الحث على التسامح بين الناس 1440/03/08

الحث على التسامح بين الناس[1]
الحمدلله الذي هدى المسلمين لأحسن الأخلاق, ونهاهم عن سيئها, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً رسول رب العالمين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما, أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون, وتعاهدوا قلوبكم, فلا تحملوا فيها على أحد من المسلمين شيئاً.
معاشر المسلمين: لقد حثَّ الإسلام على الأخلاق الحسنة ورتَّب عليها أجراً عظيماً, ومن تلك الأخلاق التي رغَّب فيها خُلُقُ السماحة بين الناس.
والسماحة هي السهولة والسلاسة, قال الجرجاني رحمه الله: "السماحة بذل ما لا يجب تفضُّلاً"(التعريفات (ص: 121). والمقصود هو التسامح مع الغير في المعاملات المختلفة بتيسير الأمور.
أيها المسلمون: إنَّ من علامة النفس السمحة أن يكون صاحبها لينا هيناً راضيا بالقضاء والقدر, يستقبل الناس بالبشر وبطلاقة الوجه ويبادرهم بالتحية والسلام والمصافحة وحسن المحادثة, متغاضياً عن الهفوات مع بذل النصيحة بأدب وطيب كلام.
والسماحة يا عباد الله من أعظم أسباب انتشار الإسلام قال الشيخ محمد عرجون: تطبيق سماحة الإسلام من أعظم أسباب سرعة انتشاره, وفي هذه السياسة الحكيمة الرحيمة أوضح إجابة عن تساؤل المتسائلين عن أسباب السرعة الهائلة التي طوى فيها الإسلام أكثرَ المعمورة, فلقد كان الصحابة والتابعون من قادة الفتوحات الإسلامية احرص على الرفق والسماحة في تنفيذ العهود والمصالحات مما جعل المصالَحين والمعاهدين يتعاونون مع المسلمين في صدق وإخلاص, نتيجة لما رأوه من العدالة الرحيمة في معاملة المسلمين لهم. (ينظر كتاب الموسوعة في سماحة الإسلام (1/425-442) باختصار.
أيها المسلمون: لقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده المسلمين بأن لا يجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن, قال تعالى: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [العنكبوت: 46] عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اسمح يُسمح لك" أخرجه الإمام أحمد في مسنده من حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما برقم (2233) وصحح إسناده الشيخ أحمد شاكر, وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى). (أخرجه البخاري في كتاب البيوع, باب السهولة والسماحة في الشراء والبيع...برقم (2076). قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وللنسائي من حديث عثمان رضي الله عنه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: (أدخل الله الجنة رجلاً سهلاً مشترياً وبائعاً وقاضياً ومقتضياً) ولأحمد من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما نحوه, وفيه الحضُّ على السماحة في المعاملة واستعمال معالي الأخلاق وترك المشاحة والحض على ترك التضييق على الناس في المطالبة وأخذ العفو منهم". (ينظر فتح الباري (4/307).
أيها المسلمون: إنَّ الله عزوجل يجزي المتسامح في تعامله مع الناس أحسن الجزاء, قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا قَالَ لِفِتْيَانِهِ: تَجَاوَزُوا عَنْهُ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا، فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ). (أخرجه البخاري في كتاب البيوع, باب من أنظر معسرا برقم (2078) ومسلم في كتاب المساقاة, باب فضل إنظار المعسر برقم (1562). قال النووي: "في هذا الحديث فضل إنظار المعسر والوضع عنه, إما كل الدين وإما بعضه من كثير أو قليل وفضل المسامحة في الاقتضاء وفي الاستيفاء سواء استوفي من موسر أو معسر وفضل الوضع من الدين وأنه لا يُحـتَـقَـرُ شيء من أفعال الخير فلعله سبب السعادة والرحمة" (ينظر شرح النووي على مسلم (10/ 224).
وعن محمد بن المنكدر رحمه الله قال: "كَانَ يُقَالُ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ خَيْرًا أَمَّرَ عَلَيْهِمْ خِيَارَهُمْ وَجَعَلَ أَرْزَاقَهُمْ بِأَيْدِي سُمَحَائِهِمْ" (المنتقى من كتاب مكارم الأخلاق ومعاليها (ص: 125). وقال فرقد السبخي رحمه الله: "لَمْ يَكُنْ أَصْحَابُ نَبِيٍّ قَطُّ فِيمَا خَلَا مِنَ الدُّنْيَا أَفْضَلَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا أَشْجَعَ لِقَاءً وَلَا أَسْمَحَ أَكُفًّا" (المنتقى من كتاب مكارم الأخلاق ومعاليها (ص: 132). ومما جاء في كلام العرب: "السَّماحُ رَباحٌ أَي: المُساهلة فِي الأَشياء تُرْبِحُ صاحبَها" (لسان العرب (2/ 489).
قال الإمام الشافعي رحمه الله:
وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى
ودافع ولكن بالتي هي أحســـــــــــن
معاشر المسلمين: ما بال أقوام إذا أخطأ مخطئٌ على أحدهم, حمل في قلبه عليه, وقد يصل الحال إلى الهجران وقطيعة الرحم, ومجافاة الجار, إنَّ بعضاً من الناس لا يعرف التسامح إلى قلوبهم طريقاً لمَّا أوصدوا عليه باب الغل والحقد وغلَّفوه بالكراهية والبغضاء, ومن كانت هذه حاله, فلينظر بعين الاعتبار لحقوق الرحم وحقوق الجار وحق المسلم على المسلم, ألا فليعلم أولئك أنَّ في المسامحة والتسامح إراحة للقلب من ثقل ما يحمل فيه, وكذلك فيه الجزاء الحسن الذي يُسرُّ به في آخرته, فمن كان بينه وبين أخيه شيء أو بينه وبين جاره أو قريبه شيء أو بينه وبين مسلم شيء, أن يبدأ صفحة جديدة من الحب والصلة والإحسان, فإنَّ المؤمن السمح أراح قلبه وسلَّمه من آفات لو دخلت أو بقيت لأصابه منها التعب والتلف.
معاشر المسلمين: من فوائد السماحة: أنَّ الله تعالى يضفيها على وجوه المؤمنين, لتكون لهم علامة مميزة في الدنيا والآخرة, وأنَّ السمح يحبُّه أهله وقومه ومعارفه, وأنَّ السماحة باب عظيم من أبواب كسب الرزق وتكثيره, وتجلب التيسير في الأمور كلها وينال صاحبها السعادة وهناءة العيش, وللسماحة يا عباد الله أثر كبير في دخول غير المسلمين إلى الإسلام, فاحرصوا على التخلق بهذا الخلق الكريم لتنالوا رفعة الدارين.
بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
[1] خطبة الجمعة 08/03/1440 جامع بلدة الداخلة في سدير, عمر المشاري.
المرفقات

على-التسامح-بين-الناس

على-التسامح-بين-الناس

على-التسامح-بين-الناس-1

على-التسامح-بين-الناس-1

المشاهدات 1744 | التعليقات 2

جزاك الله خيرا


وإياك.