الجمال وبهاء العيد (خطبة عيد الفطر 1437هـ)
محمد بن مساعد السعد
1437/09/30 - 2016/07/05 19:25PM
الحمد لله وبعد:- فهذه الخطبة في أصلها لمعالي شيخنا د. صالح بن حميد -وفقه الله-
وقد اختصرت بعضها، وقمت بتشكيل بعض كلماتها،
وفي ختمها أضفت إشارة تتعلق بأحداث التفجير قرب الحرم النبوي وبعض الإضافات
وفقكم الله وعيدكم مبارك
ودونكموها
الخطبة الأولى
الحمد لله، عمَّنا نِعمًا وإنعامًا، والله أكبر منَحَنا عقولاً وأفهامًا، والحمد لله لا رادَّ لما أراد، والله أكبر ما لِرزقِه من نفاد، والحمد لله مُصرِّفِ الأوقات، والله أكبر مُيسِّرُ الأقوات، لا إله إلا الله قدَّر الأمور وقضاها، وعلى ما سبقَ من علمِه أجراها وأمضاها، سبحانه وبحمده خلق الإنسانَ وصوَّره، وكتبَ رزقَه والأجلَ قدَّرَه، وأشكرُه وأُثنِي عليه فله الحمدُ في الأولى والآخرة، والَى علينا نعَمَه وآلاءَه باطنةً وظاهرة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مُقِرًّا بتوحيده ومُعترِفًا، جلَّ جلالُه لم يزَل بصفات الكمال مُتَّصِفًا، إذا وعدَ وفَى، وإذا أوعدَ عفَا، وأشهد أن سيِّدنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسوله رفيعُ المقام جليلُ الجناب، اجتباه ربُّه واصطفاه، وقرَّبَه وأدناه، أنزل عليه ذكرًا حكيمًا، وهدَى به صراطًا مُستقيمًا، صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه، وعلى آله السادة الطيبين الأطهار، وأصحابه الغُرِّ الميامين الأخيار، المُهاجرين منهم والأنصار، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ ما تعاقبَ الليلُ والنهار.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً، وصلَّى الله وسلَّم وبارَك على سيِّدنا ونبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فأُوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله -عز وجل- اتقوا يومًا تُرجعون فيه إلى الله، يوم يُبعَث ما في القبور، ويُحصَّل ما في الصدور، يومَ يَنظرُ المرءُ ما قدَّمت يداه، يوم يعضُّ الظالمُ على يديه أسِفًا على ما اقترفَه وجنَاه ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18].
الله أكبر، وهو أحقُّ من عُبِد، والله أكبر، وهو أحقُّ من ذُكِر، والله أكبر، وهو أحقُّ من شُكِر.
معاشر المسلمين: عيدُكم سعيدٌ ويومُكم مُبارَك، وتقبَّل الله منا ومنكم الصيامَ والقيامَ وصالحَ الأعمال، البَسوا الجديد، واشكُروا العزيز الحميد في فرحٍ لا يُشغِل، وبهجةٍ لا تُبطِر.
هذا يومُ العيد، يومُ الزينة، يومٌ عظَّم الله قدرَه، وأفاضَ علينا من النِّعم ما يُوجِبُ شُكرَه. فاحمَدوا اللهَ على التمام، واستقيموا على شرائع الإسلام. كلُوا واشرَبوا، وتزيَّنُوا وتجمَّلُوا، (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ) [الأعراف: 26].
أيامُ العيد أيامُ بِشْرٍ وسُرور، وفرحٍ وحُبُور، فاستَديمُوا نِعَم الله بشُكرها. المُسلمُ كما يتَّصِلُ بربِّه عبادةً وشُكرًا يتَّصِلُ بخلقِه محبَّةً وإخاءً، ولُطفًا ومودَّة. يومُ فرحٍ وزينةٍ وعبادة. المسلم يؤمن بالله العظيم، ويحُضُّ على طعام المسكين، ليس مطلوبًا أن تُذرَفَ الدموعُ في العيد بُكاءً على المآسِي، ولا أن يعلُو الحزنُ على المُحيَّا اشتغالاً بالهُموم، ليس العيدُ لإحياء الأحزان وتذَاكُر الآلام؛ فهو يومُ الزينة، ويومُ الإحسان والبرِّ، ويومُ التزاوُر والتهادِي.
الله أكبر ما تنزَّلَت الرحماتُ من الكريم المنَّان، والله أكبر ما تواصلَت الصلوات على سيِّدنا محمدٍ سيِّد الثَّقَلَيْن الإنس والجان.
أيها المسلمون: لا يعيشُ المسلم فرحةَ العيد إلا حين يشعرُ بالبهجة في مشاعره، والسرور على مُحيَّاه، وقسَماتُ وجه المرء انعِكاساتٌ لدواخِله، والذي لا يُغيِّر ما بنفسِه لا يُغيِّرُ ما حولَه، ومن حقِّ أهل الإسلام في يوم عيدِهم أن يسمعوا حديثًا مُبهِجًا، وكلامًا مُؤنِسًا وبطبْعِ الإنسان أن يبتهِجَ بالهيئة الحسنة والمكانِ الفَسيح والمنظرِ البَهيج، وإذا كان ذلك كذلك فإن الحديثَ عن الجمال والزِّينة في يوم الزِّينة يُسهِمُ في الإسعاد في يوم العيد، والإبهاج في يوم البهجة.
الله أكبر، وربُّنا أحقُّ من حُمِد، والله أكبر، وربُّنا أجودُ من سُئِل، والله أكبر، وربُّنا أوسعُ من أعطى، والله أكبر كلما صلَّى المُصلُّون على صاحب اللواء والكوثَر.
