التوحيد في أذكار المناسك

[font="]مَظَاهِرُ التَوحِيدِ فِي الحَجِ (6)[/font]
[font="]التَوحِيدُ فِي أَذْكَارِ المَنَاسِكِ[/font]
[font="]الحَمْدُ لِلّهِ العَلِيِّ الأَعْلَى؛ خَلَقَ فَسَوى، وَقَدَّرَ فَهَدْى، وإلِيهِ الرُجْعَى، نَحْمَدُهُ فَهُوَ أهْلٌ أنْ يُحْمَدَ، وَنَشكُرُهُ كَمَا يَنبَغْي لَهُ أنْ يُشْكَرَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ؛ عَمَّ فَضْلُهُ العِبَادَ كُلَّهَم فَخَلَقَهُم وَرَزَقَهُم وَهَدَاهُم إلى مَا يَنْفَعُهُم، وَدَفَعَ عَنْهُم مَا يَضُرُهُم، وَوَسِعَتْ رَحْمَتُهُ كُلَّ شَيْءٍ فَرَحِمَ بِهَا خَلْقَهُ، وَحَازَ المُؤمِنْونَ حَظَّاً أَوفَى مِنْهَا [وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ] [/font][font="]{الأعراف:156}[/font][font="] وَأَشْهَدُ أَنْ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُه؛ لا خَيرَ إلاَّ دَلَّنَا عَلَيهِ، ولا شَرَّ إلاَّ حَذَّرَنَا مِنْهُ، تَرَكَنَا عَلَى بَيضَاءَ لَيِلُهَا كَنَهَارِهَا لا يَزِيِغُ عَنهَا إلاَّ هَالِكٌ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ؛ أَتْقَى هَذِهِ الأُمَةِ قُلُوبَاً، وَأَزْكَاهُمْ عَمَلاً، وَأَكَثَرُهُم عِلْمَاً، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإحْسَانٍ إلى يَوْمِ الدِّينِ.[/font]
[font="]أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، واغتَنِمُوا مَا بَقِيَ مِنْ أَعمَارِكُمْ، وَاسْتَعِدُّوا لِمَا أَمَامَكُم؛ فَإِنَّ اليَومَ عَمَلٌ ولا حِسَابٌ، وغَداً حِسَابٌ وَلا عَمْلٌ (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ).[/font]
[font="] أَيُّهَا النَّاسُ: اخْتَارَ اللهُ تَعَالَى لأدَاءِ مَنَاسِكِهِ أَشْرَفَ زَمَانٍ، وَأَطْهَرَ مَكَانٍ، وَأَقْدَسَ بُقْعَةٍ، وَاخْتَصَّ المَنَاسِكَ بِشَعَائِرَ لَيستْ لِغَيرِهَا، وَحَرَّمَ زَمَانَهَا وَمَكَانَهَا، وَأَلْزَمَ بِالإحْرَامِ مَنْ قَصَدَهَا، وَجَعَلَ مُرَاعَاةَ حُرمَتِهَا، وَتَعْظيمَ شَعَائِرِهَا دَلِيلاً عَلَى التَقْوَى (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ).[/font]
[font="] وَالحَجُ في شَعَائِرِهِ وَأَعْمَالِهِ وَزَمَانِهِ وَمَكَانِهِ مِمَّا يُرَسِّخُ التَوحِيدَ في القُلُوبِ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى إِيِمانِ مَنْ أَدَّاهُ عَلَى الوَجْهِ المَطْلُوبِ.[/font]
[font="] وَمَنْ تَأَمَّلَ أَذكَارَ الحَجِّ وَجَدَ فِيهَا مِنْ تَوحِيدِ الله تَعَالَى وَتَعْظِيمِهِ وَإِجْلَالِهِ مَا يُعَلِّقُ القُلُوبَ بِهِ سُبْحَانَهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، فَفي كُلِّ مَنْسَكٍ ذِكرٌ وَدُعَاءٌ مِنْ بِدَايَةِ التَلَبُّسِ بالإِحْرَامِ إلى وَدَاعِ المَسْجِدِ الحَرَامِ.. فَذِكْرٌ في الإِحْرَامِ، وذِكْرٌ في الطَوَافِ، وذِكْرٌ في السَعْيِّ، وذِكْرٌ في رَمْيِ الجِمَارِ وَعِنْدَ نَحْرِ الهَدْيِّ.. ذِكْرٌ في المَوَاقِيتِ، وذِكْرٌ في المَسْجِدِ الحَرَامِ، وذِكْرٌ في المَشَاعِرِ المُقَدَسَةِ.. حَتَّى إِنَّ مَكَةَ وَبِطَاحَهَا، ومِنَىً وَأَودِيَتَهَا لَتَضُجُّ بالَتَلبِيِةِ وَالذِكْرِ، وَحَتَّى إِنَّ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ لتَشْهَدُ دُعَاءَ الدَّاعِينَ، وذِكْرَ الذَّاكِرِينَ.[/font]
