( التمحيص طريق التمكين )
حامد ابراهيم طه
1438/04/04 - 2017/01/02 04:32AM
لمتابعة جديد الخطب نشرف بزيارتكم لموقعنا الرسمى الجديد على هذا الرابط
http://hamidibrahem.com/
الخطبة الأولى ( التمحيص طريق التمكين )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :
(ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) (154) آل عمران
وقال تعالى : (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) (142) آل عمران
إخوة الإسلام
لو أن شركة من الشركات أرادت أن تولي شخصاً منصباً قيادياً بها فتقدم لها عدد من الناس وكل يدعي أهليته لهذا المنصب ، فماذا ستفعل تلك الشركة؟
لا شك أنها ستجري امتحاناً وتمحيصاً للمتقدمين حتى يتبين للجميع أن فلاناً هو الأحق والأجدر بهذا المنصب، هذا فيما يتعلق بمنصب قيادي في شركة
فما بالكم بأمة يعدها ربها لقيادة العالم؟ وأدعياء التقوى والعلم والإيمان فيها كثير فلابد لهم من التمحيص والاختبار حتى يتميز الصادق من الكاذب
وقد نص الله سبحانه على ذلك في كتابه بقوله جل شأنه : ( الم(1)أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) العنكبوت 1 ، 3،
وقد يقول قائل لماذا الامتحان والتمحيص والله يعلم السرائر والبواطن؟
فنرد عليه بقول رب العالمين:( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) الأنفال 42
وهذا التمحيص والابتلاء الذي ينزل بالأمة نتيجته أحد أمرين
أما نجاحاً وفوزاً وتمكيناً وإما إخفاقاً وذلاً مهيناً ،
وفي قمة الامتحان والابتلاء يأتي الفرج والتمكين كما أخبر بذلك رب العالمين بقوله :
(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ)(214) البقرة
فتعالوا بنا نأخذ أمثلة لامتحان بعده نصر وتمكين فيما مضى من القرون والأمم :
فهذا سيدنا موسى عليه السلام ومن آمن معه أشتد أذى فرعون لهم حتى بلغ طغيان فرعون أن قرر قتلهم وإبادتهم ليقضي على دعوة الإيمان ويصفو له الجو وحشر لعملية قتل تلك الفئة القليلة المستضعفة كل قواته وإمكانياته واستمع للعليم الخبير ينبئك عن ذلك بقوله :
(فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53) إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ) الشعراء (56)
فماذا كانت النتيجة ؟ استمع لها ممن له القوة جميعاً : (فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136) وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ) (137) الأعراف
أرأيتم كيف كان أهل الكفر الأقوياء يتوعدون أهل الإيمان الضعفاء بالقتل والإبادة تدخلت القدرة الإلهية التي لا يقف لها شيء فقتل أهل الكفر وبقي أهل الإيمان وأبيد أهل الكفر وكان التمكين لأهل الإيمان ،
وهذا سيدنا لوط عليه السلام ابتلي بقومه أهل الفاحشة النكراء وقرروا طرد لوط من بلاده وليس له ذنب إلا الطهارة من رجسهم ونتنهم : قال تعالى
( فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) النمل 56 .
وبلغ الابتلاء والتمحيص قمته يوم أن أرادوا فعل تلك الفاحشة القذرة بضيوفه الكرام حتى ضاق الأمر بلوط عليه السلام وقال تلك المقولة التي تعبر عن قمة الحالة التي وصل إليها يقول الله تعالى على لسانه :
( قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ) هود 80 .
