التفكر في الشمس
محمد آل مداوي
التفكر في الشمس 23-10-1442
إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فأوصيكُمْ ونفسي بتقوى اللهِ تعالى، فاتَّقوا ربَّكُم في سِرِّكم وعَلانِيَتِكُم، وسَرَّائكُم وضَرَّائكُم؛ تُفْلِحوا في الدنيا، وتَفوزوا في الآخرة.
أيها المسلمون: التفكُّرُ في آياتِ الله؛ مِنْ أفضَلِ أعمَالِ القلوبِ وأنفَعِها، يَدعُو إلى العمل ويُلزِمُ صَاحِبَهُ الاستِسلامَ لله، وهو مِنْ خَيرِ ما يُوعَظُ بهِ العباد،قال سبحانه: (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا)
والقرآنُ العظيمُ مَمْلُوءٌ بِدُعَاءِ الخَلْقِ إلى التفَكُّرِ في الآياتِ، والنَّظَرِ في المخلُوقات، قال عزَّ وجل: (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ)
عباد الله: والشمسُ مِنْ آياتِ اللهِ اليوميَّةِ العظيمة، قال سبحانه: (وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ)
جَعَلَها اللهُ للكَونِ ضِيَاءً، وهي في السَّماءِ سِرَاجٌ وهَّاج، تجرِي بلا صَوتٍ معَ كِبَرِ حَجْمِها بحِسَابٍ دَقيقٍ، في فلَكٍ واسِعٍ إلى أجَلٍ مُسَمَّى، (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)
جَعَلَها اللهُ دَلِيلاً على وَحْدَانيَّته وأُلوهيَّتِه، فقال: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ)
ودعا العِبادَ إلى النَّظَرِ في عَجِيبِ تَسخيرِها، فقال: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ)
ولِعَظيمِ خَلْقِها وكَثْرَةِ مَنافِعِها؛ أَقْسَمَ اللهُ بها، فقال: (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا) ومعَ هذهِ العَظَمة، فاللهُ هو الذي يُسَيِّرُها وهي تُسَبِّحُ له، قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ)
وفي المحشَرِ يَجْمَعُ اللهُ الأوَّلينَ والآخِرينَ في صَعيدٍ واحدٍ، وتدنُو الشَّمسُ مِنَ الخَلْقِ حتى تكونَ منهم كمِقدَارِ مِيل.
قال عليه الصلاة والسلام: "فيكونُ الناسُ على قَدْرِ أعمَالِهم في العَرَق، فمنهم مَن يكونُ إلى كَعبَيه، ومنهم مَن يكون إلى رُكبتَيه، ومنهم مَن يكون إلى حَقوَيه، ومنهم مَن يُلجِمُهُ العَرَقُ إلجَامًا" رواه مسلم.
وفي الجنةِ لا شمسَ ولا زَمهَرير، فهي مُنوَّرةٌ بنُورِ الله، وأعظمُ نَعيمِ أهلِ الجنةِ: رُؤيةُ الله تعالى، قال الصحابةُ رضي الله عنهم: يا رسولَ الله! هل نرَى ربَّنا يومَ القيامة؟ قال: "هل تُضَارُّون في الشمسِ ليسَ دونَها سَحَاب؟"، قالوا: لا يا رسولَ الله، قال: "فإنكم ترَونَهُ كذلك" متفق عليه.
وبعدُ.. أيها المسلمون: فجميعُ المخلُوقاتِ مِنَ الذرَّةِ إلى العَرشِ دالَّةٌ على الله، والكونُ جَميعُه أَلْسِنَةٌ ناطِقةٌ بوَحدانيَّته، والنظرُ النافعُ ما كانَ بالبصائِرِ لا بالأبصارِ فحسب، والمُسلمُ يُعمِلُ عقلَه وفِكرَهُ لمُحاسَبَةِ نَفسِهِ وإصلاحِ قلبِه.
فاذكُرُوا اللهَ وعَظِّمُوه، وأقبِلُوا عليهِ بالطاعةِ ووَحِّدوه، واحذَروا الغفلةَ والإعراضَ وسبِّحُوه.. أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم: (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ الله لي ولكم ولجميعِ المُسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، فطوبى للمستغفرين.
الخطبة الثانية
الحمدُ لله على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانِه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنِه، وأشهدُ أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِه، وسلَّم تسليمًا مزيدًا.. أما بعدُ: أيها المسلمون:
اقتضَتْ حِكمَةُ اللهِ أنْ جعلَ للشمسِ ارتِفاعًا وانخِفاضًا يَنتُجُ عنه الحَرُّ والقَرُّ، وفي حَرِّ الصيفِ عِظَةٌ للمُؤمنين، فشِدَّتُه مِنْ فَيْح جَهنَّم، قال عليه الصلاة والسلام: "اشتَكَتِ النارُ إلى ربِّها، فقالت: ربِّي! أكلَ بعضِي بعضًا، فأَذِنَ لها بنَفَسَين: نَفَسٍ في الشتاءِ، ونَفَسٍ في الصيف، فأَشَدُّ ما تجِدُونَ مِنَ الحَرِّ، وأَشَدُّ ما تجِدٌونَ من الزَّمهَرير" متفق عليه.
والمُؤمنُ لا يَقْطَعُه عنِ اللهِ شيءٌ؛ فلا يمنَعُه الحرُّ عن صَلاةٍ، وصومٍ، وبِرٍّ، وخيرٍ، والله ذمَّ القائِلين: (لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ) وتوعَّدَهم بقوله: (قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ).
فعجَبًا لمن اتَّقَى حَرَّ الشَّمس، كيفَ لا يتَّقِي نارَ الجَحيم؟!.
فاتقوا الله عباد الله، ثم اعلَموا أن الله أمرَكم بالصلاةِ والسلامِ على نبيِّه، فقال في مُحكَم التنزيل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن خُلفائِه الراشِدين، الذين قضَوا بالحقِّ وبه كانُوا يعدِلُون: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائرِ الصحابةِ أجمعين، وعنَّا معهم بجُودِك وكرمِك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمُسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشرِكين، ودمِّر أعداءَ الدين، واجعَل اللهم هذا البلدَ آمنًا مُطمئنًّا رخاءً، وسائرَ بلادِ المُسلمين.
اللهم من أرادَنا أو أرادَ ديارَ الإسلام والمُسلمين بسُوءٍ فأشغِله في نفسِه، واجعَل كيدَه في نَحره، وألقِ الرُّعبَ في قلبِه يا قويُّ يا عزيز.
اللهم أصلِح أحوالَ المُسلمين في كل مكان، اللهم اجعَل ديارَهم ديارَ أمنٍ ورخاءٍ، وإيمان وتوحيد، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم وفِّق إمامَنا لهُداك، واجعَل عملَه في رِضاك، اللهم وفقه وولي عهده إلى كل خير، وأبعد عنهم كلَّ شر.. اللهم ووفِّق جميعَ وُلاة أمور المُسلمين للعمل بكتابِك وتحكيم شرعِك يا ربَّ العالمين.
اللهم أمِّن حُدودَنا، اللهم انصُر جُنودَنا، واربِط على قلوبِهم، وثبِّت أقدامَهم، وانصُرهم على العدوِّ يا قويُّ يا عزيز.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)
(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
المرفقات
1622743213_التفكر في الشمس 23-10-1442.docx