الحث على العمل وذم البطالة والكسل

فيصل التميمي
1434/03/05 - 2013/01/17 15:03PM
"خطبة مختصرة"
الحث على العمل وذم البطالة والكسل
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره؛ ونعوذ بالله من شرور أنفسنا؛ ومن سيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له؛ ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) .
عباد الله.. لقد وجهت الشريعة الإسلامية أفرادها إلى العمل، وحثتهم على التكسب وطلب الرزق، وبينت لهم أن الكسب باليد خيرُ ما يُنَالُ ويُجُمع، وهو سبيل أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام وهم خير خلق الله وأنبلهم؛ وفي مقابل ذلك حذرت أشدَ التحذير من الاعتماد على التسول واستجداء الناس والتذلل لهم؛ لما يورثه من المذلة والمهانة في الدنيا والآخرة.
فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((والذي نفسي بيده، لأن يأخذ أحدكم حبله، فيحتطب على ظهره، فيأتي به فيبيعه، فيأكل منه ويتصدق منه، خير له من أن يأتي رجلاً أعطاه الله من فضله فيسأله، أعطاه أو منعه)) متفق عليه،
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مزعة لحم)) رواه البخاري ومسلم.
وبين الله تعالى في كتابه الكريم أن العمل لكسب العيش وتحصيل ما لا بد منه كان دأب أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام، قال تعالى: وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ[الفرقان:20].
قال القرطبي رحمه الله: "هذه الآية أصل في تناول الأسباب وطلب المعاش بالتجارة والصناعة وغير ذلك"، وقال ابن كثير رحمه الله: "يقول تعالى مخبرًا عن جميع من بعثه من الرسل المتقدمين أنهم كانوا يأكلون الطعام ويحتاجون إلى التغذي به، ويمشون في الأسواق للتكسب والتجارة، وليس ذلك بمناف لحالهم ومنصبهم، فإن الله تعالى جعل لهم من السمات الحسنة والصفات الجميلة والأقوال الفاضلة والأعمال الكاملة والخوارق الباهرة والأدلة القاهرة ما يستدل به كل ذي لبٍ سليم وبصيرةٍ مستقيمة على صدقِ ما جاؤوا به من الله" انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
وأخبر جل وعلا عن داود عليه السلام بقوله جل شأنه: وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ [الأنبياء:80]، والمراد باللبوس هنا الدروع.
يقول الإمام القرطبي رحمه الله: "هذه الآية أصل في اتخاذ الصنائع والأسباب، وهو قول أهلِ العقول والألباب، لا قول الجهلةِ الأغبياء القائلين بأن ذلك إنما شُرع للضعفاء، فالسببُ سنةُ الله في خلقه، فمن طعن في ذلك فقد طعن في الكتاب والسنة، ونَسَبَ من ذكرنا إلى الضعفِ وعدمِ المُنَّة، وقد أخبر الله تعالى عن نبيه داود عليه السلام أنه كان يصنع الدروع والخوص، وكان يأكل من عمل يده، وكان آدمُ حَرّاثًا، ونوحُ نجارًا، ولقمان خياطًا، وطالوت دباغًا، وقيل: سقّاء، فالصنعة يكف بِها الإنسان نفسه عن الناس" انتهى كلامه رحمه الله.
وعن المقدام بن معدي كرب قال: قال رسول الله : ((ما أكل أحدٌ طعامًا قطّ خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإنّ نبي الله داود كان يأكل من عمل يده)) رواه البخاري.
والحكمة في تخصيص نبي الله داود عليه السلام بالذكر كما يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: أن اقتصاره في أكله على ما يعمله بيده لم يكن من الحاجة؛ لأنه كان خليفة الله في الأرض، وإنما ابتغى الأكل من طريق أفضل.
وقد ورد في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله قال: ((كان زكريا نجارًا)). قال الإمام النووي: "فيه جواز الصنائع، وأن النجارة لا تسقط المروءة، وأنها صنعة فاضلة".
عباد الله.. لقد باشر الأنبياء كلهم بما فيهم نبينا عليه وعليهم الصلاة والسلام، باشروا جميعاً رعي الغنم، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله قال: ((ما بعث الله نبيًا إلا رعى الغنم))، فقال أصحابه: وأنت يا رسول الله؟ فقال((نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة)).
وكان كبار أصحاب رسول الله وأفضلهم يحترفون بأيديهم، وعلى رأسهم الخليفة الأول أبو بكر الصديق . قالت عائشة رضي الله عنها: لما استخلف أبو بكر الصديق قال: لقد علم قومي أن حِرفتي لم تكن تعجز عن مؤنة أهلي، وشُغلت بأمر المسلمين.
وروى أنسُ بن مالك قال: قدم عبد الرحمن بن عوف، فآخى النبي بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، وعند الأنصاري امرأتان، فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله، فقال: بارك الله لك في أهلك ومالك، دلوني على السوق، فأتى السوق، فربح شيئًا من أقط وشيئًا من سمن، فرآه النبي بعد أيام وعليه صفرة، فقال: ((مَهْيَمْ يا عبد الرحمن؟)) فقال: تزوجت أنصارية، فقال: ((فما سقت إليها؟)) قال: وزن نواة من ذهب، قال: ((أولم ولو بشاة)) رواه البخاري.

بارك الله لي ولكم في القران والسنة، ونفعنا بما فيهما من الآيات والعظات والحكمة، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ؛ والشكر له على توفيقه وامتنانه ؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه ؛ وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله ثم اعلموا رحمكم الله بأن كل ما تقدم يؤكد أن الشريعة الإسلامية جاءت بالحث على العمل والاكتساب، وأن على كل فرد قادر أن يسعى بنفسه لتحصيل ما يحتاجه من مقومات الحياة، فالله تعالى قد قدر الأرزاق وكتبها، وعلى المرء أن يأخذ بالأسبابِ الممكنة لتحصيل رزقه وجمعه، وأن لا يبقى خاملاً عالة على الناس.
والعمل والتكسب هو ما يقتضيه أمر الله سبحانه وتعالى لنا حين أمرنا بالسعي في الأرض والتنقل بين أرجائها طلبًا للعمل والكسب الحلال، قال تعالى:
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُور
قال ابن كثير رحمه الله: "أي: سافروا حيث شئتم من أقطارها، وترددوا في أقاليمها وأرجائها في أنواع المكاسب والتجارات، وقد روى عمر بن الخطاب عن رسول الله أنه قال: ((لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا)) رواه أحمد والترمذي، فأثبت لها رواحًا وغدوًا لطلب الرزق مع توكلها على الله عز وجل، وهو المسخر المسير المسبب".
وقال عمر بن الخطاب : (لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ويقول: اللهم ارزقني، وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة، وأن الله تعالى إنما يرزق الناس بعضهم من بعض)، وتلا قول الله تعالى: فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ .
هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه...
المشاهدات 2804 | التعليقات 0