التنبيهات -بأضرار المخدرات
خالد علي أبا الخيل
1438/09/01 - 2017/05/27 11:24AM
التنبيهات -بأضرار المخدرات
التاريخ: الجمعة:23-شعبان-1438 هـ
الحمد لله الذي حرم ما يضر بالإنسان ويُذهب عقله والجَنان أحمده أن جعل الفطر السليمة تنفر مما يؤذي الإنسان لاسيما المخدرات والمُسكرات والدخان، وأشهد أن لا إله إلا الله حرم الخبائث وأحلّ الحلال وبان، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله حذر مما يُفسد الأديان ويُخلُّ بالأذهان.
أمة الإسلام...
اتقوا القدوس السلام؛ تفوزوا بدار السلام ومُرافقة النبي عليه الصلاة والسلام.
عباد الله...
إن العقل نعمة عظيمة يُميز به المرء ما يضره ويؤذيه وما يُصلحه وينفعه ويُرديه فيمتنّ الله على عباده به في آياتٍ كثيرة (أَفَلا تَعْقِلُونَ)(البقرة: 44) إن في ذلك لآيات لأولي الألباب أهل العقول والحِجا، وإذا أردت معرفة هذه النعمة فقلّد بصرك فيمَن فقد عقله ورفع الله التكليف على مَن ليس بعاقل إذ ليس أهلًا للتكليف، العقل هو السمة البارزة في الفرق بين الإنسان والبهيمة وسائر الحيوان (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ)(الفرقان:44) ولهذا وجب على المرء حفظ عقله مما يُفسده ويُنقصه بل العقل أحد الضروريات الخمس المُجمع على حفظها وصيانتها.
مفسدات العقول:
حسية ومعنوية.
فالمعنوية؛ كالأفكار المُنحرفة والشبهات المُنجرفة والثقافات الهدامة وما يُسمون بالعقلانيين والعلمانيين وممَن يُقدم عقله على كتاب ربه وسُنة نبيه والقراءة في كتب أهل الزيغ والضلال وكذا المسلسلات الساقطة والمواقع الهابطة والضلالات المُنحرفة والمنتديات السافلة والشهوات المُتنوعة، والحسية؛ كالخمور والمخدرات وتعاطي ما يُفسد العقول ويُذهبها على اختلاف مُسمياتها وصورها وأنواعها ومشروباتها.
أيها الإخوة إن المخدرات تُفسد الأديان وتُخلّ بالبلدان وتُشتت وتنزع الأذهان، المخدرات تُضيع الأوقات وتُهدر الطاقات وسببٌ لعقوق الآباء والأمهات، آفةٌ عظيمة وخصلة وخيمة، المخدرات مُحرمة شرعًا وفطرةً وعقلًا.
المخدرات تُفسد العقل وتقطع النسل وتورث الجنون وتجلب الشرور والهموم فدعوا صاحبها كالحيوان الهائج لا يدري ما يصنع، وتُرديه أسوأ المهالك وما تفككت الأُسر إلا من أثرها وما عُقَّ إلا بسببها ومع غلاءها فإن مروجها من أتعس الناس وأفقرهم، تستنزف ماله وتأكل راتبه بل يقترض لها حتى تضيق به النفقة، فإن كان له أولادٌ فلا تسأل عن حالهم وفقرهم وحاجتهم بل ربما باع أهله وعِرضه وما يملكه مقابل جرعة مُخدر أو شربة مُسكر أو وجبة مُفتر، ولهذا كامل العقل والإيمان ينئ به عن مزالق الشيطان، فروى الشيخان (لا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن) وقال عثمان عليه الرضوان: (إنه والله لا يجتمع الإيمان والخمر في قلب رجلٍ إلا يوشك أحدهما أن يُذهب بالآخر). رواه النسائي وابن حبان.
