الجنة بلاد الأفراح

عايد القزلان التميمي
1442/12/13 - 2021/07/23 02:48AM
الحمد لله الذي جعل جنة الفردوس لعباده المؤمنين نزلا ويسرهم للأعمال الصالحة الموصلة إليها , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله القائل: ((مَن سألَ اللَّهَ الجنَّةَ ثلاثَ مرَّاتٍ قالتِ الجنَّةُ : اللَّهمَّ أدخلهُ الجنَّةَ ومنِ استَجارَ منَ النَّارِ ثلاثَ مرَّاتٍ قالتِ النَّارُ:أَجِرْهُ منَ النَّارِ)).
أما بعد (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ )) 
عباد الله : لقد فَرِحَ المسلمون بالعيد, والفَرَحُ بطاعة الله من صفات المتقين وأن إظهار هذا السرور في الأعياد شعيرةٌ من شعائر هذا الدين.
واعلموا أيها المؤمنون : أنَّ أَفْرَاحَ النَّاسِ في هَذِهِ الدُّنْيَا سَرِيعَةَ الزَّوَال، فَكَم مِنْ فَرَحٍ يَتْبَعُهُ تَرَحٌ، أو ينقطع الفَرَح بالموت.
وَمَا أَحْوَجَنَا , عِبادَ الله , أنْ نَتَذَكَّرَ بِأفْرَاحِنَا هَذِهِ فِي الدُّنْيَا بِلاَد الأَفْرَاحِ الَّتِي تَنْتَظرُ الَمؤمِنَ يَومَ القِيَامَةِ.  أَتَدْرُونَ مَا بِلاَدُ الأفَرَاحِ الَّتِي لاَ حُزْنَ فِيهَا وَلاَ كَدَرَ؟! إِنَّهَا جَنَّةُ المَأْوَى. يَقُولُ ابنُ عَبَّاسٍ رَضي اللهُ عَنْهُمَا: (لَيسَ فِي الجَنَّةِ مِمَّا فِي الدُّنْيَا إلاَّ الأَسَماءَ).
إنها ( الجنة ) دار النعيم.. دار المقامة.. المقام الأمين.. ودار السرور.. قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم (( مَن دخلَها ينعَمُ ولا يبأسُ ، ويخلدُ ولا يموتُ ، لا تبلَى ثيابُهُم ، ولا يفنى شَبابُهُم )) رواه الترمذي وأحمد،
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «قال الله -تعالى-: أَعْدَدْتُ لعِبَادي الصَّالحين ما لا عَيْنٌ رأَت، ولا أُذُنٌ سَمِعَت، ولا خَطَر على قَلب بَشَر، واقْرَؤُوا إن شِئْتُمْ: (فلا تَعلم نفس ما أُخْفِي لهم من قُرَّة أَعْيُنِ جَزَاء بما كانوا يعملون). 
عباد الله : هذا الحَديثُ مِن الأحاديثِ القُدُسيَّةِ التي يَرويها النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن رَبِّ العزَّةِ تَبارَك وتعالَى، وفيه يقولُ: «قال اللهُ تبارَك وتعالَى: أعدَدْتُ»، أي: خلقْتُ وهيَّأْتُ في الجنَّةِ للعِبادِ الذين يَعمَلون الصَّالحاتِ، ويَسْعَون في الخيرِ، ما لم تَرَه عيْنٌ، ولم تَسمعْ به وبوصْفِه أُذنٌ في الدُّنيا، «ولا خَطَر على قلْبِ بشَرٍ»،يعني: ما أُعِدَّ لهم في الجَنَّة من النَّعيم المُقيم لا يخطر على قلب أحد، وكل ما جاء على بالهم،
فإن ما في الجَنَّة أفضل مما خَطر على قلوبهم؛ وهذا من إكرام الله لهم على امتثالهم لأوامر الله، واجتنابهم نواهيه، وتحمل المشقة في سبيل الله، فكان الجزاء من جِنس العمل.
واستشهد أبو هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه بقَولِ اللهِ تعالى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}
عباد الله وورد وصف الجنة ونعيمها في كتاب الله في آيات كثيرة منها قول الله تعالى:  (( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ (46) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ (47) لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ 
(( وقال تعالى )) 
يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ 
(( وقال تعالى ))  
 إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ (27) عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ   ((والآيات في الباب كثيرة معلومة.
