التفكر في هذا الكون العظيم .. الشيخ أحمد خالد العتيبي

الفريق العلمي
1441/01/20 - 2019/09/19 14:33PM

تفكر في هذا الكون العظيم، وفي بديع خلقه، تفكر ليمتلئ قلبك بعظمة ربك، وقد دعانا ربنا إلى هذا التفكر؛ فقال: (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)[يونس: 101]؛ إنها عبر وعظات في هذا الكون فتملأ القلب إيماناً ويقيناً، انظر إلى السماوات من فوقك هل تراها رفعت بأعمدة، قال الله: (أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ)[ق: 6].

 

هل تفكرت كيف لو أمسك الله هذا الهواء عن الخلق دقائق معدودات؟

 

هل تفكرت كيف لو انقطع عنك الهواء خمس دقائق؟

 

ذكر العلماء أن الإنسان يتنفس في اليوم الواحد حوالي (12 ألف لتر) من هواء، تفكر في هذه النعمة العظيمة واحمد الله عليها بكل قلبك، قال الله: (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ)[النحل: 18].

 

نعم تأمل في نفسك: (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ )[الذاريات: 21].

 

من الذي سواك جنيناً وأنت في بطن أمك؟ من الذي نمّى أعضاءك الداخلية في جسمك، وأعضاءك الخارجية وأنت في بطن الأم، حيث لا تراك العيون ولا تصل إليك الأيدي؟

 

من الذي أخرجك من بطن أمك، مكتمل الأعضاء لكل عضو وظيفته المحددة؟ من الذي سوّى هذه الأعضاء وهداها لوظائفها المختلفة؟ سبحانك يا الله ما أعظمك، من الذي يرعى قلبك ليعمل؟

 

من الذي يحفظ أعضاء الهضم والتنفس لتقوم بما خلقت له؟ هذه الأعصاب والأوردة والشرايين من الذي خلقها، وجعل كل واحد منها في مكانه المخصص له؟

 

وانظر إلى الجنين في بطن أمه كيف يتغذى؟ وكيف يتنفس؟ وكيف يقضي حاجته؟ وكيف تفرز أجهزته؟ وكيف أحكم تصميم الحبل السري له؟ أنه مصمم بحكمة وتقدير؛ (ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)[الأنعام: 96].

 

وانظر إلى قلب الإنسان، فهو كتله تزن حوالي (312جراماً)، وحجمة في حجم قبضة اليد، ينبض حوالي (70) مرة في الدقيقة الواحدة، وفي العام (40) مليون مرة، وفي جسم الإنسان أكثر من (600) عضلة، وأكثر من (200) عظمة، وفي كل يوم يتنفس الإنسان (25) ألف مرة.

 

انظر إلى هؤلاء البشر ـ وأنت واحد منهم ـ ملايين الملايين لا يحصي عددهم إلا الله، كل منهم يحمل في رأسه أفراح وأحزان وأفكار وخواطر، من الذي يحيط علماً بعقل كل واحد منهم، من الذي يدبر أمورهم ويديم حياتهم ويدر عليهم أرزاقهم؟ من الذي يشفي مريضهم؟ ويعافي المبتلى منهم؟ ويفرج كروبهم؟ ويستجيب دعائهم إذا دعوه.

 

وتأمل في اختلاف ألوانهم ولغاتهم وأشكالهم، قال الله: (وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ). [الروم: 22].

 

فمن الذي أوجد كل إنسان بصفات تميزه عن غيره؟ حتى البصمة لا يشتبه فيها اثنان أبداً، ويوم القيامة يُسئلُ كل شخص عن عمله كل إنسان بعينه، لا يلتبس فرد بفرد، قد أحاط بهم ربي علماً.

 

الآن في هذه اللحظة: كم إنسان يولد؟ كم إنسان يموت؟ هذا مريض، وذاك صحيح، وذاك في حزن، وهذا في سعادة، هذا في بحر، وذاك في جو، وثالث في أنفاق الأرض، من الذي يعلم تفاصيل كل ذلك، إنه الله (وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا * وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى * وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى * وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى)[النجم: 44-49].

 

سبحانه يدبر أمر خلقه، ويقلب أحوالهم من فقر إلى غنى، ومن غنى إلى فقر، ومن ضحك إلى بكاء، ومن شقاء إلى سعادة، ومن كفر إلى إيمان، يميت ويحيي، يُسعد ويُشقي، يُعزل ويذل، بيده الأمر، فتبارك الله رب العالمين.

 

تأمل في جسمك أنت أيها الإنسان، أجهزة دقيقة في الجسم تعمل ليل نهار، بلا سعي منك ولا كد، تنام وهي في عمل دائم لا يتوقف عملها، ولا يختل نظامها، مصانع تهضم الطعام، وأخرى تحلل الأكسجين، وثالثة تضخ الدم إلى أنحاء الجسم، ولو أخذنا نعدد فلن ننتهي، لذلك قال ربنا: (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ)[النحل: 18].

 

فانظر كم فيك من أعضاء، وما عمل كل عضو، ومن الذي يلين تلك الأعضاء للحركة، ومن الذي يملك السمع والأبصار والأفئدة؟ تدبر في خلق ربك،  لا تحيط به العقول، ولا تدرك به الأوهام، وإن حظ المتفكر فيك الاعتراف بك والتوحيد لك.

 

إن التفكر يقود إلى الإيمان، ويهدي إلى اليقين، فانظر في هذا الكون البديع ثم أعد النظر، كرةً بعد كرة ومرةً بعد مرة، وقل من الذي خلقة؟ ومن ذا الذي أبدعه؟ من الذي يسيره، ويدبره، ويملكه، ويحيط علماً بخفاياه؟ سبحان الملك العظيم الذي لا تواري منه سماءٌ سماءً، ولا أرضٌ أرضًا، ولا بحرٌ ما في قعره، ولا جبلٌ ما في وعره، يعلم السر وأخفى، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، يعلم ما كان، وما هو كائن، وما سيكون، وما لم يكن لوكان كيف يكون، سبحانه له الحمد كله، وله الثناء كله، وإليه يرجع الأمر كله، وكل شيء بمشيئته وقدرته وحكمته، لا إله إلا هو العزيز الحكيم .

 

كتاب: وما قدروا الله حق قدره – سيد عطوة .

كتبة: أحمد خالد العتيبي – الأربعاء - 20-12-1440هـ

 

المصدر/ صيد الفوائد

المشاهدات 747 | التعليقات 0