الجنّ و الشياطين و أدلّة وجودهما

[font="]الجنّ و الشياطين و أدلّة وجودهما[/font]
[font="] [/font]
[font="] كما وعدناكم الجمعة الماضية، هذه بعض المعلومات عن عالمي الجنّ و الشياطين، نوردها تقريرا لمبدأ الإيمان بوجودها، و توضيحا لكثير من معالم ذلك العالم الغيبيّ المجهول عند الذين يعيشون بعيدا عن كتاب الله و سنّة رسوله صلى الله عليه و سلم.[/font]
[font="] يقول الله تبارك و تعالى: " قُلْ أوحِيَ إلَىَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجِنِّ فقالوا إنَّا سمعِْنا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدي إلى الرُّشْدِ فآمنَّا بِهِ و لَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أحَدًا ".[/font][font="]( سورة الجنّ الآيات: 1و2 )[/font]
[font="] [/font]
[font="]* لم سمّي الجنّ جنّا ؟..[/font]
[font="]سُمِّيَ الجنُّ جنًّا لإجتنانهم وهو استتارهم، و عدم ظهورهم للنّاس، لأنّ الإجتنان هو الاستتار، وهو مأخوذ من جنّ الليل إذا أظلم، فستر الأشياء بظلامه، و منه سُمِّيت جنّة المقاتل، وهي الخوذة التي يجعلها على رأسه في الحرب، و سمّيت الجنّة دار النعيم جنّة، لأنّها تستر بأشجارها الكثيرة الملتفّة من يدخلها، كما سُمِّي الجنين في بطن أُمّه جنينا لاستتاره ببطن أمّه و عدم ظهوره.. و قال تعالى في الشيطان من الجنّ: " إنّهُ يراكُم هُوَ و قبيلُهُ مِنْ حيثُ لا تَرَوْنَهُمْ ". [/font][font="]( سورة الأعراف الآية: 28 )[/font][font="].[/font]
[font="] [/font]
[font="]* مادة خلق الجنّ: [/font][font="] [/font][font="] [/font][font="] [/font][font="] [/font][font="] [/font]
[font="]الجان هو أبو سائر الجنّ، وهو مخلوق من مادّة النار المعروفة، و كان خلقه قبل خلق الإنسان، و ذلك لقوله تبارك و تعالى: " و لقد خلقنا الإنسانَ مِنْ صلْصالٍ مِنْ حَمإٍ مَسْنونٍ*و الجانَّ خلقناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ ". [/font][font="]( سورة الحجر: 26/27 )[/font][font="].[/font][font="] و هل السنّة في خلق الجان و ذرّيته كالسنّة في خلق آدم و ذرّيته ؟ بمعنى أنّ الجان الأوّل خُلِقَ من نارٍ و أولاده خُلِقُوا بطريقة أخرى كالتناسل محتمل، و الله أعلم.[/font]
[font="] [/font]
[font="]* افتقار الجنّ إلى الغذاء:[/font]
[font="]إنّ الجنّ مفتقرون إلى الغذاء المناسب لذواتهم، كافتقار سائر الحيوانات و النباتات لأغذيتها المناسبة لها، و الدّليل على هذه الحقيقة: ما صحّ من أنّ الجنّ سألوا رسول الله صلى الله عليه و سلّم الزاد فقال لهم: " كُلُّ عَظْمٍ يُذْكَرُ اللهُ عليه يقعُ في أيديكُمْ أوْفَرُ ما يكون لحْمًا "، و نهى صلى الله عليه و سلم عن الاستجمار بالعظم، و قال: " إنّه طعامُ إخْواننا من الجنّ ". كما نهى عن الأكل بالشمال و الشرب بها و علّل ذلك بأنّ الشيطان يأكل و يشرب بشماله..[/font]
[font="]فثبت بهذه الأحاديث الصحيحة للبخاري و مسلم أنّ الجنّ و الشياطين يأكلون و يشربون، و ذلك لأجل التغذية اللاّزمة لهم حسب ذواتهم و الطبيعة التي خلقهم الله تعالى عليها..[/font]
[font="] [/font]
[font="]* الجنّ يتوالدون:[/font]
