التفكر في خلق الله

ابا سامر
1434/06/13 - 2013/04/23 07:10AM
الخطبة الأولى التفكر في خلق الله 16-6-1434هـ
الحمد لله الذي خلق كل شيء فقدره تقديرا، وأتقن ما شرعه وصنعه حكمة وتدبيرا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وكان الله على كل شيء قديرا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله إلى الخلق بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما كثيرا.
أمَّا بعد... فاتقوا لله عباد الله حقَّ التقوى .إخوة الإيمان :قال تعالى ((إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الألْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:190، 191].
أيها المؤمنون، إنها دعوة موجَّهة إلى القلوب الذاكرة العابدة الخاشعة، دعوة إلى من يتفكرون ويسمعون ويعقلون، وهي كذلك دعوة إلى الغافلين السَّاهين اللاهين المعْرِضين، دعوة إلى التأمّل في بديع صنع الله وخلق الله، وبيان ما في هذا الكون من إبداع ينطق بعظمة الخالق جل في علاه.
أخي الحبيب، تأمل إلى السماء ثم اسأل نفسك: بغير عمدٍ من رفعها؟ بالكواكب من زيَّنها؟ الجبال من نصبها؟ الأرض من سطحها وذلَّلها وقال: فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا ؟
وتأمل إلى الطبيب من امرضه و أرداه؟ المريض من عافاه؟ الصحيح من بالمنايا رماه؟ البصير في الحفرة من اسقطه و أهواه؟ والأعمى في الزِّحام من يقود خُطَاه؟ الجنين في ظلماتٍ ثلاثٍ من يرعاه؟ الوليد من أبكاه؟ الثعبان من أحياه والسُّم يملأ فاه؟! العسل من حلاَّه؟ اللبن من بين فرث ودم من صفَّاه؟ النَّبت في الصحراء من زرعه و أرْبَاه؟ النخل من شقَّ نواه؟ الجبل من أرساه؟ الصخر من فجَّر منه المياه؟ النهر من أجراه؟ النحل من هداه؟ الطير في جوّ السماء من أمسكه ورعاه؟ في أوكاره من غذَّاه ونمَّاه؟ ثم تأمل، الجبّار من يقصمه؟ المظلوم من ينصره؟ المضطرّ من يجيبه؟ الملهوف من يغيثه؟ الضال من يهديه؟ الحيران من يرشده؟ الجائع من يشبعه؟ الفقير من يغنيه؟
أنت، أنت مَنْ خلقك؟ من صوَّرك؟ من شق سمعك وبصرك؟ من سوَّاك فعَدَلَك؟ من رزقك؟ من أطعمك؟ من آواك ونصرك؟ من هداك؟ إنه الله جل جلاله وتقدست أسماؤه، الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍ . أنت من آياته، والكون من آياته، والآفاق من آياته، هَذَا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ .
أخي الحبيب، هل تأمّلت نفسك وأنت جنين في بطن أمك، تتغذى أمك فيصِل إليك طعام خاص ملائم؟! هل تأملت في بدنك وفي سمعك وبصرك وسائر جوارحك؟! انظر إلى يديك، لو اجتمع الأولون والآخرون على أن يستنبطوا بدقيق أفكارهم وضعا آخر للأصابع سِوى ما وضِعت عليه لم يجدوا إليه سبيلا، تأمل في تركيب العظام والمفاصل وربط بعضها ببعض، تأمل في مجاري الطعام والغذاء وتحوّله من حال إلى حال؛ لقمة تدخل، فأسنان تقطع، وأخرى تطحن، فلسان يدفع، ثم تدخل إلى المعدة، فيتحول إلى أشكال أخرى، هل تحس بذلك من شيء؟!
أعضاء تسمع وأخرى تبصر، وأعضاء تحس، وأعضاء تتحرك بإرادة وأخرى بلا إرادة. أجهزة متكاملة، وأعضاء متناسقة، وحركات متوافقة، صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ، أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَه .
فيا أيها العبد العاصي، تتكبّر على مولاك وقد هداك، وتحيد عن الطريق وقد دلَّك وأرشدك؟! بئس العبد عبد سها ولها، ونسيَ المبدأ والمنتهى. من أنت حتى تتكبر على ربك جل وعلا؟! يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ .
أخي الحبيب، لو جئنا الى النوم، وما أدراك ما النوم؟! هل تأمّلته يومًا من الأيام؟ أنت تمارسه كل يوم، بل إن نصف عمرك أو أقل يذهب فيه، وهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ . أما الله جل وعلا فلا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، لا تأخذه سنه ولا نوم، لا إله إلاّ هو. هل تأملت ما يجري لإنسان حين ينام وينسلخ من وعيه فيرفع عنه القلم كيف يتسرب إليه النوم ثم يستولي عليه؟! يأتي النعاس يصحبه تثاؤب، ثم سمع بلا فهم، ثم يتنقل في درجات النوم إلى أن يصل إلى الغطيط.
في النوم تتعطل وظائف الحس إجمالا، يتوقف البصر أولا بإغماض الجفون حتى لو لم تغمض العينان، أما السمع فهي الحاسة التي تبقى تعمل خلال النوم، فما أجمل الإعجاز في كتاب الله يوم يقول: وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ، فجمع بين النوم والسمع في سياق واحد.
هل تأمّلت نائمَيْن متجاوريْن، فأحدهما ربما ينعَم بالرؤى الصالحة بودِّه أن لا يستيقظ الدهرَ كله، والآخر يجاوره يُعذَّب بالأحلام الشيطانية المزعجة بودِّه لو لم يَنَم، فهل يعلم هذا عن جاره أو تعلم أنت ما يدور بذهنهما؟! ولكن هل تأملت حال الموتى صنوفًا بجانب بعضهم، هذا يُنعَّم، وذاك يُعذَّب؟! إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ .
إنها آيات في الأنفس تنطق بحكمة الخالق وعظمته، هل استعظمتم هذا؟ هل استكبرتم هذا؟ إذًا فاستمع إلى مَا هو أعظم وأكبر: لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ . تأمل إلى السماء ثم ارجع البصر إليها أخرى، انظر فيها وفي كواكبها، وطلوعها وغروبها، وشمسها وقمرها، باختلاف مشارقها ومغاربها، حركتها من غير فتور، تجري في منازل قد رتِّبت لها بحساب مُقدَّر، لا يزيد ولا ينقص إلى أن يطويها فاطرها، موضوعة في الفضاء بدقَّة وإتقان؛ تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا .
أحبتي في الله، ما الأرض بالنسبة للكون إلا كحبة رمل في صحراء، تسير في مسار حول الشمس دون أن يصطدم بها ملايين النجوم والكواكب المنتشرة في الكون. إن السماء وتناثر الكواكب فيها مشهد بديع تقع عليه العين، ولا تملّ طول النظر إليه؛ ولهذا ـ أخي المسلم ـ اخلُ بنفسك بضع دقائق في ليل صفا ، ثم تأمّل عالم النجوم، واعلم أن ما تراه ما هو إلا جزء يسير من ملايين المجموعات قد عرفت، وكثير منها لم يعرف. ثم انقل تفكيرك إلى ما بثَّه الله في السماوات من ملائكة لا يحصيهم إلا هو، فما من موضع أربعة أصابع إلا وملك قائم لله راكع أو ساجد، يطوف منهم بالبيت المعمور في السماء السابعة كل يوم سبعون ألفًا لا يعودون إليه إلى قيام الساعة. ثم انقل نفسك أخرى وتأمل عظمة عرش الرحمن، فما السماوات بملائكتها ونجومها ومجرَّاتها ومجموعاتها، وما الأرضين بجبالها وبحارها وما بينهما بالنسبة للعرش إلا كحلقة مُلْقاة بأرض فلاة. فلا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم, ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, قد قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية التفكر في خلق الله 16-6-1434هـ
الحمد لله رب العالمين، الذي أبان لعباده من آياته ما به عبرة للمعتبرين، وهداية للمهتدين، الذي أحسن كل شيء خلقه، وبدأ خلق الإنسان من طين، أمر بالتفكير في مخلوقاته؛ ليستدل بها على قدرة خالقها وعظيم صفاته وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين. عباد الله كل الكون بكائناته يوحِّد وينقاد لله رب العالمين ويستسلم، ثم يبقى هذا الإنسان في هذا الكون يعصي ويتكبر، يلهو ويلعب! إنه لظلوم مبين، وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ [آل عمران:83]، الكون بكائناته جميعًا يسبح الله ويثني على الله تمجيدا وتسبيحا لا نفهمه، لكنه سبحانه وتعالى يعلمه، تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ [الإسراء:44].
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. اعلموا أن الله تعالى قد أمرنا بالصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وجعل للصلاة عليه في هذا اليوم والإكثار منها مزية على غيره من الأيام, فللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.
المشاهدات 2710 | التعليقات 1

جزاك ربي كل خير وجعله في موازين حسناتك