( التفحيط ) لفضيلة الشيخ صالح الجبري

منصور الفرشوطي
1434/05/09 - 2013/03/21 20:49PM
بسم الله الرحمن الرحيم

حديثي معكم اليوم عن ظاهرة استعراضية انتحارية يمارسها بعض الشباب تسمى التفحيط.
ما هو التفحيط: يعرف الدكتور سليمان بن علي الدويرعات الأستاذ بكلية العلوم الاجتماعية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في دراسة له: أن التفحيط نوع من مخالفات السير المرورية تمثل في قيام المخالف بالانطلاق بسرعة كبيرة وبشكل مفاجئ غير منتظم، بحيث تحدث إطارات السيارة أثناء وبعد الانطلاق أو عند التوقف صوتاً عالياً مزعجاً وتترك أثراً أسوداً نتيجة الاحتكاك الشديد للإطارات على الطريق الأسفلتي، كما يطلق التفحيط على أي نوع من أنواع قيادة السيارة بشكل متهور أو خطر من أجل اللعب أو الاستعراض.
أما من يمارسون هذه الهواية القاتلة فيرون (التفحيط) نوعاً من المهارة أو الاحتراف وحب المغامرة، ويراه آخرون: جسارة ونوعاً من الشجاعة لقدرته على التحكم في السيارة في ظروف صعبة جداً وخطيرة، مظهراً فن القيادة في تلك الظروف فهل الأمر كذلك؟
للأسف الشديد أيها الإخوة أن الحقيقة المرة هي أن التفحيط أصبح من أسرع الطرق إلى الموت السريع والشنيع في نفس الوقت وأنا على يقين أن أكثركم قد رأى مقطع الفيديو والذي صور حادث انقلاب سيارة من نوع كامري أثناء قيام سائقها بالتفحيط ما بين السيارات في أحد الشوارع الرئيسية في المدينة، وقد انحرفت السيارة أثناء ممارسة قائدها التفحيط وانقلابها أكثر من خمس مرات، مما أدى إلى طيران السائق ومرافقه من داخلها في مشهد مروع أظهر بتر يد أحدهما وارتفاع الآخر عالياً في الهواء قبل أن يسقطا معاً على الأرض. وهذه الحادثة ليست الأولى فكم من حوادث وقعت عنها نتج عنها وفاة الكثير من ممارسيها إضافة إلى بعض الأبرياء الحاضرين من أجل المتعة والمشاهدة، فهل أصبحت حياة الشباب عند نفسه رخيصة إلى هذا الحد؟


