الجوانب الإنسانية في حياة خير البرية –صلى الله عليه وسلم-
الشيخ السيد مراد سلامة
الخطبة الأولى
أما بعد:
إخوة الإسلام: نقف مع الجوانب الإنسانية في حياة خير البرية –صلى الله عليه وسلم-لنشاهد إنسانية خير إنسان وطئ الثرى و خير إنسان علم الإنسانية القيم و الأخلاق الإنسانية النابعة عن إنسان وعى الحياة و بصره بها ربه -سبحانه و تعالى- ،فكان صلى الله عليه وسلم هو الإنسان الكامل في إنسانيته
كامل في شريعته إذ جعلها تلائم بني الإنسان
كامل في إنسانيته عندما يعامل مع زوجاته وأطفاله
كامل في إنسانيته مع نفسه ومع مشاعره
كامل في إنسانيته مع أعدائه
ولم لا وهو رسول الإنسانية الذي أعطى الإنسان قدره ورفع من شانه وكرمه
العنصر الأول : إنسانيته– صلى الله عليه وسلم-في التشريع لامته
أمة الحبيب الأعظم محمد – صلى الله عليه وسلم-إن المتأمل في التشريعات التي جاءت على لسان خير الكائنات -صلى الله عليه وسلم-ليلمس فيها الجانب الإنساني الذي يقدر إنسانية المسلم و يعرف قدرته وطاقته لذا جاءت التشريعات تحمل المعنى الإنساني في اليسر و السهولة و الرفق و الرحمة و إليكم بيان ذلك :
قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 28].
قال ابن كثير: يريد الله أن يخفف عنكم أي: في شرائعه وأوامره ونواهيه وما يقدره لكم، ولهذا أباح الإماء بشروط كما قال مجاهد وغيره، وخلق الإنسان ضعيفاً فناسبه التخفيف؛ لضعفه في نفسه، وضعف عزمه وهمته” (1)..
قال الطبري: يعني جل ثناؤه بقوله: يريد الله أن يخفف عنكم يريد الله أن ييسر عليكم” (2).
{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]
عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، دخل عليها وعندها فلانة لامرأة، فذكرت من صلاتها، فقال: «مه، عليكم بما تطيقون، فوالله لا يمل الله عز وجل حتى تملوا، إن أحب الدين إلى الله ما داوم عليه صاحبه» (3)
عن أنس عن النبي {صلى الله عليه وسلم} قال يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا وفي رواية وسكنوا ولا تنفروا )(4)
وتتجلى إنسانيته في اختياره الأيسر والأسهل مالم يكن إثما، عن عائشة، قالت: «ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين، إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثما، فإن كان إثما، كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في أمر ينتهك منه، إلا أن تنتهك لله عز وجل حرمة، فينتقم لله عز وجل» (5)
الواقع التطبيقي
وها هو صلى الله عليه وسلم-يرسى لأمته مبدأ اليسر والسهولة التي تتماشى مع إنسانية المسلم فعندما رأى حبلا ممدودا امر بحله وأمر أمته ألا تتكلف من العمل إلا ما تطيق
أنس بن مالك -رضي الله عنه -قال: دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم -المسجد، فإذا حَبْلٌ مَمْدُودٌ بين السَّاريتين، فقال: ما هذا الحبلُ؟
قالوا: حَبلٌ لزينبَ، فإذا فَترتْ تعلَّقتْ به، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم -: «لا، حُلُّوهُ، ليُصلِ أحَدُكُم نَشاطَهُ، فإذا فَتَر فَلْيَقْعُدْ» (6)
أنس بن مالك - رضي الله عنه - جاء ثلاثةُ رَهْطٍ إلى بُيوت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، يسألون عن عبادة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فلما أخْبِروا كأنَّهم تَقَالُّوها ، قالوا : فأينَ نَحنُ مِن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقد غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر ؟ قال أحدُهم : أمَّا أنا فأصَلِّي اللَّيلَ أبدًا ، وقال الآخرُ : وأنا أصُومُ الدَّهرَ ولا أفُطِرُ ، وقالَ الآخرُ : وأنا أعْتَزِلُ النِّساءَ ولا أتَزَوَّجُ أبدًا ، فجاءَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم ، فقال: «أنتم الذين قُلتم كذا وكذا ؟ أمَا والله ، إنِّي لأخْشاكم لله ، وأتقاكم له ، ولكني أصُومُ وأفْطِرُ ، وأصَلِّي وأرْقُدُ ، وأتَزَوَّجُ النِّساءَ ، فَمَن رغِبَ عَنْ سُنَّتِي فليس منِّي».(7) أخرجه البخاري ومسلم.
