الثبات

محمود الطائي
1434/08/16 - 2013/06/25 21:55PM
ان الله سبحانه وتعالى قدر على عباده الإبتلاء في هذه الدنيا , وجعلها محنةً لهم واختبار ، فمن سنة الله جل وعلا ان يبتلي عباده السائرين اليه ، لأن ثمن الوصول الى نهاية الطريق غالي فلذلك لابد ان يدفع الثمن غاليا
( ألم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ )
فأن سلوك الطريق قد يكون ليس بالامر الصعب ولكن الثبات على هذا الطريق قد يكون صعبا ،
( مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ )
وقدر سبحانه وتعالى أن يكونَ في آخر الزمان أنواعٌ من الفتن تموج كموج البحر تضطرب إضطرابا عظيما لا تتوقف كما لا يتوقف موج البحر ، فما من موجةٍ ألا والتي بعدها اعظمُ منها
روى مسلم من حديث أنس رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا .
يبيع الغالي بالرخيص والعياذ بالله ، أن أمر الثبات على الدين أمر متعلق بالقلب،لأن الفتن تعرض على القلوب لا على الأسماع والأبصار ، ولو انه غض بصره وصم أذنه فلن ينجو من الفتن
فعَنْ أَنَسٍ قَالَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َيُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟قَالَنَعَمْ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَأُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ)عن شَهْرِ قَالَ قُلْتُ لِأُمِّسَلَمَةَ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ مَا كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ عِنْدَكِ؟ قَالَتْ: كَانَ أَكْثَرُ دُعَائِه ِيَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَىدِينِكَقَالَتْ: فَقُلْتُيَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَكْثَرَ دُعَاءَكَ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ؟قَالَ(يَا أُمَّ سَلَمَةَ، إِنَّهُ لَيْسَ آدَمِيٌّ إِلَّاوَقَلْبُهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ فَمَنْ شَاءَ أَقَامَ،وَمَنْ شَاءَ أَزَاغَ " فَتَلَا مُعَاذٌ" (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَابَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا)
وعن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(إِنَّمَا سُمِّيَ الْقَلْبُ مِنْ تَقَلُّبِهِ
إِنَّمَا مَثَلُالْقَلْبِ كَمَثَلِ رِيشَةٍ مُعَلَّقَةٍ فِي أَصْلِ شَجَرَةٍ يُقَلِّبُهَاالرِّيحُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ)
قال الله عزوجل: ( فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ) وقال جل جلاله{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُم} ...) فهو عزّوجلّ يفعل ذلك بالمنافقين والكافرين
دون المؤمنين المخلصينوله أن يفعل مايشاء إذ هو المالك لهم
ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون ،يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد فعلى هذا يقلب قلوب أعدائه... ويقلب قلوب أوليائه بفضله ليهتدوا ويوفقوا ويزيدهم إيمانًاقال الله تعالى{لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِم
يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَآَمَنُوابِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَة
فقلوب أوليائه المؤمنين المخلصين الذين سبقت لهم منه الحسنى تتقلب بين الخوف والرجاء،
قيل لأحد الصالحين : فلان عرف الطريق الى الله ثم رجع ، قال : لو وصل ما رجع
لما وصلت رسالة النبي صلى الله عليه وسلم الى هرقل عظيم الروم فسأل عن قريش الذين كانوا في تجارة انذاك فَقَال َأَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ فَقَالأَبُو سُفْيَانَ أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا فَقَالَأَدْنُوهُ مِنِّي وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ قُلْ لَهُمْ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ فقال ابو سفيان فَوَاللَّهِ لَوْلَا الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَا سَأَلَنِيعَنْهُ أَنْ قَالَ كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ قُلْتُ هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ ، قَالَ فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُ قُلْتُ لَا ، قَالَ فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ قُلْتُ لَا ، قَالَ فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ فَقُلْتُ بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ ، قَالَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ قُلْتُ بَلْ يَزِيدُونَ ، وهنا الشاهد ، قَالَ فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌمِنْهُمْ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ قُلْتُ لَا هل ينتكسون ان اصابتهم بأساء او ضراء هل ينتكسون في المحن والابتلاء
فلماذا ننتكس اليوم نحن لماذا ينتكس الشباب والفتيات بمجرد فتنة صغيرة لماذا ترانا و همومنا بطوننا وفروجنا الا ما رحم ربي اذا سمعنا خبر من الاخبار نهرع الى الاسواق لشراء المواد الغذائية وهذا بلاشك من المباحات ولكن تنتهي همومنا عند الاكل والشرب ولاحول ولاقوة الابالله
"وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ"
الخطبة الثانية :
ان مسألة الثبات أرقت العباد والزهاد فالكل يريد ان يتم هذا الطريق ولا يحيد عنه أبدا حتى الممات
أول وسيلة من وسائل الثبات حتى الممات: أن تستعين برب الأرض والسماوات؛ فمن أعانه الله فهو المعان، ومن خذله الله فهو المخذول، فاستعن بالملك أن يثبت قلبك، وأن يسدد رميتك، وأن يثبت قدمك على الطريق،
ومجالسة الصالحين وصحبتهم كما ذكرت، فاحرص على صحبة الصالحين في الدنيا، وبعد موتهم بقراءة شعرهم، والاطلاع على أخبارهم، يقول الإمام ابن القيم : كنا إذا ضاقت صدورنا ذهبنا إلى شيخ الإسلام فإذا رأيناه وسمعنا كلامه؛ انطلقنا وقد شرح الله صدورنا. وفي سنن ابن ماجة بسند حسن من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن من الناس ناساً مفاتيح للخير، مغاليق للشر ) فاحرص على هذه المفاتيح التي تفتح قلبك وأذنك وسمعك وبصرك على الخير.
هذا مؤذن يؤذن عشرين سنة ابتغاء مرضات الله عز وجل، وقبل الموت مرض مرضاً شديداً أعجزه أن يخرج للصلاة، وفي احد الايام رفع أكف الضراعة إلى الله وقال: يا رب! أؤذن عشرين عاماً، وأحرم من الأذان في آخر عمري! فنادى على أولاده وقال: وضئوني، فوضئوه، فقال: هل حان وقت صلاة الظهر؟ قالوا: نعم، فقام على سريره في بيته واتجه إلى القبلة ورفع الأذان كاملاً إلى أن وصل إلى قوله: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، ثم خر على سريره، وقد فاضت روحه إلى الله، ولسانه يردد: لا إله إلا الله! لقد أجرى الله الكريم عادته بكرمه أن من عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بعث عليه. واسمعي ايتها الاخت الفاضلة عن هذه المراة التي من نساء زماننا
هذه الأخت الفاضلة ترجع مع زوجها بعد العمرة، وتركب الباخرة المصرية التي غرقت ، فقال هذا الزوج لزوجته: هيا اخرجي لنصعد فوق السطح؛ لأن المركب يغرق، فقالت: انتظر حتى ألبس ثيابي ونقابي فقال اخرجي فالناس أوشكوا على الغرق، فقالت: والله! لن أخرج إلا بكامل ثيابي، حتى إن قدر الله عليّ الموت ألقى الله وأنا على طاعة، ولبست ثيابها والمركب يغرق، وصعدت إلى السطح، فلما علمت أنها إلى الهلاك سائرة ، تعلقت بزوجها وقالت: أستحلفك بالله، هل أنت راضٍ عني؟ فبكى، فقالت: أريد أن أسمعها منك، قال: والله! ما رأيت منك إلا الخير، قالت: أريد أن أسمعها منك، فنظر إليها وبكى، وقال: أُشهد الله أني راضٍ عنك، فتعلقت به وقالت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، يقول: والله! ما رأيتها بعد هذه الكلمات، وأسأل الله أن يجمعني بها في جنة رب الأرض والسماوات.
المشاهدات 2784 | التعليقات 2

جزاك الله خيرًا أستاذ نسيم ، موعظة جليلة جميلة ، و أجمل ما فيها بعد نصوص الشرع ذكر القدوات و قصص الثابتين خاصّةً من العصر الذي نحن فيه كقصّة تلك المرأة في السفينة ! . ثبّتنا الله و إيّاكم على القول الثابت والمنهج الراسخ حتّى نلقاه وهو راضٍ عنّا .


اللهم آمين
الفضل لله اولاً واخرا ً
ومن ثم للمشايخ الكرام الذين رفدونا بهذه المواعظ القيمة

جزيت خيرا شيخنا