المخدرات كم نفوسٍ أزهقت وعِرضٍ دنست وعقولٍ عطلت وأموالٍ ضُيعت وكم أفقرت وأذلت وكم من النِعم جلبت وكم من النقم جلبت ومن النعم سلبت، المخدرات بوابة السرور ومفتاح التدهور وفساد الأمور؛ فهي فساد للأديان والعقول والأوقات والأموال، فساد للأُسر والبيوتات والأفراد والمجتمعات وفساد الأموال.
صاحب المخدرات نسي ربه، وظلم نفسه، وأهدر حياته، وأيتم أطفاله، وأرمل زوجته، وأزرى بأهله، وقتل أباه وأمه وأخاه وأخته، وأساء إلى أقرباءه وعشيرته.
ومن جرم المخدرات ما تدع الحلم حيران وكأن ما يُسمع ويُرى ويُنشر طيفٌ في الهدَّيان، صورٌ شنيعة وأفعالٌ بشعة مما لو لم يوجد على أرض الواقع لمَّا صُدِق ما يقع.
وقد أجمع الناس على أضرارها حتى قال القائل: إن خطر المخدرات وتأثيرها المُدمر أشد فتكًا من الحروب التي تأكل الأخضر واليابس وتُدمر الحضارات وتقضي على القدرات وتُعطل الطاقات، ولقد حرم الشرع كل ما يضر بالإنسان فلا ضرر ولا ضرار وجعل الخبائث من قسم المنهيات والمُحرمات، وأجمع العقلاء في الجاهلية والإسلام على ذمها وترفع النبلاء عنها، وزاد شرعنا على ذمها بأن لعن شاربها وعاصرها ومُعتصرها وحاملها والمحمولة إليه، وفي مسلم من حديث جابر: (كل مُسكرٍ حرام).
واستمع إلى الوعيد الشديد (إن الله عهد لمَن يشرب المُسكر؛ أن يُسقيه من طينة الخبال. قالوا: يا رسول الله وما طينة الخبال؟ قال: عصارة أهل النار) ومَن شربها في الدنيا حُرم شربها في الآخرة فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: (كل مُسكر حرام ومَن شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخر).
فضرر المُسكرات والمخدرات لا يخفى عن كل عاقل؛ فهي وبالٌ وعدوٌ للأفراد والمجتمعات، إن بلادنا مُستهدفة وشبابنا مستهدفون من قِبل أعداءٍ في الداخل والخارج ليُروجوا المخدرات إليهم والسعي على إفشالهم، إن الترويج والتسهيل والبيع والشراء والتستر من وراء القضبان، واستنزاف الأموال لجلب المخدرات والمُفترات؛ ضربٌ من الإفساد في الأرض وتعاونٌ على الإثم والعدوان؛ ولهذا يجب محاربتها والتبليغ عمَن يُمارسها ولا يجوز التستر عليه وإخفاء أمره، أو ربطه بمكافحة المخدرات للعلاج وقطع هذا الوباء الخطير والمرض المستطير.
إن بعض مرضى القلوب ممَن ابتُلي بهذا الداء الخطير ليته يقتصر على نفسه فحسب بل يتعدى ضرره على غيره من زوجةٍ وأولاد، فيشرب أمام زوجته المخدرات والدخان والمفترات وهذا محرم شرعًا وإيذاءٌ طبعًا، ولو رفعت المرأة لسانها لتذكيره وتنبيهه أذاقها الويلات والحسرات، فهو سبعٌ يأكل وذئبٌ مفترس يجفل.
ووالله إنك لتحزن حينما ترى مَن يشرب ويُدخن أمام تلك الزوجة المكلومة، أو تلك الصغار البُرآء على مرأى منهم وربما كان المكان مغلقًا فيما بينهم؛ كالغرفة والسيارة فقل لي بربك أين الحياء؟ بل أين الشهامة والرجولة؟ فما ذنب وجرم هؤلاء الأبرياء؟ وإذا بُليت فلا تزر وزرة أخرى ولا تشرب الدخان أمامهم ولا تُمارس شرك قدامهم.