العنصر الثاني : إنسانيته مع زوجاته و بناته
أما الجانب الإنساني في حياته الزوجية العاطفية فهو جانب مشرق يوحي بكمال إنسانيته – صلى الله عليه وسلم- ولقد ضرب أمثلة رائعة من خلال حياته الزوجية فهو الزوج المثالي و الأب المثالي
الواقع التطبيق في حياة الحبيب النبي – صلى الله عليه وسلم-:
فقد كان النبي يظهر حبه لزوجاته فتجده عند الشرب والأكل يتحبب إليهن و يظهر حبه لهن فيشرب من موضع فيّ إحداهن: لحديث عائشة - رضي الله عنها - قالت : «كنت أشرب من الإناء وأنا حائض ، ، ثم أُنَاوِلُه النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- ، فيضع فَاهُ على موضع فِيَّ»(8)
و كان صلى الله عليه وسلم-يخرج مع إحداهن ليلا للتنزه و الحديث و هذا امر يجلب المحبة و المودة بين الزوجين عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا خَرَجَ أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَطَارَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ فَخَرَجَتَا مَعَهُ جَمِيعًا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا كَانَ بِاللَّيْلِ سَارَ مَعَ عَائِشَةَ)(9)
و كان صلى الله عليه وسلم يسامر زوجاته و يحادثهن و يضحك من كلامهن: وعن عائشة – رضي الله عنها- قالت: قلتُ: يا رسول الله ! أرأيت لو نزلت وادياً وفيه شجرة أُكل منها، ووجدت شجراً لم يؤكل منها، في أيّها كنت تُرْتِعُ بعيرك؟ قال: "في التي لم يُرْتعْ فيها :تعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكراً غيرها .(10)أخرجه البخاري .
وتتجلى معاني الإنسانية في مساعدته-صلى الله عليه وسلم -لزوجاته في شؤون المنزل عن الأسود قال: قلت لعائشة: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع في أهله؟ قالت: " كان في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة "(11)
وكان صلى الله عليه وسلم – يعرف مشاعر زوجاته نحوه: عائشة -رضي الله عنها -: قالت: قال لي رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «إِني لأعلمُ إِذا كُنتِ عني راضية ، وإِذا كنتِ عَليَّ غَضْبى ، قالت: فقلتُ : ومن أيْنَ تَعْرِفُ ذلك ؟ فقال: أمَّا إِذا كنتِ راضية : فَإِنَّكِ تقولين : لا وربِّ محمد ، وإِذا كنتُ غَضْبى ، قلتِ : لا ، وربِّ إِبراهيم ، قالت: قُلتُ : أجَلْ واللهِ يا رسولَ الله ، ما أهجرُ إِلا اسمكَ». (12)
العنصر الثالث : إنسانيته –صلى الله عليه وسلم-في مشاعرة
أما الجانب الوجداني والمشاعر الإنسانية فقد اتصف بها خير البرية – صلى الله عليه وسلم- فقد كان يفرح يظهر مشاعر الفرح عند المسرات وعند المواقف المفرحة وكذا يظهر مشاعر الحزن و الأسى و البكاء عند الآلام
فرحه بالتوبة على أصحابه
فها هو وجهه الكريم صلى الله عليه وسلم يستنير من الفرح والسرور عندما يتوب الله تعالى على الثلاثة المخلفين ،فرح صلى الله عليه وسلم بتوبة كعب بن مالك رضي الله عنه فرحا شديدا حكاه كعب فقال: "فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ، وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ "(13)رواه الشيخان.
ضحك النبي صلى الله عليه وسلم مع رجلٍ أفطر في رمضان
لم يكن من هدية العبوس والتكشير وإنما كان –صلى الله عليه وسلم-بساما و لنتأمل الموقف و الصور التالية
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلاً أَفْطَرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِعِتْقِ رَقَبَةٍ ، أَوْ صِيَامِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ، أَوْ إِطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا ، فَقَالَ : إِنِّي لا أَجِدُ ، فَأُتِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِعَرَقِ تَمْرٍ ، فَقَالَ : خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا أَحَدٌ أَحْوَجَ مِنِّي ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ ثَنَايَاهُ ، ثُمَّ قَالَ : كُلْهُ.)(14).
العنصر الرابع: مشاعر النبي – صلى الله عليه وسلم- عند الفراق و الحزن
أما عن مشاعرة الرقيقة الرقراقة عند الحزن فقد كانت تدمع عينا و يبكي لفراق الأهل و الأصحاب بكاء رحمة و رفق لا بكاء ضجر و تسخط
لما مات ابنه إبراهيم دمعت عيناه وبكى رحمة له. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ـ رضى الله عنه ـ قَالَ دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَبِي سَيْفٍ الْقَيْنِ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِبْرَاهِيمَ فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ، ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَذْرِفَانِ. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ـ رضى الله عنه ـ وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ ” يَا ابْنَ عَوْفٍ إِنَّهَا رَحْمَةٌ ”. ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى فَقَالَ صلى الله عليه وسلم ” إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلاَ نَقُولُ إِلاَّ مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ ” (15)
إنسانيته في تعامله مع أطفاله وأطفال المسلمين
لقد ظهرت أسمى معالم الإنسانية في معاملته-صلى الله عليه و سلم-للأطفال فقد كان صلى الله عليه وسلم يخفض لهم جناحه، ويفهم طبيعتهم السنية؛ فيداعبهم ويلاطفهم ويقبلهم، ويحتضنهم ويصبر عليهم، ويكره أن يقطع عليهم مرحهم وسعادتهم حتى ولو كان بين يدي الله تعالى عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادٍ ، عن أَبِيهِ قَالَ : دُعِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِصَلاةٍ ، فَخَرَجَ وَهُوَ حَامِلٌ حَسَنًا ، أَوْ حُسَيْنًا ، فَوَضَعَهُ إِلَى جَنْبِهِ ، فَسَجَدَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلاتِهِ سَجْدَةً أَطَالَ فِيهَا قَالَ : إِنِّي قَدْ رفَعْتُ رَأْسِي مِنْ بَيْنِ النَّاسِ ، فَإِذَا الْغُلامُ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَأَعَدْتُ رَأْسِي فَسَجَدْتُ ، فَلَمَّا سَلَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ الْقَوْمُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، سَجَدْتَ فِي صَلاتِكَ هَذِهِ سَجْدَةً مَا كُنْتَ تَسْجُدُهَا ، أَفَكَانَ يُوحَى إِلَيْكَ ؟ قَالَ : لا ، وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُعْجِلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ ».(16)
كان يقبل الأطفال و يمسح على رؤوسهن فعن هريرة - رضي الله عنه - : قال : «قَبَّلَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- الحسنَ بنَ عَليٍّ ، وعنده الأقْرَعُ بنُ حابس التميميُّ ، فقال الأقرعُ : إِن لي عَشْرة من الوَلَد ما قَبَّلْتُ منهم أحدا ، فنظر إِليهِ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قالَ : مَن لا يَرْحَمْ لا يُرْحَمْ».(17)
إنسانية في قيامه لجنازة اليهودي
ومن روائع المواقف الإنسانية موقفه-صلى الله عليه وسلم –لما مرت عليه جنازة رجل يهودي
فعن قَيْس بْن سَعْدٍ، وَسَهْل بْن حُنَيْفٍ، كَانَا بِالْقَادِسِيَّةِ فَمَرَّتْ بِهِمَا جَنَازَةٌ فَقَامَا فَقِيلَ لَهُمَا إِنَّهَا مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ . فَقَالاَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّتْ بِهِ جَنَازَةٌ فَقَامَ فَقِيلَ إِنَّهُ يَهُودِيٌّ . فَقَالَ: « أَلَيْسَتْ نَفْسًا» )(18)مسلم.
