التواضع

زراك زراك
1433/03/25 - 2012/02/17 16:00PM
لسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه
خطبة: من أخلاق الإسلام التواضع
للشيخ محمد زراك بالمسجد الكبير بأولاد برحيل
25 ربيع الأول 1433 موافق 17/02/2012م
الحمد لله المتصف بالكمال، المنزه عن كل عيب ونقص ومثال، وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ في الماضي والحاضر والمآل، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، ولا ند له ولا مثال. وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، الذي جاهد في الله حق جهاده حتى انمحى الشرك وزال، وقرر التوحيد والصدق, وطبق الأقوال بالأفعال. اللَّهم صل وسلم عليه، عدد حصى الجبال, وحبَّ الرمال، وارْضَ اللهم عن آله, والمتبعين لهم بإحسان من كل الأجيال إلى يوم المآل.
أما بعد فيا أيها المؤمنون! معنا في خطبة اليوم خلق عظيم من أخلاق الإسلام، خلق محمود يدل على طهارة النفس، ويؤدي إلى المودة والمحبة والمساواة بين الناس، وينشر الترابط بينهم، ويمحو الحسد والبغض والكراهية من قلوب الناس، وفوق هذا كله فإنه يؤدي إلى رضا المولى –سبحانه وتعالى- ذلكم هو خلق التواضع ...فما هو التواضع؟
التواضع هو: عدم التعالي والتكبر على أحد من الناس، بل على المسلم أن يحترم الجميع مهما كانوا فقراء أو ضعفاء أو غير ذلك. يقول سيدنا أبو بكر -رضي الله عنه-: لا يحْقِرَنَّ أحدٌ أحدًا من المسلمين، فإن صغير المسلمين عند الله كبير.وقد أمرنا الله -تعالى- بالتواضع، فقال: {واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين} وقال تعالى: {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوًا في الأرض ولا فسادًا والعاقبة للمتقين}
أيها الإخوة المؤمنون! كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) المثل الاعلى في
التواضع والنماذج التي تدل على تواضعه صلى الله عليه وسلم كثيرة، منها:
كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍt ، يُحَدِّثُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرْسَلَ إِلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَلَكًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَعَهُ جِبْرِيلُ ، فَقَالَ الْمَلَكُ : " إِنَّ اللَّهَ يُخَيِّرُكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ عَبْدًا نَبِيًّا ، وَبَيْنَ أَنْ تَكُونَ مَلِكًا نَبِيًّا ، فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جِبْرِيلَ كَالْمُسْتَشِيرِ لَهُ ، فَأَشَارَ جِبْرِيلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَوَاضَعْ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " بَلْ أَكُونَ عَبْدًا نَبِيًّا "
وعن الأسود بن يزيد قال: سألت السيدة عائشة -رضي الله عنها- قائلا: ما كان النبي يصنع في أهله؟ فقالت: كان في مهنة أهله (يساعدهم)، فإذا حضرت الصلاة قام إلى الصلاة. [البخاري].
وكان صلى الله عليه وسلم يحلب الشاة، ويخيط النعل، ويُرَقِّع الثوب، ويأكل مع خادمه، ويشتري الشيء من السوق بنفسه، ويحمله بيديه، ويبدأ من يقابله بالسلام ويصافحه، ولا يفرق في ذلك بين صغير وكبير أو أسود وأحمر أو حر وعبد، وكان صلى الله عليه وسلم لا يتميز على أصحابه، بل يشاركهم العمل ما قل منه وما كثر. ذكرت لكم مؤخرا قصة النبي r وهو في سفر مع أصحابه، فأرادوا أن يأكلوا شاةً، فقال أحدُهم: عليَّ ذبحُها و قال آخرُ عليَّ سلخُها و قال آخرُ عليَّ طبخُها فقال عليه r و عليَّ جمعُ الحطبِ، اختار أشقَّ الأعمالِ، قالوا نكفيك يا رسولَ اللهِ، قال أعلم أنكم تكفونني و لكن اللهَ يكرهُ أن يرى عبدَه متمَيِّزا عن أقرانه،
هذا هو منهج الله، أغلب الناس بعيدون عن هذا المنهج، فمن الناس من يتكبر بعلمه، ويحتقر غيره، ويغضب إذا رده أحد أو نصحه،
ومنهم من يتكبر بحسبه ونسبه، فيفتخر بمنزلة آبائه وأجداده، ويرى الناس جميعًا أقل منزلة منه؛ فيكتسب بذلك الذل والهوان من الله.
ومن الناس من يتكبر بالجاه والقوة فيعجب بقوته، ويغتر بها، ويعتدي ويظلم، فيكون في ذلك هلاكه ووباله.
ومنهم من يتكبر بكثرة ماله، فيبذِّر ويسرف ويتعالى على الناس؛ فيكتسب بذلك الإثم من الله ولا ينفعه ماله.

