التوحيد أمان وحصن حصين

محسن الشامي
1435/05/12 - 2014/03/13 22:30PM
الحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام نحمده سبحانه ونشكره جعلنا بنعمته مسلمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ند ولا شبيه ولا مثيل ولا نظير ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده وعبد ربه مخلصاً حتى أتاه اليقين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين أما بعد فيا عباد الله اتقوا الله تعالى حق التقوى {يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوماً لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور} إخوة الايمان:إن من توفيق الله للعبد أن يهديه للإسلام الخالص وذلك بتحقيق التوحيد وإفراد الله تعالى بالعبادة ولا يكون تحقيق التوحيد وكماله الا بمعرفته والاطلاع على حقيقته والقيام بها علماً وعملاً وتصفيته من الشرك والبدع والمعاصي فإذا وقع العبد في المعصية سارع إلى التوبة منها فالتوحيد هو طوق النجاة الذي لا بد أن يسعى كل مسلمٍ للحصول عليه والتشبث به غاية التشبث والعض عليه بالنواجذ ومن علم منزلة تحقيق التوحيد وأهميته وما أعد الله لأهله من الفضائل دعاه ذلك إلى تنقيته وتخليصه من كل شائبة وعده الكنز الذي لا يُفرَّط فيه والهدف الذي لا بد من بلوغ منتهاه فمن فضائل تحقيق التوحيد أن الله أنعم على من حقق التوحيد بالأمن من الخوف والعذاب في الآخرة والهداية إلى الصراط المستقيم في الدنيا قال تعالى{الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون}ومعنى لم يلبسوا إيمانهم أي لم يخلطوا إيمانهم والظلم هنا هو الظلم الأكبر والأمن المشار إليه في الآية الكريمة يشمل في الحقيقة أمني الدنيا والآخرة إذ أن من أخلص دينه لله يفيض الله تبارك وتعالى عليه نعمة الرضى بقضائه ويطمئن قلبه عند نزول الحوادث ويثبت فؤاده عند حلول الكوارث فمن أنواع الأمن الذي يمتع الله به أهل التوحيد أن يطمئن قلوبهم عند الموت على أولادهم وأحبابهم فلا يُجزعهم فراقُ الأحبة بل تتنزل عليهم الملائكة عند الموت يبشرونهم بلقاء الله ونعيم الجنان ويطمئنونهم على ما خلفوا وراءهم يقول الله تبارك وتعالى{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} ومما يؤمن الله تبارك وتعالى أهل التوحيد أن يطمئن قلوبهم عند الفزع الأكبر يوم القيامة فهو القائل عز وجل {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ، لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ، لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}
ومن ثمرات تحقيق التوحيد أنه سبب لدخول الجنة صح عن رسول الله r أنه قال «من شهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله؛ وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حقٌّ والنار حقٌّ أدخله الله الجنة على ما كان من العمل» أي أدخله الجنة على الذي كان عليه من العمل ولو كان مقصراً في العمل وعنده ذنوب وعصيان وفي هذا أعظم بيان لفضل التوحيد على أهله وكيف يكفر الله به عن العبد فمن شهد أنه لا معبود بحق إلا الله ولم يصرف عبادةً لغير الله وشهد أن محمداً عبده ورسوله وذلك بتصديقه فيما أخبر وطاعته فيما أمر والانتهاء عما نهى عنه وزجر وألا يعبد الله إلا بما شرع وشهد أن عيسى عبد الله ورسوله خلافاً لما يعتقده النصارى أنه الله أو ابن الله تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً ويشهد أنه رسول الله خلافاً لما يعتقده اليهود أنه ولد بغي صلى الله عليه وسلم وبرأه مما قالوا وشهد أنه سُمِّي كلمة الله لصدوره بكلمة "كن " كما قال تعالى{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ
فَيَكُونُ} وأنه روح منه أي:روح من الله فمِن أمر الله كان الروح فيه وليس المقصود أنه جزء من الله وشهد أن الجنةَ حقٌّ والنارَ حقٌّ بأنهما مخلوقتان موجودتان الآن فالجنة دار المتقين والنار دار الكفار والمنافقين ولمن وقع عليه الوعيد من العصاة فمن شهد بذلك وتكلم به عارفاً معناه عاملاً بمقتضاه ظاهراً وباطناً أدخله الله الجنة على الذي كان عليه من العمل حتى وإن كان مقصراً في الطاعة وقال r (من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار ) اخرجه مسلم
ومن ثمرات تحقيق التوحيد أنه سبباً لتكفير الذنوب فهو حسنةٌ عظيمةٌ لا تقابلها سيئةٌ إلا طمستها وأذهبت أثرها قال r يقول الله عز وجل في الحديث القدسي (يَا ابْنَ آَدَمَ إِنَّكَ لَو أَتَيْتَنِيْ بِقِرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لقِيْتَنِيْ لاَتُشْرِك بِيْ شَيْئَاً لأَتَيْتُكَ بِقِرَابِهَا مَغفِرَةً) فهذا الحديث يبين أن العبد لو لقي الله وقد جاء بمثل ملء الأرض ذنوباً ولكنه لقى الله موحداً تاركاً الشرك للقيه الله تعالى بقدر الخطايا مغفرة ومن آثارِ تحقيق التوحيدِ عباد الله العزةُ في الدنيا فيرى المسلم أنه عزيزٌ بما يحمل في قلبه من توحيدٍ لله، فهذا ربعي بن عامر يدخل على رستم وهو في أعظم حُلةٍ له ويأتي هذا الأعرابي الذي ما عرف رستم ولكنه عرف الله ووحد الله يأتي بثيابٍ صفيقة وسيف وفرسٍ قصيرة يدوس بها بساط رستم ثم يتقدم ويشق بعض الوسائد ليربط دابته ثم يتقدم يتوكأ على رمحه فوق النمارق يخرقها برمحه المثلم،قال له رستم وهو ينظر إليه مالذي جاء بكم ؟ فقال في عزةٍ وشموخ (الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادةِ الله ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة ،ومن جور الأديان إلى عدلِ الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه ومن أبى قاتلناه أبدا حتى نفضي إلى موعودِ الله) هكذا يرفع الاسلام شأن أتباعه فاجتهدوا عباد الله بتوحيد القلب لخالقه ومالكه، وتشبثوا بهذا الأصل العظيم الذي فيه سعادة الدنيا والآخرة .بارك الله لي ولكم
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين وقدوة الناس أجمعين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد عباد الله اتقوا الله تعالى واعلموا أن تحقيق التوحيد لا يتم ولا يكمل إلا باجتناب الشرك والخوف منه والحذر منه بمعرفة أسبابه ودواعيه فالشرك ضد التوحيد وهو أقبح ذنبٍ عُصي الله به ودليل على كفران العبد لربه، حيث رزقه وخلقه وأعطاه؛ ثم يأبى إلا أن يصرف العبادة لغيره قال تعالى{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}وإذا كان الله تعالى يقول لخليله وصفيه من خلقه محمد r (لئن أشركت ليحبطنّ عملك) فكيف بغيره ؟!وفي هذه الآية الكريمة بيان لعظم جرم الشرك في إحباطه للعمل يحبط جميع ما يعمله العبد من أعمال البر مِن صلاة وصيام وحج وصدقات وغير ذلك فيكون عمله هباءً ويا حسرة والله على من اجتهد عمره في تحصيل الأعمال الصالحة ثم خالط عمله الشرك فحبط عمله فكان ممن قال الله تعالى فيهم (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا) ولا يقول قائلٌ أو يظن ظانٌ أنه بمأمن من الشرك فإنه متى ما نُسِي العلم انتشرت وسائل الشرك وعظم خطرها فهذا مما يجعل المسلم أكثر طلباً للنجاة وأكثر إلحاحاً ولجوءاً إلى ربه أن يجنبه الوقوع في الشرك وقد قالr«أخْوَفُ ما أخافُ عليكم الشركَ الأصغرفُسئل عنه فقال الرياء)وقالr «من مات وهو يدعو من دون الله نِداً دخل النار) اخرجه البخاري وفي ذلك أوضح بيان في أن من اتخذ لله نِداً وشبيهاً فيما يختص به الله تعالى ويستحقه من العبادة أن مآله إلى النار وليس اتخاذ الند فقط أن يتخذ صنماً يعبده من دون الله بل اتخاذ الند أن يصرف العبادة أياًّ كان نوعها لغير الله من رجاءٍ وتوكلٍ وخوفٍ ودعاءٍ وذبحٍ ونذرٍ وسائر أنواع العبادات فإذا فعل ذلك فقد وجب له العذاب الأبدي لكونه مشركاً بالله تعالى قال تعالى{إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار )
المشاهدات 2028 | التعليقات 0