إنسانية الرسول صلى الله عليه وسلم في حروبه
أحباب رسول الله عليه وسلم-نقف مع إنسانية النبي – صلى الله عليه وسلم-مع خصومه و أعدائه في حروبه و سراياه فالذي يتأمل الحروب التي خاضها رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يجد أنها لم تكن عدوانا و لا فرضا لسطوته و لا ظلم لأعدائه بل كانت تحمل في طياتها الرحمة و الإنسانية
تتمثل الإنسانية الحانية في ذلك المشهد الذي يفيض رحمة ورفقا ومع كل ذلك كان لا يَفتأ - عليه السلام - أن يقول: ((اللهم اغفِر لقومي؛ فإنهم لا يعلمون))(19)
عن عروة عن عائشة أنها حدثته أنها قالت للنبي {صلى الله عليه وسلم} هل أتى عليك يومٌ كان أشد من يوم أحد قال لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيته منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت - وأنا مهمومٌ - على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال يا محمد إن الله سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين فقال النبي {صلى الله عليه وسلم} بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً) (20)(أخرجه البخاري ومسلم )
إنسانية مع الأسرى
أما الجانب الإنساني في حروبه فقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم-ميثاق التعامل مع الأسرى بالرفق والرحمة واللين
في معركة بدر عندما أسر المسلمون سبعين رجلاً من المشركين عن نُبَيْهُ بْنُ وَهْبٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ الدّارِ . أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ أَقْبَلَ بِالْأُسَارَى فَرّقَهُمْ بَيْنَ أَصْحَابِهِ وَقَالَ اسْتَوْصُوا بِالْأُسَارَى خَيْرًا قَالَ وَكَانَ أَبُو عَزِيزِ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمٍ ، أَخُو مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ لِأَبِيهِ وَأُمّهِ فِي الْأُسَارَى .
قَالَ فَقَالَ أَبُو عَزِيزٍ مَرّ بِي أَخِي مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يَأْسِرُنِي ، فَقَالَ شُدّ يَدَك بِهِ فَإِنّ أُمّهُ ذَاتُ مَتَاعٍ لَعَلّهَا تَفْدِيهِ مِنْك ، قَالَ وَكُنْت فِي رَهْطٍ مِنْ الْأَنْصَارِ حِينَ أَقْبَلُوا بِي مِنْ بَدْرٍ ، فَكَانُوا إذَا قَدّمُوا غَدَاءَهُمْ وَعَشَاءَهُمْ خَصّونِي بِالْخُبْزِ وَأَكَلُوا التّمْرَ لِوَصِيّةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إيّاهُمْ بِنَا ، مَا تَقَعُ فِي يَدِ رَجُلٍ مِنْهُمْ كِسْرَةُ خُبْزٍ إلّا نَفَحَنِي بِهَا . قَالَ فَأَسْتَحْيِي فَأَرُدّهَا عَلَى أَحَدِهِمْ فَيَرُدّهَا عَلَى مَا يَمَسّهَا(21)
كان هذا الخُلق الكريم، الذي غرسه القائد الرحيم -صلى الله عليه وسلم -في أصحابه وجنده وشعبه، قد أثَّر في إسراع مجموعة من كبراء الأسرى وأشرافهم إلى الإسلام؛ فأسلم أبو عزيز عقب معركة بدر، بُعيد وصول الأسرى إلى المدينة، وتنفيذ وصية النبي -صلى الله عليه وسلم -وأسلم معه السائب بن عبيد.
