التوحيد
عبدالله اليابس
التوحيد الجمعة 21/2/1439هـ
الحمد لله رب العالمين, إلهِ الأولين والآخرين, وقيومِ السموات والأرضين, لا مغيثَ إلا الله, و لا ناصرَ إلا الله, ولا مُفرِّجَ لهمومنا و غمومنا إلا الله.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, النبي المصطفى, والرسول المجتبى, الرحمة المهداة, والنعمة المسداة، صاحب المقام المحمود, والحوض المورود, صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أَمَّا بَعْدُ: {ياأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. حديثنا اليوم بإذن الله عن أولِ الفرائض، وأهمِ الواجبات، وأعظمِ الحقوق، كيف لا وهو حق الله تعالى على عباده.
روى البخاري ومسلم وغيرهما عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: (كنتُ رديف النبي صلى الله عليه وسلم وما بيني وبينه إلا أَخَرَةُ الرَحْل، فقال: يا معاذ! فقلت: لبيك يا رسول الله وسعديك. قال: أتدري ما حق الله على العباد؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا. ثم قال: يا معاذ بن جبل! قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك. قال: هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: حقهم عليه ألا يعذبهم.
نعم إنه التوحيد .. هو أعظم ما أمر الله به عباده.. ولأجله بُعثت الرسل, وأُنزلت الكتب.. {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}.
بالتوحيد يصلح حال الأفراد والمجتمعات, قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ومن تدبر أحوال العالم وجد كل صلاح في الأرض فسببه توحيد الله وعبادته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم, وكل شر في العالم وفتنة وبلاء وقحط وتسليط عدو وغير ذلك فسببه مخالفة الرسول والدعوة إلى غير الله, ومن تدبر هذا حق التدبر وجد هذا الأمر كذلك في نفسه عمومًا وخصوصًا".
التوحيد مفتاح الجنة: فعن عتبان رضي الله عنه كما عند البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله).
بالتوحيد لله تُشرَحُ الصدورُ، وتطمئنُّ القلوبُ، ويتحرَّرُ الإنسان من عبوديَّة الخلقِ، {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ}.
بالتوحيد تُفرَجُ الهُموم وتُكشَفُ الكُروب، {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}.
قال ابن القيم رحمه الله: "ما دُفِعت شدائدُ الدنيا بمثلِ التوحيد".
توحيد الله سبب الحياة الطيبة: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
أيها الإخوة الموحدون .. توحيد الله تعالى هو اعتقاد أن الله تعالى واحد لا شريك له في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته ..
أما توحيد الله تعالى في ربوبيته فهو اعتقاد أن الله تعالى واحد لا شريك له بأفعاله كالخلق والملك والتدبير والإحياء والإماتة.
فلا خالق إلا الله, ولا رازق إلا الله, ولا شافي إلا الله .. لا يملك شيئًا من ذلك ملك مقرب, ولا نبي مرسل, ولا ولي صالح.
أما إفراد الله تعالى في ألوهيته فهو إفراد الله تعالى بجميع أنواع العبادة، ونفي العبادة عن كل ما سوى الله, قال تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا}.
فمن أخل بهذا النوع من التوحيد بأن صرف شيئاً من العبادة لغير الله فقد وقع في الفتنة، وضل عن سواء السبيل. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أما توحيد الأسماء والصفات فهو: إفراد الله عز وجل بما له من الأسماء والصفات، فيعتقدُ العبد أن الله لا مماثل له في أسمائه وصفاته.
وهذا التوحيد يقوم على أساسين: الأول: الإثبات, بأن تثبت لله ما أثبته سبحانه لنفسه في كتابه أو أثبته له نبيه صلى الله عليه وسلم من الأسماء الحسنى والصفات العلى على وجه يليق بجلال الله وعظمته, من غير تحريف لها أو تأويل لمعناها أو تعطيل لحقائقها, أو تكييف لها.
الثاني: التنزيه: وهو تنزيه الله عن كل عيب، ونفي ما نفاه عن نفسه من صفات النقص، والدليل على ذلك قوله تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}, فنزه نفسه سبحانه عن مماثلته لخلقه، وأثبت لنفسه صفات الكمال على الوجه اللائق به سبحانه.
