الجانبُ الجميلُ-28-1-1441-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري
محمد بن سامر
1441/01/27 - 2019/09/26 19:47PM
الحمدُ للهِ ربِ العالمينَ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وليُ الصالحينَ، وأشهدُ أنَّ محمدًا رسولُه الأمينُ، عليه وآلهِ الصلاةُ وأتمُ التسليمِ.
"يا أيها الذينَ آمنوا اتقوا اللهَ حقَ تقاتِه ولا تموتُنَّ إلا وأنتم مسلمون".
أما بعدُ: فيا إخواني الكرام، جَلسَ الزَّوجُ أمامَ مكتبِه وأَمسكَ بقلمِه، وكَتبَ وهو متشائِمٌ: "في السَّنةِ الماضيةِ، أَجريتُ عمليةَ إزالةِ المَرارةِ، ولازمتُ الفِراشَ عِدةَ شُهورٍ، وبَلغتُ السِّتينَ من العُمرِ؛ فتَركتُ وَظيفتي المُهمةَ في دَارِ النَّشرِ التي ظَللتُ أَعملُ بها ثلاثينَ عامًا، وتُوفيَ وَالدي، ورَسبَ ابني في السنة الأخيرةِ في كليةِ الطَّبِ لتَعطُّلِه عن الدِّراسةِ عِدةَ شُهورٍ بسببِ إصابتِه في حادثِ سَيارةٍ، وختمَ بقولِه: يا لها من سَنةٍ سَيئةٍ للغايةِ".
وَدخلتْ زوجتُه غُرفةَ مكتبِه، ولاحظتْ شُرودَه وسرحانَه، اقتربتْ منه، ومِن فَوقِ كَتفِه قَرأتْ ما كَتبَ، فتَركتْ الغُرفةَ بهدوءٍ من دُونِ أن تَقولَ شَيئًا، ثمَّ عَادتْ وقد أَمسكتْ بيدِها ورقةً أُخرى، وَضعتها بهدوءٍ بجوارِ وَرقةِ زَوجُها، فتَناولَ الزَّوجُ ورقةَ زوجتِه، وقَرأَ فيها كلامَها المتفائلَ: "في السَّنةِ الماضيةِ، شُفيتَ من آلامِ المرارةِ التي عَذَّبتكَ سَنواتٍ طويلةٍ، وبَلغتَ السِّتينَ وأَنتَ في تَمامِ الصِّحةِ، وستَتفرغُ للكتابةِ والتَّأليفِ بعد أن تَمَّ التَّعاقدُ معك على نَشرِ أَكثرِ من كِتابٍ مُهمٍّ، وعَاشَ والدَكَ حَتى بَلغَ الخَامسةَ والتِّسعينَ من غَيرِ أن يُسبِّبَ لأحدٍ أيَّ متاعبٍ، وتُوفيَّ في هُدوءٍ من غيرِ أن يَتألمَ، ونَجا ابنُك من الموتِ في حَادثِ السَّيارةِ وشُفيَّ بغيرِ أَيَّةِ عَاهاتٍ أو مُضاعفاتٍ، وخَتمتَ بقولِها: يا لها مِن سَنةٍ أَكرمنَا اللهُ بها وقد انتهتْ بكُلِّ خَيرٍ".
هل لاحظتُم؟ الأحداثُ هي الأحداثُ لكن بنَظرةٍ مُختلفةٍ، وقديمًا قالوا: "لا تَنظرْ للنِّصفِ الفارغِ من الكأسِ، ولكنْ يَجبُ أن تَنظرَ إلى النِّصفِ المُمتلئِ".
لكلِّ حدثٍ من الأحداثِ، جانبٌ جميلٌ وجانبٌ قبيحٌ، فيعيشُ الإنسانُ ذلكَ الزَّمانَ بحسبِ رؤيتِه لذلكَ الحالِ، فمنهم شقيٌّ وسعيدٌ، فإذا أردنا السَّعادةَ، فلنبحثْ عن جانبِ الجمالِ، ولنقضِ أيامَنا بينَ الرَّجاءِ والآمالِ، فانظرْ وأنتَ في ظلامِ اللَّيلِ المُخيفِ، إلى ما فيه من الرَّاحةِ والهدوءِ اللَّطيفِ، وانظرْ وأنتَ في حرِّ الشَّمسِ، إلى ما فيه من النُّورِ والنَّشاطِ ومصلحةِ العبادِ.