[font="] يُحْرِمُ الحَاجُ مِنْ المِيقَاتِ فَيُهِلُّ بالتَوحِيدِ؛ تَأَسِيَاً بِالنَبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَذْي قَاَلَ في إِهْلالِهِ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالمُلْكَ، لاَ شَرِيكَ لَكَ "رَوَاهُ الشَيخَانِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيِ اللهُ عَنْهُمَا.[/font]
[font="] وَجَاءَ في المُسْنَدِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ مِنْ تَلْبِيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَبَّيْكَ إِلَهَ الْحَقِّ "[/font]
[font="]وَالتَلبِيَةُ هِيَ الإِجَابَةُ، وَهِيَ دَلِيْلٌ عَلَى الاسْتِسْلَامِ لله تَعَالَى وَالانْقِيَادِ لَهُ وَمَحَبَتِهِ وَرَجَائِهِ وَالخَوفِ مِنْهُ، وفي جُملَتِهَا القَصِيرَةِ نَفْيُ الشَرِيكِ عَنْهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى في مَوضِعَينِ، وَالاعتِرَافُ لَهُ بالحَمْدِ، والإقْرَارُ بِنِعْمَتِهِ، وَالاعتِرَافُ بِمُلكِهِ؛ وَلِذْا كَانَ إِلَهَ الحَقِّ، وَمَا سِوَاهُ مِنَ الآلِهَةِ فَآلِهَةٌ بَاطِلَةٌ.[/font]
[font="] والتْوحِيدُ في ألفَاظِ التَلبِيةِ فِيهِ مُرَاغَمَةٌ للمُشْرِكِينَ، وإبطَالٌ لتَلبِيَتِهِم إِذْ كَانوا يَقُولُونَ في حَجِهِم "لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ، تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ"[/font]
[font="] وَيَشْتَغِلُ الحَاجُّ بِالتَلْبِيَةِ طِيلَةَ إحْرَامِهِ فَهِيَ شِعَارُ الإحْرِامِ وذِكْرُهُ المخْصُوصُ، وإِذَا طَافَ بالبِيتِ كَبَّرَ عِنْدَ رُكنِهِ المُعَظَّمِ؛ كما رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ:«طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَيْتِ عَلَى بَعِيرٍ، كُلَّمَا أَتَى الرُّكْنَ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ كَانَ عِنْدَهُ وَكَبَّرَ»رَواهُ البُخَارِّيُ.[/font]
[font="] والتَكْبِيرُ تَوحِيدٌ، وإقْرَارٌ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى أكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ شِعَارُ الصَلاةِ ونِدَاؤهَا وَإحْرَامُهَا. وَسَائِرُ الطَوَافِ مَحَلُّ ذِكْرٍ وَدُعَاءٍ وَقُرآنٍ.[/font]
[font="] والسَعْيُ بَعْدَ الطَوَافِ مِنَ الشَعَائِرِ العَظِيَمةِ المنْصُوصِ عَلَيِهَا في القُرآنِ؛ ولِذْا فَإِنَّ النَبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمَّا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأَ: {إِنَّ الصَّفَا والْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ} [/font][font="][البقرة: 158] [/font][font="]وَقَالَ«أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللهُ بِهِ» فَبَدَأَ بِالصَّفَا، فَرَقِيَ عَلَيْهِ، حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَوَحَّدَ اللهُ وَكَبَّرَهُ، وَقَالَ:«لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ، قَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ»رواه مسلم.[/font]
