الحب... الذي ضيع شبابنا!!
مريزيق بن فليح السواط
1433/02/18 - 2012/01/12 14:14PM
الحمد لله انزل الوحي لمن اعتبر، وأودع في النفوس ما شاء فابتلى واختبر، ووفق من شاء لهداه وأضل من شاء فذاك للجنة وهذا لسقر، وأشهد أن لا اله ألا الله وحده لا شريك له، خلق المؤمن مُفتّنا توابا نسيا، إذا ذُكر ذكر، واشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، المبعوث رحمة للبشر، صلى الله عليه وعلى اله وأصحابه أولي التقوى والنظر.
اما بعد :
فاتقوا الله عباد الله فمن اتقى ربه نجا، ومن اتبع هواه غوى "يأيها الذين أمنوا أن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفرْ عنكم سيئاتكُم ويغفرْ لكم والله ذو الفضل العظيم".
أيها المسلمون:
الشباب: عدة المجتمع في حاضره، وأمله في مستقبله، وهم عمادة الأمة في رفع منارها، وإعلاء قدرها، والذود عن حياضها، وهم معقد رجائها في شدتها وبأسها.
وحديثنا اليوم عن قضية من قضايا الشباب، التي وقعوا في أسرها، وسقطوا في شباكها، وذهبوا ضحية لها، فخسر بعضهم بسببها مروئته وشرفه، بل زاد الأمر ووصل إلى عفة فرجه، أنها حقيقة لابد أن نتحدث عنها، ونُبينُ سوء مغبتها، ونضع العلاج للقضاء عليها.
إنها قضية الحب الباطل، والعاطفة الكاذبة، وما نجم عنها من عشق شيطاني، وتعلق شهواني.
عباد الله:
بِسم الحب، وتحت مظلته، أضاع كثير من الشباب الصلوات، وارتكبوا المنكرات، واتبعوا الشهوات، أرقٌ بالليل، وحُرَقٌ بالنهار، غرقوا في أسن الرذيلة، ومحاربة الطهر والفضيلة، فنفوسهم ذليلة، وأنفاسهم كليلة، قوالبهم جميلة، لكن قلوبهم عليلة، هووا في الهوى فذلوا، ووقعوا في الغرام فزلوا، خمور ومخدرات، تفحيط ومغامرات، سهر بالليل على المعاكسات، ودوران في الشوارع والأسواق والاستراحات، على المغازلات والمطاردات، رقص ومجون، معازف وفنون، ملابس مخزية، وحركات مرزية، وقصاة مزرية، مُيوعة ودلع، وعشق وولع، حال مردي، وواقع مخزي، قال تعالى: "ومن أعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى" وقال سبحانه: "ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطان فهو له قرين وانهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون حتى إذا جأنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين ولن ينفعكم اليوم إذا ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون" أسأل الجدران عنهم ماذا عليها يكتبون؟ وماذا يرسمون؟ من كلمات الحب والغرام، والعذاب والألام، أقرأ ما يكتبون على دفاترهم وكتبهم!! وانظر إلى ما يسطرون على صفحات التواصل، ومواقع التعارف وغرفة الدردشة!! من عبارات الحب واللوعة، والعذاب والحرقة، انظروا إلى ما يخطون على دورات المياه وأماكن الخلاء، وقارعة الطرق، مما هب ودب من اشعار الغزل، وقصائد اللقاء والفراق، واللوعة والاشتياق، والجراح والأفراح، والعبارات والعبرات، أسألهم عمن يحبون؟ وبمن يتعلقون؟ وفيمن يعجبون؟ فكم ستجدُ من شفّه الوجد، وأضْناه الغرام، وأمضّه الشوق والهيام، كم من سقيم بصوت رخيم، وكم من هائم في الملمس الناعم، كم من كبد مقروحة، وقلوب مجروحة، وقد لا يجيبك عنهم إلى الدمعَ المدرار، والعبراتِ الغزار، من شباب وفتيات يعيشون الحب المحرم، يتعذبون به، ويتلوّعون بمرارته، ويكتوون بحرارته، قد نغص عليهم عيشهم، ونكد حياتهم، فهم في جحيمه يهيمون، وبعذابه يصطلون، وبألامه يتلوعون، ألمٌ يجر ألما، وندمٌ يعقبه ندما، وسقمٌ يلحقه سقما.