فيجب على الآباء والأمهات؛ ملاحظة الأبناء والبنات وتفقدهم عن بعد وبحكمة وروية وعقلٍ وأخوية عند مجالستهم لرفقائهم فمع مَن يجلسون وأين يذهبون، وتفقدهم من مقاهي النت والجلسات المحجوبة والاستراحات المشبوهة وتحذيرهم من المخدرات وبيان أضرارها لهم ومفاسدها، وتنبيههم من أب الخبائث ومفتاح الشرور وبوابة الخمور الدخان الخبيث المقيت، وكذا على الآباء زرع الثقة في نفوس أولادهم وتغذية الإيمان في قلوبهم ومراقبة خالقهم.
قلت هذا القول ونحمد الله على كل فعل وقول ونستغفره من فتنة القول ونبرأ إليه من كل حول.
الخطبة الثانية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
أيها المسلمون؛ الواقع أن تعاطي المخدرات له أسباب والأسباب لها أبواب، فمنها: ضعف الوازع الديني وهذا أهم الأسباب، ولا بد من التربية عليه؛ لأنه أكبر حاجز ومانع من المخدرات، فلا بد من زرع الإيمان وتروية القلب بالخوف من الرحمن ومراقبة الله.
ومن الأسباب: تعاطي أحد أفراد الأسرة والأبناء غالبًا يسعون لتقليد أحد الوالدين أو الإخوة أو الأقارب والطِباعُ سراقة؛ فيُعلمهم بلسان حالهم ولا يشفع له تحذيرهم له بلسانه بل هذا لا يُجدي ولا ينفع، فالفعل أبلغ في التعليم من القول.
ومن الأسباب: رفقة السوء إذا كانوا لها متعاطين فيغرون غيرهم وجلسائهم لتعاطيها ويُسهلون طرقها ويُمهدون سبيلها.
ومن الأسباب: محاولة التقليد للغير من أصدقاء وفنانين وممثلين ومَن لهم مكانة وشخصية في المجتمع، محاكاتهم وتقليدهم والتجربة مثلهم.
ومن الأسباب: سهولة الحصول عليها وتمويلها والذهاب إلى أماكنها لاسيما في زماننا في التواصلات المعلوماتية عبر النت والفيسبوك والتويتر وغيرهما مما يجب عدم الدخول إلى تلك المواقع، والحذر من النظر في تلك المراتع.
ومن الأسباب: السفر للخارج دون رقابة وتربية إيمانية؛ فيتعرض الشاب لمُغريات وشهوات وتارةً يذهب لحب الاستطلاع، وتارةً يشرب مداراةً لغيره وتارةً ليأخذ حريته كما يزعم؛ لأنه يظن أنه لا يُرى ولا يعلم به أحدٌ من الورى، ويريد أن يستمتع بذهابه أقصى حدٍ ممكن أو يشرب ذلك للتجربة فيقع في الشراك وعندها يتمنى الفِكاك.
ومن الأسباب: ما يحصل من الضغوط النفسية والمشاكل العائلية والتفككات الأسرية؛ إما طلاقٌ أو شجارٌ أو نزاعٌ أو بخلٌ بالمال، إما من الزوج ليطلب الراحة والطمأنينة وبحجة دفع القلق والأرق، أو الأبناء لما يحصل لهم من التشتت والتفرق والاختلاف.
ومن الأسباب: الفراغ وضياع الأوقات والبطالة والصعوبات المالية؛ فيضطر إلى مَن يزعم فيه راحته وذهاب همه وسد فراغه ويظن أنه سبب رزقه، نعم هو رزقٌ، لكنه رزقٌ حرام ووزرٌ وإجرام.
ومن الأسباب: الفهوم الخاطئة ترويجًا للمخدرات على أنها موادٌ غير مخدرة أو غير ضارة أو أشربة روحانية أو محلولة أو فلان يستعملها سنين عديدة ولم يتأثر ولم يتغير.