فجاءته البشرى : (قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ) هود (81)
وهذا رسولنا صلى الله عليه وسلم تتفق قريش على قتله فداه نفسي وأبي وأمي والناس أجمعين ويشرعون في تنفيذ الخطة ويحيط الرجال الأقوياء بمنزله استعداداً للفتك به فيخرجه الله من بينهم كما تخرج الشعرة من العجين ، وتكون الهجرة التي عاد بعدها صلوات ربي وسلامه عليه فاتحاً معززاً مكرماً،
ويتكرر مشهد الابتلاء والتمحيص فكم عذب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة وكم لقوا من الأذى ، وكان من مواقف التمحيص الشديدة يوم الأحزاب حيث اجتمعت قوى الكفر لإبادة الإسلام وأهله وبلغ البلاء من أهل الإيمان مبلغه حتى يصفه الله بقوله :
(إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا) الأحزاب 10، 11
فماذا كانت النتيجة؟ أرسل الله عليهم تلك الريح الباردة التي أقضت مضاجعهم وأجبرتهم على الانسحاب ولم يستطيعوا العودة بعدها لغزو المدينة، ثم كان الفتح والتمكين لأهل الإيمان،
وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أصيبت الأمة الإسلامية بزلزال عنيف وتمحيص عظيم إلا وهو قضية الردة فثبت الله الأمة بالصديق رضي الله عنه ثم أعقب تلك المحنة وذلك التمحيص فتح أكبر دولتين في ذاك الزمان الروم وفارس وإخضاعها لشريعة الإسلام ،
وحينما تخفق الأمة في الامتحان والتمحيص تشتد المصيبة وتحل العقوبة من الجبار وإليكم مثالاً واحداً لذلك
فهؤلاء بنوا إسرائيل اليهود ، يخبركم رب العالمين بقوله تعالى :
(وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (20) يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22) قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ) المائدة 20 :24
فماذا كانت النتيجة؟ استمع لها من رب العالمين :
(قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ) المائدة 26 .
وقال تعالى :( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) (47) الروم.
أيها المسلمون
التمحيص والابتلاء سنة من سنن الله في خلقه ،ليميز الله الخبيث من الطيب، فلابد من التمييز،
فقد اقتضت حكمة الله عز وجل هذا التمييز ليبين الكاذب من الصادق، والدخيل من الأصيل،
ثم إن هناك اشتباهاً في الأمور يحدث في الفتن، فيتميز أهل البصيرة من أهل الغفلة، فترى المغفل يخبط بكلامه خبط عشواء، وأما أهل البصيرة يتكلمون على نور من الله،
فتجد الذين في قلوبهم مرض يميلون إلى الأعداء، ويفخمون أمرهم، ويرتمون في أحضانهم، وهكذا يفعلون،
وتجد أهل الإيمان يقولون:
( كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ) سورة البقرة:249،
فيثبتون الناس، ويقولون:( كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ) سورة الشعراء:62.
وهكذا تكون الأمور متبينة، ثم يرى عز وجل من الذي ينصر دينه من الذي يتخلى عن دينه؟ من الذي ينصر أهل دينه؟ ، ومن الذي يتخلى عن أهل دينه؟
وهكذا تتبين الأخوة الإسلامية في الأزمات والشدائد، من الذي يشعر فعلاً أنه مع المسلمين؟ هل آلمه ألمهم ؟ وأهمه همهم ؟
فلابد إذن من تمحيص وتمييز، ولابد من ابتلاء واختبار، فانظر -يا عبد الله- ما هو موقعك من هذا، وماذا فعلت حينما أجرى الله عز وجل الأقدار،
وعندما خلق سبحانه وتعالى هذه الأفعال أين أنت؟ وماذا فعلت؟ وما هو موقعك؟
هل اعتصمت بالكتاب والسنة؟ وهل لزمت المؤمنين وكنت معهم؟
وهل نصرت من نصر الدين؟ وهل عندك القضايا متضحة جلية؟
أم عندك غبش، وليس هناك في النظر وضوح؟
يقول الله تعالى : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) سورة العنكبوت:2-3.
وفي صحيح البخاري (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَخْبَرَهُ أَنَّ هِرَقْلَ قَالَ لَهُ سَأَلْتُكَ كَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ فَزَعَمْتَ أَنَّ الْحَرْبَ سِجَالٌ وَدُوَلٌ ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى ثُمَّ تَكُونُ لَهُمُ الْعَاقِبَةُ )
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( التمحيص طريق التمكين )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
الله سبحانه وتعالى يبتلي ليميز الصفوف، ويمحص القلوب، إنها سنة ماضية، إنه لابد من حصولها حتى يصقل المعدن، وينضج الأمر، وكذلك يظهر المنافقون
والله سبحانه وتعالى يبتلي ليميز الصفوف، ويمحص القلوب،
إنها سنة ماضية، إنه لابد من حصولها حتى يصقل المعدن، وينضج الأمر، وكذلك يظهر المنافقون -ذلك الصف الخفي المندس بين المؤمنين-، ولذلك عند اشتداد الأمر ترى هؤلاء يظهرون على حقيقتهم من خلال ما يصرحون ويعبرون ويتكلمون.