للتفحيط أسباب منها:
1- الفراغ والبطالة وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعمتان مغبون فيها كثير من الناس الصحة والفراغ) والبطالة تجعل الشاب مضطرباً لأنه فارغ الوقت مما يؤدي به إلى التفكير بطرق لٍملء الوقت، لأن الفراغ لا يبقى فراغاً أبداً، فلابد له أن يُملأ بخير أو شر فمن لم يشغل نفسه بالحق شغلته بالباطل.
2- الشهرة وحب الظهور: وقديما قالوا حب الظهور قصم الظهور وبعض الشباب يطربه أن يقال عنه أنه حريف في القيادة ومتهور فيها ومتمكن منها ويجعله يشعر بأفضلية على غيره من الشباب حتى يصبح شعاره في الحياة (إنما أوتيته على علم عندي).
3- التقليد والمحاكاة: فيقوم البعض بتقليد كبار المفحطين بسبب النظر إليهم بإعجاب وانبهار لتصوره أنهم يقومون بأعمال بطولية خارقة تستحق الإعجاب والتقليد والمحاكاة.
4- أصدقاء السوء وهم الذين يمثلون دور المزين للتفحيط والمرغب والمغري به أي أنهم شياطين يوسوسون للشاب ويحرضونه على ارتكاب الجرائم وتجاوز الحد ويقولون له أن للتحفيط متعة خاصة وشجاعة نادرة ومفخرة وإنه أمر يجعلك تشعر بالفخر وإنه لا حرمة فيه بل ويتطوعون للرد على كل أسئلة الشاب الشرعية حول التفحيط ليقبل على العمل الشرير وهو مرتاح الضمير وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم (الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل).
5- التفحيط سبب في استغلال الشاذين جنسياً له في الإيقاع بالأحداث والمردان الذين ينظرون للمفحطين نظرة إعجاب وتقدير مع التنبيه أنهم يستخدمون السيارات الرياضية للإيقاع بصغار السن الذين يتصفون بالبراءة والسذاجة وهذا الأمر قد اعترف به كثير من المفحطين السابقين وصدق الله عز وجل القائل في هؤلاء وأمثالهم من قوم لوط (لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون ) الحجر 72 فوصفهم بالسكرة التي هي فساد العقل والعمه الذي هو فساد البصيرة.
6- تراجع دور الأسرة: وتراجع دور الأسرة هذه الأيام واضح وضوح الشمس فالكثير من الأسر مفهومها للتربية هو توفير الغذاء والكساء والدواء فقط أما التربية على القيم والمبادئ فلا جود لها. أما الصدور والعقول والآذان المفتوحة التي تستوعب الأبناء وما يشعرون به وما يعانون منه فلا وجود له إلا عند البعض مما جعل كثيراً من الأبناء يهربون من أسرهم إما هروباً مادياً أو معنوياً ثم يتجهون إلى الوقوع في أحضان شياطين الإنس من المفحطين والذين يحاولون توفير كل ما يحتاجون إليه من اهتمام ورعاية وتعاطف.
7- تراجع دور المدرسة: والمدرسة هي العامل الثاني في تربية الأبناء بعد الأسرة لكن المدرسة الآن تقوم بالتلقين دون التفهيم وبالتعليم دون التربية حتى أسر التوعية في المدارس تم إلغائها وهي التي كانت تساهم في تربية الأبناء وترشيد تصرفاتهم وسلوكياتهم وهذا أمر مؤسف ولا شك.
8- بعض وسائل الإعلام والألعاب الالكترونية تساهم مساهمة فعالة في قيام الشباب بالتفحيط وقد أقر بعض المفحطين أنهم يقومون بتطبيق حركاتهم عن طريق التعلم من أفلام المطاردات وبعض الألعاب الالكترونية بل إن هناك مواقع أيضاً على الانترنت تعليم التفحيط وتدرسه بالتفصيل المجمل وفي ذلك أكبر الخطر في انتشاره بين الشباب.
9- ومن أهم أسباب التفحيط: ضعف الوازع الديني وإذا ضعف الوازع الديني في النفس استهان الإنسان بكل حق، وفرط بكل واجب، ولم يرقب في أحد إلا ولا ذمه، واقترف كل ما تطوع له نفسه من شر وإثم وسار في هذه الحياة كما تسير الأنعام، همه أن يشبع بطنه ويرضي شهوته كما قال عز وجل (لهم قلوب لا يفقهون بها ولم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون) الأعراف179.
حكم ممارسة التفحيط: في فتوى للجنة الدائمة للإفتاء رقم (33036) في 27/7/1427هـ ورد ما نصه (التفحيط ظاهرة سيئة يقوم بارتكابها بعض الشباب الهابطين في تفكيرهم وسلوكهم نتيجة لقصور في تربيتهم وتوجيههم، وإهمال من قبل أولياء أمورهم وهذا الفعل محرم شرعاً نظراً لما يترتب على ارتكابه من قتل للأنفس وإتلاف للأموال وإزعاج للآخرين وتعطيل لحركة السير).
أربعة أسباب مهمة كانت سبباً في إصدار فتوى لجنة الإفتاء الموقرة بتحريم التفحيط فإذا أضفنا بعض أضرار التفحيط الأخرى اتضح لنا الأمر أكثر فأكثر.
ومن ذلك: كثرة حدوث حالات الشلل بأنواعه والكسور المختلفة لبعض الممارسين للتفحيط ومن ذلك التسبب بقتل كثير من الأبرياء من المتفرجين أو العابرين مما لا ناقة له ولا جمل في ذلك.
ومن ذلك أن مجتمع التفحيط في غالبيته هو مجتمع مخدرات ويقول أحد كبار المفحطين التائبين أن 80% من المفحطين يمارسون التفحيط تحت تأثير المخدرات وهذا الأمر يشمل عدداً من المفحطين والمحرضين والمشجعين مما يفسر اللامبالاة والبلادة التي تنتاب هؤلاء وهم يتسابقون إلى قتل أنفسهم أو قتل الآخرين وإيذائهم بهذه الطريقة الوحشية وصدق الله سبحانه (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر) المائدة 91.
ومن الأضرار: ولأن المعاصي تزرع أمثالها، ويولد بعضها بعضا حتى يَعُزَّ على العبد مفارقتها والخروج منها كما قال الإمام ابن القيم، لذلك نجد أن كثيراً من المفحطين يقومون بسرقة السيارات لاستخدامها في التفحيط أو الاستئجار من مكاتب تأجير السيارات بالتواطؤ مع بعض موظفيها بقصد استخدامها وإتلافها بالتفحيط فتتراكم عليهم المعاصي والمخالفات ويجر بعضها بعضا وصدق أحد السلف عندما قال (إن من عقوبة السيئة السيئة بعدها).
أيها الأخوة: مما سبق ذكره يتضح لنا أن التفحيط ليس أمراً مستقلا بذاته بل أنه يسبب أضراراً لها أول وليس لها آخر تدل دلالة واضحة على خطورة التفحيط على الفرد والمجتمع فهل ينتبهون ويتعظون؟ نرجو ذلك ونتمناه.