[font="] وَكَمْ فِي هَذَا الذِكرِ مِنْ التَوحِيدِ؟! وَحَّدَ اللهَ تَعَالَى وَكَبَّرَهُ، ثُمَّ هَلَلَهُ سُبْحَانَهُ، وَالتَهْلِيلُ هُوَ أَخَصُّ ذِكْرٍ لِلتَوحِيدِ، وَأَقَرَّ لَهُ بِالمُلكِ وَالحَمْدِ وَالقُدْرَةِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وذَكَرَ مَا مَنَّ بِهِ سُبْحَانَهُ عَلِيهِ مِنَ النَّصْرِ وَهَزِيِمَةِ الشْرِكِ وَأَهْلِهِ، وَجَعَلَ هَذْا الذِكرَ المُبَارَكَ مُتَخَلِّلاً الدُعَاءَ عَلَى الصَفَا والمَروةِ، والدُعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ كَمَا جَاءْ فِي الحَدِيثِ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى تَعَلُّقِ قَلْبِ الدَّاعِي بِمَنْ دَعَاهُ. [/font]
[font="] وَلا يَقتَصِرُ تَقْرِيِرُ التَوحِيدِ بِالأَقْوَالِ في الحَجِ عَلَى البَيتِ الحَرَامِ بَلْ يَتَواصَلُ ذَلِكَ فِي المَشَاعِرِ كُلِهَا؛ فَالتَلبِيِةُ وَالتَكْبِيرُ مُسْتَمِرانِ طِيلَةَ المَوسِمِ، يَعُجُّ بِهِما الحُجَّاجُ فِي تَنَقُلاَتِهِم بَيِنَ المَشَاعِرِ لإعلانِ التَوحِيدِ، فَيَا لَهُ مِنْ مَشْهَدٍ مَهِيبٍ، يُهَيِّضُ القُلُوبَ عَلَى الخُشُوعِ، وَيُحَرِّكُ المَشَاعِرَ فَتَسِيلُ المَدَامِعُ، وَيَعْتَرِي الجَسَدَ قَشَعَرِيرةٌ لا أَحْسبُ أَنَّ أَيَّ لَذَّةٍ في الدُّنيَا مَهْمَا كَانَتْ تَعْدِلُ لَذَّةَ تِلكَ اللحَظَاتِ المُفْعَمَةِ بِالإيِمَانِ وَاليَقِينِ، وَالقُرْبِ مِنْ رَبِّ العَالَمِين. [/font]
[font="]قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: «غَدَوْنَا مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَاتٍ، مِنَّا الْمُلَبِّي وَمِنَّا الْمُكَبِّرُ» رَوَاهُ مُسْلِّمٌ.[/font]
[font="]وَفِي عَرَفَةَ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا عَرَفَةُ؟! ذَلِكَ المَوقِفُ الذي خُصِّصَّ لأَخَصِّ دَلاَئِلِ التَوحِيدِ وَهُوَ الدُعَاءُ، حَتَّى شُرِعَ جَمْعُ صَلَاتَيِّ الظُهْرِ وَالعَصْرِ لِيَتَفَرَّغَ الحَاجُ لِسُؤَالِ رَبِّهِ وَالإِلحَاحِ عَلَيهِ، يَمُدُّ يَدَيهِ إِلَى الله تَعَالَى وَقَلْبُهُ مُفْتَقِرٌ إلَيهِ، وَيُوقِنُ بِأَنَّ حَاجَاتِهِ عِنْدَهُ سُبْحَانَهُ لا يَقْضِيهَا سِوَاهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَأَخَصُ دُعَاءٍ في عَرَفَةَ هُوَ كَلِمَةُ التَوحِيدِ؛ كَمَا رَوَى الترمِذِيُّ عَنْ عَمْرِوِ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.[/font]
[font="] هَذَا الذِكرُ المُبَارَكُ يُقَالُ في عَرَفَةَ أَشْهَرِ مَوَاقِفِ الحَجِ وأَعظَمِهَا وَأَلَذِّهَا، وَأَشَدِّهَا قُرْبَاً مِنَ الله تَعَالَى حِينَ يَتَجَلَّى لِلوَاقِفِينَ بِعَرَفَةَ يُبَاهِي بِهِمْ مَلائِكَتَهُ وَهُمْ يُعلِنُونَ التَوحِيدَ، وَيُكَرِّرُونَ هَذَا الذِكرَ، مِنْ زَوَالِ الشَمْسِ إلى غُرُوبِهَا؛ كَمَا قَاَلَ جَابِرٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَحكِي وُقُوفَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا قَاَلَ: ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ، فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ إِلَى الصَّخَرَاتِ، وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا، حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ.رواه مسلم.[/font]
[font="] وَمِنْ عَرَفَةَ إلى مُزدَلِفَةَ، يَسِيرُ الحَاجُ إليها وَهُوَ يَعُجُّ بالتَلبِيَةِ، وَفيِهَا ذِكرٌ وَدُعَاءٌ وَتَوحِيدٌ، وذِكرُهَا مَأمُورٌ بِهِ فِي آياتِ المَنَاسِكِ (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُروا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ)[/font]
[font="]وَشَعِيرَةُ الدُعَاءِ وَالذِكرِ فِي مُزدَلِفَةَ أتَى بِهَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَدَعَاهُ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحْدَهُ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا. رواه مسلم.[/font]
[font="] وَفِي العَودَةِ إلى مِنَىً بَعْدَ مُزدَلِفَةَ اسْتِمرَارٌ فِي التَلبِيِةِ إلى بُلُوغِ جَمْرَةِ العَقَبَةِ كَمَا أَخْبَرَ الفَضَلُ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى الجَمْرَةَ» رواه الشيخان.[/font]
[font="] وَبِرَمِيِّ الجَمْرَةِ انتِقَالٌ مِنْ ذِكرٍ إلى آخَرَ؛ لِتَسْتَوعِبَ مَنَاسِكُ الحَجِ أَنْوَاعَ الذِكْرِ التي تُرَسِّخُ التَوحِيدَ، وَتَملأُ القُلُوبَ هَيبَةً لله تَعَالَى وَعَظَمَةً وَإجْلَالاً وَمَحَبَةً وَخَوفَاُ وَرَجَاءً؛ فَمِنَ التَلبِيةِ إلى التَكْبِيرِ، وَمِنَ الإحْرَامِ إلى الإحْلَالِ، وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ يَحْكِي فِعْلَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الجَمَرَاتِ قَاَلَ: فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا رواه مسلم.[/font]
[font="] وَفِي رَمي الجَمَرَاتِ أيَامَ التَشْريِقِ تَكبِيرٌ وَمَوقِفٌ للدُعَاءِ طَويِلٌ، فَيَكُونُ فِي كُلِّ مَشْعَرٍ مِنْ مَشَاعِرِ الحَجِ ذِكرٌ وَدُعَاءٌ وَتَوحيِدٌ؛ لأن غَايَةَ الحَجِ تَرسِيخُ التَوحِيدِ فِي القُلُوبِ، جَاءَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَنَّهُ كَانَ يَرْمِي الجَمْرَةَ الدُّنْيَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ عَلَى إِثْرِ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ حَتَّى يُسْهِلَ، فَيَقُومَ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ، فَيَقُومُ طَوِيلًا، وَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَرْمِي الوُسْطَى، ثُمَّ يَأْخُذُ ذَاتَ الشِّمَالِ فَيَسْتَهِلُ، وَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ، فَيَقُومُ طَوِيلًا، وَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، وَيَقُومُ طَوِيلًا، ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ ذَاتِ العَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الوَادِي، وَلاَ يَقِفُ عِنْدَهَا، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَيَقُولُ «هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ» رواه البخاري.[/font]