أيها المسلمون: فطرَ الله النفوسَ على الإحساس بالجمال وحبِّه والميل إليه، وحبِّ الزينة والتجمُّل بها والأُنس بها، والتعلُّق بكل ما لطَفَ وأبهجَ من الألوان المتناسبة والمناظر المتناسقة، زينةٌ وتجمُّلٌ في النفوس، وزينةٌ وتجمُّلٌ من أجل الآخرين.الإنسان جسمٌ وروحٌ؛ جسمٌ حيٌّ يأكل ويشرب، ويعمل ويكدَح، وينام ويتعب. وروحٌ تتذوَّق المعاني والجمال، والزينةَ والبهجة.
الجمال والزينة تستهوِي النفوس، وتقَرُّ بها الأعيُن، وتلذُّ بها الأذواق، وقد جعل الله في الجمال والزينة الرضا والسعادة والبهجة، والجميل هو الذي يفيضُ حيويَّةً ويتلألأ بهجةً حيثما حلَّ، ومن مُنِح الاستمتاعَ بالجمال مُنِح السماحةَ والابتسامة، والهدوءَ والنظام، والإبداعَ والتفكير؛ حتى قالوا: "كلما رُزِق العبدُ نُبلاً ورفعةً ازدادَ جمالُه وازدادَ إحساسُه بالجمال وتمتُّعُه بالزينة".
الله أكبر وهو المُتوحِّدُ بكمال الجمال تعظيمًا وتكبيرًا، ولا إله إلا الله وهو المُتفرِّدُ بتصريف الأحوال على التفصيل والإجمال تقديرًا وتدبيرًا.
معاشر الأحبة: حبُّ الجمال والزينة مركوزٌ في الفِطَر، وقد اجتمع على ذلك الطبعُ والشرعُ، والجمالُ والزينة مقصدٌ من مقاصِد الشرع يمتنُّ بها اللهُ -جل جلالُه- على عباده. فليست النعمةُ والمنَّةُ من الله اللطيف الجميل قاصرةً على تلبية الضروريَّات والحاجيَّات من طعامٍ وشرابٍ ومركبٍ وملبسٍ؛ بل جعلَ بلُطفِه الزينةَ والجمالَ قرينةً للمنفعة، فقال -عزَّ شأنُه-: (وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [النحل: 5- 8].المنفعةُ في الأكل المُشبِع، واللباسِ الكاسِي، والغطاءِ الدافِئ، والمركبِ المُوصِل؛ فلله الحمدُ والشكر.
كتابُ ربِّنا جاء بالجمال، وحكَى الجمال، ودعا إلى الجمال، وامتلأ بمعاني الجمال، اقرأوا وتأمَّلوا: (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ * وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ) [ق: 6- 10].ويقول -جل وعلا-: (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ * وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ) [الملك: 3- 5]، ويقول تعالى: (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ) [الحجر: 16]، ويقول -عزَّ شأنه-: (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) [النمل: 60].ويقول -جلَّ في عُلاه-: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [غافر: 64].
يقول العلامة ابن القيم -رحمه الله-: "ولمحبَّته -سبحانه- للجمال أنزلَ على عباده لباسًا وزينةً تُجمِّلُ ظواهرَهم وتقوَى تُجمِّل بواطِنَهم، فقال -عزَّ شأنُه-: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) [الأعراف: 26]، وقال في أهل الجنة: (فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا) [الإنسان: 11، 12]. فجمَّل ظواهِرَهم بالنظر، وبواطِنَهم بالسرور، وأبدانَهم بالحرير".
الله أكبر والعزَّةُ لرسوله وللمؤمنين، والله أكبر والصلاة والسلام على نبيِّنا محمدٍ خاتم النبيين وسيِّد المرسلين.
أيها الإخوة:
أما اهتمامُ نبيِّنا محمدٍ - - بالجمال والزينة قولاً وفعلاً وتوجيهًا، فهذا ما امتلأت به سيرتُه -عليه الصلاة والسلام-، ودلَّ عليه كتابُ الله وسُنَّةُ المُصطفى محمدٍ - -، فقد أمرَه ربُّه في أوائل ما تنزَّل عليه: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) [المدثر: 4]، فامتثلَ لأمر ربِّه، فكان على أكمل الصفات خَلقًا وخُلُقًا.
وتأمَّلوا في وصف الصحابة -رضوان الله عليهم- للجمال المُحمّدي والبهاءِ النبوي والحُسنِ المُصطفوي، يقول هندُ بن أبي هالَة: "كان رسول الله - - فخمًا مُفخَّمًا يتلألأُ وجهُه تلألؤ القمر ليلة البدر". ويقول جابرُ بن سمُرة: "رأيتُ رسول الله - - في ليلة أُضحيان، فجعلتُ أنظرُ إلى رسول الله - - وإلى القمر وعليه حُلَّةٌ حمراء، فإذا هو عندي أحسنُ من القمر". رواه الترمذي.
وقال أنسٌ -رضي الله عنه-: "ما شممتُ عَنبرًا قطُّ ولا مِسكًا ولا شيئًا أطيبَ من رِيح رسول الله - -، ولا مسستُ شيئًا قطُّ ديباجًا ولا حريرًا أليَنَ مسًّا من رسول الله - -". رواه مسلم، ويقول أيضًا: "كان رسول الله - - يُكثِرُ دهن رأسه وتسريح لحيته".
وإذا سمِع هذا بعضُ من لا فِقهَ عنده قال: نحنُ مشغولون بهموم الأمة! وهل هو أكثرُ شغلاً وهمًّا من رسول الله - -؟!