وعاد الأسرى إلى بلادهم وأهليهم، يتحدثون عن محمد - صلى الله عليه وسلم - ومكارم أخلاقه، وعن محبته وسماحته، وعن دعوته، وما فيها من البر والتقوى والإصلاح والخير (22)
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله ذي الجلال والإكرام، شرع الشرائع وأحكم الأحكام، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك القدوس السلام، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، سيد الأنام، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه البررة الكرام، ما تعاقبت الشهور والأيام، وسلَّم تسليما كثيرا.
أما بعد :
العنصر الخامس : إنسانيته في غزوة حنين مع الأسرى
يقول جان باغوت غلوب: "وكان انتصار المسلمين - على هوازن - في حُنين كاملاً، حتى أنهم كسبوا غنائم كثيرة، بين أعداد وفيرة من الإبل والغنم، كما أسروا عدداً ضخماً من الأسرى، معظمهم من نساء هوازن وأطفالها، وعندما عاد النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الطائف دون أن يتمكن من فتحها شرع يُقسِّم الغنائم والأسلاب بين رجاله، ووصل إليه وفدٌ من هوازن المهزومة، المغلوبة على أمرها؛ يرجوه إطلاق سراح النسوة والأطفال من الأسرى؛ وسرعان ما لبَّى النبي - صلى الله عليه وسلم - الطلب بما عُرف عنه من دماثة وتسامح، فلقد كان يَنشد من جديد في ذروة انتصاره، أن يكسب الناس، أكثر من نِشدانه عقابهم وقصاصهم"(23)
لقد تأثر مالك بن عوف - زعيم هوازن المهزومة - بهذا العفو الكريم، والخلق العظيم من سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - بعدما أطلق له كل الأسرى من قومه.
فجادت قريحته لمدح النبي -صلى الله عليه وسلم - فأخذ يُنشد أبياتاًً من الشعر، يشكر فيها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قائلاً:
العنصر السادس: إنسانيته-صلى الله عليه وسلم-مع الحيوان
كان صلى الله عليه وسلم يعتبر الحيوان كيانا معتبرا ذا روح يحس بالجوع ويشعر بالعطش، ويتألم بالمرض والتعب، ويدركه ما يدرك الإنسان من أعراض الجسد؛ لذا رأيناه صلى الله عليه وسلم تتألم نفسه ويرق قلبه لحيوان ألم به الجوع ونال منه الجهد،
فعن سهل بن الحنظلية -رضي الله عنه - قال : «مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعير قد لصق ظهره ببطنه؛ فقال: «اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة فاركبوها صالحة وكلوها صالحة»،(26)
ما أعظمك يا رسول الله رغم مسؤولياتك الجسام ومهامك العظام إلا أنك لم تشغل عن مراقبة ما يحدث لحيوان من إساءة بالغة، وإهمال من ذويه؛ فنصحت بالإحسان والرعاية، لقد وسعت شفقته فراخ طائر وأبت أن يفرق بينهم، عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود - رحمه الله- : عن أَبيه قال : «كُنَّا مع رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- في سَفَرٍ ، فانطلقَ لحَاجَتِه، فَرَأينا حُمَّرَة معها فَرخَانِ ، فَأَخَذْنَا فَرخَيها ، فَجَاءت الحُمَّرَةُ ، فجَعَلتْ تُعَرِّشُ ، فَلمَا جاءَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- قال : مَنْ فَجَعَ هذه بِوَلَدِهَا ؟ رُدُّوا ولدَهَا إِليها، ورَأى قَريَةَ نَمْلٍ قَدْ أحْرَقناهَا ، فقال: مَن أَحرَقَ هذه؟ قُلنا: نحن، قال: إِنَّهُ لا ينبغي أَنْ يُعَذِّبَ بعذاب النارِ إِلا رَبُّ النَّار» (27)
هذا هو نبي الإنسانية من علمها الرحمة والرفق واللين و الحب و الحب -صلى الله عليه وسلم -
الهوامش
(1) تفسير ابن كثير ج: 1 ص: 480
(2)تفسير الطبري ج: 5 ص: 29 .