وعلى ضوء سنة التمحيص تتحقق سنة أخرى وهي سنة التمكين، لابد لتمكين من ابتلاء قبله، وقد أدرك أهل العلم والبصيرة هذه الحقيقة،
فعندما سئل الإمام الشافعي رحمه الله: أيما أفضل للرجل أن يمكن أو يبتلى؟ ما هو الأفضل أن يمكن أو يبتلى؟ فقال: لا يمكن حتى يبتلى، إذن لو قلت: أن يكون عزيزاً متمكناً منصوراً أفضل؟ أو أن يكون مبتلى، وأن يكون واقعاً في محن؟
فكان الجواب: لا يمكَّن حتى يبتلى، لابد لهذا من هذا إذن. وكذلك ابتليَ النبي صلى الله عليه وسلم فترة طويلة في مكة، أكثر فترة الابتلاء كانت أكثر من الفترة التي عاشها ممكناً في المدينة، لكن النتيجة النهائية أن ما حصل من التمكين العام لأهل الإسلام شيء عجيب جداً ومنتشر، وتأسس الدين في الجزيرة، وانطلق منها. وكذلك -يا عباد الله- فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد عانى من الكفار والمنافقين، وكان في تلك الغزوات في الأحزاب والخندق وغيرها ما جعل المسلمون يزلزلون زلزالاً شديداً، فهؤلاء قد تجمعوا عليهم من فوقهم، وأولئك المنافقون من الجهة الأخرى،
وهكذا تجد عباد الله يبتلون دائماً بأهل الكفر وبأهل النفاق، فيجتمعون عليهم، ولكن في النهاية -وإن حصل ما حصل من الكسر للمسلمين، والقتل فيهم- فإن الله ناصر دينه ولابد، الله عز وجل ما أنزل هذا الدين ليهزم وينطفئ نوره، الله أنزله لكي ينتشر في الواقع ويهيمن، ولكن تلك الأيام نداولها بين الناس، لهؤلاء تارة، ولهؤلاء تارة، ولا تجد الأمور تسير على حال واحدة أبداً؛
وفي صحيح البخاري (عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَتْ نَاقَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تُسَمَّى الْعَضْبَاءَ ، وَكَانَتْ لاَ تُسْبَقُ ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى قَعُودٍ لَهُ فَسَبَقَهَا ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَقَالُوا سُبِقَتِ الْعَضْبَاءُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم « إِنَّ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يَرْفَعَ شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ وَضَعَهُ »
فلا يمكن أن يرتفع شيء يبلغ الذروة ويستمر، لابد أن يستمر مرة أخرى، هذه سنة عامة في الأشخاص على المستوى الفردي، وفي المجتمعات على المستوى الجماعي، لا يعلو شيء إلا وينزل، وهذا مشاهد عبر التاريخ.
ونحن – المسلمين - يجب أن نري الله من أنفسنا خيراً، وأن نثبت على هذا الدين،
وأن نسأل الله أن يعز دينه، وأن نشارك في أن يكون العز للمسلمين،
وأن ننصر المسلمين بكل ما نقدر عليه، بكل طاقاتنا؛ لأن المعركة معركتنا نحن المسلمين،
فنحن مسؤولون أمام الله يوم القيامة عن هذا الدين، هل نصرناه أم تخاذلنا عنه؟.
قال تعالى (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) (56) المائدة
وقال تعالى (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) (173) الصافات
وقال تعالى (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (128) الأعراف
وقال تعالى (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ ) (106) الأنبياء
الدعاء
لمتابعة جديد الخطب نشرف بزيارتكم لموقعنا الرسمى الجديد على هذا الرابط
http://hamidibrahem.com/
http://hamidibrahem.com/
الخطبة الأولى ( التمحيص طريق التمكين )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :
(ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) (154) آل عمران
وقال تعالى : (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) (142) آل عمران
إخوة الإسلام
لو أن شركة من الشركات أرادت أن تولي شخصاً منصباً قيادياً بها فتقدم لها عدد من الناس وكل يدعي أهليته لهذا المنصب ، فماذا ستفعل تلك الشركة؟
لا شك أنها ستجري امتحاناً وتمحيصاً للمتقدمين حتى يتبين للجميع أن فلاناً هو الأحق والأجدر بهذا المنصب، هذا فيما يتعلق بمنصب قيادي في شركة
فما بالكم بأمة يعدها ربها لقيادة العالم؟ وأدعياء التقوى والعلم والإيمان فيها كثير فلابد لهم من التمحيص والاختبار حتى يتميز الصادق من الكاذب
وقد نص الله سبحانه على ذلك في كتابه بقوله جل شأنه : ( الم(1)أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) العنكبوت 1 ، 3،
وقد يقول قائل لماذا الامتحان والتمحيص والله يعلم السرائر والبواطن؟
فنرد عليه بقول رب العالمين:( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) الأنفال 42
وهذا التمحيص والابتلاء الذي ينزل بالأمة نتيجته أحد أمرين
أما نجاحاً وفوزاً وتمكيناً وإما إخفاقاً وذلاً مهيناً ،
وفي قمة الامتحان والابتلاء يأتي الفرج والتمكين كما أخبر بذلك رب العالمين بقوله :
(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ)(214) البقرة
فتعالوا بنا نأخذ أمثلة لامتحان بعده نصر وتمكين فيما مضى من القرون والأمم :
فهذا سيدنا موسى عليه السلام ومن آمن معه أشتد أذى فرعون لهم حتى بلغ طغيان فرعون أن قرر قتلهم وإبادتهم ليقضي على دعوة الإيمان ويصفو له الجو وحشر لعملية قتل تلك الفئة القليلة المستضعفة كل قواته وإمكانياته واستمع للعليم الخبير ينبئك عن ذلك بقوله :
(فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53) إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ) الشعراء (56)
فماذا كانت النتيجة ؟ استمع لها ممن له القوة جميعاً : (فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136) وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ) (137) الأعراف
أرأيتم كيف كان أهل الكفر الأقوياء يتوعدون أهل الإيمان الضعفاء بالقتل والإبادة تدخلت القدرة الإلهية التي لا يقف لها شيء فقتل أهل الكفر وبقي أهل الإيمان وأبيد أهل الكفر وكان التمكين لأهل الإيمان ،
وهذا سيدنا لوط عليه السلام ابتلي بقومه أهل الفاحشة النكراء وقرروا طرد لوط من بلاده وليس له ذنب إلا الطهارة من رجسهم ونتنهم : قال تعالى
( فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) النمل 56 .
وبلغ الابتلاء والتمحيص قمته يوم أن أرادوا فعل تلك الفاحشة القذرة بضيوفه الكرام حتى ضاق الأمر بلوط عليه السلام وقال تلك المقولة التي تعبر عن قمة الحالة التي وصل إليها يقول الله تعالى على لسانه :
( قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ) هود 80 .