ومن الأسباب: ما يزعمه دعاة الشر ليدفعوهم إلى الوقوع في المخدرات دفعًا؛ وهو أن مُتعاطي المخدرات متى أراد الإقلاع عنها أقلع بسهولة، وهذه أوهامٌ براقة وخداع ماكر؛ لأن المخدرات إذا تحكمت بالشخص لا تتركه أبدًا والواقع خير شاهد، فبعضهم رحماك مضى عمره في هذا المجال وفي السجون وبين الجدران ومَن وضع قدمه انزلق، ومَن انزلق اتضجع وانمحق.
ومن موارده: تلك المقاهي والأماكن المغلقة والمواقع المغلفة ينتابها ما هب ودب الصغار والكبار ويصيد فيها المريب بُغيته من إركابٍ ولواطٍ وشرب خمرٍ وحشيشةٍ ودخانٍ ومخدراتٍ ومعاكسات، فقد تُعرض له ويسهل تناولها لبعده عن والديه أو مجتمعه أو لا يعلم به أحد.
فأهل البيع والتمويل لتلك المخدرات من أبوابهم لبيعها والتجارة بها المقاهي لاسيما إذا غاب الرقيب لا من البائع ولا من المُشتري فعفوك يا قريب يا مُجيب، وتتحمل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة عبئًا من المسئولية حين تعرض في برامجها ومسلسلاتها، وبين فواصلها في دعايتها شرب الخمور، وقوارير الخمر على الموائد أنه مشروبٌ روحي وأمرٌ طبيعي، أو أنه من مشروبات الشخصيات والمجتمعات الراقية.
أخي الشاب؛ انتبه واعرف النهاية قبل البداية؛ لذلك خذ حذرك، وتجنب أصدقاء السوء، جهز ردًا مقنعًا لمَن يعرض عليك لا وألف لا، انتبه من العبارات البراقة مثل: كل الشباب يستعملونها لماذا أنت لا، لازم تجرب كل حاجة ولو مرة واحدة، لا تصير جبانًا وخوافًا، الموضوع بسيط وأسهل مما تتصور، إذا أردت رفقتنا والذهاب معنا وأخذ الراحة بيننا فلازم تجربها معنا، أو إنما هو استعمالٌ مؤقت زمن الامتحانات، فاحذر وكن حازمًا واسأل نفسك أيها العاقل هل هذا يُرضي الله؟ هل هذا يُفيدني؟ هل هذا ينفعني؟ هل عقلي الصحيح يقبله؟ ما هو تأثير المخدرات على المستقبل والحياة وعلى الأُسر والمجتمعات؟ وأنتم أيها الآباء خذوا الحيطة لاسيما في هذه الأوقات أوقات الامتحانات وزمن الإجازات؛ فيكثر الترويج وبيع المخدرات.
إن البلاد الإسلامية وبلادنا خاصة تواجه خططًا وأهدافًا لترويج المخدرات لتحطيم بلادها ومجتمعاتها واقتصادها وشبابها وأخلاقها وقبل ذلك كله دينها وعزها وشرفها، فالمخدرات أحد الحروب المعاصرة الخطيرة المدمرة، لهذا لا بد أن نقف صفًا واحدًا تجاه هذا الوباء المُدمر ولا بد من التكاتف والتآزر بين المجتمع للحد والقضاء والصد لهذا العدوان الغاشم والسلاح الفتاك الآثم.
وهنا لا بد من الإشادة لما يبذله رجال الأمن وجهات الاحتساب وإدارة مكافحة المخدرات من جهودٍ مشكورة وبطالاتٍ مذكورة، ودور التوعية الدينية بشتى الوسائل والمستشفيات فكم نسمع بحمد الله من إحباط كميات هائلة وأعدادٍ كبيرة طائلة واكتشاف أشياء لا تخطر بالبال والعثور على أماكن من المركوبات والاستراحات والحمد لله على ذلك.