(3) مسند أحمد (40/ 290)
(4) أخرجه أحمد (4/412 ، رقم 19714) ، والبخاري (3/1104 ، رقم 2873) ، ومسلم (3/1359 ، رقم 1733) .
(5) خرجه مالك (2/902، رقم 1603) ، والبخاري (3/1306، رقم 3367) ، ومسلم (4/1813، رقم 2327)
(6) أخرجه البخاري (2/67) ومسلم (2/189)
(7) أخرجه أحمد (3/241 ، رقم 13558) ، وعبد بن حميد (ص 392 ، رقم 1318) ، والبخارى (5/1949 ، رقم 4776) ، ومسلم (2/1020 ، رقم 1401) ،
(8) أخرجه الحميدي (166) وأحمد (6/62) ومسلم (1/168)
(9) أخرجه البخاري في: 67 كتاب النكاح: 97 باب القرعة بين النساء إن أراد سفرا
(10) أخرجه أحمد 6/213، والبخاري 5228 ومسلم 2439
(11) أخرجه البخاري (3576) (4152) (4840) (5639) ، ومسلم (1856)
(12) أخرجه أحمد (1/378، رقم 3595) والبخاري (5/2402 ، رقم 6202) ، ومسلم (1/174 ، رقم 186)
(13) أخرجه أحمد (3/456) و«البخاري» (4/9) و«مسلم» (8/105)
(14) "الموطأ" 1/ 296 - 297 أخرجه مسلم (1111)، والنسائي في "الكبرى" (3102).وهو في "مسند أحمد" (10687)، و"صحيح ابن حبان" (3523).
(15) أخرجه البخاري (1303)، ومسلم (2315)، وأبي داود (3126)،
(16) أخرجه أحمد (3/493 ، رقم 16076) ، والنسائي (2/229 ، رقم 1141).
(17) أخرجه الحميدي (1106). وأحمد (2/228) ومسلم (7/77)
(18) خرجه أحمد (6/6).والبخاري (2/107) ومسلم (3/58)
(19) أخرجه أحمد (1/380) (3611) والبخاري (4/213، 9/20). ومسلم (5/179)
(20) أخرجه البخاري (3/1180، رقم 3059) ، ومسلم (3/1420 ، رقم 1795) .
(21) ابن اسحاق - ابن هشام، السيرة (2/ 212 - 213)، وهو مرسل
(22) (انظر: علي محمد الصلابي؛ السيرة النبوية، 2/ 42.
(23) جان باغوت غلوب؛ الفتوحات العربية الكبرى ص 157-158.
(24) انظر: ابن هشام؛ السيرة النبوية 4/ 144، والبيهقي؛ دلائل النبوة 5/ 270، برقم (5440)
(25) أخرجه أحمد (4/180، رقم 17662) وأبو داود (3/23 ، رقم 2548) ، وابن خزيمة (4/143 ، رقم 2545) .
(26) أخرجه أحمد (1/396) (3763) والبخاري في «الأدب المفرد» (382) وأبو داود (2675 و 5268)
المرفقات
الإنسانية-في-حياة-خير-البرية
الإنسانية-في-حياة-خير-البرية