بل كان -عليه الصلاة والسلام- يحثُّ أصحابَه ويتعهَّدهم بتوجيهاته ونُصحِه على أخْذ الزينة، حتى يكونوا شامةً في الناس. أخرج الإمام أحمد عن سهل بن الحنظليَّة -رضي الله عنه- قال: كنا مع رسول الله - - فقال: "إنكم قادِمون على إخوانِكم، فأصلِحوا رِحالَكم، وأصلِحوا لباسَكم، حتى تكونوا في الناس كأنَّكم شامةً؛ فإن الله لا يحبُّ الفُحشَ ولا التفحُّش".
وكان يتأذَّى من إهمال حُسن المنظر والزِّينة؛ رأى رجلاً شعِثًا قد تفرَّق شعرُه، فقال: "أما كان هذا يجِدُ ما يُسكِّنُ به شعرَه؟!". رواه أبو داود، ورأى النبيُّ - - أبا الأحوص الجُشميّ وعليه أطمارٌ -يعني: ثيابًا بالِية-، فقال: "هل لك مالٌ؟!". قلت: نعم. قال: "من أي المال؟!". قلت: من كل ما آتى الله: من الإبل والشاء، قال: "فلتُرَ نعمتُه وكرامتُه عليك". رواه الإمام أحمد.
الله أكبر ما أجزلَ للصائمين الثوابَ، والله أكبر ما ألبَسَهم جميلَ الثياب.
أيها المبتهجون بالعيد: وقد امتثلَ الصحابةُ -رضوان الله عليهم- ثم السلفُ الصالح من بعدهم نهجَ نبيِّهم -عليه الصلاة والسلام- وتوجيهاته وحُسن التأسِّي به؛ فهذا عُمر -رضي الله عنه- يقول: "مروءةُ الرجل نقاءُ ثوبه".
وكان ابن مسعود يُعجِبُه إذا قام إلى الصلاة الرِّيحُ الطيبة والثيابُ النقيَّة.
وحينما ذهب ابن عباس -رضي الله عنه- لمُجادلة الخوارِج لبِسَ أحسن ما يكونُ من حُلَل اليمن وأتاهم، فقالوا: مرحبًا بك يا ابن عباس، ما هذه الحُلَّة؟! قال: "ما تَعيبُون عليَّ؟! لقد رأيتُ على رسول الله - - أحسنَ ما يكونُ من حُلَل".
وقال الميموني -من أصحاب الإمام أحمد-: "ما رأيتُ أحدًا أنظفَ ثوبًا، ولا أشدَّ تعاهُدًا لنفسِه في شاربِه ورأسه وشعر بدنِه ولا أنقَى ثوبًا وأشدَّ بياضًا من أحمد بن حنبل". وقالت الأدباء: "المروءةُ الظاهرة في الثياب الطاهرة".
معاشر الأحبة: إن الجمال نعمةٌ من أتمِّ النِّعَم، وهو زينٌ كلُّه إذا رآه المرءُ في الناس والأشياء اطمأنَّت نفسُه ودخل عليه السرورُ والبهجة، ولا يرى الجمالَ إلا الجميل. فكُن جميلاً ترى الوجود كلَّه جميلاً، كُن جميلاً ترى أنسامَ الجمال تهُبُّ رقراقَةً حيث تشاء، شهْدًا في عروقِك وأنفاسِك، وعذوبةً في اللِّسان كمنطقِك، وطِيبًا في أنفِك وذوقِك.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ * قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [الأعراف: 31، 32].
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بُكرةً وأصيلاً، واستغفِروه يغفِر لكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، والله أكبر ذو القُدرة القاهرة، وسبحان الله وبحمده له الحُجَج البالغة والآيات الباهِرة، والحمدُ لله والشكرُ له على آلائِه الباطنة والظاهرة، ونِعَمه الوافِرة المُتواتِرة، لا إله إلا هو يرِثُ الأرضَ ومن عليها، ويُعيدُ الخلائِقَ منها وإليها، ويُجازِيها بما لها وما عليها، أحمدُه -سبحانه- وأشكره، وأُسبِّحُه وأُكبِّرُه ليس لفضلِه حدٌّ ولا لإحسانِه مُنتهَى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحمدُ في الآخرة والأُولَى، وأشهد أن سيِّدنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسوله الحبيبُ المُصطفَى، والخليلُ المُجتبَى، المبعوثُ بالرحمة والهُدى، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله السادة الطيبين الشُّرفاء، وأصحابه الغُرِّ الميامين الحُنفاء، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ وعلى هديِهم سار، وعلى طريقِهم اقتفَى، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، والله أكبر وهو العظيمُ جُودُه، الكثيرُ موجودُه، المُتعالِي بعظمته ومجدِه، نزَّل الفُرقان على عبدِه ليكون للعالمين نذيرًا.
أما بعد: فالإسلام غرسَ حبَّ الجمال وإدراك الزِّينة في أعماق المُسلم، فيُشاهِدُ الجمال، ويستمتِعُ بمباهِج الزِّينة مبثوثةً في الكون كلِّه تتجلَّى في صُنع الله الذي أتقنَ كلَّ شيء، وفي خلقِه الذي أحسنَ كلَّ شيءٍ خلقَه، (مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ) [الملك: 3]، والذي خلقَكم فأحسنَ صُورَكم، وجعلَكم في أحسن تقويم.
إيقاظٌ للشعور بالجمال ومواطن الزِّينة التي أودعَها الله في خلقِه في هذا الكون الفَسيح من فوقِنا ومن تحتنا ومن حولِنا؛ لتمتلِئَ الأعيُنُ والآذانُ والقلوبُ والنفوسُ بهجةً وسرورًا في جمال الطبيعة، في سُهولِها ووِهادِها، وبِحارِها وأنهارها، وجبالِها وصحرائِها، وأطيارِها وأزهارِها.أبدعَ الخالقُ خلقَها، وأتقنَ صُنعَها، فخلبَت الألباب، وأثارَت الفِكرَ والتأمُّل، وفتحَت الأبوابَ نحو الإيمان واليقين والتوحيد وحُسن التعبُّد.
