الجفاء .. مشكلة الأزواج // أميمة الجابر

احمد ابوبكر
1435/08/24 - 2014/06/22 02:10AM
الشعور بالجفوة بين الزوجين سبب كل أزمة منزلية , ومبدأ كل خلاف , فقد تتصاعد المشاكل بين الأزواج وتظهر علامات العبوس في الوجوه ويشعر كل من الزوجين بمحنته وعدم راحة باله بمجرد التعرض لمشكلة ما – المشاكل العارضة قد تحدث يوميا -

يتعنت كل برأية ويرفض رأي الطرف الآخر , ويترك للشياطين فرصتها التي تسعى إليها بكل ما أوتيت من حيل للإفساد والتفريق , فهي لا ترجو الصلاح ولا الاستقرار للمسلمين وسعيها الأول هو أن تفرق بين الزوجين وتغظم قدر المشكلة في عيونهم يقول الله تعالى في سورة البقرة " فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه " . فتلك غايتهم وهذه شباكهم وخطتهم لذلك الهدف .

فتظل الزوجة أو الزوج يذكر كل منهما المشاكل السابقة لدى الآخر بمجرد التعرض لمشكلة ولو صغيرة , ويبدأ كل منهما بتذكر سيئآت الآخر وسقطاته , ناسيا كل حسنة أو خير أو جميل قد قام به من قبل تجاهه .

ويشعر كل منهما أثناء المشاكل أنه يعاني من الجفاء لدى الطرف الآخر , ويصعد هذا الشعور لديه وينميه عنده بعدة وسائل منها أن يعيش في قوقعته داخل البيت تاركا الحوار مع الطرف الآخر أو يكبر عنده الجفاء عندما ينظر لغيره من الأسر وكأنها الأسرة السعيدة الناجحة متصورا الفشل في أسرته وعدم متانة بنيانه .. لكنه لو دقق وعمق تفكيره ولو قليلا لعرف وظهرت له الحقيقة التي قد تغيب عليه .

أن متانة وقوة الأسرة ونجاحها ليست قاصرة على المظاهر ولكن تظهر في جواهر أفرادها , " أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أّمّن أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين " التوبة109
فالتعلق بالله تعالى يكسر كل الحواجز ويقرب القلوب لبعضها مجددا فيها الحياة , فإذا اهتم كل من الآخر بصلاح قلوب اسرته , وبتقوى الله تعالى , والقرب منه سبحانه لعرف أن في ذلك طريقا للسعادة والوصال المتبادل , ولخرج من دائرة السراب التي يضع نفسه فيها كفريسة لفكرة الجفاء !

ربما تكون فعلا نظرة كل من الزوجين إلى الآخر نظرة جافة , وقد يصح هذا الاحساس في بعض المواقف وبعض الاساليب , لكنه عارض ليس مستمرا , وقد يواكب الخلافات , وقد لا ينتهي بمجرد انتهاء المشكلة , لكنه يتغير , فلا داع للاستمرار نفسيا والتمادي في هذا الاحساس .

إن أسباب مشكلات الأزواج التي تفتح الأبواب للجفاء كثيرة , وقد يأتي كل ذلك نتيجة غياب المنهج الإسلامي في العلاقة التي بين الزوجين , والتي تنظم أحوال الأسرة بأكملها , فالمرأة الواعية هي التي تستفيد من كل خلاف , فتحاول قدر استطاعتها ألا تعود إليه أبدا , فالمؤمنة كيسة فطنة , ولابد أن تتخذ من المصالحة وسيلة جديد للترابط والتوافق فتعض عليها بالنواجز لتتحدى من خلال ذلك الجفاء بل تبادله بوصال .

أيضا شيء هام وهو ترك الأزواج للمشكلات التي تواجههما دون الجلوس ووضع منهج محدد للتغلب عليها مما يضخم ويعصف أمواج هذه المشكلات طوال حياتهما , وذلك سبيل لموجة جفاء قد تكون طويلة بينهما , فإن وضع المنهج المحدد والجلوس سويا قد يغلق طريق الاحساس بالجفاء لدى الطرفين .

ولابد أن يلجأ كل منهما فيما يتعلق بتلك المشاكل بالتمسك بالجوهر الإسلامي والأخذ بما جاء في القرآن والسنة ثم عرض المشكلة على هذا المنهج والخضوع والاحترام لرأي الدين فيها .