ينظرون إلى مسلسلات السوء فإذا بها تتحدث عن الحب!! ويسمعون أغاني الفساد فإذا هي تنطق بالحب!! ويقرأون في مجلات الخراب فإذا هي تتكلم عن الحب!! فأصبح الشاب مفتونًا بالحب يبحث عنه، ويتمنى أن يعيشه، وأن يذوق طعمه، ويشم أنفاسه. فهو يراه في الأفلام الماجنة، ويقرأ عنه في القصص الغرامية، ويسمع به من رفاق دربه، وجلساء أُونسه، فيقع في الحب ظناً منه أن الأمر سهل بسيط!!! فأول فتاة إعترضت طريقه أو أشارت إليه بطرفها أو هاتفته بصوتها وقع في حبها!!! أول أمرد ينظر له، أو يتحدث معه، يتعلق به!!! فيتطور الأمر شيئا فشيئا، رويدا رويدا، حتى يصير هذا المسكين المُغرم الولهان، والمُحب التائه الحيران، كانت البداية دلع، فصارت والنهاية ولع
تولع بالعشق حتى عشق**فلما استقل به لم يطق
رأى لجة ظنها موجة** فلما تكمن منها غرق
بهذه البساطة، ولاستحكام السذاجة، عاش هذا الشاب العشق الشيطاني، والحب الشهواني، بكل ذرة من كيانه فأصبح قلبه يخفق بالحب، وينبض بالعشق، وقل مثل ذلك أو أكثر عن محبوبته المتيمة به، والتي أرّقَ ليلها وأقضَّ مضجعها، وحرمها لذيذ النوم بُعدُ حبيبها، أو التفاتتُه إلى غيرها، أو تفكيره في سواها، ثم لا تسأل عن حياتهم ومعاناتهم، وحسراتهم وكرباتهم "ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هُدىً من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين" قال يحي بن معاذ رحمه الله: من أرضى الجوارح باللذات، غرس في قلبه شجر الندامات.
أيها الشباب هذه المُقدٍّمات هي أول خطوة في طريق الفاحشة، والوقوعِ في حبائل الزنا، تلك الجريمةُ العظيمة التي جمعت خلال الشر كلها!!! من قلةِ الدين، وذهاب الورع، وفساد المروئة، وانعدامِ الغيرة، فاستحق صاحبها غضب الرب، وظلمة القلب، وسواد الوجه، وعذاب القبر، والفقر اللازم، وفي الأثر يقول الله تعالى: "أنا الله مُهلك الطغاة، ومفقرة الزناة" والأخرة أشد وأنكى، قال سبحانه: "والذين لا يدعون مع الله إلها أخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله ألا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثما*يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا" فإذا لم يجد الشاب من يحب من الفتيات، بدأ بانحراف أخر، أمر وأصعب، وأقسى وأتعب، وهو لانتكاس الفطرة والفكرة أقرب، فعشق الشاب شابا مثله، يشتاق إليه، ويغار عليه، ويتلهف للقائه، ويحب مجالسته وملاقاته، يتخيل صورته حتى في صلاته، وعند نومه وفي يقظته، فانجرف المسكين في المعاصي المحرمة، والفواحش الأثمة، كالعادة السرية، وفاحشة اللواط ، فتعلقت القلوب بغير علام الغيوب، وأحبت المخلوقين كمحبة أحسن الخالقين!! إن لم تكن أكثر وأبقى وأكبر!
ذكر ابن القيم أن رجلا عشق شابا اسمه أسلم، واشتد كلفة به، وتمكن حبه من قلبه، حتى مرض ولزم الفراش بسببه، وتمنع ذلك الشاب عليه، واشتد نفاره منه، فلم تزل الوسائط يمشون بينهما، حتى وعده أن يعوده، فاخبره الساعي بذلك، ففرح واشتد سروره، وانجلى غمه، وجعل ينتظر الميعاد الذي ضربه له، فبينما هو كذلك إذ جاءه الساعي، وقال له: انه وصل معي إلى بعض الطريق ورجع، وقال لي: -أي هذا الشاب- لا أدخل مداخل الريبة، ولا أعرض نفسي لمواقع التهم، فلمّا سمع البائس ذلك وان الشاب رفض أن يعوده، عاد إليه مرضه، واشتد به، وبدت عليه علامة الموت، فجعل يقول في تلك الحال:
أسلم يا راحة العليل*ويا شفاء المُدنف النحيل
رضاك أشهى إلى فؤادي*من رحمة الخالق الجليل
فقيل له: يا فلان اتق الله!! فقال: قد كان ما كان، ثم مات على تلك الحال، نعوذ بالله من سوء المُنقلب والمآل.