إن أكملَ الخلقِ أكملُهم لله عبوديَّةً، وعلى قدرِ تحقيقِ التوحيدِ يكونُ كمالُ العبدِ وسُمُوُّ مكانتِه، والله يُدافِعُ عن المُوحِّد في دينِه ودُنياه، وأرجَى من يحظَى بمغفرةِ الله هو المُوحِّد، وقد أخبر عليه الصلاة والسلام أن الله تعالى يقول: (يابن آدم.. لو أتيتَني بقُرابِ الأرضِ خَطايا، ثم لقِيتَني لا تُشرِكُ بي شيئًا لأتيتُك بقُرابِها مغفرةً)؛ رواه الترمذي.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم, ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, قد قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَه إِلَّا اللهُ رَبُّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ وَقَيَّومُ السَّمَاوَات وَالأَرَضِين، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى الْمَبْعُوثِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ, وَأَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين، وَعَلَى مَنْ سَارَ عَلَى هَدْيِهِ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ إِلَى يَوْمِ الدِّين.
أَمَّا بَعْدُ : {ياأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم .. بعد أن علمنا فضل التوحيد ومعناه وأنواعه .. فينبغي أن نعلم أن هناك أخطاء يقع فيها بعض الناس تخل بالتوحيد, فمن ذلك:
إجابة بعض الناس إذا سئل: "أين الله" بقوله: "في كل مكان", وهذا غلط عظيم.
فقد روى مسلم في صحيحه عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال: كانت لي جارية ترعى غنمًا لي قِبَل أُحُد والجَوَّانيَّة، فاطَّلعتُ ذات يوم فإذا الذيب قد ذهب بشاة من غنمها، وأنا رجل من بني آدم آسَف كما يأسَفون لكني صككتها صكة، فأتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظُم ذلك عليَّ. قلت: يا رسول الله، أفلا أُعتقها؟ قال: ائتني بها. فأتيته بها, فقال لها: أين الله ؟ قالت: في السماء. قال: من أنا؟ قالت: أنت رسولُ الله. قال: أعتقها فإنها مؤمنة.
فحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجارية بالإيمان بمعرفتها أن الله تعالى في السماء, {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}.
نعم .. الله يعلم ما في كل مكان .. وهو في السماء سبحانه وتعالى.
ومما يخل بالتوحيد اتخاذُ المساجد على القبور, والصلاةُ عندها وجعلُ القباب عليها, روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها: أن أم حبيبة وأم سلمة رضي الله عنهما ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير، فذكرتا للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات، بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك الصور، فأولئك شِرارُ الخلق عند الله يوم القيامة).
ومما يخل بالتوحيد الحلف بغير الله تعالى, كالحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم بقول: (والنبي) أو الحلف بحياة أحد كقول: (وحياتك) أو (وحياة أبوك) وغيرها, فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك).
ومنه الحلف بالأمانة, كقول الإنسان لمن يخبره بخبر ويريد استثياقه: (أمانة), أي أتحلف بأمانتك؟ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من حلف بالأمانة فليس منا).
ومما يخل بالتوحيد تعليق التمائم والخيوط على الرقبة أو اليد أو السيارة ونحوها لدفع العين أو الأذى أو جلب المنفعة, فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من تعلق تميمة فقد أشرك).
إن التوحيدَ أغلى ما يملِكُ المُسلِم، ومن هداهُ الله إليه فليعُضَّ عليه بالنواجِذ، وليصُنْه مما يُناقِضُه أو يقدَحُ فيه أو يُنقِصُه، ومن دعا غيرَ الله أو طافَ على قبرٍ أو ذبَحَ له أو حلف بغير الله فقد خسِرَ أنوارَ التوحيد وفضائِلَه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. اعلموا أن الله تعالى قد أمرنا بالصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وجعل للصلاة عليه في هذا اليوم والإكثار منها مزية على غيره من الأيام, فللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.
المرفقات
21-2-1439
21-2-1439
ادارة الموقع
تعديل التعليق