الجائحة الخاصة للفرد

منصور بن هادي
1443/06/02 - 2022/01/05 15:51PM

الحمد لله وكفى، يجزي أهل الوفاء بالتمام والوفاء، وسلام على عباده الذين اصطفى، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يرتجى، ولا ندّ له يبتغى، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمدًا النبي المصطفى والحبيب المجتبى، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأطهار الحنفاء أما بعد:

 أيها المسلمون: اوصيكم ونفسي بتقوى الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُون) .

جائحة كورونا اجتاحت العالم، وأظهرت ضَعف الإنسان وقلة حيلته، ارتعد أمامها الأقوياء، واشتكى من أثرها الفقراء، جائحة اضطربت فيها أحوال دول ومجتمعات وأُسَر وأفراد، منها اعتبر كثير وتغافل قليل، عاد الى الله أناس، وتلهى عنها أشتات، حدث يشهده التاريخ، ويدعو إلى الاتعاظ والاعتبار، هذه هي الجائحة في حقيقتها وابتلاءاتها وآثارها.

كلمة جائحة إنّ الأصل الثلاثي لها ( ج ، و ، ح ) جَوُح من الاجتياح، في المال أو الصحة ، تصيب الجماعات والأفراد، واليوم استسمحكم أن أتوسع في المصطلح، وأتكلم عن جائحة الدين للفرد .

الانسان معرض للجوائح، جائحة تكون به خاصة أو مشتركة مع العائلة، يتذوق مرارتها ويكتوي بنارها، يشاركه من يرحمه ويحبه، وأشد من يتألم معه والديه شمسه وقمره .

عندما يُصاب أحدنا بجائحه، فإن له أحوالاً معها، إما بالعجز والجزع، وإما بالصبر، والرضا.

 أخي يا رعاك الله: هناك جوائح بسهامها أصابت، لكن من تضرع الله منها تخلص، ومن قسى قلبه وساء حاله، لم يُفلت، ولم يسلم، سوف يبقى، وبالوحل يحظى .

أصيب الشيخ صلاح البدير أمام الحرم النبوي بورم في راسه، جائحة منها بدأت عينه تظهر، من شدة الورم، أجمع أربعة عشر استشاريا، بالتخصصي بالرياض على فتح رأسه، قال لهم دعوني أصلي ركعتين في مصلى المستشفى، صلى ركعتين خفيفة تضرع فيها، يقول الشيخ الدعاء الوحيد الذي جاءني ودعوت به باستشعار ويقين، هو انني وضعت يدي على رأسي موضع الألم وقلت بيقين .... اللهم أنت السلام ومنك السلام، خرجت دعوة من الأرض الى السماء، الأمان من الله، ومعنى السلام السلامة، والأمان والنجاة، فلما عاد اليهم بشروه، وقالو إن السلام قد أمنك من فتح راسك، الى منظار، فعمل له منظار، وسحب الورم وبفضل الله شفي وعاد لصلاة في الحرم، اللهم انت السلام ومنك السلام، اللهم انت السلام ومنك السلام، اللهم انت السلام ومنك السلام .

أخي المبارك: إذا أصابتك جائحة ابتهل الله وتضرع، لا تتكبر على الله، لا تعاند، لا تكن قويا مع الله، أظهر ضعفك، أسمعه صوتك.

يذكر رجل صالح من الجنوب، من تهامة، أنه إذا نزلت بهم قديما، نازلة وطافت عليهم جائحة، يتضرعون الى الله باسمه الأعظم، يا الله، يا الله، يا الله، يا الله، يا الله، يا الله، يا الله، يا الله، يا الله ... (تسعا) ثم يطلبون، ومن الكريم الرحيم لا يردون.

قال محمد بن الحسن قال: سمعتُ أبا حنيفة رحمه الله يقول: اسم الله الأعظم هو الله" وبه قال الطحاوي وكثير من العلماء، وأكثر العارفين.

وقال الشربيني الشافعي: وعند المحقِّقين أنه اسم الله الأعظم، وقد ذكر في القرآن العزيز في ألفين وثلاثمائة وستين موضعًا.

وقال الشيخ عمر الأشقر: والذي يظهر من المقارنة بين النصوص التي ورد فيها اسم الله الأعظم أنَّه"الله" فهذا الاسم، هو الاسم الوحيد الذي يوجد في جميع النصوص التي قال الرسول صلى الله عليه وسلم إنَّ اسم الله الأعظم ورد فيها.