فالتّعلقُ بالشهوات، واستيلائها على القلوب، من أكبر أسباب سوء الخاتمة، فانظر أيها الحبيب: إلى هذا البائس كيف هوى فغوى؟! نعوذ بالله من الخذلان،
كم من فاحشة بغيضة تمت تحت شعار الحب الكاذب، والتعلق الفاجر، من شهواني غادر، بغر غافل، أو ساذج جاهل، أو ساقط سافل، فلا كانت لذة توجب هذا العذاب الأليم، وتسوق صاحبها إلى مرافقة أصحاب الجحيم، تفنى اللذات، وتعقبها الحسرات، تنتهي الشهوة، وتبقى الشقوه.
تفنى اللذاذةُ ممن نال صفوتها
من الحرام ويبقى الخزيُوالعار
تبقى عواقبُ سوءٍ في مغبتها
لا خيرَ في لذة من بعدها النار
عباد الله:
أعظم ما يكون جرما، وأكبر ما يكون ذنبا، أن يتحول الشابُ، عبدا لشهواته المحرمة، تأمره فيطيع، وتنهاه فيخضع، بل لو خير بين رضا الله ورضا معشوقة لختار رضا معشوقه، ولقاء محبوبه أحب إليه من لقاء ربه، يُسخط ربه بمرضاة معشوقه، ويُقدم مصالح معشوقه وحوائجه على طاعة ربه، حتى قائل أحدهم: لو خيرني ربي بين الجنة والنار، لخترت لمحبوبي الجنة ولنفسي النار!!! يجود لمعشوقه بكل نفيسة ونفيس، ويجعلُ لربه كل رذيلة وخسيس، فلمعشوقه لُبُّه وقلبُه، وهمُه ووقته، وخالص ماله، ولربه الفضلة من وقته، والقليل من بذله.
فاحذر أيها الشاب: من هذا المستنقع الأسن، وربأ بنفسك عن هذا المرتع الوخيم، وملأ قلبك بمحبة الله، ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتقديم مرضاتهما، والعمل بطاعتهما، ففي ذلك الخير والفلاح، والفوز والنجاح. "الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدوٌ إلا المتقين".
الحمد لله على احسانه.....
عباد الله:
إن سألتم عن السبب الذي أورد الشباب العطب؟ واشغلهم بهذا الحب؟ فالجواب: أن قلوبهم تعلقت بغير ربهم، وتشوفت لغيره، وتشوقت لسواه، فباؤا بخسران عظيم، وهوان كبير، والقلب إذا خلا من محبة الرب، سكنه العشق الشيطاني، والحب الشهواني، فخفافيش الليل لا تسكن إلا كل مهجور، وجرذان الظلام لا تدور في المسكن المعمور، وكل بحسبه فمُقلٍ ومُستكثر، ومُستقبل ومُستدبر، ومُسترسل ومُستقصر "ومن الناس من يتخذُ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين أمنوا أشدُّ حبا لله" أين أنت أيها الشاب عن محبة رب الأرباب!! والمُستحِق للمحبة دون ما سواه، أرضيتَ أن يمتلأ قلبك؟ بغير محبة ربك. وكل نعمة منه، ولا غنى لك عنه.