التاريخ: الجمعة:23-شعبان-1438 هـ
الحمد لله الذي حرم ما يضر بالإنسان ويُذهب عقله والجَنان أحمده أن جعل الفطر السليمة تنفر مما يؤذي الإنسان لاسيما المخدرات والمُسكرات والدخان، وأشهد أن لا إله إلا الله حرم الخبائث وأحلّ الحلال وبان، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله حذر مما يُفسد الأديان ويُخلُّ بالأذهان.
أمة الإسلام...
اتقوا القدوس السلام؛ تفوزوا بدار السلام ومُرافقة النبي عليه الصلاة والسلام.
عباد الله...
إن العقل نعمة عظيمة يُميز به المرء ما يضره ويؤذيه وما يُصلحه وينفعه ويُرديه فيمتنّ الله على عباده به في آياتٍ كثيرة (أَفَلا تَعْقِلُونَ)(البقرة: 44) إن في ذلك لآيات لأولي الألباب أهل العقول والحِجا، وإذا أردت معرفة هذه النعمة فقلّد بصرك فيمَن فقد عقله ورفع الله التكليف على مَن ليس بعاقل إذ ليس أهلًا للتكليف، العقل هو السمة البارزة في الفرق بين الإنسان والبهيمة وسائر الحيوان (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ)(الفرقان:44) ولهذا وجب على المرء حفظ عقله مما يُفسده ويُنقصه بل العقل أحد الضروريات الخمس المُجمع على حفظها وصيانتها.
مفسدات العقول:
حسية ومعنوية.
فالمعنوية؛ كالأفكار المُنحرفة والشبهات المُنجرفة والثقافات الهدامة وما يُسمون بالعقلانيين والعلمانيين وممَن يُقدم عقله على كتاب ربه وسُنة نبيه والقراءة في كتب أهل الزيغ والضلال وكذا المسلسلات الساقطة والمواقع الهابطة والضلالات المُنحرفة والمنتديات السافلة والشهوات المُتنوعة، والحسية؛ كالخمور والمخدرات وتعاطي ما يُفسد العقول ويُذهبها على اختلاف مُسمياتها وصورها وأنواعها ومشروباتها.
أيها الإخوة إن المخدرات تُفسد الأديان وتُخلّ بالبلدان وتُشتت وتنزع الأذهان، المخدرات تُضيع الأوقات وتُهدر الطاقات وسببٌ لعقوق الآباء والأمهات، آفةٌ عظيمة وخصلة وخيمة، المخدرات مُحرمة شرعًا وفطرةً وعقلًا.
المخدرات تُفسد العقل وتقطع النسل وتورث الجنون وتجلب الشرور والهموم فدعوا صاحبها كالحيوان الهائج لا يدري ما يصنع، وتُرديه أسوأ المهالك وما تفككت الأُسر إلا من أثرها وما عُقَّ إلا بسببها ومع غلاءها فإن مروجها من أتعس الناس وأفقرهم، تستنزف ماله وتأكل راتبه بل يقترض لها حتى تضيق به النفقة، فإن كان له أولادٌ فلا تسأل عن حالهم وفقرهم وحاجتهم بل ربما باع أهله وعِرضه وما يملكه مقابل جرعة مُخدر أو شربة مُسكر أو وجبة مُفتر، ولهذا كامل العقل والإيمان ينئ به عن مزالق الشيطان، فروى الشيخان (لا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن) وقال عثمان عليه الرضوان: (إنه والله لا يجتمع الإيمان والخمر في قلب رجلٍ إلا يوشك أحدهما أن يُذهب بالآخر). رواه النسائي وابن حبان.