[font="]لا شكّ أنّ الجنّ و الشياطين تتمّ بينهم عملية التوالد بحسب طبيعة خلقهم و تكوينهم، و أنّ لهم سنّة في ذلك يتمّ بحسبها وجود ذريّة لهم، كما تتوالد سائر الأحياء، كلٌّ على نظام السنّة التي جعلها الله تعالى له. و يشهد لهذه الحقيقة ويقرّرها القرآن الكريم: حيث جاء فيه قوله تعالى: " أفتتّخِذونَهُ و ذُرِّيَتَهُ أَوْلِياءَ من دوني و هُمْ لكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ للظّالِمينَ بَدَلا ".[/font][font="]( الكهف الآية: 50 )[/font][font="]. [/font][font="]فإنّ المنهي عن اتّخاذه وذرّيته أولياء هو إبليس وذريته بدليل السياق إذ أوّله: " وإِذْ قُلْنا للملائِكَةِ اسْجُدُوا لآدم فسجَدُوا إِلاَّ إِبْليسَ كان مِنَ الجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أفتتَّخِذونَهُ..."[/font][font="] ( الكهف: الآية 50 )[/font][font="]. [/font][font="]الآية. كما ورد في صحيح مسلم أنّ الشيطان يشارك الإنسان في طعامه و شرابه و فراشه إن لم يذكر اسم الله تعالى عند أكله و شربه و مخالطة أهله.[/font]
[font="]و لهذا قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: " لو أنَّ أحدكُمْ يقول حين يأتي أهْلَهُ باسم الله اللهمّ جنّبني الشيطان و جَنِّبِ الشيطان ما رزقتنا، ثمّ قُدِّرَ بينهُما في ذلك، أو قُصِيَ وَلَدٌ لم يَضرَّهُ شيْطانٌ أبدًا ".[/font][font="] ( متفق عليه و اللفظ للبخاري )[/font][font="].[/font]
[font="] [/font]
[font="]* هل بين الجنّ و الشيطان فرق ؟...[/font]
[font="]نعم إنّ بين الجنّ و الشيطان فَرْقًا كبيرًا، و لكي تتجلّى هذه الحقيقة واضحة نذكر أنّ الخلق الرّاقي أربعة أنواع هي: الملائكة و الإنس و الجنّ و الشياطين.[/font]
[font="]فالملائكة:[/font][font="] عالم روحاني مستقلّ له خصائصه، و صفاته، و أحواله، و قد تقدّم البحث مستفيضا في بيان حقيقة هذا العالم العلوي الكريم..[/font]
[font="]و الجنّ نوعان:[/font][font="] شياطين لا خير فيهم البتّة، و جنّ منهم الصّالح، و منهم الفاسد، فحالهم كحال النّاس، منهم البار، و منهم الفاجر، و منهم المؤمن، و منهم الكافر، بيد أنّ الشياطين أصلهم من الجنّ، و ذلك لأنّ إبليس كان من الجنّ لإخبار القرآن الكريم بذلك مصداقا لقوله تبارك و تعالى: " إلاّ إبليس كان من الجنّ، ففسق عن أمر ربّه..." .و لمّا أُبلِسَ الشيطان و طُرِد من الرحمة الإلهية، و انقطع من الخير كليّا، كانت ذرّيته مثله بحكم الوراثة، لا خير فيهم أصلا، فلا يعرفون إلاّ الشرّ، و لا يدعون إلاّ إليه.. و المثل القريب لذلك أنّ الحيّة لا تلد إلاّ حيّة، فلم يطرأ و لن يطرأ على نسلها منذ أن كانت، تغيير بحيث تلد أولادا، لا سُمَّ فيهم، و لا خبث معهم..[/font]
[font="]ثم إنّ كلّ من يخبث و يتمرّد، و ينقطع عن الخير من أفراد الجان و الإنسان يصبح شيطانا، فإن عتا قيل فيه مارد.. و إن زاد عتوّه و طغيانه قيل فيه عفريت.. و قد أثبت القرآن العظيم هذه الحقائق كلّها، إذ جاء فيه أنّ من الجنّ شياطين، و من الإنس شياطين، قال تعالى في سورة الأنعام: " شياطينَ الإنسِ و الجنِّ يُوحي بعضُهُم إلى بعضٍ زُخْرُفَ القوْلِ غُرُورًا " [/font][font="](112)[/font][font="]. [/font][font="]كما جاء فيه أنّ من الجنّ صالحين و ذلك في قوله سبحانه فيما حكاه عن الجنّ: " و أَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ و منّا دُونَ ذلك ".[/font][font="] ( سورة الجنّ الآية: 11 )[/font][font="]. [/font]