يا عشق القدِّ والخد، كيف طابت نفسك أن تجعل لله الدون من قلبك، فو الله ما تعلقت القلوب بغيره إلا بأت بهوانٍ وذله، وخُسرانٍ وقله، وما تعلقت القلوب، بعلام الغيوب إلا أغناها من بعد فقر، وجبرها من بعد كسر "أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم اقربُ ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذابَ ربك كان محذورا" عن انس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه وما يزال عبدِ يتقربُ إليّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنتُ سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصرُ به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي عليها، ولئن سألني لأُعطينه، ولئن استعاذني لأُعيذنه" تأمل حال الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه وهو يعاني سكرات الموت وكرباته، فتقول فاطمة: واكرب أبتاه، فيقول لها صلوات ربي وسلامه عليه "لا كرب على أبيك بعد اليوم" ويُخيره الله بين الخُلد في الدنيا ثم الجنة ولقاء ربه والجنة فيكون الجواب "بل الرفيق الأعلى" وبلال رضي الله عنه يجودُ بنفسه في أخر أيامه من الدنيا بعد أن تصرمت أيامه، وانقضت أعوامه، وعنده ابنته تبكي وتقول: وابلالاه. فيقول: لا كرب غداً نلقى الأحبة محمدا وحزبه. وخبيب بن زيد رضي الله عنه يُحيط أعدائه به، ويُوضع على خشبة الصلب، ليُذبح بحرابهم، ويُطعن برماحهم، فلا يزيد أن يقول:
ولستُّ أبالي حين اقتلُ مسلما
على أي جنب كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشاء
يُبارك على أشلاءِ شلو ممزَّع
يُطعن حرام بن ملحان رضي الله عنه بالرمح من خلفه، حتى ينفذ من بطنه، فيفرغ الدم على وجهه، ويقول: فزت ورب الكعبة فزت ورب الكعبة.
انه الحب الذي يترفع عن الشهوات، ويسموا فوق الدنيات، فتزكوا به النفوس، وتطيب الحياة "إن الذين امنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا" فيا حسرة القلوب عندما تشتت في كل واد، وتمزقت في كل ناد، من يُغنيها ألا الغني، ومن يقويها ألا القوي، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار"
أيها الشاب كن مع الله، واترك ما لا ينفعك في القيامة أن تراه، وثق بربك فمن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، قال ابن الجوزي: قيل لأبي بكر المسكي أنا لنشم منك رائحة المسك على الدوام فما سببه؟؟ فقال: والله لي سنين عديدة لم استعمل مسكا، ولكن سبب ذلك أن امرأة إحتالت علي حتى أدخلتني دارها، وأغلقت الأبواب، وراودتني عن نفسي، فتحيرت في أمري!! فضاقت بي الحيل، فقلت لها: لي حاجة إلى الطهارة، فأمرت جاريتها أن تمضي بي إلى بيت الراحة، فلما دخلت بيت الراحة أخذت العذرة وألقيتها على جميع جسدي، ثم رجعت إليها، وأنا على تلك الحال، فلما رأتني دُهشت وقالت: مجنون مجنون، وأمرت بإخراجي فخرجتُ من عندها، ومضيت واغتسلت، فلما كان من الليل رأيت في المنام قائلا يقول لي: فعلت مالم يفعله غيرك لأطيبنَّ ريحك في الدنيا والأخرة فأصبحت والمسك يفوح مني واستمر إلى الأن. فلما مات رحمه الله بقي فترة من الزمن والناس يشمون المسك ينبعث من قبره.
هؤلاء الرجال هم قدوتك، وفي سيرتهم أعظم معين لك، فاسلك سبيلهم، وامض على طريقهم، أحبهم وأحب أفعالهم، وتحصن بسلاح الصبر أمام المغريات والفتن، التي تمر بك، فعاقبة الصبر حميدة، وأثاره جميلة
صبرتُ عن اللذاتِّ لما تولت
وألزمتُ نفسي صبرها فاستمرت
والمرءُ إلا حيثُ يجعلُ نفسه
فان طمعت تاقت وإلا تسلت
ثم صلوا وسلموا رحمكم الله على نبي الرحمة والهدى.....
اما بعد :
فاتقوا الله عباد الله فمن اتقى ربه نجا، ومن اتبع هواه غوى "يأيها الذين أمنوا أن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفرْ عنكم سيئاتكُم ويغفرْ لكم والله ذو الفضل العظيم".
أيها المسلمون:
الشباب: عدة المجتمع في حاضره، وأمله في مستقبله، وهم عمادة الأمة في رفع منارها، وإعلاء قدرها، والذود عن حياضها، وهم معقد رجائها في شدتها وبأسها.
وحديثنا اليوم عن قضية من قضايا الشباب، التي وقعوا في أسرها، وسقطوا في شباكها، وذهبوا ضحية لها، فخسر بعضهم بسببها مروئته وشرفه، بل زاد الأمر ووصل إلى عفة فرجه، أنها حقيقة لابد أن نتحدث عنها، ونُبينُ سوء مغبتها، ونضع العلاج للقضاء عليها.