المخدرات كم نفوسٍ أزهقت وعِرضٍ دنست وعقولٍ عطلت وأموالٍ ضُيعت وكم أفقرت وأذلت وكم من النِعم جلبت وكم من النقم جلبت ومن النعم سلبت، المخدرات بوابة السرور ومفتاح التدهور وفساد الأمور؛ فهي فساد للأديان والعقول والأوقات والأموال، فساد للأُسر والبيوتات والأفراد والمجتمعات وفساد الأموال.
صاحب المخدرات نسي ربه، وظلم نفسه، وأهدر حياته، وأيتم أطفاله، وأرمل زوجته، وأزرى بأهله، وقتل أباه وأمه وأخاه وأخته، وأساء إلى أقرباءه وعشيرته.
ومن جرم المخدرات ما تدع الحلم حيران وكأن ما يُسمع ويُرى ويُنشر طيفٌ في الهدَّيان، صورٌ شنيعة وأفعالٌ بشعة مما لو لم يوجد على أرض الواقع لمَّا صُدِق ما يقع.
وقد أجمع الناس على أضرارها حتى قال القائل: إن خطر المخدرات وتأثيرها المُدمر أشد فتكًا من الحروب التي تأكل الأخضر واليابس وتُدمر الحضارات وتقضي على القدرات وتُعطل الطاقات، ولقد حرم الشرع كل ما يضر بالإنسان فلا ضرر ولا ضرار وجعل الخبائث من قسم المنهيات والمُحرمات، وأجمع العقلاء في الجاهلية والإسلام على ذمها وترفع النبلاء عنها، وزاد شرعنا على ذمها بأن لعن شاربها وعاصرها ومُعتصرها وحاملها والمحمولة إليه، وفي مسلم من حديث جابر: (كل مُسكرٍ حرام).
واستمع إلى الوعيد الشديد (إن الله عهد لمَن يشرب المُسكر؛ أن يُسقيه من طينة الخبال. قالوا: يا رسول الله وما طينة الخبال؟ قال: عصارة أهل النار) ومَن شربها في الدنيا حُرم شربها في الآخرة فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: (كل مُسكر حرام ومَن شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخر).
فضرر المُسكرات والمخدرات لا يخفى عن كل عاقل؛ فهي وبالٌ وعدوٌ للأفراد والمجتمعات، إن بلادنا مُستهدفة وشبابنا مستهدفون من قِبل أعداءٍ في الداخل والخارج ليُروجوا المخدرات إليهم والسعي على إفشالهم، إن الترويج والتسهيل والبيع والشراء والتستر من وراء القضبان، واستنزاف الأموال لجلب المخدرات والمُفترات؛ ضربٌ من الإفساد في الأرض وتعاونٌ على الإثم والعدوان؛ ولهذا يجب محاربتها والتبليغ عمَن يُمارسها ولا يجوز التستر عليه وإخفاء أمره، أو ربطه بمكافحة المخدرات للعلاج وقطع هذا الوباء الخطير والمرض المستطير.
إن بعض مرضى القلوب ممَن ابتُلي بهذا الداء الخطير ليته يقتصر على نفسه فحسب بل يتعدى ضرره على غيره من زوجةٍ وأولاد، فيشرب أمام زوجته المخدرات والدخان والمفترات وهذا محرم شرعًا وإيذاءٌ طبعًا، ولو رفعت المرأة لسانها لتذكيره وتنبيهه أذاقها الويلات والحسرات، فهو سبعٌ يأكل وذئبٌ مفترس يجفل.
ووالله إنك لتحزن حينما ترى مَن يشرب ويُدخن أمام تلك الزوجة المكلومة، أو تلك الصغار البُرآء على مرأى منهم وربما كان المكان مغلقًا فيما بينهم؛ كالغرفة والسيارة فقل لي بربك أين الحياء؟ بل أين الشهامة والرجولة؟ فما ذنب وجرم هؤلاء الأبرياء؟ وإذا بُليت فلا تزر وزرة أخرى ولا تشرب الدخان أمامهم ولا تُمارس شرك قدامهم.