أليسَ في المرضِ تضرعٌ ودعاءٌ، وصبرٌ وجزاءٌ عظيمٌ، أليسَ في الفقرِ تواضعٌ وخضوعٌ، وتذلُّلٌ وخُشوعٌ، حتى الموتُ لا يخلو من جانبِ الجمالِ، للمؤمنِ المُقبلِ على رحمة اللهِ وفضلِه، مَرّوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِه وَسَلَّمَ-بجنازةٍ، فَقَالَ: "مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ما المُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟، قَالَ: الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ، يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ".
جَزَى اللَّهُ عَنّا المَوْتَ خَيرًا فإِنَّهُ*أبرُّ بِنا من كلِّ شَيءٍ وأرأفُ
يُعَجِّلُ تَخْلِيصَ النُّفُوسِ مِنَ الأذى*وَيُدْنِي مِنَ الدَّارِ التي هِيَ أَشرفُ
يُهزمُ المؤمنونَ في غزوةِ أُحدٍ ويَنتصرُ الأعداءُ، ويُقتلُ منهم سبعونَ شهيدًا، فتنزلُ الآياتُ لِتُظهرَ صورةَ الجمالِ لأهلِ الإيمانِ، "وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ*إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ*وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ".
أُلقيَ إبراهيمُ-عليه السَّلامُ- وهوَ فتى في نارِ المُشركينَ، ثُمَّ أصبحَ خليلَ الرَّحمنِ وأبا الأنبياءِ والمُرسلينَ، وأُلقيَ يوسفُ في الجُبِّ وهو صغيرٌ، ثُمَّ أصبحَ عزيزَ مصرَ له الملكُ والتدبيرُ، وأُلقيَ موسى في اليَمِّ وهو رضيعٌ، ثُمَّ أصبحَ كليمَ اللهِ له الجاهُ الرَّفيعُ، وأُلقي يونسُ في البحرِ وابتلعَه الحوتُ، فأنقذَه اللهُ، ثُمَّ آمنَ على يديهِ مئةُ ألفٍ أو يزيدونَ، وطعنَ المنافقونَ والجاهلونَ في أُمِّنا عائشةَ زوجِ الرسولِ-عليهِ وآله الصلاةُ والسلامُ-شهرًا كاملًا، فأتاهُ الوحيُ بقولِه: "لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ"، حتى في أحلكِ الأوقاتِ، خيرٌ وجمالٌ وبَركاتٌ.
انظرْ دائمًا إلى الجانبِ الجميلِ فيمن حولَك من النَّاسِ، ستجدُ أنَّ معادنَهم كريمةٌ كالذَّهبِ والألماسِ، قالَ-عليه وآلِه الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "لَا يَفْرَكْ-لا يُبغِضْ-مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ"، فأرشدَنا إلى أن ننظرَ إلى الجانبِ الجميلِ، لحياةٍ مِلؤها الودُّ والاحترامُ والتَّبجيلُ.
والآن أخبروني عن نظرةِ التَّعاسةِ والألمِ، هل ستغيِّرُ في الكونِ أو الواقعِ شيئًا؟ هل ستجلبُ السَّعادةَ والفرحَ؟ هل تُذْهِبُ البؤسَ والحُزنَ؟ أم أنَّها ستجلبُ لصاحبِها الأمراضَ والقلقَ، والهمَّ والأرقَ؟ فما هو الحلُ؟ اِعلمْ أنَّه ليسَ بينكَ وبينَ السَّعادةِ إلا أن تُديرَ عينَكَ لترى الجانبَ الجميلَ من الواقعِ.
اللهم تولَنا والمسلمينَ في الدنيا والآخرةِ، وثبتْ القلوبَ على دينِك.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ ربِ العالمينَ، كما ينبغي لجلالِ وجههِ وعظيمِ سلطانِه، أما بعدُ: فيأيَّها المؤمنُ، كيفَ لا ترى الجمالَ في الكونِ العظيمِ، وكلُّ أقدارِه من اللهِ العليمِ الحكيمِ.
إنَّه ليسَ بيننا وبينَ تغييرِ حالِنا إلى الأفضلِ، إلا دُعاءٌ صادقٌ للهِ-سبحانَه-، فهل تستحقُّ الحياةُ القلقَ والحُزنَ؟، "إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ".
اللهم أصلحْ ولاةَ أُمورِنا وولاةَ أُمورِ المسلمينِ، وارزقهمْ البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالمينَ غانمينَ، اللهم اغفرْ لنا ولوالدينا وللمسلمينَ، أسألُك لي ولهم من كلِّ خيرٍ، وأعوذُ وأُعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، اللهم اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، اللهم عليك بأعداءِ المسلمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ يا قويُ يا عزيزُ.
المرفقات
الجميلُ-28-1-1441-مستفادة-من-خطبة-الشيخ-هلال-ا
الجميلُ-28-1-1441-مستفادة-من-خطبة-الشيخ-هلال-ا