إنها قضية الحب الباطل، والعاطفة الكاذبة، وما نجم عنها من عشق شيطاني، وتعلق شهواني.
عباد الله:
بِسم الحب، وتحت مظلته، أضاع كثير من الشباب الصلوات، وارتكبوا المنكرات، واتبعوا الشهوات، أرقٌ بالليل، وحُرَقٌ بالنهار، غرقوا في أسن الرذيلة، ومحاربة الطهر والفضيلة، فنفوسهم ذليلة، وأنفاسهم كليلة، قوالبهم جميلة، لكن قلوبهم عليلة، هووا في الهوى فذلوا، ووقعوا في الغرام فزلوا، خمور ومخدرات، تفحيط ومغامرات، سهر بالليل على المعاكسات، ودوران في الشوارع والأسواق والاستراحات، على المغازلات والمطاردات، رقص ومجون، معازف وفنون، ملابس مخزية، وحركات مرزية، وقصاة مزرية، مُيوعة ودلع، وعشق وولع، حال مردي، وواقع مخزي، قال تعالى: "ومن أعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى" وقال سبحانه: "ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطان فهو له قرين وانهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون حتى إذا جأنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين ولن ينفعكم اليوم إذا ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون" أسأل الجدران عنهم ماذا عليها يكتبون؟ وماذا يرسمون؟ من كلمات الحب والغرام، والعذاب والألام، أقرأ ما يكتبون على دفاترهم وكتبهم!! وانظر إلى ما يسطرون على صفحات التواصل، ومواقع التعارف وغرفة الدردشة!! من عبارات الحب واللوعة، والعذاب والحرقة، انظروا إلى ما يخطون على دورات المياه وأماكن الخلاء، وقارعة الطرق، مما هب ودب من اشعار الغزل، وقصائد اللقاء والفراق، واللوعة والاشتياق، والجراح والأفراح، والعبارات والعبرات، أسألهم عمن يحبون؟ وبمن يتعلقون؟ وفيمن يعجبون؟ فكم ستجدُ من شفّه الوجد، وأضْناه الغرام، وأمضّه الشوق والهيام، كم من سقيم بصوت رخيم، وكم من هائم في الملمس الناعم، كم من كبد مقروحة، وقلوب مجروحة، وقد لا يجيبك عنهم إلى الدمعَ المدرار، والعبراتِ الغزار، من شباب وفتيات يعيشون الحب المحرم، يتعذبون به، ويتلوّعون بمرارته، ويكتوون بحرارته، قد نغص عليهم عيشهم، ونكد حياتهم، فهم في جحيمه يهيمون، وبعذابه يصطلون، وبألامه يتلوعون، ألمٌ يجر ألما، وندمٌ يعقبه ندما، وسقمٌ يلحقه سقما.
ينظرون إلى مسلسلات السوء فإذا بها تتحدث عن الحب!! ويسمعون أغاني الفساد فإذا هي تنطق بالحب!! ويقرأون في مجلات الخراب فإذا هي تتكلم عن الحب!! فأصبح الشاب مفتونًا بالحب يبحث عنه، ويتمنى أن يعيشه، وأن يذوق طعمه، ويشم أنفاسه. فهو يراه في الأفلام الماجنة، ويقرأ عنه في القصص الغرامية، ويسمع به من رفاق دربه، وجلساء أُونسه، فيقع في الحب ظناً منه أن الأمر سهل بسيط!!! فأول فتاة إعترضت طريقه أو أشارت إليه بطرفها أو هاتفته بصوتها وقع في حبها!!! أول أمرد ينظر له، أو يتحدث معه، يتعلق به!!! فيتطور الأمر شيئا فشيئا، رويدا رويدا، حتى يصير هذا المسكين المُغرم الولهان، والمُحب التائه الحيران، كانت البداية دلع، فصارت والنهاية ولع
تولع بالعشق حتى عشق**فلما استقل به لم يطق
رأى لجة ظنها موجة** فلما تكمن منها غرق
بهذه البساطة، ولاستحكام السذاجة، عاش هذا الشاب العشق الشيطاني، والحب الشهواني، بكل ذرة من كيانه فأصبح قلبه يخفق بالحب، وينبض بالعشق، وقل مثل ذلك أو أكثر عن محبوبته المتيمة به، والتي أرّقَ ليلها وأقضَّ مضجعها، وحرمها لذيذ النوم بُعدُ حبيبها، أو التفاتتُه إلى غيرها، أو تفكيره في سواها، ثم لا تسأل عن حياتهم ومعاناتهم، وحسراتهم وكرباتهم "ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هُدىً من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين" قال يحي بن معاذ رحمه الله: من أرضى الجوارح باللذات، غرس في قلبه شجر الندامات.