فيجب على الآباء والأمهات؛ ملاحظة الأبناء والبنات وتفقدهم عن بعد وبحكمة وروية وعقلٍ وأخوية عند مجالستهم لرفقائهم فمع مَن يجلسون وأين يذهبون، وتفقدهم من مقاهي النت والجلسات المحجوبة والاستراحات المشبوهة وتحذيرهم من المخدرات وبيان أضرارها لهم ومفاسدها، وتنبيههم من أب الخبائث ومفتاح الشرور وبوابة الخمور الدخان الخبيث المقيت، وكذا على الآباء زرع الثقة في نفوس أولادهم وتغذية الإيمان في قلوبهم ومراقبة خالقهم.
قلت هذا القول ونحمد الله على كل فعل وقول ونستغفره من فتنة القول ونبرأ إليه من كل حول.
الخطبة الثانية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
أيها المسلمون؛ الواقع أن تعاطي المخدرات له أسباب والأسباب لها أبواب، فمنها: ضعف الوازع الديني وهذا أهم الأسباب، ولا بد من التربية عليه؛ لأنه أكبر حاجز ومانع من المخدرات، فلا بد من زرع الإيمان وتروية القلب بالخوف من الرحمن ومراقبة الله.
ومن الأسباب: تعاطي أحد أفراد الأسرة والأبناء غالبًا يسعون لتقليد أحد الوالدين أو الإخوة أو الأقارب والطِباعُ سراقة؛ فيُعلمهم بلسان حالهم ولا يشفع له تحذيرهم له بلسانه بل هذا لا يُجدي ولا ينفع، فالفعل أبلغ في التعليم من القول.
ومن الأسباب: رفقة السوء إذا كانوا لها متعاطين فيغرون غيرهم وجلسائهم لتعاطيها ويُسهلون طرقها ويُمهدون سبيلها.
ومن الأسباب: محاولة التقليد للغير من أصدقاء وفنانين وممثلين ومَن لهم مكانة وشخصية في المجتمع، محاكاتهم وتقليدهم والتجربة مثلهم.
ومن الأسباب: سهولة الحصول عليها وتمويلها والذهاب إلى أماكنها لاسيما في زماننا في التواصلات المعلوماتية عبر النت والفيسبوك والتويتر وغيرهما مما يجب عدم الدخول إلى تلك المواقع، والحذر من النظر في تلك المراتع.
ومن الأسباب: السفر للخارج دون رقابة وتربية إيمانية؛ فيتعرض الشاب لمُغريات وشهوات وتارةً يذهب لحب الاستطلاع، وتارةً يشرب مداراةً لغيره وتارةً ليأخذ حريته كما يزعم؛ لأنه يظن أنه لا يُرى ولا يعلم به أحدٌ من الورى، ويريد أن يستمتع بذهابه أقصى حدٍ ممكن أو يشرب ذلك للتجربة فيقع في الشراك وعندها يتمنى الفِكاك.
ومن الأسباب: ما يحصل من الضغوط النفسية والمشاكل العائلية والتفككات الأسرية؛ إما طلاقٌ أو شجارٌ أو نزاعٌ أو بخلٌ بالمال، إما من الزوج ليطلب الراحة والطمأنينة وبحجة دفع القلق والأرق، أو الأبناء لما يحصل لهم من التشتت والتفرق والاختلاف.
ومن الأسباب: الفراغ وضياع الأوقات والبطالة والصعوبات المالية؛ فيضطر إلى مَن يزعم فيه راحته وذهاب همه وسد فراغه ويظن أنه سبب رزقه، نعم هو رزقٌ، لكنه رزقٌ حرام ووزرٌ وإجرام.
ومن الأسباب: الفهوم الخاطئة ترويجًا للمخدرات على أنها موادٌ غير مخدرة أو غير ضارة أو أشربة روحانية أو محلولة أو فلان يستعملها سنين عديدة ولم يتأثر ولم يتغير.