معاشر المسلمين: ومع هذا كلِّه ووضوحِه وجلائِه، إلا أن الجمالَ في الإسلام لا يرتبِطُ بالمظاهر الحسِّيَّة وحدَها، ولكنَّه مُرتَّبٌ ومُنظَّمٌ ومُرشَّد؛ فالمرأةُ الجميلة لا يجوزُ أن تكون أداةً في إثارة الشهوة المُحرَّمة، وارتِكاب الرَّذائِل، فضلاً عن أن تكون أداةً لتسويق البضائِع وترويج السِّلَع.
وليس الجمالُ في جرِّ الرِّجال للإزار وإسبال الثياب كِبرًا ورياءً، ولا بتخلِّي المُؤمنات عن الحِشمة والعِفَّة والحياء.
نعم، المحمودُ منه ما أعانَ على طاعَة الله كما كان - - يتجمَّلُ للوفود، والمذمومُ ما كان للدنيا والفخر والخُيَلاء، والتوصُّل إلى الشهوة المُحرَّمة، أو أن يكون غايةَ العبد وأقصَى همَّتِه ومطلبِه.
المطلوبُ أن يُجمِّلُ العبدُ قلبَه بالإخلاص لله ومحبَّته والتوكُّل عليه والإنابَة إليه. ولِسانَه بالصدق، وحُسن المنطق، وعُذوبَة اللَّفظ. والجوارِح بالطاعة، والعمل النافع. وبدنَه بإظهار نعَم الله عليه في لِباسِه، وتطهيرِه من الأنجاسِ والأوساخِ والمُستقذرَات.
إنه الجمالُ في مجالاته الحقَّة، والزِّينةُ في ميادينها النقيَّة،
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.الله أكبر كبيرًا، والحمدُ لله كثيرًا، وسبحان الله كثيرًا، وصلَّى الله وسلَّم على سيِّدنا محمدٍ وعلى آله وصحبِه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
ألا فاهنأوا بعيدكم، وأصلِحوا ذاتَ بينكم، والبَسوا وتجمَّلوا، وكلُوا واشربُوا ولا تُسرِفوا، وأطيعوا اللهَ ورسولَه إن كنتم مؤمنين؛ فالعيدُ فرحةٌ وبهجةٌ، فمن أحبَّ أن يُسامِحَه الناسُ فليُسامِحهم، ومن أحبَّ أن يقبَلَه الناس فليتجمَّل لهم، ومن زادَ حبُّ لنفسِه ازدادَ كرهُ الناس له، الأُلفةُ دليلُ حُسن الخُلُق، والنُّفرةُ علامةُ سوء الخُلُق.
لا يسعَدُ بالعيد من عقَّ والدَيه وحُرِم الرضا في هذا اليوم المُبارك السعيد، ولا يسعَدُ بالعيد من يحسُد الناسَ على ما آتاهم الله من فضله،
وليس العيدُ لخائنٍ خارجي غشَّاشٍ يقتل رجال الأمن والمسلمين غدرًا بل وفي حرم الله؛ فهذا شقي في الدنيا والآخرة، وإن ظن نفسه شهيدًا، فهو فاجر خبيث،
أما الأبطال المغدورون فميتهم سعيد وهو بإذن الله شهيد ففي الحديث (طوبى لمن قتلهم –أي الخوارج -وطوبى لمن قتلوه)؛ وأما مصابهم وجريحهم فهو بالعيد سعيد، وعند الناس محمود عزيز ، ويرجى له عند الكريمِ الثوابُ الجزيل، فطيبوا نفسًا أيها البواسل، واهنؤوا بعيدكم واثبتوا واصبروا واحتسبوا واحترسوا وامتثلوا، وأبشروا وأمّلوا واستعينوا بربكم
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
ثم اعلموا أن من مظاهر الإحسان بعد رمضان: استِدامةُ العبد على نهج الطاعة والاستقامة، وإتباعُ الحسنة الحسنة، وقد ندَبَكم نبيُّكم محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- بأن تُتبِعوا رمضان بستٍّ من شوال؛ فمن فعل فكأنما صامَ الدهرَ كلَّه.
تقبَّل الله منا ومنكم الصيامَ والقيامَ وسائر الطاعات والأعمال الصالحات،
اللهم أعد علينا رمضان أعوامًا عديدة وأزمنة مديدة ونحن في صحة وأمن وإيمان،
اللهم تقبل صيامنا وقيامنا وسائر أعمالنا وتجاوز عن تقصيرنا وتفريطنا، وتفضل بقبول يسير عملنا وبارك لنا فيه
اللهم اجعلنا ممن قام ليلة القدر وفاز بالعظيم من الأجر، اللهم اجعلنا ممن أعتقته بكرمك من النار
اللهم إنا نسألك غفران الذنوب وستر العيوب وجناتك جنات الخلود ياكريم ياودود
اللهم اغفر لأمهاتنا وآبائنا وإخواننا وأزوجِنا وأولادنا وقراباتنا
اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها
اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها ....
اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء وشماتة الأعداء وسوء القضاء
اللهم أصلح ولي أمرنا وكافة ولاة أمور المسلمين يارب العالمين، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين
اللهم عليك بالخوارج المارقين، والمعتدين الفاجرين، وأبطل كيدهم، واجعل تدبيرهم تدميرهم، واكفنا والمسلمين شرورهم
اللهم فرج هم المهمومين .....