وقد علمنا ديننا العظيم بعض الطرق ربما تكون من مفاتيح الخير بين الزوجين أو تكون من سبل التواصل منها وطرد الجفاء :
1- البشاشة من الطرفين لدى الآخر , فالوجه البشوش قادر على تغيير الأمر من حال إلى حال , يقول صلى الله عليه وسلم " تبسمك في وجه أخيك صدقه " فكيف لو كانت هذه الابتسامة من أحد الزوجين تجاه الآخر ؟
2- محاولة الحوار والمشورة في أحوال البيت والأولاد أو في أي شيء آخر , ورجاء - أثناء المشورة - أن يتسع الصدر في السمع ويبدي الاهتمام لرأي من أمامه دون الرد بالكلمة الحادة أو الهزلية التي قد تفسد جوهر الحوار .
3- الهدية المتبادلة بين الزوجين ولو قليلة , والمتبادلة بينهم وبين الأبناء , فالهدية كما نصح رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم رسول للمحبة وقال فيها " تهادوا تحابوا " .

4- اهتمام كل من الزوجين بالآخر فلا تهتم الزوجة بالأبناء على حساب الزوج , ولا يفرط الزوج في بعض مسؤولياته الأسرية تجاه زوجته أو أبنائه أو ضيوفه أو أهل زوجته أو أقاربها أو غير ذلك .

5- عدم الاهمال من قبل أحد الزوجين في أداء حقوق الطرف الآخر حتى لا يتصاعد الشعور بالجفاء .
6- تغيير الزوجة نفسها فالتربية الخاطئة للزوجة قد تكون مشكلة كل ذلك , فقد تكون نشأت في بيت أبيها متخذة والدتها قدوة لها , فرأت أمها في صورة الرقيب أو الشرطي لزوجها مستحوذة على كل شيء فتقوم هي الأخرى بدور أمها مع زوجها مما يضخم ويسبب انهيار العلاقة بينهما .
إن البعد وتطويل فترة الخلاف بين الزوجين يزرع فجوة بينهما فخير الزوجين من يبدأ بالوصل ويقبل على الطرف الآخر ويصالحه ويصفح عنه وخيرهم عند الله تعالى من يبدأ بالسلام .