عباد الله وقد وصف رسول الله صلى الله أهل الجنة فقال (( إنّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إضَاءَةً، لا يَبُولُونَ، وَلا يَتَغَوَّطُونَ، وَلا يَتْفِلُونَ، وَلا يَمْتَخِطُونَ، أَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ، وَرَشْحُهُمُ المِسْكُ، وَمَجَامِرُهُمُ الألُوَّةُ، وَأَزْوَاجُهُمُ الحُورُ العِينُ، عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، عَلَى صُورَةِ أَبِيْهِمْ آدَمَ سِتُّونَ ذِرَاعاً فِي السَّمَاءِ )). متفق عليه.
وَمَجَامِرُهُمُ الألُوَّةُ يعني أنَّ بَخُورَهم الَّذي تتَّقدُ به مَجامرُهم هو العُودُ الهِنديُّ، الَّذي هو مِن أطيبِ الطِّيبِ وأَزكى البَخورِ
عباد الله أَمَّا أَدْنَى أَهلِ الجَنَّةِ فِيهَا فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم (( إني لأعْلمُ آخِرَ أهْلِ النَّار خُرُوجًا منها ـ أوْ: آخرَ أهل الجنةِ دُخُولاً فِيهَا ـ: رجلٌ يخرُجُ منَ النَّارِ حَبْوًا، فيقولُ اللهُ لَهُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الجنَّةَ، فيأْتِيهَا فيُخَيَّلُ إليهِ أنَّهَا مَلأَى، فيرْجعُ فيقولُ: يا رَبِّ، وجَدْتُهَا مَلأَى، فيقولُ اللهُ عزَّ وجَلَّ له: اذْهبْ فادْخُلِ الجنَّةَ، فيَأْتيها فيُخَيَّلُ إليه أنها مَلأَى، فيقولُ: وجدْتُها مَلأَى، فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: اذْهَبْ فادْخُلِ الجنَّةَ، فإنَّ لكَ مِثْلَ الدُّنيا وعَشَرَةَ أمْثالِها، فَيقُولُ: أتَسْخرُ بِي وْأنْتَ المَلِكُ؟ ! قَالَ الرَّاوِي: فَلَقَدْ رَأَيْتُ رسولَ اللهِ   ضَحِكَ حتَّى بدَتْ نوَاجِذُهُ، فكانَ يقولُ:   ذلكَ أَدْنَى أهلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً )). متفق عليه
وعن صُهَيبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال (( إذا دخَلَ أهلُ الجنَّةِ الجنَّةَ، يَقولُ اللهُ تبارك وتعالى: تُريدونَ شَيئًا أزيدُكم؟ فيقولون: ألم تُبَيِّضْ وُجوهَنا؟! ألم تُدخِلْنا الجنَّةَ، وتُنْجِنا من النَّارِ؟! قال: فيَكشِفُ الحِجابَ، فما أُعطُوا شَيئًا أحَبَّ إليهم مِن النَّظَرِ إلى رَبِّهم عزَّ وجَلَّ، ثمَّ تلا هذه الآيةَ: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ )) رواه مسلم.
اللهم إنا نسألك الفردوس الأعلى من الجنة ، ونسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم.
بارك الله لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآياتِ والذكر الحكيم، ونفَعنا بهديِ سيّد المرسلين وبقوله القويم، أقول قولي هذا، وأستغفِر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِه وَصَحْبِهِ أَجْمَعينَ.
عباد الله ومَعَ هذا النعيم المقيم للجنّة التي عرضها السموات والأرض, فإنَّ كثيرًا منَ النَّاسِ يأبَونَ منْ دخُولِ الجنَّةِ ولا يرغَبُونَ فيها، وهم في ذلكَ في تمامِ عقُولِهم وكمالِ أجسَامِهم، قالَ رسولُ اللهِ   يومًا لأصْحابِهِ: ((كُلُّكُم يَدخُلُ الجنَّةَ إلا منْ أَبَى)) قالُوا: ومَنْ يَأْبَى يَا رسُولَ اللهِ؟! قال: ((مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصانِي فَقَدْ أَبَى)) رَواهُ البُخَارِيُّ.
عباد الله: وَيَقُولُ صلى الله عليه وسلم : ((أيُّها الناسُ، أطعِمُوا الطَّعامَ، وَصِلُوا الأرْحامَ، وصَلُّوا بِاللَّيلِ والناسُ نيامٌ؛ تدْخُلُوا الجَنَّةَ بِسَلامٍ)) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابنُ مَاجَه وَالحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
اللهم اجعلنا من أهل الجنة الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
عبادَ الله فصلّوا وسلِّموا على سيّد الأوّلين والآخرين وإمام المرسلين.
المرفقات

1627008478_الجنة بلاد الأفراح 13-12-1442.doc

المشاهدات 1298 | التعليقات 0