أيها الشباب هذه المُقدٍّمات هي أول خطوة في طريق الفاحشة، والوقوعِ في حبائل الزنا، تلك الجريمةُ العظيمة التي جمعت خلال الشر كلها!!! من قلةِ الدين، وذهاب الورع، وفساد المروئة، وانعدامِ الغيرة، فاستحق صاحبها غضب الرب، وظلمة القلب، وسواد الوجه، وعذاب القبر، والفقر اللازم، وفي الأثر يقول الله تعالى: "أنا الله مُهلك الطغاة، ومفقرة الزناة" والأخرة أشد وأنكى، قال سبحانه: "والذين لا يدعون مع الله إلها أخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله ألا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثما*يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا" فإذا لم يجد الشاب من يحب من الفتيات، بدأ بانحراف أخر، أمر وأصعب، وأقسى وأتعب، وهو لانتكاس الفطرة والفكرة أقرب، فعشق الشاب شابا مثله، يشتاق إليه، ويغار عليه، ويتلهف للقائه، ويحب مجالسته وملاقاته، يتخيل صورته حتى في صلاته، وعند نومه وفي يقظته، فانجرف المسكين في المعاصي المحرمة، والفواحش الأثمة، كالعادة السرية، وفاحشة اللواط ، فتعلقت القلوب بغير علام الغيوب، وأحبت المخلوقين كمحبة أحسن الخالقين!! إن لم تكن أكثر وأبقى وأكبر!
ذكر ابن القيم أن رجلا عشق شابا اسمه أسلم، واشتد كلفة به، وتمكن حبه من قلبه، حتى مرض ولزم الفراش بسببه، وتمنع ذلك الشاب عليه، واشتد نفاره منه، فلم تزل الوسائط يمشون بينهما، حتى وعده أن يعوده، فاخبره الساعي بذلك، ففرح واشتد سروره، وانجلى غمه، وجعل ينتظر الميعاد الذي ضربه له، فبينما هو كذلك إذ جاءه الساعي، وقال له: انه وصل معي إلى بعض الطريق ورجع، وقال لي: -أي هذا الشاب- لا أدخل مداخل الريبة، ولا أعرض نفسي لمواقع التهم، فلمّا سمع البائس ذلك وان الشاب رفض أن يعوده، عاد إليه مرضه، واشتد به، وبدت عليه علامة الموت، فجعل يقول في تلك الحال:
أسلم يا راحة العليل*ويا شفاء المُدنف النحيل
رضاك أشهى إلى فؤادي*من رحمة الخالق الجليل
فقيل له: يا فلان اتق الله!! فقال: قد كان ما كان، ثم مات على تلك الحال، نعوذ بالله من سوء المُنقلب والمآل.
فالتّعلقُ بالشهوات، واستيلائها على القلوب، من أكبر أسباب سوء الخاتمة، فانظر أيها الحبيب: إلى هذا البائس كيف هوى فغوى؟! نعوذ بالله من الخذلان،
كم من فاحشة بغيضة تمت تحت شعار الحب الكاذب، والتعلق الفاجر، من شهواني غادر، بغر غافل، أو ساذج جاهل، أو ساقط سافل، فلا كانت لذة توجب هذا العذاب الأليم، وتسوق صاحبها إلى مرافقة أصحاب الجحيم، تفنى اللذات، وتعقبها الحسرات، تنتهي الشهوة، وتبقى الشقوه.
تفنى اللذاذةُ ممن نال صفوتها
من الحرام ويبقى الخزيُوالعار
تبقى عواقبُ سوءٍ في مغبتها
لا خيرَ في لذة من بعدها النار
عباد الله:
أعظم ما يكون جرما، وأكبر ما يكون ذنبا، أن يتحول الشابُ، عبدا لشهواته المحرمة، تأمره فيطيع، وتنهاه فيخضع، بل لو خير بين رضا الله ورضا معشوقة لختار رضا معشوقه، ولقاء محبوبه أحب إليه من لقاء ربه، يُسخط ربه بمرضاة معشوقه، ويُقدم مصالح معشوقه وحوائجه على طاعة ربه، حتى قائل أحدهم: لو خيرني ربي بين الجنة والنار، لخترت لمحبوبي الجنة ولنفسي النار!!! يجود لمعشوقه بكل نفيسة ونفيس، ويجعلُ لربه كل رذيلة وخسيس، فلمعشوقه لُبُّه وقلبُه، وهمُه ووقته، وخالص ماله، ولربه الفضلة من وقته، والقليل من بذله.