فجاءته البشرى : (قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ) هود (81)
وهذا رسولنا صلى الله عليه وسلم تتفق قريش على قتله فداه نفسي وأبي وأمي والناس أجمعين ويشرعون في تنفيذ الخطة ويحيط الرجال الأقوياء بمنزله استعداداً للفتك به فيخرجه الله من بينهم كما تخرج الشعرة من العجين ، وتكون الهجرة التي عاد بعدها صلوات ربي وسلامه عليه فاتحاً معززاً مكرماً،
ويتكرر مشهد الابتلاء والتمحيص فكم عذب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة وكم لقوا من الأذى ، وكان من مواقف التمحيص الشديدة يوم الأحزاب حيث اجتمعت قوى الكفر لإبادة الإسلام وأهله وبلغ البلاء من أهل الإيمان مبلغه حتى يصفه الله بقوله :
(إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا) الأحزاب 10، 11
فماذا كانت النتيجة؟ أرسل الله عليهم تلك الريح الباردة التي أقضت مضاجعهم وأجبرتهم على الانسحاب ولم يستطيعوا العودة بعدها لغزو المدينة، ثم كان الفتح والتمكين لأهل الإيمان،
وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أصيبت الأمة الإسلامية بزلزال عنيف وتمحيص عظيم إلا وهو قضية الردة فثبت الله الأمة بالصديق رضي الله عنه ثم أعقب تلك المحنة وذلك التمحيص فتح أكبر دولتين في ذاك الزمان الروم وفارس وإخضاعها لشريعة الإسلام ،
وحينما تخفق الأمة في الامتحان والتمحيص تشتد المصيبة وتحل العقوبة من الجبار وإليكم مثالاً واحداً لذلك
فهؤلاء بنوا إسرائيل اليهود ، يخبركم رب العالمين بقوله تعالى :
(وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (20) يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22) قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ) المائدة 20 :24
فماذا كانت النتيجة؟ استمع لها من رب العالمين :
(قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ) المائدة 26 .
وقال تعالى :( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) (47) الروم.
أيها المسلمون
التمحيص والابتلاء سنة من سنن الله في خلقه ،ليميز الله الخبيث من الطيب، فلابد من التمييز،
فقد اقتضت حكمة الله عز وجل هذا التمييز ليبين الكاذب من الصادق، والدخيل من الأصيل،
ثم إن هناك اشتباهاً في الأمور يحدث في الفتن، فيتميز أهل البصيرة من أهل الغفلة، فترى المغفل يخبط بكلامه خبط عشواء، وأما أهل البصيرة يتكلمون على نور من الله،
فتجد الذين في قلوبهم مرض يميلون إلى الأعداء، ويفخمون أمرهم، ويرتمون في أحضانهم، وهكذا يفعلون،
وتجد أهل الإيمان يقولون:
( كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ) سورة البقرة:249،
فيثبتون الناس، ويقولون:( كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ) سورة الشعراء:62.
وهكذا تكون الأمور متبينة، ثم يرى عز وجل من الذي ينصر دينه من الذي يتخلى عن دينه؟ من الذي ينصر أهل دينه؟ ، ومن الذي يتخلى عن أهل دينه؟
وهكذا تتبين الأخوة الإسلامية في الأزمات والشدائد، من الذي يشعر فعلاً أنه مع المسلمين؟ هل آلمه ألمهم ؟ وأهمه همهم ؟
فلابد إذن من تمحيص وتمييز، ولابد من ابتلاء واختبار، فانظر -يا عبد الله- ما هو موقعك من هذا، وماذا فعلت حينما أجرى الله عز وجل الأقدار،
وعندما خلق سبحانه وتعالى هذه الأفعال أين أنت؟ وماذا فعلت؟ وما هو موقعك؟
هل اعتصمت بالكتاب والسنة؟ وهل لزمت المؤمنين وكنت معهم؟
وهل نصرت من نصر الدين؟ وهل عندك القضايا متضحة جلية؟
أم عندك غبش، وليس هناك في النظر وضوح؟
يقول الله تعالى : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) سورة العنكبوت:2-3.
وفي صحيح البخاري (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَخْبَرَهُ أَنَّ هِرَقْلَ قَالَ لَهُ سَأَلْتُكَ كَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ فَزَعَمْتَ أَنَّ الْحَرْبَ سِجَالٌ وَدُوَلٌ ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى ثُمَّ تَكُونُ لَهُمُ الْعَاقِبَةُ )
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( التمحيص طريق التمكين )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
الله سبحانه وتعالى يبتلي ليميز الصفوف، ويمحص القلوب، إنها سنة ماضية، إنه لابد من حصولها حتى يصقل المعدن، وينضج الأمر، وكذلك يظهر المنافقون
والله سبحانه وتعالى يبتلي ليميز الصفوف، ويمحص القلوب،
إنها سنة ماضية، إنه لابد من حصولها حتى يصقل المعدن، وينضج الأمر، وكذلك يظهر المنافقون -ذلك الصف الخفي المندس بين المؤمنين-، ولذلك عند اشتداد الأمر ترى هؤلاء يظهرون على حقيقتهم من خلال ما يصرحون ويعبرون ويتكلمون.