المصدر: المسلم
المرفقات

480.doc

المشاهدات 1367 | التعليقات 1

القرآن الكريم وسُنّة النبيّ صلى الله عليه وسلم في علاجِ ظاهِرَةِ النفور بين الزوجين أرشَدَ الزوجينِ عندَ حصولِ هذا النفور في النفس إلى عدمِ الاكتفاءِ بالشُّعورِ النفسيِّ وحده ، فذلكَ لا يعطي للإنسانِ الموقفَ الصحيحَ النهائيَّ من الشيء ، بل عليهِ أن يضبطَ شعورَهُ النفسيَّ بمراجعةِ الموقفِ الفكريِّ من الشيءِ المكروه، فربَّما كان شعورُهُ النفسيُّ ناتجًا عن موقفٍ فكريٍّ خاطئٍ أو متسرِّعٍ أو قاصِرٍ في إدراكِ ما عليهِ واقعُ الشيءِ من جميعِ الجِهات : قال تعالى [font=&quot]]فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً[font=&quot]{[/font] ( النساء " 19 ) [/font]
والمقصودُ أنَّ دِقَّةَ التصوُّرِ واتّزَانَهُ يحمِلانِ الشعورَ على الانضباطِ والإنصاف .
قال ابن عاشور : " وهذه حكمةٌ عظيمة ، إذ قد تكرَهُ النفوسُ ما في عاقِبَتِهِ خير ، فبعضُهُ يمكنُ التوصُّلُ إلى معرفةِ ما فيهِ من الخير عند غوصِ الرأي ، وبعضُهُ قد علمَ اللهُ أنَّ فيهِ خيرًا لكنَّهُ لم يظهر للناس . . . ، والمقصودُ من هذا : الإرشادُ إلى إعماقِ النَّظَر ، وتغلغُلِ الرأيِ في عواقبِ الأشياء ، وعدمِ الاغترار بالبوارِقِ الظاهِرَة ، ولا بِمَيلِ الشهوات إلى ما في الأفعال من مُلائِم ، حتَّى يسبُرَهُ بمسبَار الرأي ، فيتحقَّقُ سلامةَ حُسنِ الظاهرِ من سوء خفايا الباطِن " [ التحرير والتنوير : ابن عاشور : ج ( 4 ) ص ( 287 ) ] .
وفي هذا الإطار ورد الإرشادُ النبويُّ يحظُّ على تفعيلِ الاتّزانِ في النَّظَرِ إلى الزوجةِ التي يجدُ منها زوجُها شيئًا من النفور في نفسه ، بأن لا يستسلمَ لذلكَ الشعورِ في نفسه ؛ بل عليه أن ينظُر باتّزانٍ لما لها من الإيجابيَّاتِ والمحاسِنِ عسى أن تعدّلَ تلك الموازنةُ المشاعرَ والأحاسيس :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يفرك مؤمنٌ مؤمنةً إن كرِهَ منهَا خُلُقًا رضِيَ منهَا آخر" رواه مسلم . والفَركُ معناهُ البُغضُ [ابن فارس : مرجع سابق - ج ( 4 ) ص ( 495 ) - مادة ( ف ر ك ) . ] ، وقد أرشدَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى اعتبارِ حالِ المرأةِ بمُجملِ ما هي عليهِ من الصّفات ، لا بمجرَّدِ ما تكرههُ منها ، فقد تكونُ " شَرِسَةَ الخُلُقِ ، لكنَّها دَيِّنَة ، أو جميلة، أو عفيفَة ، أو رفيقَةٌ به ، أو نحو ذلك "[ شرح صحيح مسلم :ص 1120 - ط دار ابن حزم ] . فربَّما فاتهُ بتطليقها خيرٌ كثير ، وحصلَ له بإمساكِها مع الصَّبرِ على شعورِهِ نحوَها خيرٌ وفير .
وهذا الخيرُ الكثيرُ المرتَجَى لهُ صورٌ عديدةٌ تسلّي الطرفَ الصَّابِرَ و تجعلُ صبرَهُ يُثمِرُ لهُ حُسنَ العواقبِ في الدنيا والآخرة :
- فقد يكونُ هذا الخيرُ ولدًا صالحًا تقرُّ بهِ العينُ ، و تسعدُ بهِ النَّفسُ ، ويحصلُ بهِ من الرفعةِ لوالِدِهِ في العاجلِ والآجِلِ ما اللهُ به عليه ، قال القاسمي : " ولعلَّهُ يجعلُ فيهِنَّ ذلكَ بأن يرزُقَكُم منهنَّ ولدًا صالحًا يكونُ فيه خيرٌ كثير " [ تفسير القاسمي 3/55 ] .
- وقد يكونُ هذا الخيرُ أجرًا جزيلاً يأخذُهُ الزوجُ لقاءَ صبرِهِ على حُسنِ القيامِ بمن يكرهُهُ لوجه الله وعلى خلافِ الطبع ، قال القاسمي : " و بأن يُنيلَكُم الثوابَ الجزيلَ في العُقبَى بالإنفاقِ عليهِنَّ والإحسانِ إليهِنَّ على خلافِ الطّبع "[ تفسير القاسمي 3/55 ] .
- ورُبَّما كافأَهُ اللهُ على صبره ومجاهدته نفسَه بأن يمنَّ اللهُ عليه بحُبّها ، والعطفِ عليها ، و زوال الكراهية بينهما : قال البغوي : " . . . أو يعطِفَهُ اللهُ عليها " [ تفسير البغوي 2/186 ] .
- ورُبَّما صلُحَ حالُها لما تراهُ منه من صبرٍ عليها وإحسان ، قال رشيد رضا : " أن يصلحَ حالُهَا بصبره وحسن معاشرته ، فتكونُ أعظم أسباب هنائه في انتظام معيشته ، وحُسنِ خِدمته، ولا سيما إذا أصيبَ بالأمراض أو بالفقر والعَوز ، فكثيرًا ما يكرَهُ الرجُلُ امرأته لبَطَرِه بصحَّتِهِ وغناه ، واعتقاده أنه قادرٌ على أن يتمتَّعَ بخيرٍ منها وأجمل ، فلا يلبثُ أن يُسلَبَ ما أبطَرَه من النعمة ، ويكونُ له منها إذا صبرَ عليها في أيام البطر خيرُ سلوَى وعونٌ في أيام المرضِ أو العَوز. فيجبُ على الرجل الذي يكره زوجه أن يتذكَّر مثلَ هذا ، ويتذكَّر أيضًا أنه لا يخلو من عيبٍ تصبرُ امرأته عليه في الحال " [ تفسير المنار 4/214 ] .
وما يقال عن الرَّجُل ينطبقُ على المرأةِ في هذا الباب ، فالمرأةُ إذا وجدت في نفسِها نفورًا وكُرهًا لزوجِها ، ليسَ لها أن تستسلمَ للشعورِ النفسيِّ فتطلُبَ الطلاقَ لذلك ، بل عليها إعمالُ الرأيِ ، وإعماقُ النَّظَرِ في حقيقةِ زوجِها ، بكُلِّ ما فيه من إيجابيات وسلبيَّات ، عسى أن تحملها تلكَ الموازنةُ الهادئةُ المتأنيَّة على ترجيحِ إبقاءِ رابطةِ الزوجيَّةِ والصبرِ على الشعورِ النفسيّ ، فيتحصَّلُ لها بسبب ذلك خيرٌ كثير . [ نقلاً عن رسالة الماجستير لأخيكم " رعاية رابطة الزوجية من خلال القرآن الكريم " ص 220 وما بعدها ] .