فاحذر أيها الشاب: من هذا المستنقع الأسن، وربأ بنفسك عن هذا المرتع الوخيم، وملأ قلبك بمحبة الله، ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتقديم مرضاتهما، والعمل بطاعتهما، ففي ذلك الخير والفلاح، والفوز والنجاح. "الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدوٌ إلا المتقين".
الحمد لله على احسانه.....
عباد الله:
إن سألتم عن السبب الذي أورد الشباب العطب؟ واشغلهم بهذا الحب؟ فالجواب: أن قلوبهم تعلقت بغير ربهم، وتشوفت لغيره، وتشوقت لسواه، فباؤا بخسران عظيم، وهوان كبير، والقلب إذا خلا من محبة الرب، سكنه العشق الشيطاني، والحب الشهواني، فخفافيش الليل لا تسكن إلا كل مهجور، وجرذان الظلام لا تدور في المسكن المعمور، وكل بحسبه فمُقلٍ ومُستكثر، ومُستقبل ومُستدبر، ومُسترسل ومُستقصر "ومن الناس من يتخذُ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين أمنوا أشدُّ حبا لله" أين أنت أيها الشاب عن محبة رب الأرباب!! والمُستحِق للمحبة دون ما سواه، أرضيتَ أن يمتلأ قلبك؟ بغير محبة ربك. وكل نعمة منه، ولا غنى لك عنه.
يا عشق القدِّ والخد، كيف طابت نفسك أن تجعل لله الدون من قلبك، فو الله ما تعلقت القلوب بغيره إلا بأت بهوانٍ وذله، وخُسرانٍ وقله، وما تعلقت القلوب، بعلام الغيوب إلا أغناها من بعد فقر، وجبرها من بعد كسر "أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم اقربُ ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذابَ ربك كان محذورا" عن انس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه وما يزال عبدِ يتقربُ إليّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنتُ سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصرُ به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي عليها، ولئن سألني لأُعطينه، ولئن استعاذني لأُعيذنه" تأمل حال الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه وهو يعاني سكرات الموت وكرباته، فتقول فاطمة: واكرب أبتاه، فيقول لها صلوات ربي وسلامه عليه "لا كرب على أبيك بعد اليوم" ويُخيره الله بين الخُلد في الدنيا ثم الجنة ولقاء ربه والجنة فيكون الجواب "بل الرفيق الأعلى" وبلال رضي الله عنه يجودُ بنفسه في أخر أيامه من الدنيا بعد أن تصرمت أيامه، وانقضت أعوامه، وعنده ابنته تبكي وتقول: وابلالاه. فيقول: لا كرب غداً نلقى الأحبة محمدا وحزبه. وخبيب بن زيد رضي الله عنه يُحيط أعدائه به، ويُوضع على خشبة الصلب، ليُذبح بحرابهم، ويُطعن برماحهم، فلا يزيد أن يقول:
ولستُّ أبالي حين اقتلُ مسلما
على أي جنب كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشاء
يُبارك على أشلاءِ شلو ممزَّع
يُطعن حرام بن ملحان رضي الله عنه بالرمح من خلفه، حتى ينفذ من بطنه، فيفرغ الدم على وجهه، ويقول: فزت ورب الكعبة فزت ورب الكعبة.