[font="]كما أخبر تبارك و تعالى أنّه خلق الجنّ كالإنس لعبادته و طاعته: " و ما خلقت الجنّ و الإنس إلاّ ليعبدون * ما أُريد منهم مِنْ رزقٍ و ما أُريد أن يُطْعِمونِ * إنّ اللهَ هُوَ الرَّزَاقُ ذو القُوَّةِ المتينُ ".[/font][font="] ( الذاريات الآيات: 56 – 58 )[/font][font="].[/font][font="] و أخبر سبحانه أنّ الشيطان يأمر بالفحشاء في قوله تعالى من سورة البقرة: " الشيطانُ يعدُكُمْ الفَقْرَ و يأْمُرُكُمْ بالفحشاءِ و اللهُ يعدُكُمْ مغْفِرَةً مِنْهُ و فَضْلاً و اللهُ واسِعٌ عليمٌ ".[/font][font="]( 268)[/font][font="]. [/font][font="]كما أخبر تعالى أنّ الشيطان يضلّ من يتبعه، و يهديه إلى عذاب السعير، مصداقا لقوله تعالى في سورة الحجّ: " و من النّاسِ من يُجادِلُ في الله بِغيْرِ علمٍ و يَتَّبِعُ كُلَّ شيْطانٍ مَريدٍ كُتِبَ عليه أَنَّهُ مَنْ تَوَلاَّهُ فأنّه يُضِلُّهُ و يهدِيهِ إلى عذابِ السَّعِيرِ ".[/font][font="](سورة الحج : 3 و 4[/font][font="])[/font][font="].[/font]
[font="]وهذا هو النَّوْع الذي لا خير فيه من شياطين الجّان، وهو إبليس عليه لعائن الله تعالى.[/font]
[font="] [/font]
[font="]* أين يسكن الجنّ ؟...[/font]
[font="]الغالب في الجنّ و الشياطين أنّهم يسكنون الخرائب، و الحشوش، و المزابل، و القمائم، لحديث أبي داود: " إنّ هذه الحشوش محتضرة فإذا أتى أحدكم الخلاء فليقل أعوذ بالله من الخبث و الخبائث ".[/font]
[font="]و من هنا كانت الشياطين تنزل على أخباث الرجال و النساء من أهل الآثام و الأفّاكين، الملوّثين بالذنوب، و الجرائم العظام.. قال تبارك و تعالى: " هلْ أُنَبِئُكُمْ على من تَنَزَّلَ الشياطينُ * تَنَزَّلُ على كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ و أَكْثَرَهُمْ كاذِبُونَ ".[/font][font="]( الشعراء الآيات: 221/223)[/font][font="].[/font]
[font="] [/font]
[font="]* هل صالحو الجن يدخلون الجنّة ؟... [/font]
[font="]قد سبق أن قرّرنا فيما تقدّم و بينّا بوضوح أنّ الجنّ غير أولاد إبليس، خُلقوا لعبادة الله تعالى و طاعته، شأنهم في ذلك شأن بني الإنسان، و أنّ منهم الصّالحين، و منهم دون ذلك، و عليه فالصّالحون منهم و هم أهل الإيمان و التقوى يدخلون الجنّة، و ينعمون فيها إن هم ماتوا على الإيمان و التقوى و العمل الصّالح.. و الدّليل على هذه الحقيقة العلمية قوله تعالى: " إنّ الذين آمنوا و عملوا الصّالحات لهم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير ".[/font][font="](البروج:11) [/font][font="]و قوله تعالى: " فمن يعمل من الصّالحات وهو مؤمِنٌ فلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ و إنّا لهُ كاتِبُون ".[/font][font="] ( سورة الأنبياء الآية: 94 )[/font][font="].[/font][font="] و قوله سبحانه: " وَعَدَ اللهُ الذين آمنوا و عملوا الصّالحات لهم مغفرةٌ و أجْرٌ عظيمٌ ".[/font][font="]( سورة المائدة الآية: 9 )[/font][font="]. [/font][font="]فكلمة ( مَنْ ) من ألفاظ العموم فيدخل فيها كُلّ من حقّق الشرط الذي قُرِنَ به من إنس و جنّ، و يتلقّى الجزاء، وهو المغفرة و الجنّة، كلّ من حقّق الشرط من إنس و جنّ.. و الدلالة في هذا قوله تعالى: " و لِمَنْ خاف مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ ".[/font][font="]( سورة الرحمان الآية: 46 ) [/font][font="]في سياق ذكر الإنس و الجنّ معا..[/font]
[font="] [/font]
[font="]* هل الاحتراز من الجنّ ممكن ؟...[/font]
[font="]و نختم هذا البحث في موضوع الملائكة و الجنّ و الشياطين، بفائدة جليلة، وهي أنّ التحصّن من الشياطين، و الاحتراز منهم ممكن، إذا استعمل المؤمن واحدا من سبعة أشياء وهي:[/font]
