التوحيد الخالص

محمد البدر
1437/10/24 - 2016/07/29 00:00AM
[align=justify]الخطبة الأولى :
عباد الله:قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) ﴾ [الذاريات:56-58].
وَعَنْ مُعَاذِ بن جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ ، فَقَالَ : (( يَا مُعَاذُ ، هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الله عَلَى عِبَادِهِ ؟ وَمَا حَقُّ العِبَادِ عَلَى الله ؟ )) قُلْتُ : اللهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ . قَالَ : (( فإنَّ حَقَّ اللهِ عَلَى العِبَادِ أنْ يَعْبُدُوهُ ، وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيئاً ، وَحَقَّ العِبَادِ عَلَى اللهِ أنْ لاَ يُعَذِّبَ مَنْ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيئاً )) فقلتُ : يَا رَسُول الله ، أفَلا أُبَشِّرُ النَّاسَ ؟ قَالَ : (( لاَ تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
عباد الله:فبالتوحيد تحيا القلوب ومن أجل التوحيد خلق الله السماواتِ والأرض والجنةِ والنار، وبه أُنزلتِ الكتب، وبه أرسلتِ الرسل ،وهو حق الله على العبيدِ ، وبه شُرعتِ الشرائع ، وبه شرع الجهاد، وبه قامتِ الحدود ، وبه انقسمتِ الخليقة إلى السعداءِ والأشقياء، وفيه الموالاة والمعاداة وهو توحيد العبادةِ ، والذي يسمى أيضا توحيد الألوهية ، والذي هو إفراد الله بالعبادة .
والعبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة ، كالدعاء والاستعاذة والاستعانة والاستغاثة والذبح والنذر والخوف والرجاء والمحبة والإنابة وغيرها ، وقد يدخل الشرك على العبد من أحدها إذا لم يجعلها لله مطلقة خالصة ، ولذلك نقول فيمن طاف بالقبرِ وقرب له وسأل صاحبه من دون الله فهو مشركٌ؛ وإن قال لا إله إلا الله، ومن أحب غير الله ندا مع الله فقد أشرك في محبةِ الله قال تعالى: ﴿ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبّ ٱللَّهِ ﴾[البقرة:165]. وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : « سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ ؟ قَالَ : أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَك » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
عباد الله :ومن اعتقد في مخلوقٍ نفعًا أو ضرًا من دون الله فقد أشرك بالله، ومن اعتقد أن أحدا يعلم شيئا من الغيب غيرَ الله فقد كفر، ولذا من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد. فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ أَتَى عَرَّافًا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ» رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيّ .
عباد الله :إن ما اصاب الأمة من الشرورِ والنكبات والحروب وسفك الدماء وكثرة الفرق والجماعات والتحزبات ومخالفة ما جاء به النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصحابته رضوان الله عليهم أجمعين وأشد البلايا التي حلت بها كانت بسبب ضعف التوحيد في النفوس، فالبعض من الناس يعتقد في التمائم والحروز فيعلق عليه وعلى عياله وفي سيارته ومنزله وفي كل مكان يعتقد أنه سيصيبه بلاء أو شر أو عين ، بدعوى أنها تدفع الشر وتذهب العين، وتجلب الخير ويعتقد في السحرة والمشعوذين والدجالين والأفاكين والأبراج والنجوم والكواكب وغيرها ،قال تعالى :﴿ وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرّ فَلاَ كَـٰشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدُيرٌ ﴾ [الأنعام:17].
فَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ « إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ » رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.
عباد الله :من حقق التوحيد الخالص كان له الأمن والهداية التامّة في الدنيا والآخرة، وبقدر ما ينقص التوحيد بقدر ما ينقص هذا الأمان وتنقص هذه الهداية، وأعظم هذا الأمان النجاةُ من النار والفوزُ بالجنة قال تعالى: ﴿ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَـٰنَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ ٱلاْمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ ﴾[الأنعام:82]. والمقصود بالظلمِ في الآية كما فسره نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الشرك، فمن ، ولذلك من حقق التوحيد قولا وعملا ومات على ذلك دخل الجنة فَعَنْ أَبي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ أَبْيَضُ وَهُوَ نائِمٌ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ وَقَدِ اسْتَيْقَظَ، فَقالَ: ما مَنْ عَبْدٍ قَالَ لا إِلهَ إِلاّ اللهُ ثُمَّ ماتَ عَلى ذَلِكَ إِلاّ دَخَلَ الْجَنَّةَ قُلْتُ: وَإِنْ زَنى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ: وَإِنْ زَنى وَإِنْ سَرَقَ، قُلْتُ: وَإِنْ زَنى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ: وَإِنْ زَنى وَإِنْ سَرَقَ، قُلْتُ: وَإِنْ زَنى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ: وَإِنْ زَنى وَإِنْ سَرَقَ عَلى رَغْمِ أَنْفِ أَبي ذَرٍّ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ........

الخطبة الثانية :
عباد الله :وإن من ثمراتِ التوحيدِ العظيمة الكثيرة هي أن الله يكون مع العبدِ يحفظه وينصره ويحوطه بعنايته، فمن كان مع الله كان الله معه. ومن حفظ الله في أوامره ونواهيه حفظه الله في كلِّ أموره الدنيوية والأخروية .
فحياة المسلم يجب أن تكون كلُّها توحيد لرب العالمين: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام:162-163].
الا وصلوا .....

[/align]
المشاهدات 3188 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا