التفاؤل والتشاؤم(1)-6-1-1438هـ-صالح بن حميد-الملتقى-بتصرف

محمد بن سامر
1438/01/05 - 2016/10/06 17:30PM
[align=justify] أما بعدُ: فإنَّ المتأملَ في حالِ المسلمينَ-اليومَ-يجدهمْ يعيشونَ مِحَنًا ورزايَا، وفتنًا وبلايا، لهم في كلِّ أرضٍ أرملةٌ وقتيلٌ، وفي كلِّ رُكنٍ بكاءٌ وعَويلٌ، وفي كلِّ ناحيةٍ مُطارَدٌ وأسيرٌ، صورٌ من الذُلِّ والهوانِ، والفُرقةِ والطائفيةِ والإقصاءِ، دماءٌ وأشلاءٌ، وتسلُّطٌ منَ الأعداءِ، زاغَتِ الأبصارُ، وبلغَتِ القلوبُ الحناجِرَ، وظنَّ ظانُّون بالله الظنُونَ.
فهل بعدَ هذهِ الأحزانِ من أفراحٍ؟! وهل بعدَ هذهِ المضائقِ من مخارجٍ؟! وهل وراءَ هذه الآلامِ من آمالٍ؟! وهل في طيَّات هذه المِحَنِ من مِنَحٍ؟! ومتى يظهرُ النورُ ويَحِلُ السلامُ؟!
نعمْ، ثمَّ نعمْ، وهلْ يكونُ انتظارُ الفَرَجِ إلا في الأزماتِ؟! وهلْ يُطلَبُ حُسْنُ الظنِّ إلا في المُلِمَّاتِ؟! يقول اللهُ-عزَّ شأنُه-في الحديثِ القدسيِ: "أنا عند ظنِّ عبدي بي فليظنَّ بي ما شاءَ".
والمؤمنونَ قالَ اللهُ فيهم: [وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا].
وعنْ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ-رضيَ اللهَ عنهُ-قالَ: "والذي لا إلهَ غيرُه؛ ما أُعطِيَ عبدٌ مؤمنٌ شيئًا خيرًا من حُسنِ الظنِّ باللهِ، والذي لا إلهَ غيرُهُ؛ لا يُحسِنُ عبدٌ باللهِ الظنَّ إلا أعطاه اللهُ ظنَّه؛ ذلك بأنَّ الخيرَ بيدِهِ".
وفي الحديثِ: "إذا تمنَّى أحدُكمْ فليَستكثِرْ؛ فإنما يسألُ ربَّهُ".
أمتُنا آخرُ الأُممِ، وهي شاهدةٌ إلى يومِ القيامةِ، ورسالتُنا هي الخاتِمةُ، وهي باقيةٌ إلى آخرِ الدهرِ، وفي تاريخنِا العظيمِ آلافٌ وآلافٌ من العظماءِ، قد وُلِدوا وسوف يُولَد أمثالُهم وأمثالُهم-بإذنِ اللهِ-، وهذِهِ سنةُ اللهِ.
وها هي أحداثٌ ومُستجِدَّاتٌ، ونوازِلُ ومُتغيِّراتٌ، مما يوَدُّه المُتابِعُ وما لا يوَدُّه، ظنَّ أصحابُها أنهم مانِعَتُهم حُصونُهم، فأتاهم الأمرُ من حيثُ لم يحتسِبوا، سُدَّتْ عليهم المخارجُ، وضاقَتْ عليهم الحِيَلُ، وها هي أساليبُ الاتصالِ، ومواقعُ التواصلِ، وطرقُ التعبيرِ، فَتحتْ من الأبوابِ، وهيَّأتْ من الأسبابِ-بإذنِ اللهِ تعالى-مما يحسُن فهمُه وفقهُه.
إخواني: أحسِنوا الظنَّ بربِكم، فكلما ازدادَ التحدِّي ازدادَ اليقينَ، ولا يرى الجمالَ إلا الجميلُ.