الخطبة الثانية
لكل داء دواء ولعلاج هذه الظاهرة فقد أقترح البعض حلولاً مثل:
1- التوعية بين الشباب بأضرار هذه الظاهرة.
2- التنبيه على الآباء بضرورة مراقبة سلوك الأبناء.
3- أهمية دور الجهات الأمنية في مكافحة انتشار هذه الظاهرة.
4- مسئولية الإعلام في السيطرة على عرض أفلام العنف والإجرام والتي تعلم الشباب كثيراً من التصرفات القبيحة ومنها التفحيط.
وكل هذه الحلول ضرورية ومهمة إلا أني اعتقد أن الأمر أكبر من ذلك بكثير.
ونلاحظ أن هناك من طالب بإنشاء نوادي رسمية للتفحيط بعيداً عن الشوارع والميادين وهذا طلب غريب لأنه هل المطلوب هو المساعدة في انتحار الشباب بشكل رسمي حتى ننشئ لهم نوادي تمكنهم من ذلك.
ثم أين هو دور رعاية الشباب في رعاية الشباب وهل رعاية الشباب المقصود بها كرة القدم فقط؟
ثم أين دور النوادي الرياضية والتي شعارها على بواباتها نادي كذا نادي ثقافي اجتماعي رياضي فهل تقوم هذه الأندية بالدور المطلوب منها ثقافياً واجتماعياً تجاه الشباب.
أيها الإخوة: إن العلاج الرئيسي فيما يبدو لي تجاه هذه الظاهرة وغيرها من الانحرافات يتم من خلال الخطوات التالية:
1- علينا أن نحي الأمل في نفوس شبابنا ونمنحهم الإحساس بالكرامة والاحترام الكافي بحيث يشعرون بأنهم أكرم من أن يلوثوا أنفسهم بمثل هذه الانحرافات وأن الله خلقهم لهدف عظيم لا يجدر بهم أن يتجاهلوه أو ينشغلوا عنه كما قال سبحانه (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) وأنهم هم المستقبل الزاهر الذي ينتظره وطنهم وأمتهم.
2- عندما يرتكب الشباب مثل هذه الأخطاء فعلينا أن لا نصدر إدانة سريعة ضدهم، ونعتبرهم في عداد المرفوضين، دون أن نسألهم عن الأسباب أو نتعرف على أحوالهم وللعلم فالرفض وحده لا يصلح الانحراف ولا يعالج الأخطاء ونحن نرى في منهج الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يعامل الشباب رغم كل ما بدر من بعضهم من أخطاء وتجاوز بأسلوب الاستيعاب والإقناع والاحتواء وكما قال لأحدهم عندما طلب الأذن بالزنا أترضاه لأختك ثم دعا له قائلاً اللهم حصن فرجه وطهر ذنبه.
3- الشباب عامة يعجبهم الإطراء ونحن نجد أنه حتى بالنسبة لبعض الشباب المنحرف نجد لهم صفات حسنة ينبغي الإشادة بها وحثهم على استثمارها وزيادتها وبالتالي فإن كل صفة حسنة يكتسبها الإنسان فإنها تطرد صفة سيئة أخرى وفي النهاية فإن من غلبت حسناته سيئاته فهو ناج بإذن الله وهذا أمر ثابت في عقيدتنا.
4- إشاعة المحبة في بيوتنا وفي أسرنا وفي أبنائنا نحو أنفسهم ونحو أسرهم ونحو مجتمعهم وإن الجميع أسرة واحدة التقت على المحبة في الله والمحبة في الله أوثق عرى الإيمان كما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم وبالتالي فإن الشاب إذا كان محباً ويشعر بمحبة أفراد أسرته له فإنه سيكون محباً للناس والمحب لا يظلم ولا يتعالى ولا يؤذي ولا يتكبر ولا يحتقر أحداً من الناس.
5- أخيراً: تبقى مسؤولية الشاب عن نفسه في حمايتها من الانحراف من أهم المسؤوليات فالشباب بما أتوا من همة عالية قادرون على ترك التفحيط أو أي انحراف آخر إذا تنبهوا إلى مخاطره الحاضرة والمستقبلية ذلك أن الشاب وحده الذي بيده قرار الاستسلام للانحراف والانسياق مع المنحرفين وبيده وحده قرار الممانعة والمقاومة ورفض الضغوط والإغراءات التي يلوح بها الانحراف.
من هنا تأتي ضرورة أن يعمد الشاب إلى تربية نفسه منذ وقت مبكر على الإحساس بالمسئولية وتحمل نتائج الأعمال ومعرفة الصواب من الخطأ والرجوع إلى ذوي الخبرة والاختصاص في حال عجز عن ذلك.
ولأن الإنسان طبيب نفسه أبنائي الشباب فيكنكم كشباب أن تتفادوا الانحراف، أي انحراف بالمزيد من الرقابة الذاتية والتحسب للنتائج والمخاطر المترتبة عليه فهذا مهم جدا والتواصي فيما بينكم وبين الآخرين من الأصدقاء والإخوة على مكافحته ومساعدة بقية مؤسسات المجتمع في القيام بدورها على أكمل وجه. (إن في ذلك لآيات للمتوسمين). والمتوسمون هم المتفكرون والمعتبرون الذين يفكرون في الأشياء ويدققون فيها حتى يعرفوا حقيقتها قبل الإقدام عليها،وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.




خطيب جامع أم الخير بجدة

صالح محمد الجبري
المرفقات

خطبة التفحيط.doc

خطبة التفحيط.doc

المشاهدات 2977 | التعليقات 0