الجار

خالد الذيابي
1433/10/24 - 2012/09/11 14:45PM
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ،ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله ،أما بعد :.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً .. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)

أما بعد فيا أيها المسلمون..
في يوم من الأيام ،وفي مجلس من المجالس، التي يهب إليها الصحابة رضي الله عنهم،
في مجلس من مجالس النور والإيمان، والحكمة والقران،من مجالس سيد البشر التي يقبل عليها الصحابة لينهلوا من معين علمه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويستفيدوا من عظيم وحيه ،يقسم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيقول والله لايؤمن فيفزع الصحابة وترتجف قلوبهم فيثني بها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والله لا يؤمن ، فيزداد الفزع ويزداد الخوف ،
ثم تأتي ثالثة من النبي ـ صلى الله عليه ـ والله لايؤمن ، فيقول الصحابة : خاب وخسر ، من هو يا رسول الله ؟! خاب وخسر ، دلنا علنا أن نكون أبعد الناس عنه ،
فيقول صلى الله عليه وسلم : (( والله لايؤمن من لا يؤمن جاره بوائقه ))
متفق عليه...
والله لايؤمن من لا يأمن جاره شروره وأذيته..
أيها الإخوة:.
إن الجار زخرت السنة بتبيين عظيم حقه ,وبيان خطورة الإساءة إليه وأذيته !!
فتعالوا معا نقلب صفحات السنة لنقف على حق الجار من كلام سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم .
يقول أبو شريح ـ رضي الله عنه ـ سمعت أذناي ، وأبصرت عيناي حين تكلم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((من كان يؤمن بالله واليوم الأخر فليكرم جاره )) متفق عليه
من كان يؤمن بالعظيم الديان ويؤمن بأنه سيحشر الثقلان فليكرم جاره وليؤمنه شره وبائقته..
أتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشتكي إليه أذى جاره له
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم((اطرح متاعك في الطريق))
فطرحه ، فجعل كلما مر عليه قوم أخبرهم خبر جاره ، فجعل الناس يلقونه ويدعون عليه
فجاء الجار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يارسول الله ! لقيت من الناس ، قال: ((وما لقيت منهم ؟!)) قال يلعنوني
قال: ((لقد لعنك الله قبل أن يلعنك الناس)) صحيح الترغيب ج2 ص 344
أيها الإخوة:.
ولقد عظم حق الجار في الإسلام ، حتى إن جبريل يأتي بالوحي
للنبي صلى الله عليه وسلم ثم بعد ذلك يوصيه بالجار وكلما أتاه بالوحي وصاه بالجار حتى ظن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيشركه بالميراث ويجعله من جملة الوارثين عن الرجل .
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يارسول الله ، فلانة تكثر الصلاة والصيام وتتصدق بالأثوار من الإقط ولكنها سليطة اللسان على جيرانها
فقال صلى الله عليه وسلم((هي في النار ))فهذا جزاء من سلط لسانه على الجار أنه من جملة أهل النار ولو فعل فعل الأبرار، وأطاع الله في الليل والنهار ..
يذكر أن رجلا كان له جار يؤذيه فانتقل عنه بعيدا فسئل عن علة انتقاله فقال:
ألا من يشتري جارا نؤومـــــــــــــــا
بـــــــــــــــــــــجار لاينام ولا ينيم
ويلبس بالنهار ثياب نســـــــــــــــك
وشــــــــــــطر الليل شيطان رجيم
كان فيروز الديلمي ـرحمه الله ـ جارا لسعيد بن العاص وكان سعيد يعظم جوار فيروز ويعطيه حقوقه فأراد فيروز بيع داره فقيل له بأربعة ألاف درهم
فقال:هذا ثمن الدار فأين ثمن جوار سعيد بن العاص؟؟
فلما علم سعيد قال: خذ ثمانية ألاف وألزم دارك..
وقد قيل وإنما بجيرانها تعلو الديار وترخص..
أيها الأخوة:.
أشرك النبي صلى الله عليه السلام الجار حتى في بعض أمور جاره مالم يكن هناك أذى عليه يقول صلى الله عليه وسلم: ((لا يمنعن جار جاره أن يغرز خشبة في جداره )) متفق عليه
أي لايمنع الجار جاره من غرز خشبة في جداره يستفيد منها الجار ولاتعود عليه بالضرر والأذى ..
عن يحي المازني أن الضحاك بن خليفة ساق نهرا لمزرعته فأراد أن يمر به في أرض محمد بن مسلمة، فمنعه ، فقال له : لم تمنعني ولك فيه منفعة، تشرب فيه أولا وآخرا ولا يضرك؟
فأبى محمد، فكلم الضحاك فيه عمر بن الخطاب . فدعا عمر محمد بن مسلمة ، فأمره أن يجري النهر فقال محمد : لاوالله
فقال عمر : لم تمنع جارك ما ينفعه ولا يضرك!!
فقال محمد :لا والله
فقال عمر: والله ليمرن به ولو على بطنك فأجرى عمر النهر))(1)....
أيها الاخوة :.
يقول أبو ذر رضي الله عنه :أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم ((إذا طبخت مرقا فأكثر ماءها ثم أنظر أهل بيت من جيرانك ،فأصبهم منها معروفا ))رواه مسلم
وتقول عائشة رضي الله عنها قال رسوا الله عليه وسلم : ((يانساء المسامات لاتحقرن جارة لجارتها ولوفرسن شاة )) متفق عليه
فبالله عليكم ماذا في الفرسن من غناة ؟! أو ماذا في الفرسن من شبع غذاء؟!
وإنما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبين عظم الجار ، وإنما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤلف القلوب ويزيل أذى الصدور ، وإنما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن لا ينسي الجار جاره من شيء من طعامه ولو علم أن جاره في غنى عنه .
نــــاري ونار الجار واحدة وإليه قبلي ينزل القــــــدر
ماضر جارا لي أجـــــاوره أن لا يكون لبابه ســــــتر
أغضي إذا ماجارتي برزت حتى يواري جارتي الخدر(2)
أيها ألإخوة:.
الجار يكف عنه الأذى ولا يقابل بالسوء، فالأذى على الغير بغير حق من المحرمات، ويعظم إذا كان على الجار ويشتد حرمة وإثما!!
يقول صلى الله عليه وسلم لأصحابه : ((ماتقولون في الزنا ؟! قالوا حرام حرمه الله ورسوله فهو حرام إلى يوم القيامة.
قال: ((لأن يزني الرجل بعشرة نسوة أيسر من أن يزني بامرأة جاره))
قال : ((ماتقولون في السرقة ؟))
قالوا : حرمها الله ورسوله ، قال : ((لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات أيسر من أن يسرق من جارة )) (3)
(( والله لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه ، قالوا : وما بوائقه يارسول الله؟
قال شره))
فلا أذية الجار بالمضايقة أو الاحتقار، ولا بكشف الأسرار ، وتتبع العثرات !! والفرح بالزلات ، ولا أذية للجار برفع الأصوات ولا بفلت الأولاد يتعلمون الرماية في كل مضيء من بيت الجار!!!
ومن حقوق الجار أيها الإخوة الإحسان إليه ، وذلك بتعزيته عند المصاب والنقم ،وتهنئته عند الفرح وحلول النعم ، وعيادته عند المرض ، وتفقد أحواله في دينه ودنياه ، وهذا عام في كل جار حتى لو كان من غير ملة الإسلام.. ..(4)
عن عبدالله بن عمرـ رضي الله عنهما ـ أنه ذبح شاة فقال : أهديتم لجاري اليهودي فإني سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ((مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه )) متفق عليه (5)
ومن حقوق الجار احتمال ما يصدر عنه من أذى وذلك أن يتغافل عن هفواته ويصفح عن زلاته خاصة إذا صدرت إساءة من غير قصد أو إساءة ندم عليها واعتذر منها فاحتمال أذى الجار ومقابلة إساءته من أرفع الأخلاق وأعلى الشيم ..
يقول الحسن البصري رحمة الله: ((ليس حسن الجوار كف الأذى
حسن الجوار الصبر على الأذى)) (6)
نفعني الله وإياكم بالقران العظيم وهدانا إلى الصراط المستقيم أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم..




الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه ولعظيم سلطانه ، وأحمده سبحانه على عظيم فضله وأشكره على جزيل إحسانه ،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ،وأشهد أن محمد عبده ورسول الداعي إلى مغفرته ورضوانه اللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأتباعه وإخوانه ..
أما بعد :.
فيا أيها المسلمون ، إن المرء يسير في هذه الحياة الدنيا وفي ذمته حقوق ، حقوق عليه لله سبحان وتعالى وحقوق عليه للناس ، وإن الموفق الكيس الفطن هو الذي يعرف جامع هذه الحقوق ليعمل به فيكون من أصحاب الصراط المستقيم الذي أنعم الله عليهم ، وإن جامع حق الله تعالى هو التقوى بإتباع أوامره واجتناب نواهيه , وإن جامع حق الناس هو حسن التعامل والتودد لهم ، فذلك كانت وصية النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ ((اتق الله حينما كنت وخالق الناس بخاق حسن ))
ومن أتى بهذين الجامعين تقوى الله وحسن الخلق فقد استحق الجنة ، يقول صلى الله عليه وسلم : (( أكثر ما يدخل الجنة تقوى الله وحسن الخلق ))
جعلني الله وإياكم من المتبعين لأمره المهتدين بهدي نبيه صلى الله عليه وسلم ، السائرين على درب أصحابه والتابعين إلى يوم الدين ..

























الهوامش

(1) انظر نضرة النعيم .. حق الجار
(2) انظر نضرة النعيم.. حق الجار
(3) الترغيب والترهيب .. (2 / 324)
(4) انظر كتاب دروس رمضان لمحمد الحمد ص 134
(5) انظر نضرة النعيم.. حق الجار
(6) انظر كتاب الحمد ص135..

عنــــــــوان الخطبة : الجـــــــــــــار
خالد بن مسعود الذيابي العتيبي
بجامع حسن الشهري (ابن باز )
بتاريخ10/4/1428هـ....
[EMAIL="twitter@kaldmasoud"]twitter@kaldmasoud[/EMAIL]
المرفقات

الجار.doc

الجار.doc

المشاهدات 2724 | التعليقات 0