الحب الحقيقي

هلال الهاجري
1433/12/23 - 2012/11/08 18:06PM
الْحَمْدُ لِلَّهِ .. وَسَلَامٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَىٰ .. وأشهدُ أن لاإلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له وأشهدُ أن محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه وحبيبُه وخليلُه .. صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابِه الذين رضيَ اللهُ عنهم ورضوا عنه وسلمَ تسليماً كثيراً .. أما بعد:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
في يومِ خيبرَ .. ذلك اليومُ العظيمُ .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لأُعطينَ هذه الرايةَ غداً رجلاً يفتحُ اللهُ على يديه) .. فما هي صفاته؟
(يُحِبُّ اللهَ ورسولَهُ، ويحبُّهُ اللهُ ورسُولُهُ) فمن هو صاحبُ هذه المنزلةِ الرفيعةِ الذي شهدَ له النبيُ صلى اللهُ عليه وسلمَ بحبِ اللهِ تعالى ورسولِه عليه الصلاةُ والسلامُ؟
فباتَ الصحابةُ يدوكون (أي يخوضون ويتحدثون) ليلتَهم أيهم يُعطاها؟ ومع زهدِهم رضيَ اللهُ عنهم في الإمارةِ إلا أنهم تمنوها لهذا المقامِ الشريفِ والبُشارةِ العظيمةِ. قالَ عمرُ بنُ الخطابِ رضيَ اللهُ عنه: ما أحببتُ الإمارةَ إلا يومَئذٍ، فتساورتُ لها (أي حرصتُ عليها وتطاولتُ لها) رجاءَ أن أُدعى لها.
فلما أصبحَ الناسُ غدوا على رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ كلُهم يَرجوا أن يُعطاها، فقال: أينَ عليُ بنُ أبي طالب؟ فأعطاه الرايةَ.
أيها المؤمنون ..
لو سألنا من في هذا الجامعِ .. من منكم يحبُ اللهَ ورسولَه؟ فلا نشكُ في الإجابةِ أننا كلَنا نحبُ اللهَ ورسولَه وهذه من صفاتِ المؤمنينَ الصادقين .. كما قالَ تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ).
وليسَ ذلك بغريبٍ لأن حبَ اللهِ تعالى ورسولِه صلى اللهُ عليه وسلمَ فرضٌ واجبٌ .. وهو مقدمٌ على كلِ أمرٍ كما قال تعالى: (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ).
بل .. من أحبَ اللهَ تعالى ورسولَه صلى اللهُ عليه وسلمَ حباً حقيقياً أكبرَ من كلِ شيءٍ .. فإنه يجدُ طعمَ الإيمانِ .. وإن طعمَه حلاوةٌ .. كما جاءَ في حديثِ أنسٍ رضيَ اللهُ عنه، قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ: (ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ) وأولُ هذهِ الخصالِ (أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا).
ولازال أهلُ الإيمانِ يتدرجون في منازلِ محبةِ اللهِ تعالى حتى أصبحَ يسرُهم ما أرادَ اللهُ تعالى حتى لوكانَ ذلك فيما يتعرضون له من البلاءِ .. كما قالَ عامرُ بنُ عبدِ قيس: أحببتُ اللهَ حباً هوَّنَ عليَّ كلَ مصيبةٍ ورضاني بكلِ بليةٍ، فما أبالي مع حبي إياه على ما أصبحتُ، ولا على ما أمسيتُ.
وقالَ عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ لما ماتَ ولدُه الصالحُ: إن اللهَ أحبَ قبضَه، وأعوذُ باللهِ أن تكونَ لي محبةً تخالفُ محبةَ اللهِ .
وهذا الحارثُ بنُ عَميرةَ يقولُ: إني لجالسٌ عندَ معاذِ بنِ جبلَ وهو يموتُ فهو يُغمى عليه مرةً ويفيقُ مرةً فسمعتُه يقولُ عند إفاقِته اخنقْ خنقَك فوعزتِك إني أحبُكَ.
عبادَ اللهِ ..
اسمعوا هذا الحديثَ وافرحوا كما فرحَ الصحابةُ رضي الله تعالى عنهم .. عن أنسِ بنِ مالكٍ رضيَ اللهُ عنه قالَ: بينما أنا ورسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ خارجينَ من المسجدِ فلقينا رجلاً عندَ سُدةِ المسجدِ، فقالَ: يا رسولَ اللهِ متى الساعةُ؟، قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ ما أعددتَ لها؟، قال: فكأنَ الرجلَ استكانَ (أي خضعَ وذلَ)، ثم قالَ: يا رسولَ اللهِ ما أعددتُ لها كبيرَ صلاةٍ ولا صيامٍ ولا صدقةٍ ولكني أحبُ اللهَ ورسولَه، قال: فأنتَ مع من أحببتَ.
قالَ أنسٌ: فما فَرِحْنَا بعدَ الإسلامِ فرحاً أشدُ من قولِ النبيِ صلى اللهُ عليه وسلمَ: (فإنكَ معَ من أحببتَ).
أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم من كلِ ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيمُ.


الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ .. يحبُ المتقين .. ويحبُ التوابين .. والصلاةُ والسلامُ على إمامِ المتقين والتوابين وعلى آلِه وصحبِه ومن تبعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ .. أما بعد:
السؤالُ الأهمُ يا عبادَ اللهِ .. من منا يحبُه اللهُ ورسولُه؟ .. فمن منا يستطيعُ الإجابةَ؟
ومع ذلك فهناك علاماتٌ إذا رأيتَها في العبدِ فاعلم أن اللهَ تعالى يحبُه ..
من أعظمِها ما ذكرَه الله تعالى في كتابِه .. قالَ الحسنُ البصريُ وغيرُه من السلفِ: زعمَ قومٌ أنهم يحبونَ اللهَ، فابتلاهم اللهُ تعالى بقولِه: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)
فيا عبدَ اللهِ أينَ أنتَ من سنتِه عليه الصلاةُ والسلامُ .. أخبرني عن أخلاقِك .. أخبرني عن حياتِك ..
كيف تتوضأ؟ .. كيف تصلي؟ .. كيف تأكل؟ .. كيف تلبس؟ .. كيف تنام؟
هل سنةُ النبيِ صلى اللهُ عليه وسلمَ حاضرةٌ في ليلِك ونهارِك .. في ظاهرِك وباطنِك .. في أعمالِك وأقوالِك .. انظر اتباعَك لسنتِه وستعلمْ قدرَ محبةِ الله تعالى لك.
ومن العلاماتِ الظاهرةِ في أحبابِ الله تعالى أداءُ الفرائضِ وكثرةُ النوافلِ .. كما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ).
وأعظمُ الأولياءِ هو رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ الذي كانَ ‏ ‏يَقُومُ ‏ ‏مِنْ اللَّيْلِ حَتَّى ‏ ‏تَتَفَطَّرَ ‏ ‏قَدَمَاهُ فَقَالَتْ ‏ له ‏عَائِشَةُ رضيَ اللهُ تعالى عنها: ‏ ‏لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ:‏ أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا.
فيا عبدَ اللهِ لا تنسَ نفسكَ من .. صلاةِ نافلةِ .. صدقةٍ جاريةٍ .. صومِ تطوعٍ .. تلاوةِ قرانٍ .. ملازمةِ أذكارٍ .. عيادةِ مريضٍ .. مساعدةِ محتاجٍ .. نصيحةِ غافلٍ .. تعليمِ جاهلٍ .. كفالةِ يتيمٍ .. مجلسِ ذكرٍ .. وغيرِها من النوافلِ حتى تبسمَك في وجهِ أخيك .. فإن لم تفعلْ فدعِ الناسَ من الشرِ فإنها صدقةٌ تتصدقُ بها على نفسِك.
ثم بعدَ ذلك تعالَ معي إلى رحلةٍ سماويةٍ .. أُخبرُك بما يحدثُ إذا أحبَ اللهُ عزَ وجلَ عبداً من عبادِه ..
عن أَبُي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحْبِبْهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدًّا).
يا الله .. مَنْ منَّا ذلكَ العبدُ الذي يحبُه ربُ العزةِ والجلالةِ؟ .. مَنْ منَّا ذلكَ العبدُ الذي أُعلنَ في السماءِ أن اللهَ عزَ وجلَ يحبُه فأحبَه كلُ شيءٍ؟ .. مَنْ منَّا ذلكَ الذي يمشي بينَ الناسِ على الأرضِ وهو حبيبُ مَنْ في السماءِ؟
اللهُمَ إِنَّا نَسأَلُكَ حُبَّك .. وَحُبَّ مَن يـُحِبُّك ..وَحُبَّ العَمَلِ الذي يُقَرَّبُنا إلى حُبِّك .. اللهُمَ اجعَل حُبَّكَ أَحَبَّ إِلَينا مِن أَنفُسِنا .. وَأَهلينا وَأَموالِنا.. وَمِنَ الماءِالباردِ .. يا ذَا الجَلالِ وَالإِكرام .. اللهُمَ يا حَيُّ ياقَيّوم .. ما رَزَقتَنا مـِما نـُحِبُ .. فَإجعَلَهُ عَوناً لَنا عَلى ما تـُحِبُ .. وَما حَجَبتَ عَلينا مـِما نـُحِبُ .. فَإجعَلهُ فَراغاً لَنا لـِما تـُحِبُ .. يا رَبَّ العالَـمين.
اللهُمَ أَعِزَّ الإِسلامَ وَالـمُسلِمين .. وَأَذِلَّ الشِركَ وَالـمُشركين .. وَدَمِر أَعداءَ الدين .. وَاجعَل هذا البَلَدَ آمِناً مُطمَئِناً وَسائِرَ بِلادِ الـمُسلِمين .. اللهُمَ انصُر دينَكَ وَكِتابَك وَسُنَّةَ نَبيّكَ وَعِبادَكَ الـمُؤمِنين .. اللهُمَ آمِنّا في أَوطانِنا .. وَأَصلِح أَئِمَتَنا وَولاةَ أُمورِنا .. وَاجعَل وِلايَتَنا فيمَن خافَكَ وَاتَّقاك وَاتَّبَعَ رِضاكَ يا رَبَّ العالَـمين.
المرفقات

الحب الحقيقي.zip

الحب الحقيقي.zip

المشاهدات 3092 | التعليقات 2

جزيت خير الجزاء


جزاك الله خير الجزاء أوجزت وأفدت بارك الله فيك