[font="]1) الاستعاذة بالله تعالى: [/font][font="]لقوله عزّ و جلّ: " و إمّا ينزغنَّكَ مِنَ الشيطانِ نزْغٌ فاسْتعِذْ باللهِ إنّه هو السميعُ العليمُ ".[/font][font="] ( فصلت الآية: 36 )[/font][font="]. [/font][font="]و لقول الرسول صلى الله عليه و سلم في حديث الصحيحين: " إنّي لأعْلم كلمةً لو قالها لذَهَبَ ذا عنهُ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ".[/font]
[font="]2) قراءة المعوذتين: [/font][font="]لحديث النسائي و غيره وهو حديث حسن الإسناد: " يا ابن عباس ألا أدلّك أو ألا أخبرك بأفضل ما تعوّذ به المتعوِّذون ؟ قال: بلى يا رسول الله. قال: قل أعوذ بربّ الفلق و قل أعوذ بربّ الناس هاتين السورتين ".[/font]
[font="]3) قراءة آية الكرسي:" الله لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم" [/font][font="]لحديث أبي هريرة: " أنّ أبا هريرة جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم على حراسة تمر الصدقة ( الزكاة ) فكان الجان يأتيه في صورة إنسان و يأخذ من تمر الزكاة، فقبضه، و أراد أن يوقع به فاعتذر اللعين فتركه، ثم أتى للمرّة الثالثة، و عندها عزم أبو هريرة على أن يذهب به إلى رسول الله صلى الله عليه و سلمن غير أنّ الشيطان اعتذر كذلك بأنّ له عيالا، و أنّه مضطرّ و طلب من أبي هريرة أن يعفو عنه، على أن يعلّمه آية من كتاب الله تعالى من قرأها فإنّ الشيطان لا يقربه.. و هذه الآية هي آية الكرسي، فعفا عنه و تركه. و لمّا لاقى أبو هريرة رسول الله صلى الله عليه و سلم بادره النبيّ صلى الله عليه و سلم قائلا: " ما فعل أسيرك البارحة ؟ " فقال له أبو هريرة: كان من أمره كذا و كذا... فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم: صدقك وهو كذوب [/font]!!![font="] ".[/font][font="] ( أخرجه البخاري تعليقا )[/font]
[font="]4) قراءة سورة البقرة بكاملها: [/font][font="]لحديث مسلم: " لا تجعلوا بيوتكم مقابر إنّ الشيطان ينفر من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة ".[/font]
[font="]5) ذكر لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، له الملك و له الحمد وهو على كل شيء قدير: [/font][font="]في كل يوم مائة مرّة، فإن فعلها كانت له عدل عشر رقاب، و كتبت له مائة حسنة، و محيت عنه مالئة سيّئة، و كانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي.. و لم يأت أحد بأفضل ممّا به إلاّ رجل عمل أكثر منه ".[/font][font="]( متفق عليه )[/font]
[font="]6) ذكر الله تعالى: [/font][font="]لحديث الترمذي و فيه قال يحي لزكريا: " و آمركم أن تذكروا الله تعالى فإنّ مثل ذلك كمثل رجل خرج العدوّ في أثره سرعان حتّى أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم.. كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلاّ بذكر الله تعالى ".[/font]
[font="]7) الوضوء عند الغضب: [/font][font="]فمن غضب فليتوضأ فإنّه يعصم نفسه من الشيطان أن يحمله على ارتكاب مالا ينبغي، أو ما لا يحسن من قول أو فعل، و ذلك لحديث أبي داود: " إنّ الغضب من الشيطان و إنّ الشيطان من النار، و إنّما تطفأُ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضّأ ".[/font][font="]( و أحمد في المسند )[/font][font="].[/font]

[font="][/font]
[font="] و الله أعلم[/font]

[font="][/font]
[font="] [/font][font="]لم يعد لنا مزيد و غدا إن شاء الله هناك جديد[/font][font="]
[/font]

[font="][/font]
المشاهدات 2290 | التعليقات 0