ومن الأسباب: ما يزعمه دعاة الشر ليدفعوهم إلى الوقوع في المخدرات دفعًا؛ وهو أن مُتعاطي المخدرات متى أراد الإقلاع عنها أقلع بسهولة، وهذه أوهامٌ براقة وخداع ماكر؛ لأن المخدرات إذا تحكمت بالشخص لا تتركه أبدًا والواقع خير شاهد، فبعضهم رحماك مضى عمره في هذا المجال وفي السجون وبين الجدران ومَن وضع قدمه انزلق، ومَن انزلق اتضجع وانمحق.
ومن موارده: تلك المقاهي والأماكن المغلقة والمواقع المغلفة ينتابها ما هب ودب الصغار والكبار ويصيد فيها المريب بُغيته من إركابٍ ولواطٍ وشرب خمرٍ وحشيشةٍ ودخانٍ ومخدراتٍ ومعاكسات، فقد تُعرض له ويسهل تناولها لبعده عن والديه أو مجتمعه أو لا يعلم به أحد.
فأهل البيع والتمويل لتلك المخدرات من أبوابهم لبيعها والتجارة بها المقاهي لاسيما إذا غاب الرقيب لا من البائع ولا من المُشتري فعفوك يا قريب يا مُجيب، وتتحمل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة عبئًا من المسئولية حين تعرض في برامجها ومسلسلاتها، وبين فواصلها في دعايتها شرب الخمور، وقوارير الخمر على الموائد أنه مشروبٌ روحي وأمرٌ طبيعي، أو أنه من مشروبات الشخصيات والمجتمعات الراقية.
أخي الشاب؛ انتبه واعرف النهاية قبل البداية؛ لذلك خذ حذرك، وتجنب أصدقاء السوء، جهز ردًا مقنعًا لمَن يعرض عليك لا وألف لا، انتبه من العبارات البراقة مثل: كل الشباب يستعملونها لماذا أنت لا، لازم تجرب كل حاجة ولو مرة واحدة، لا تصير جبانًا وخوافًا، الموضوع بسيط وأسهل مما تتصور، إذا أردت رفقتنا والذهاب معنا وأخذ الراحة بيننا فلازم تجربها معنا، أو إنما هو استعمالٌ مؤقت زمن الامتحانات، فاحذر وكن حازمًا واسأل نفسك أيها العاقل هل هذا يُرضي الله؟ هل هذا يُفيدني؟ هل هذا ينفعني؟ هل عقلي الصحيح يقبله؟ ما هو تأثير المخدرات على المستقبل والحياة وعلى الأُسر والمجتمعات؟ وأنتم أيها الآباء خذوا الحيطة لاسيما في هذه الأوقات أوقات الامتحانات وزمن الإجازات؛ فيكثر الترويج وبيع المخدرات.
إن البلاد الإسلامية وبلادنا خاصة تواجه خططًا وأهدافًا لترويج المخدرات لتحطيم بلادها ومجتمعاتها واقتصادها وشبابها وأخلاقها وقبل ذلك كله دينها وعزها وشرفها، فالمخدرات أحد الحروب المعاصرة الخطيرة المدمرة، لهذا لا بد أن نقف صفًا واحدًا تجاه هذا الوباء المُدمر ولا بد من التكاتف والتآزر بين المجتمع للحد والقضاء والصد لهذا العدوان الغاشم والسلاح الفتاك الآثم.
وهنا لا بد من الإشادة لما يبذله رجال الأمن وجهات الاحتساب وإدارة مكافحة المخدرات من جهودٍ مشكورة وبطالاتٍ مذكورة، ودور التوعية الدينية بشتى الوسائل والمستشفيات فكم نسمع بحمد الله من إحباط كميات هائلة وأعدادٍ كبيرة طائلة واكتشاف أشياء لا تخطر بالبال والعثور على أماكن من المركوبات والاستراحات والحمد لله على ذلك.