِالقَوْلِ ، أَوْ بِالمالِ ، أَوْ بِالجاهِ ، أَوْ بِالبَدَنِ ، أَوْ بِالدُّعاءِ ، كَما أَنَّ أَقَلَّ ما يَكوُنُ في صِلَةِ الأَرْحامِ أَنْ يَكُفَّ الإِنْسانُ شَرَّهُ عَنْ ذَوِيِ رَحِمِهِ ، فَإِنَّ كفَّ شَرِّكَ عَنِ النَّاسِ صَدقَةٌ مِنْكَ عَلَىَ نَفْسِكَ ، فَصِلوُا أَرْحامَكُمْ وَأَقارِبِكُمْ بِكُلِّ خَيْرٍ وَبِرٍّ ، بِالزَّيارَةِ والسلام وَالهَدَيَّةِ وَالنَّفَقَةِ وَالمساعَدَةِ ، وبِطيِبِ الكلامِ وَالحَنانِ وَالعَطْفِ وَليِنِ الجانِبِ وَبَشاشَةِ الوَجْهِ وَالإكْرامِ وَالاحْترامِ ، وتَفَقُّدُ أحوالهم ، والسؤال عنهم ، وقضاء حوائجهم ، والتصدُّق على فقيرهم ، وعيادة مريضهم ، وإجابة دعوتهم ، ومشاركتهم في أفراحهم ، ومواساتهم في أتراحهم .

عباد الله : احْذَروُا قَطيِعَةَ الرَّحِمِ ، فَإِنَّ قَطيِعةَ الرَّحِمِ مُوُجِبَةٌ للِعُقوُبَةِ العاجِلَةِ ، وَموُجِبَةٌ لِسَخَطِ الله ولعنته ، قالَ اللهُ تعالَىَ : ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ﴾  ، وقال تعالى : ﴿ وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ﴾  . وَجاءَ في الصَّحيِحَيْنِ مِنْ حَديِثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ تَعالَىَ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ : « إِنَّ اللهَ خَلَقَ الخَلْقَ ، حَتَّى إِذا فَرَغَ مِنْهُمْ قامَتْ الرَّحِمُ فَقالَتْ : هذا مَقامُ العائِذِ بِكَ مِنَ القطيِعَةِ ، قالَ : نَعَمْ ، أَمَا تَرْضَيْنِ أَنْ أَصِلَ مِنْ وَصَلَكِ ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ ، قَالَتْ : بَلَىَ ، قالَ اللهُ تَعالَىَ : فَذَلِكِ لَكِ »، فمَنْ وَصَلَ رَحِمَهُ وَصَلَهُ اللهُ تَعالَىَ بِكُلِّ خَيْرٍ وَبِرٍّ ، وَمَنْ قَطَعَ رَحِمَهُ قَطَعَ اللهُ عَنْهُ كُلَّ خَيْرٍ وَرُشْدٍ فيِ نَفْسِهِ وَفي مالِهِ وَفي وَلَدِهِ . وقالَ النَّبِيُّ  صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيانِ عُقوُبَةِ قاطعِ الرَّحِمِ : « لا يدخل الجنة قاطع رحم » ، وَهذَا يُبَيِّنُ عَظيمَ عُقوُبِةِ قَطيِعَةِ الرَّحِمَ وَأَنَّها مِنْ كَبائِرِ الذُّنوبِ وَعظائِمِ الإِثْمِ ، ومما يدل على خطورة قطيعة الرحم ، قوله صلى الله عليه وسلم : ( إنّ أعمالَ بني آدم تُعرَضُ كلَّ خميسٍ ليلةَ الجمعة فلا يُقبَل عملُ قاطعِ رحِم ) حسّنه الألباني . وقاطع الرحم تُعجَّل له العقوبة في الدنيا ، فعن أبي بكرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من ذنبٍ أجدر أن يعجِّلَ الله لصاحبه العقوبة في الدنيا - مع ما يدخر له في الآخرة - من البغي وقطيعة الرحم ) . فاتَّقوُا اللهَ عِبادَ اللهِ ، صِلوُا أَرْحامَكُمْ وَلَوْ أَساؤوُا إِلَيْكُمْ .. وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال : " إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما " اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان . اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين . اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، اللهم وفق إمامنا وولي عهده لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم ، اللهم أصلح لهم بطانتهم ، واحفظهم بحفظك يا ذا الجلال والإكرام . اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قولٍ وعمل ، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل ، اللهم أمّن حدودنا واحفظ جنودنا . اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الراحمين . " اللهم أنت الله لا إله إلا أنت ، أنت الغني ونحن الفقراء إليك أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين . اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا غيثا مغيثا ، نافعاً غير ضار عاجلاً غير آجل ، تسقي به البلاد وتنفع به العباد . اللهم أسقنا سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا غرق " . { ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار } . وأقم الصلاة .

 

( خطبة الجمعة 3/3/1446هـ . جمع وتنسيق خطيب جامع العمار بمحافظة الرين / عبد الرحمن عبد الله الهويمل                          للتواصل جوال و واتساب /  0504750883  ) .

المشاهدات 251 | التعليقات 0