اللهم أصلح نساء المسلمين وشبابهم وحبب إليهم الإيمان وزينه في قلبوهم وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان ..
سبحان رب العزة ....
وقد اختصرت بعضها، وقمت بتشكيل بعض كلماتها،
وفي ختمها أضفت إشارة تتعلق بأحداث التفجير قرب الحرم النبوي وبعض الإضافات
وفقكم الله وعيدكم مبارك
ودونكموها
الخطبة الأولى
الحمد لله، عمَّنا نِعمًا وإنعامًا، والله أكبر منَحَنا عقولاً وأفهامًا، والحمد لله لا رادَّ لما أراد، والله أكبر ما لِرزقِه من نفاد، والحمد لله مُصرِّفِ الأوقات، والله أكبر مُيسِّرُ الأقوات، لا إله إلا الله قدَّر الأمور وقضاها، وعلى ما سبقَ من علمِه أجراها وأمضاها، سبحانه وبحمده خلق الإنسانَ وصوَّره، وكتبَ رزقَه والأجلَ قدَّرَه، وأشكرُه وأُثنِي عليه فله الحمدُ في الأولى والآخرة، والَى علينا نعَمَه وآلاءَه باطنةً وظاهرة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مُقِرًّا بتوحيده ومُعترِفًا، جلَّ جلالُه لم يزَل بصفات الكمال مُتَّصِفًا، إذا وعدَ وفَى، وإذا أوعدَ عفَا، وأشهد أن سيِّدنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسوله رفيعُ المقام جليلُ الجناب، اجتباه ربُّه واصطفاه، وقرَّبَه وأدناه، أنزل عليه ذكرًا حكيمًا، وهدَى به صراطًا مُستقيمًا، صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه، وعلى آله السادة الطيبين الأطهار، وأصحابه الغُرِّ الميامين الأخيار، المُهاجرين منهم والأنصار، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ ما تعاقبَ الليلُ والنهار.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً، وصلَّى الله وسلَّم وبارَك على سيِّدنا ونبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فأُوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله -عز وجل- اتقوا يومًا تُرجعون فيه إلى الله، يوم يُبعَث ما في القبور، ويُحصَّل ما في الصدور، يومَ يَنظرُ المرءُ ما قدَّمت يداه، يوم يعضُّ الظالمُ على يديه أسِفًا على ما اقترفَه وجنَاه ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18].
الله أكبر، وهو أحقُّ من عُبِد، والله أكبر، وهو أحقُّ من ذُكِر، والله أكبر، وهو أحقُّ من شُكِر.
معاشر المسلمين: عيدُكم سعيدٌ ويومُكم مُبارَك، وتقبَّل الله منا ومنكم الصيامَ والقيامَ وصالحَ الأعمال، البَسوا الجديد، واشكُروا العزيز الحميد في فرحٍ لا يُشغِل، وبهجةٍ لا تُبطِر.
هذا يومُ العيد، يومُ الزينة، يومٌ عظَّم الله قدرَه، وأفاضَ علينا من النِّعم ما يُوجِبُ شُكرَه. فاحمَدوا اللهَ على التمام، واستقيموا على شرائع الإسلام. كلُوا واشرَبوا، وتزيَّنُوا وتجمَّلُوا، (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ) [الأعراف: 26].
أيامُ العيد أيامُ بِشْرٍ وسُرور، وفرحٍ وحُبُور، فاستَديمُوا نِعَم الله بشُكرها. المُسلمُ كما يتَّصِلُ بربِّه عبادةً وشُكرًا يتَّصِلُ بخلقِه محبَّةً وإخاءً، ولُطفًا ومودَّة. يومُ فرحٍ وزينةٍ وعبادة. المسلم يؤمن بالله العظيم، ويحُضُّ على طعام المسكين، ليس مطلوبًا أن تُذرَفَ الدموعُ في العيد بُكاءً على المآسِي، ولا أن يعلُو الحزنُ على المُحيَّا اشتغالاً بالهُموم، ليس العيدُ لإحياء الأحزان وتذَاكُر الآلام؛ فهو يومُ الزينة، ويومُ الإحسان والبرِّ، ويومُ التزاوُر والتهادِي.
الله أكبر ما تنزَّلَت الرحماتُ من الكريم المنَّان، والله أكبر ما تواصلَت الصلوات على سيِّدنا محمدٍ سيِّد الثَّقَلَيْن الإنس والجان.
أيها المسلمون: لا يعيشُ المسلم فرحةَ العيد إلا حين يشعرُ بالبهجة في مشاعره، والسرور على مُحيَّاه، وقسَماتُ وجه المرء انعِكاساتٌ لدواخِله، والذي لا يُغيِّر ما بنفسِه لا يُغيِّرُ ما حولَه، ومن حقِّ أهل الإسلام في يوم عيدِهم أن يسمعوا حديثًا مُبهِجًا، وكلامًا مُؤنِسًا وبطبْعِ الإنسان أن يبتهِجَ بالهيئة الحسنة والمكانِ الفَسيح والمنظرِ البَهيج، وإذا كان ذلك كذلك فإن الحديثَ عن الجمال والزِّينة في يوم الزِّينة يُسهِمُ في الإسعاد في يوم العيد، والإبهاج في يوم البهجة.
الله أكبر، وربُّنا أحقُّ من حُمِد، والله أكبر، وربُّنا أجودُ من سُئِل، والله أكبر، وربُّنا أوسعُ من أعطى، والله أكبر كلما صلَّى المُصلُّون على صاحب اللواء والكوثَر.