وعلى ضوء سنة التمحيص تتحقق سنة أخرى وهي سنة التمكين، لابد لتمكين من ابتلاء قبله، وقد أدرك أهل العلم والبصيرة هذه الحقيقة،
فعندما سئل الإمام الشافعي رحمه الله: أيما أفضل للرجل أن يمكن أو يبتلى؟ ما هو الأفضل أن يمكن أو يبتلى؟ فقال: لا يمكن حتى يبتلى، إذن لو قلت: أن يكون عزيزاً متمكناً منصوراً أفضل؟ أو أن يكون مبتلى، وأن يكون واقعاً في محن؟
فكان الجواب: لا يمكَّن حتى يبتلى، لابد لهذا من هذا إذن. وكذلك ابتليَ النبي صلى الله عليه وسلم فترة طويلة في مكة، أكثر فترة الابتلاء كانت أكثر من الفترة التي عاشها ممكناً في المدينة، لكن النتيجة النهائية أن ما حصل من التمكين العام لأهل الإسلام شيء عجيب جداً ومنتشر، وتأسس الدين في الجزيرة، وانطلق منها. وكذلك -يا عباد الله- فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد عانى من الكفار والمنافقين، وكان في تلك الغزوات في الأحزاب والخندق وغيرها ما جعل المسلمون يزلزلون زلزالاً شديداً، فهؤلاء قد تجمعوا عليهم من فوقهم، وأولئك المنافقون من الجهة الأخرى،
وهكذا تجد عباد الله يبتلون دائماً بأهل الكفر وبأهل النفاق، فيجتمعون عليهم، ولكن في النهاية -وإن حصل ما حصل من الكسر للمسلمين، والقتل فيهم- فإن الله ناصر دينه ولابد، الله عز وجل ما أنزل هذا الدين ليهزم وينطفئ نوره، الله أنزله لكي ينتشر في الواقع ويهيمن، ولكن تلك الأيام نداولها بين الناس، لهؤلاء تارة، ولهؤلاء تارة، ولا تجد الأمور تسير على حال واحدة أبداً؛
وفي صحيح البخاري (عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَتْ نَاقَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تُسَمَّى الْعَضْبَاءَ ، وَكَانَتْ لاَ تُسْبَقُ ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى قَعُودٍ لَهُ فَسَبَقَهَا ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَقَالُوا سُبِقَتِ الْعَضْبَاءُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم « إِنَّ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يَرْفَعَ شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ وَضَعَهُ »
فلا يمكن أن يرتفع شيء يبلغ الذروة ويستمر، لابد أن يستمر مرة أخرى، هذه سنة عامة في الأشخاص على المستوى الفردي، وفي المجتمعات على المستوى الجماعي، لا يعلو شيء إلا وينزل، وهذا مشاهد عبر التاريخ.
ونحن – المسلمين - يجب أن نري الله من أنفسنا خيراً، وأن نثبت على هذا الدين،
وأن نسأل الله أن يعز دينه، وأن نشارك في أن يكون العز للمسلمين،
وأن ننصر المسلمين بكل ما نقدر عليه، بكل طاقاتنا؛ لأن المعركة معركتنا نحن المسلمين،
فنحن مسؤولون أمام الله يوم القيامة عن هذا الدين، هل نصرناه أم تخاذلنا عنه؟.
قال تعالى (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) (56) المائدة
وقال تعالى (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) (173) الصافات
وقال تعالى (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (128) الأعراف
وقال تعالى (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ ) (106) الأنبياء
الدعاء
لمتابعة جديد الخطب نشرف بزيارتكم لموقعنا الرسمى الجديد على هذا الرابط
http://hamidibrahem.com/