[font="] وَلا يَنْصَرِفُ الحُجَّاجِ مِنْ مَكَةَ حَتَّى يَئُوبُوا إلى البَيِتِ مَرَةً أُخْرَى طَائِفِينَ ذَاكِرِينَ مُوَدِعِينَ؛ لِتُخْتَمَ مَنَاسِكُ الحَجِّ بالذِكرِ والتَوحيِدِ كَمَا افتُتِحَتْ بِالتَلبِيَةِ وَهِيَّ أَدَلُ شَيْءٍ عَلَى التَوحيِدِ.[/font]
[font="] أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذِكرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذِكرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199) فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُروا الله كَذِكركُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202) وَاذِكرُوا الله فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللهُ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203)).[/font]
[font="] بارك اللهُ لي ولكم في القرآن العظيم...[/font]
[font="] [/font]
[font="] [/font]
[font="]الخطبة الثانية[/font]
[font="]الحَمْدُ للهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، أَحْمَدُهُ وَأَشْكُرُهُ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنِ اهْتَدَى بُهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.[/font]
[font="]أَمَّا بَعْدُ، فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، واقْدُرُوا هَذِهِ الأَيَّامَ قَدْرَهَا، واعْمُرُوهَا بِأَنْوَاعِ الطَاعَاتِ؛ فَإِنَّهَا أَفضَلُ أَيَّامِ العَامِ، وَالعَمَلُ الصَالِحُ فِيهَا أَفضَلُ مِنْ مِثْلِهِ فِي غَيِرِهَا؛ كَمَا فِي حَدِيِثِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما عَنْ النَبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:«ما مِنْ عَمَلٍ أَزْكَى عِنْدَ الله عز وجل ولا أَعْظَمَ أَجْرًا من خَيْرٍ يعمله في عَشْرِ الْأَضْحَى، قِيلَ: ولا الْجِهَادُ في سَبِيلِ الله؟ قال: ولا الْجِهَادُ في سَبِيلِ اللهُ عز وجل إلا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فلم يَرْجِعْ من ذلك بِشَيْءٍ، قال الراوي: وكان سَعِيدُ بن جُبَيْرٍ إذا دخل أَيَّامُ الْعَشْرِ اجْتَهَدَ اجْتِهَادًا شَدِيدًا حتى ما يَكَادُ يَقْدِرُ عليه»رواه الدارمي.[/font]
[font="] ومِمَّا شَرَعَ اللهُ تَعَالَى لَكُم فِي هَذا العِيدِ الكَبِيرِ الذي نَنْتَظِرُهُ بَعْدَ أَيَّامٍ إنهَارَ دَمِ الضَحَايَا؛ قُربَةً لله تَعَالَى وَتَعظِيمَاً لَهُ؛ فَهِيَّ مِنْهُ وَإلَيهِ، وَتُذْبَحُ بِاسمِهِ سُبْحَانَهُ، وَفَي الزَمَنِ الذي اخْتَارَهُ عَزَّ وَجَلَّ لِذَبْحِهَا، وَقَدْ رَوىَ أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال:«ضَحَّى النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ على صِفَاحِهِمَا يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ فَذَبَحَهُمَا بيده»رواه الشيخان.[/font]