أيها المسلمون: فطرَ الله النفوسَ على الإحساس بالجمال وحبِّه والميل إليه، وحبِّ الزينة والتجمُّل بها والأُنس بها، والتعلُّق بكل ما لطَفَ وأبهجَ من الألوان المتناسبة والمناظر المتناسقة، زينةٌ وتجمُّلٌ في النفوس، وزينةٌ وتجمُّلٌ من أجل الآخرين.الإنسان جسمٌ وروحٌ؛ جسمٌ حيٌّ يأكل ويشرب، ويعمل ويكدَح، وينام ويتعب. وروحٌ تتذوَّق المعاني والجمال، والزينةَ والبهجة.
الجمال والزينة تستهوِي النفوس، وتقَرُّ بها الأعيُن، وتلذُّ بها الأذواق، وقد جعل الله في الجمال والزينة الرضا والسعادة والبهجة، والجميل هو الذي يفيضُ حيويَّةً ويتلألأ بهجةً حيثما حلَّ، ومن مُنِح الاستمتاعَ بالجمال مُنِح السماحةَ والابتسامة، والهدوءَ والنظام، والإبداعَ والتفكير؛ حتى قالوا: "كلما رُزِق العبدُ نُبلاً ورفعةً ازدادَ جمالُه وازدادَ إحساسُه بالجمال وتمتُّعُه بالزينة".
الله أكبر وهو المُتوحِّدُ بكمال الجمال تعظيمًا وتكبيرًا، ولا إله إلا الله وهو المُتفرِّدُ بتصريف الأحوال على التفصيل والإجمال تقديرًا وتدبيرًا.
معاشر الأحبة: حبُّ الجمال والزينة مركوزٌ في الفِطَر، وقد اجتمع على ذلك الطبعُ والشرعُ، والجمالُ والزينة مقصدٌ من مقاصِد الشرع يمتنُّ بها اللهُ -جل جلالُه- على عباده. فليست النعمةُ والمنَّةُ من الله اللطيف الجميل قاصرةً على تلبية الضروريَّات والحاجيَّات من طعامٍ وشرابٍ ومركبٍ وملبسٍ؛ بل جعلَ بلُطفِه الزينةَ والجمالَ قرينةً للمنفعة، فقال -عزَّ شأنُه-: (وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [النحل: 5- 8].المنفعةُ في الأكل المُشبِع، واللباسِ الكاسِي، والغطاءِ الدافِئ، والمركبِ المُوصِل؛ فلله الحمدُ والشكر.
كتابُ ربِّنا جاء بالجمال، وحكَى الجمال، ودعا إلى الجمال، وامتلأ بمعاني الجمال، اقرأوا وتأمَّلوا: (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ * وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ) [ق: 6- 10].ويقول -جل وعلا-: (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ * وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ) [الملك: 3- 5]، ويقول تعالى: (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ) [الحجر: 16]، ويقول -عزَّ شأنه-: (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) [النمل: 60].ويقول -جلَّ في عُلاه-: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [غافر: 64].
يقول العلامة ابن القيم -رحمه الله-: "ولمحبَّته -سبحانه- للجمال أنزلَ على عباده لباسًا وزينةً تُجمِّلُ ظواهرَهم وتقوَى تُجمِّل بواطِنَهم، فقال -عزَّ شأنُه-: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) [الأعراف: 26]، وقال في أهل الجنة: (فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا) [الإنسان: 11، 12]. فجمَّل ظواهِرَهم بالنظر، وبواطِنَهم بالسرور، وأبدانَهم بالحرير".
الله أكبر والعزَّةُ لرسوله وللمؤمنين، والله أكبر والصلاة والسلام على نبيِّنا محمدٍ خاتم النبيين وسيِّد المرسلين.
أيها الإخوة:
أما اهتمامُ نبيِّنا محمدٍ - - بالجمال والزينة قولاً وفعلاً وتوجيهًا، فهذا ما امتلأت به سيرتُه -عليه الصلاة والسلام-، ودلَّ عليه كتابُ الله وسُنَّةُ المُصطفى محمدٍ - -، فقد أمرَه ربُّه في أوائل ما تنزَّل عليه: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) [المدثر: 4]، فامتثلَ لأمر ربِّه، فكان على أكمل الصفات خَلقًا وخُلُقًا.
وتأمَّلوا في وصف الصحابة -رضوان الله عليهم- للجمال المُحمّدي والبهاءِ النبوي والحُسنِ المُصطفوي، يقول هندُ بن أبي هالَة: "كان رسول الله - - فخمًا مُفخَّمًا يتلألأُ وجهُه تلألؤ القمر ليلة البدر". ويقول جابرُ بن سمُرة: "رأيتُ رسول الله - - في ليلة أُضحيان، فجعلتُ أنظرُ إلى رسول الله - - وإلى القمر وعليه حُلَّةٌ حمراء، فإذا هو عندي أحسنُ من القمر". رواه الترمذي.
وقال أنسٌ -رضي الله عنه-: "ما شممتُ عَنبرًا قطُّ ولا مِسكًا ولا شيئًا أطيبَ من رِيح رسول الله - -، ولا مسستُ شيئًا قطُّ ديباجًا ولا حريرًا أليَنَ مسًّا من رسول الله - -". رواه مسلم، ويقول أيضًا: "كان رسول الله - - يُكثِرُ دهن رأسه وتسريح لحيته".
وإذا سمِع هذا بعضُ من لا فِقهَ عنده قال: نحنُ مشغولون بهموم الأمة! وهل هو أكثرُ شغلاً وهمًّا من رسول الله - -؟!
بل كان -عليه الصلاة والسلام- يحثُّ أصحابَه ويتعهَّدهم بتوجيهاته ونُصحِه على أخْذ الزينة، حتى يكونوا شامةً في الناس. أخرج الإمام أحمد عن سهل بن الحنظليَّة -رضي الله عنه- قال: كنا مع رسول الله - - فقال: "إنكم قادِمون على إخوانِكم، فأصلِحوا رِحالَكم، وأصلِحوا لباسَكم، حتى تكونوا في الناس كأنَّكم شامةً؛ فإن الله لا يحبُّ الفُحشَ ولا التفحُّش".