أخي الكريم: يقول الشيخ العلامة عبدالكريم الخضير عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء، أولى ما يُدعى به الله -جل وعلا- أن يُدعى باسمه الرب ، وأهل العلم يقولون : من قال : يا رب، يا رب، يا رب، يا رب، يا رب ... خمس مرات ، أجيبت دعوته إذا لم يكن ثم مانع ، واستدلوا بما جاء في آخر آل عمران من تكرار اسم الرب ربنا خمس مرات في دعاء أولي الألباب، ثم قال تعالى(فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ ) . 

عند أي جائحة أسمع صوتك من في السماء، وأكثر وألزم هذا الدعاء ( يا ذا الجلال والإكرام أكرمني ) وهذا مجرب عند الكثير، يا ذا الجلال والإكرام أكرمني، واذكر ما تريد وكرر  .

عبدالله: أيضا جميل ورائع تكرار اسم الله عند المرض يا شافي، وعند الفقر والحاجة يا غني وعند الشدة يا للطيف وهكذا، كرر مئات الى الالف .

قال رجل من أهل العلم، أي اسم من أسماء الله تدعو به بإلحاح ويقين بقلب وتكرره له سر عجيب، وأن أسماء الله كلها عظيمة.

أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم الجليل، لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: 

فكل ما يصيب الانسان قضاء وقدر، محفوف للمؤمن بالرحمة، يُلّهَم الصبر ويكتب له الاجر، يَملئ قلبه رضا، يجعله قادراً على استقبال جميع مُنغصات الحياة بسعادة وراحة، يرتفع بتضرع، وينكشف بالدعاء، لكن من يتضرع الى الله، قلوب قاسية، أدمغة ناشفة. .

اوصي من أحب إذا أصابته، جائحة أو له عند الله حاجة، من أمور الدينا أو الآخرة، بأربعة أمور: التوبة العامة، من جميع الذنوب والمعاصي (اللهم اغفر لي ذنوبي كلها دقها وجلها سرها وعلانيتها أولها وآخرها جدها وهزلها ما علمت منها وما لم أعلم) وثانياً توبة خاصة ( مما تعرف من ذنبك، ومستمر عليه ) ثالثها صدقة لو بريال أو معروف، والرابعة اختم بدعاء صادق، وبعدها أبشر ثم أبشر .  

إخواني في الله : الإعراض عن الله تعالى هو أصل كل بلاء، وأساس كل شقاء، الضلال يمر من بريده، والغواية تأتي عبر طريقه، هو ديدن الكافرين، وخلق من أخلاق المنافقين، إذا عشعش في القلب أفسد على العبد دنياه، وأوبق عليه أُخراه ..

أما معرضون ماذا من الله ينتظرون، صيحةً تأخذهم ، أو صاعقةً تعمل على تدميرهم، أو ريحٍ تذهبهم.

أخي الكريم: القصاص أعظم جائحة، ذكر أحد معلمي التحفيظ بأحد السجون، في عنبر المحكوم عليهم بالقصاص، أن كثيرا منهم تعامل مع هذه الجائحة بالتوبة والصبر والرضا بالقدر، أصبحوا حفظة لكتاب الله، رهبان في الليل، صوّام بالنهار، ومن المؤسف يوجد من لم يصبر على جائحته، ويغيب عنه أن هذا قدره، لا يصلي يقول: نصحوا وذكروا، سمع من أحدهم، قوله: ماني مصلي أنا ميت ميت و رايح للنار.

يا مسلمون: إيّاكم والاعراض، وتعرضوا لنفحات الله، من تعرض لها ، لا يشقى بعدها أبداً .

هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه، قال الله تعال (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) . 

اللهم ارزقنا طيب المقام، وحسن الختام، اللهم إنا نسألك اللطف فيما قضيتَ، والعون على ما أمضيت، فأنت الثقة لمن توكل عليك، والعصمة لمن فوض أمره إليك، ارفع عنا كل شكوى، واكشف عنا كل بلوى، وتقبل منا كل نجوى، وألبسنا لباس التقوى، واجعل الجنة لنا هي المأوى.

المرفقات

1641397804_الجائحة الخاصة.docx

المشاهدات 793 | التعليقات 0