[font="] وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ فَليُمْسِك عَنْ شَعَرِهِ وَأَظْفَارِهِ إلى أَنْ تُذبَحَ أُضْحِيَتُهُ؛ لحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُا أَنَّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ:«إذا دَخَلَتِ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أحدُكم أَنْ يُضَحِّيَ فلا يَمَسَّ من شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شيئاً» وفي رواية:«فلا يَأْخُذَنَّ شَعْرًا ولا يَقْلِمَنَّ ظُفُرًا»رواه مسلم.[/font]
[font="] وَمِنْ طَرَأَتْ عَلَيِهِ الأضُحِيَةُ أَثنَاءَ العَشرِ، أَو وَجَدَ ثَمَنَهَا بَعدَ مُضِيِّ أَيَّامٍ مِنْهَا فَيُشْرَعُ لَهُ أَنْ يُضَحِّيَ ، وَلَو كَاَنَ قَبَلَ نِيَّتِه قَد أَخَذَ مِنْ شَعرِهِ وَأَظفَارِهِ، وَمِنَ الحِرمَانِ العَظِيمِ أَنْ يَتْركَ المُسلِمُ سُنَةَ الأضُحِيَةِ المُؤَكَدَةِ مَعْ القُدرةِ عَلَيهَا لأَجلِ الإمِسَاكِ عَنْ الشَعَرِ والأظَافِرِ عَشرَ لَيَالٍ، فَيَفِرُ مِنْ ذَلِكَ بِأَنْ لاَ يُضَحِّيَ فَتَفُوتُ عَلَيِهِ شَعِيرَةٌ كَبِيرَةٌ فِي أَيَّامٍ فَاضِلَةٍ، وَأَكَثَرُ مَنْ يَقَعُ فِي مِثلِ ذَلِكَ مَنْ يَحلِقونَ لِحَاهُم مِنْ إِخْوانِنَا؛ لأنَّ كَثِيراً مِنْهُم لاَ يُطِيقُونَ صَبراً عَلَيهَا عَشرَ لَيالٍ، هَدَانَا اللهُ تَعَالَى وَإيَاهُمْ لمِا يُرضِيِهِ.[/font]
[font="] وَعَظِموا اللهُ تَعَالَى فِي أَيَّامِ العِيدِ وَلَيَالِيهِ كَمَا تُعَظِمُونَهُ فِي العَشرِ وَفِي رَمَضَانِ؛ فَإنَّ عيِدَ النَحِرِ أَفضَلُ الأيَّامِ عِندَ اللهُ تَعَالَى، وَهُوَ يَومُ الحَجِ الأكَبّرِ، وَفِيهِ تُرَاقُ الدِماءُ تَعظِيماً لله تَعَالَى وَتَوحِيداً وَعِبَادَةً وتَقَرُّبَاً، فَلاَ يَلِيِقُ أَنْ تُقَابَل نِعَمُ الله تَعَالَى العَظِيمَةِ مِنْ هِدَايَةٍ وَأَمْنٍ وَرَخَاءٍ وَدِلَالَةٍ عَلَى العِيدِ وَالمنَاسِكِ وَالأَضَاحِي وَالانْتِفَاعِ بِها بالمُنكَرَاتِ.. نَعَمْ وَالله لا يَلِيقُ أنْ تُقَابَلَ نِعَمُ الله تَعَالَى بالمُنكَرَاتِ، وَلا أنْ يُبَارَزَ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى بالمعَاصِي في العِيدِ الكَبِيرِ (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللهُ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذِكرٌوا اسْمَ اللهُ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنَالَ اللهُ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهُ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ)[/font]
[font="]وصلوا وسلموا على نبيكم...[/font]
[font="] [/font]
[font="] [/font]
[font="] [/font]
[font="] [/font]
[font="] [/font]
المرفقات

مظاهر التوحيد في الحج 6.doc

مظاهر التوحيد في الحج 6.doc

المشاهدات 3034 | التعليقات 4

فضيلة الشيخ المبارك، لقد أحسنت كعادتك،
ربط جميل بين أذكار مناسك الحج والتوحيد الذي هو أعظم ما أمرنا الله به
دمت موفقاً أخي الكريم،


وفقك الله شيخنا الفاضل ، ونفع بعلمكم..


الأخوان الكريمان عبد العزيز آل فريان والشمراني..
شكر الله تعالى لكما مروركما وتعليقكما ونفع بكما واستجاب دعاءكما..


جزاك الله خيرا