إخوة الإيمان! لا يجوز لأحد أن يتكبر أبدا، لأن الله –تعالى يقول-: {ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحًا إن الله لا يحب كل مختال فخور} ، والله -تعالى- يبغض المتكبرين ولا يحبهم، ويجعل النار مثواهم وجزاءهم، يقول تعالى: {إن الله لا يحب المستكبرين} ويقول تعالى: {أليس في جهنم مثوى للمتكبرين} [وروى مسلم وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة t أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (قال الله -عز وجل-: في الحديث القدسي: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدًا منهما قذفته في النار)
وقد تخلق الصحب الكرام ومن بعدهم من الصالحين، بأخلاق نبينا العدنان، فسجلوا للتاريخ نماذج رائعة ، تجعل المسلم يتعلم كيفية التواضع،

كان سيدنا ابو بكر قبل الخلافة يحلب الغنم للنسوة العجائز وللفتيات القاصرات، فلما ولى الخلافة قالت بنات الحي: الآن لا يحلب لنا أغنامنا، فلما بلغ ذلك أبا بكر قال: بلى والله لأحلبن لكن كما كنت أصنع من قبل ،
وأرجو ألا يغيرني الله عن خلق كنت أعتاده قبل الخلافة.
والفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وجد يتامى يبكون من الجوع، فيحمل كيس الدقيق على كتفه لهذه المرأة التي لا تجد قوت عيالها فأشعل النار وبقي ينفخ عليها إلى أن نضج الطعام واكل الأولاد وهو خليفة لعشرين دوله.
وقدم (رسول كسرى) إلى المدينة يريد مقابلة أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه فأخذ يبحث عن قصر الخلافة وهو في شوق إلي رؤية ذلك الرجل الذي اهتزت عروش كسرى وقيصر... خوفا منه
ولكنه لم يجد في المدينة قصرا ولا حراسا فسأل الناس :
أين أمير المؤمنين عمر؟ فقالوا لا ندري ولكنه لعله ذاك النائم تحت الشجرة
فلم يصدق الرجل ما سمع فذهب إليه فإذا به عمر رضي الله عنه قد افترش الأرض والتحف السماء وعليه بردته القديمة فوقف المرزبان مشدوها مستغربا وقال قولته المشهورة : حَكَمت ... فعَدلت ... فأمِنت ... فنِمت ... يا عمر وملكنا فظلمنا فخفنا
ويروى أن عمر بن عبد العزيز أتاه ليلة ضيف، فانطفأ المصباح، فقام عمر وملأ المصباح زيتاً فقال الضيف: قمت أنت بنفسك يا أمير المؤمنين ، لمَ لمْ تأمرني أو تأمر خادما فقال: ذهبت وأنا عمر ورجعت وأنا عمر ما نقص مني شيء! وخير الناس عند الله من كان متواضعاً.
فليحرص كل منا أن يكون متواضعًا في معاملته للناس، ولا يتكبر على أحد مهما بلـغ منـصبه أو مالـه أو جاهه؛ فإن التواضع من أخلاق الكرام، والكبر من أخلاق اللئام. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ..
الخطبة الثانية
عباد الله: إن أعظم باعث على التواضع أن تعرف عظمة الله تعالى وعجزك وقصورك أيها الإنسان، وأن تنظر دائماً في سير الصالحين
وإنك أخي المسلم لن تفلح أبداً حتى تقتدي بالنبي وتتأسى به في حياتك، وهذا يقتضي أن تقرأ سيرته وتتعلم من سنته، عند ذلك ستجد أنه كان يمر على الصبيان فيسلم عليهم وينطلق مع الأمة حيث شاءت ليقضي لها حاجتها، وكان يتواضع للغريب والجاهل وطالب العلم، فعن أبي رفاعة تميم بن أسيد رضي الله عنه قال: ((انتهيت إلى النبي وهو يخطب فقلت: يا رسول الله رجل غريب جاء يسال عن دينه لا يدري ما دينه؟ فأقبل علي رسول الله وترك خطبته حتى انتهى إلي فأتى بكرسي فقعد عليه وجعل يعلمني مما علمه الله ثم أتى خطبته فأتم آخرها))3، نعم صدق الله إذ قال وإنك لعلى خلق عظيم
ألا فاتقوا الله عباد الله وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول اللهr
اللهم وفق أمير المؤمنين محمدا السادس لكل خير، ونسألك اللهم أن تجري الخير على يديه، اللهم متعه بالصحة والعافية، وأعنه على أداء رسالته، وتحقيق كل خير لشعبه وبلده. واحفظه في كافة أسرته الشريفة يارب العالمين،
اللهمّ اهدنا فيمن هديت......اللهمّ أعطنا ولا تحرمنا...اللهمّ اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمَّن سواك ، اللهمّ لا تؤمنَّا مكرك ، ولا تهتِك عنَّا سترَك ، ولا تنسنا ذكرك ، يا رب العالمين ، اللهمّ إنَّا نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الذلّ إلا لك ، ومن الفقر إلا إليك ،
والحمد لله رب العالمين





المشاهدات 2695 | التعليقات 0