التَّوحِيدِ2024

محمد البدر
1446/02/25 - 2024/08/29 06:08AM

الْخُطْبَةُ الأُولَى:

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ , وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا(70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.

عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى:﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾.وَقَالَﷺ:«لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ»رَوَاهُ مُسْلِمُ.وَقَالَﷺ:«مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَا تنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ»ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:﴿فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ، ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَ قَالَﷺ:«مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ به شَيْئاً دَخَل الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَقِيَهُ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً دَخَلَ النَّارَ»رَوَاهُ مُسْلِمُ.فَمِنْ فَضْلِ اللهِ علينا أن فطرنا على التَّوْحِيْدُ، وَالتَّوْحِيْدُ:عَلَى ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ،مَجْمُوْعَةٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾.وَالأَنْوَاعُ هِيَ:تَوْحِيْدُ الرُّبُوْبِيَّةِ:أي تَوْحِيْدُ اللهِ بِأَفْعَالِهِ, وَأُصُوْلُهَا:الخَلْقُ وَالمُلْكُ وَالتَّدْبِيْرُ قَالَ تَعَالَى:﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَيُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُوْلُوْنَ اللهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُوْنَ، فَذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُوْنَ﴾.وَقَالَ تَعَالَى:﴿اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾وَقَالَ تَعَالَى:﴿وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا﴾وَقَالَ تَعَالَى:﴿وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ﴾وقد نفى-سبحانه-أن يكون له شريك في الخلق والرزق،قَالَ تَعَالَى:﴿هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ﴾وَقَالَ تَعَالَى:﴿أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ﴾.وقد فطر الله جميع الخلق على الإقرار بربوبيته؛ حتى إن المشركين الذين جعلوا له شريكًا في العبادة يُقرون بتفرده بالربوبية،والدليل قَوْلِهِ تَعَالَى:﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾.

والثاني هو تَوْحِيْدُ الأُلُوْهِيَّةِ:أي صَرَفَ العِبَادَةِ للهِ وَحْدَهُ مِنْ صَلَاةً وَدُعَاءً وَذَبْحٍ وَنَذْرٍ وَتَوَكُّلٍ وَرَغْبَةٍ وَرَهْبَةٍ وَمَحَبَّةٍ فَمَنْ صَرَفَ شَيْئًا مِنْهَا لِغَيْرِ اللهِ تَعَالَى فَهُوَ مُشْرِكٌ بِهِ سُبْحَانَهُ قَالَ تَعَالَى:﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُوْنَ مِنْ دُوْنِهِ البَاطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ العَلِيُّ الكَبِيْرُ﴾ وَقَالَ تَعَالَى:﴿لَا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوْمًا مَخْذُوْلًا﴾.وهذا النَّوْعُ من التَّوْحِيْدُ هو أول دعوة الرسل من أولهم إلى آخرهم، والدليل قَوْلِهِ تَعَالَى:﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ﴾وكل رسول يبدأ بالأمر بإفراد الله في ألوهيته، كما قال نوح وهود وصالح وشعيب - عليهم السلام:﴿يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ﴾.﴿وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ﴾ وأنزل على نبينا محمدﷺ:﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ﴾.وهذا النَّوْعُ من التَّوْحِيْدُ هو موضوع دعوة الرسل، لأنه الأساس الذي تُبنى عليه جميع الأعمال، وبدون تحققه لا تصح جميع الأعمال؛ فإنه إذا لم يتحقق حصل ضده وهو الشرك،قَالَ تَعَالَى:﴿إِنَّ اللّهَ لاَيَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء﴾.وَقَالَ تَعَالَى:﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾.أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ.


 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

عِبَادَ اللَّهِ:وَأما النَّوْعُ الثالث فَهُوَ تَوْحِيْدُ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ:وهو أَنْ يَعْتَقِدَ العَبْدُ أَنَّ اللهَ جَلَّ جَلَالُهُ وَاحِدٌ فِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ لَا مُمَاثِلَ لَهُ فِيْهِمَا ،من غير تَكْيِيفٍ وَلاَ تَمْثِيلٍ ، وَلاَ تَحْرِيفٍ وَلاَ تَعْطِيلٍ. وَالدَّلِيلُ  قَوْلِهِ تَعَالَى:﴿وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾.وَقَوْلِهِ تَعَالَى:﴿اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى﴾وقد أخبر-سُبْحَانَهُ-أن له وجهًا، وَالدَّلِيلُ  قَوْلِهِ تَعَالَى:﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾وأن له يدين وَالدَّلِيلُ  قَوْلِهِ تَعَالَى:﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾.وَقَالَ تَعَالَى:﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾.وَهَذَا النَّوْعُ يَتَضَمَّنُ شَيْئَيْن:الإِثْبَاتُ، وَذَلِكَ بِأَنْ نُثْبِتَ للهِ تَعَالَى جَمَيْعَ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ الَّتِيْ أَثْبتَهَا لِنَفْسِهِ فِي كِتَابِهِ أَوْ سُنَّةِ نَبِيِّهِﷺ،وَنَفْيُ المُمَاثَلَةِ، وَذَلِكَ بِأَنْ لَا نَجْعَلَ للهِ مَثِيْلًا فِي تِلْكَ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ.وأهل السنة والجماعة من السلف الصالح وأتباعهم يثبتون أسماء الله وصفاته كما وردت في الكتاب والسنة على ظاهرها، وما تدل عليه ألفاظها من المعاني، ولا يؤولونها عن ظاهرها، ولا يحرفون ألفاظها ودلالتها عن مواضعه، وينفون عنها مشابهة صفات المخلوقين.

عِبَادَ اللهِ:إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَنَا بِأَمْرٍ بَدَأَ فِيهِ بِنَفْسِهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ- مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ-وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ،وعن صحابته أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. واحفظ اللّهمّ ولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا ووليّ أمرنا، اللّهمّ وهيّئ له البِطانة الصالحة التي تدلُّه على الخير وتعينُه عليه، واصرِف عنه بطانةَ السوء يا ربَّ العالمين، واللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين يا ذا الجلال والإكرام.﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.

عِبَادَ اللَّهِ:اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾.

المرفقات

1724900870_عَضُّوا عَلَى التَّوحِيدِ بِالنَّوَاجِذِ.pdf

المشاهدات 92 | التعليقات 0