وكان يتأذَّى من إهمال حُسن المنظر والزِّينة؛ رأى رجلاً شعِثًا قد تفرَّق شعرُه، فقال: "أما كان هذا يجِدُ ما يُسكِّنُ به شعرَه؟!". رواه أبو داود، ورأى النبيُّ - - أبا الأحوص الجُشميّ وعليه أطمارٌ -يعني: ثيابًا بالِية-، فقال: "هل لك مالٌ؟!". قلت: نعم. قال: "من أي المال؟!". قلت: من كل ما آتى الله: من الإبل والشاء، قال: "فلتُرَ نعمتُه وكرامتُه عليك". رواه الإمام أحمد.
الله أكبر ما أجزلَ للصائمين الثوابَ، والله أكبر ما ألبَسَهم جميلَ الثياب.
أيها المبتهجون بالعيد: وقد امتثلَ الصحابةُ -رضوان الله عليهم- ثم السلفُ الصالح من بعدهم نهجَ نبيِّهم -عليه الصلاة والسلام- وتوجيهاته وحُسن التأسِّي به؛ فهذا عُمر -رضي الله عنه- يقول: "مروءةُ الرجل نقاءُ ثوبه".
وكان ابن مسعود يُعجِبُه إذا قام إلى الصلاة الرِّيحُ الطيبة والثيابُ النقيَّة.
وحينما ذهب ابن عباس -رضي الله عنه- لمُجادلة الخوارِج لبِسَ أحسن ما يكونُ من حُلَل اليمن وأتاهم، فقالوا: مرحبًا بك يا ابن عباس، ما هذه الحُلَّة؟! قال: "ما تَعيبُون عليَّ؟! لقد رأيتُ على رسول الله - - أحسنَ ما يكونُ من حُلَل".
وقال الميموني -من أصحاب الإمام أحمد-: "ما رأيتُ أحدًا أنظفَ ثوبًا، ولا أشدَّ تعاهُدًا لنفسِه في شاربِه ورأسه وشعر بدنِه ولا أنقَى ثوبًا وأشدَّ بياضًا من أحمد بن حنبل". وقالت الأدباء: "المروءةُ الظاهرة في الثياب الطاهرة".
معاشر الأحبة: إن الجمال نعمةٌ من أتمِّ النِّعَم، وهو زينٌ كلُّه إذا رآه المرءُ في الناس والأشياء اطمأنَّت نفسُه ودخل عليه السرورُ والبهجة، ولا يرى الجمالَ إلا الجميل. فكُن جميلاً ترى الوجود كلَّه جميلاً، كُن جميلاً ترى أنسامَ الجمال تهُبُّ رقراقَةً حيث تشاء، شهْدًا في عروقِك وأنفاسِك، وعذوبةً في اللِّسان كمنطقِك، وطِيبًا في أنفِك وذوقِك.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ * قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [الأعراف: 31، 32].
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بُكرةً وأصيلاً، واستغفِروه يغفِر لكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، والله أكبر ذو القُدرة القاهرة، وسبحان الله وبحمده له الحُجَج البالغة والآيات الباهِرة، والحمدُ لله والشكرُ له على آلائِه الباطنة والظاهرة، ونِعَمه الوافِرة المُتواتِرة، لا إله إلا هو يرِثُ الأرضَ ومن عليها، ويُعيدُ الخلائِقَ منها وإليها، ويُجازِيها بما لها وما عليها، أحمدُه -سبحانه- وأشكره، وأُسبِّحُه وأُكبِّرُه ليس لفضلِه حدٌّ ولا لإحسانِه مُنتهَى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحمدُ في الآخرة والأُولَى، وأشهد أن سيِّدنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسوله الحبيبُ المُصطفَى، والخليلُ المُجتبَى، المبعوثُ بالرحمة والهُدى، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله السادة الطيبين الشُّرفاء، وأصحابه الغُرِّ الميامين الحُنفاء، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ وعلى هديِهم سار، وعلى طريقِهم اقتفَى، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، والله أكبر وهو العظيمُ جُودُه، الكثيرُ موجودُه، المُتعالِي بعظمته ومجدِه، نزَّل الفُرقان على عبدِه ليكون للعالمين نذيرًا.
أما بعد: فالإسلام غرسَ حبَّ الجمال وإدراك الزِّينة في أعماق المُسلم، فيُشاهِدُ الجمال، ويستمتِعُ بمباهِج الزِّينة مبثوثةً في الكون كلِّه تتجلَّى في صُنع الله الذي أتقنَ كلَّ شيء، وفي خلقِه الذي أحسنَ كلَّ شيءٍ خلقَه، (مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ) [الملك: 3]، والذي خلقَكم فأحسنَ صُورَكم، وجعلَكم في أحسن تقويم.
إيقاظٌ للشعور بالجمال ومواطن الزِّينة التي أودعَها الله في خلقِه في هذا الكون الفَسيح من فوقِنا ومن تحتنا ومن حولِنا؛ لتمتلِئَ الأعيُنُ والآذانُ والقلوبُ والنفوسُ بهجةً وسرورًا في جمال الطبيعة، في سُهولِها ووِهادِها، وبِحارِها وأنهارها، وجبالِها وصحرائِها، وأطيارِها وأزهارِها.أبدعَ الخالقُ خلقَها، وأتقنَ صُنعَها، فخلبَت الألباب، وأثارَت الفِكرَ والتأمُّل، وفتحَت الأبوابَ نحو الإيمان واليقين والتوحيد وحُسن التعبُّد.
معاشر المسلمين: ومع هذا كلِّه ووضوحِه وجلائِه، إلا أن الجمالَ في الإسلام لا يرتبِطُ بالمظاهر الحسِّيَّة وحدَها، ولكنَّه مُرتَّبٌ ومُنظَّمٌ ومُرشَّد؛ فالمرأةُ الجميلة لا يجوزُ أن تكون أداةً في إثارة الشهوة المُحرَّمة، وارتِكاب الرَّذائِل، فضلاً عن أن تكون أداةً لتسويق البضائِع وترويج السِّلَع.
وليس الجمالُ في جرِّ الرِّجال للإزار وإسبال الثياب كِبرًا ورياءً، ولا بتخلِّي المُؤمنات عن الحِشمة والعِفَّة والحياء.
نعم، المحمودُ منه ما أعانَ على طاعَة الله كما كان - - يتجمَّلُ للوفود، والمذمومُ ما كان للدنيا والفخر والخُيَلاء، والتوصُّل إلى الشهوة المُحرَّمة، أو أن يكون غايةَ العبد وأقصَى همَّتِه ومطلبِه.
المطلوبُ أن يُجمِّلُ العبدُ قلبَه بالإخلاص لله ومحبَّته والتوكُّل عليه والإنابَة إليه. ولِسانَه بالصدق، وحُسن المنطق، وعُذوبَة اللَّفظ. والجوارِح بالطاعة، والعمل النافع. وبدنَه بإظهار نعَم الله عليه في لِباسِه، وتطهيرِه من الأنجاسِ والأوساخِ والمُستقذرَات.
إنه الجمالُ في مجالاته الحقَّة، والزِّينةُ في ميادينها النقيَّة،
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.الله أكبر كبيرًا، والحمدُ لله كثيرًا، وسبحان الله كثيرًا، وصلَّى الله وسلَّم على سيِّدنا محمدٍ وعلى آله وصحبِه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
ألا فاهنأوا بعيدكم، وأصلِحوا ذاتَ بينكم، والبَسوا وتجمَّلوا، وكلُوا واشربُوا ولا تُسرِفوا، وأطيعوا اللهَ ورسولَه إن كنتم مؤمنين؛ فالعيدُ فرحةٌ وبهجةٌ، فمن أحبَّ أن يُسامِحَه الناسُ فليُسامِحهم، ومن أحبَّ أن يقبَلَه الناس فليتجمَّل لهم، ومن زادَ حبُّ لنفسِه ازدادَ كرهُ الناس له، الأُلفةُ دليلُ حُسن الخُلُق، والنُّفرةُ علامةُ سوء الخُلُق.
لا يسعَدُ بالعيد من عقَّ والدَيه وحُرِم الرضا في هذا اليوم المُبارك السعيد، ولا يسعَدُ بالعيد من يحسُد الناسَ على ما آتاهم الله من فضله،
وليس العيدُ لخائنٍ خارجي غشَّاشٍ يقتل رجال الأمن والمسلمين غدرًا بل وفي حرم الله؛ فهذا شقي في الدنيا والآخرة، وإن ظن نفسه شهيدًا، فهو فاجر خبيث،
أما الأبطال المغدورون فميتهم سعيد وهو بإذن الله شهيد ففي الحديث (طوبى لمن قتلهم –أي الخوارج -وطوبى لمن قتلوه)؛ وأما مصابهم وجريحهم فهو بالعيد سعيد، وعند الناس محمود عزيز ، ويرجى له عند الكريمِ الثوابُ الجزيل، فطيبوا نفسًا أيها البواسل، واهنؤوا بعيدكم واثبتوا واصبروا واحتسبوا واحترسوا وامتثلوا، وأبشروا وأمّلوا واستعينوا بربكم
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
ثم اعلموا أن من مظاهر الإحسان بعد رمضان: استِدامةُ العبد على نهج الطاعة والاستقامة، وإتباعُ الحسنة الحسنة، وقد ندَبَكم نبيُّكم محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- بأن تُتبِعوا رمضان بستٍّ من شوال؛ فمن فعل فكأنما صامَ الدهرَ كلَّه.
تقبَّل الله منا ومنكم الصيامَ والقيامَ وسائر الطاعات والأعمال الصالحات،
اللهم أعد علينا رمضان أعوامًا عديدة وأزمنة مديدة ونحن في صحة وأمن وإيمان،
اللهم تقبل صيامنا وقيامنا وسائر أعمالنا وتجاوز عن تقصيرنا وتفريطنا، وتفضل بقبول يسير عملنا وبارك لنا فيه
اللهم اجعلنا ممن قام ليلة القدر وفاز بالعظيم من الأجر، اللهم اجعلنا ممن أعتقته بكرمك من النار
اللهم إنا نسألك غفران الذنوب وستر العيوب وجناتك جنات الخلود ياكريم ياودود
اللهم اغفر لأمهاتنا وآبائنا وإخواننا وأزوجِنا وأولادنا وقراباتنا
اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها
اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها ....
اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء وشماتة الأعداء وسوء القضاء
اللهم أصلح ولي أمرنا وكافة ولاة أمور المسلمين يارب العالمين، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين
اللهم عليك بالخوارج المارقين، والمعتدين الفاجرين، وأبطل كيدهم، واجعل تدبيرهم تدميرهم، واكفنا والمسلمين شرورهم
اللهم فرج هم المهمومين .....
اللهم أصلح نساء المسلمين وشبابهم وحبب إليهم الإيمان وزينه في قلبوهم وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان ..
سبحان رب العزة ....
Quote:
المرفقات
خطبة عيد الفطر1437.doc
خطبة عيد الفطر1437.doc