انه الحب الذي يترفع عن الشهوات، ويسموا فوق الدنيات، فتزكوا به النفوس، وتطيب الحياة "إن الذين امنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا" فيا حسرة القلوب عندما تشتت في كل واد، وتمزقت في كل ناد، من يُغنيها ألا الغني، ومن يقويها ألا القوي، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار"
أيها الشاب كن مع الله، واترك ما لا ينفعك في القيامة أن تراه، وثق بربك فمن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، قال ابن الجوزي: قيل لأبي بكر المسكي أنا لنشم منك رائحة المسك على الدوام فما سببه؟؟ فقال: والله لي سنين عديدة لم استعمل مسكا، ولكن سبب ذلك أن امرأة إحتالت علي حتى أدخلتني دارها، وأغلقت الأبواب، وراودتني عن نفسي، فتحيرت في أمري!! فضاقت بي الحيل، فقلت لها: لي حاجة إلى الطهارة، فأمرت جاريتها أن تمضي بي إلى بيت الراحة، فلما دخلت بيت الراحة أخذت العذرة وألقيتها على جميع جسدي، ثم رجعت إليها، وأنا على تلك الحال، فلما رأتني دُهشت وقالت: مجنون مجنون، وأمرت بإخراجي فخرجتُ من عندها، ومضيت واغتسلت، فلما كان من الليل رأيت في المنام قائلا يقول لي: فعلت مالم يفعله غيرك لأطيبنَّ ريحك في الدنيا والأخرة فأصبحت والمسك يفوح مني واستمر إلى الأن. فلما مات رحمه الله بقي فترة من الزمن والناس يشمون المسك ينبعث من قبره.
هؤلاء الرجال هم قدوتك، وفي سيرتهم أعظم معين لك، فاسلك سبيلهم، وامض على طريقهم، أحبهم وأحب أفعالهم، وتحصن بسلاح الصبر أمام المغريات والفتن، التي تمر بك، فعاقبة الصبر حميدة، وأثاره جميلة
صبرتُ عن اللذاتِّ لما تولت
وألزمتُ نفسي صبرها فاستمرت
والمرءُ إلا حيثُ يجعلُ نفسه
فان طمعت تاقت وإلا تسلت
ثم صلوا وسلموا رحمكم الله على نبي الرحمة والهدى.....
المشاهدات 3806 | التعليقات 5
بورك فيك اخي ابا عمر
وخطبتك جميلة جملني الله و إياك بالإيمان
وخطبتك جميلة جملني الله و إياك بالإيمان
أجدتَ وأفدتَ .
ولكن يبدو أنك أطلتَ الكلام في وصف لواعج الغرام ، وما يعانيه الشباب والشابات من وجد وهيام ، ولو اختصرتَ قليلاً لوفى وكفى .
قيل لأعرابي: هل زنيتَ قطُّ ؟!ولكن يبدو أنك أطلتَ الكلام في وصف لواعج الغرام ، وما يعانيه الشباب والشابات من وجد وهيام ، ولو اختصرتَ قليلاً لوفى وكفى .
قال : معاذ الله !! إنما هما اثنتان : إما حُرَّةٌ آنَفُ لها من فسادها ، وإما أَمَةٌ آنَفُ لنفسي من فسادي إياها .
فلله ، ما أعقله وأثقب نظرته !!
وأما شبابنا المغرقون فيما ذكرت من كتابات ورسائل غرام ، فما عرفوا الحب الحقيقي ولا وجدوه ولا ذاقوا حلاوته ، وإلا لحرصوا على من يحبون ألا يروه في الحال التي هم لها يتمنون ومن أجلها يهيمون ، ولكانوا مثل هذا الأعرابي وترفعوا بأحبابهم عن أن يسيئوا إليهم ويفسدوهم ، ولترفعوا بأنفسهم عن الفاسدين لئلا يضروا بهم في صحتهم ودينهم ، ولكنهم عباد شهوات نسأل الله أن يرزقهم التوبة ويمن عليهم بالهداية ، إنه على كل شيء قدير .
أخي سعيد بارك الله فيك، فما أنا الا جامع ومرتب، والفضل للشيخين المنجد، وعبد اللطيف بن هاجس، وفقهما الله
شيخنا عبد الله مرورك أعظم شرف، ودليل نبلك وكرمك، فمنك استفدنا ولا زلنا، فجزاك الله عنا خيرا، وما لاحظته من اطاله في محله، ولعل الداعي له لفت انتباه الشباب، والحديث بلغة قريبة من اذهانهم.
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
مريزيق بن فليح السواط
استفدت في مادة هذه الخطبة من كتيب "ومن الحب ماقتل" للشيخ عبد اللطيف بن هاجس، وكذلك كتاب "صراع مع الشهوات" للشيخ محمد المنجد، جزاهما الله خيرا، ونفعنا بهم، وبعلمائنا ودعاتنا.
تعديل التعليق