ومن كانت نفسُه بغير جمالٍ*فلن يرى في الوجودِ شيئًا جميلا
والكونُ ليسَ محدودًا بما تراه عيناك، ولكنْ ما يراه قلبُك وفكرُك، فجفِّفْ دمعَك، واجبُرْ كسرَك، وارفعْ رأسَك؛ فإنَّ النصرَ مع الصبرِ، وإنَّ الفرجَ مع الكرْبِ، وإنَّ معَ العُسرِ يُسرًا.
مشى المُعافَى بنُ سليمانَ مع صاحبٍ له-رحمهما اللهُ تعالى-، فالتفتَ إليه صاحبُه عابسًا مُتبرِّمًا وقالَ: ما أشدَّ بردَ هذا اليومِ!! فقالَ له المُعافَى: وهل استدفأتَ الآنَ؟! قالَ: لا، قالَ: فماذا استفدتَ منَ الذمِ؟! لو ذكرتَ اللهَ لكان خيرًا لك.
المهزومُ من هزمَته نفسُه، ومن قال: هلكَ الناسُ فهو أهلكُهم، ومنْ أجلِ هذا أمرَ دينُنا بالتفاؤلِ، ونهانا عن التشاؤمِ؛ بل إنَّ نبيَنا محمدًا-صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلمَّ- يحبُّ التفاؤلَ، ويُعجِبُه الفألُ، ويُعجِبُه أنْ يسمعَ: يا نجيحُ، ويا راشدُ؛ لأنَّ التفاؤلَ-أسعدَكم اللهُ-كلُّ ما أدخلَ على الإنسانِ سرورًا وبهجةً وانشراحًا مما يدفعُ إلى العملِ، ويفتحُ أبوابَ الأملِ، وتنطلِقُ معه النفوسُ.
يقولُ ابنُ بطَّالٍ-رحمَه اللهُ تعالى-: "جعلَ اللهَ مِنْ فِطَرِ الناسِ: محبةَ الكلمةِ الطيبةِ والأُنسَ بها، كما جعلَ فيهم الارتياحَ بالمنظرِ الأنيقِ، والماءِ الصافي، وإنْ كانَ لا يملِكُه ولا يشربُه".
الإنسانُ يبتهِجُ بالهيأةِ الحسنةِ، والمكانِ الفسيحِ، والمنظرِ البهيجِ، الفألُ حُسنٌ ظنٍّ باللهِ، وتعلُّقٌ برجائِه، التفاؤلُ استعانةٌ بالموجودِ، لتحصيلِ المفقودِ، وهو تقويةٌ للعزمِ، وباعثٌ على الجِدِّ، ومعونةٌ على الظَّفَرِ، أستغفر الله لي ولكم ...
الخطبة الثانية
أما بعدُ: فالتفاؤلُ يقلِبُ العَلقَمَ المُرَّ زُلالًا، والصحراءَ جنةً، والحنظلَ عسلًا، والدارَ الضيِّقةَ قصرًا، والقِلَّةَ غِنًى، وهل يشعُر بسعَة الدنيا من كان حِذاؤه ضَيِّقًا؟!
المتفائلُ يسقطُ منْ أجلِ أنْ يَنهضَ، ويُهزَمُ منْ أجلِ أنْ ينتصرَ، وينامَ منْ أجلِ أنْ يستيقظَ، ومنْ جدَّ وجَدَ، ومن زرعَ حصَدَ.
المتفائلُ لا تُزعزِعُ يقينَه المصائبُ، ولا تَفُلُّ عزيمتَه الفواجِعُ، ولا تُضعِفُ إيمانَه الحوادثُ، وفي الحديثِ: "إنَّ منَ الناسِ مفاتيحَ للخيرِ، مغاليقَ للشرِ، وإنَّ منِ الناسِ مفاتيحَ للشرِ، مغاليقَ للخيرِ، فطُوبَى لمنْ جعلَ اللهُ مفاتيحَ الخيرِ على يديْهِ، وويلٌ لمنْ جعلَ اللهُ مفاتيحَ الشرَّ على يديْهِ".
ولهذا قيلَ: "قُدراتُك هي السببُ في كلِّ ما يحدثُ لك، ونفسُ المرءِ مثلُ غرفتِه إنْ شاءَ فتحَ النوافذَ فدخلَ النورُ والضياءُ والهواءُ العليلُ، وإنْ شاءَ أغلقَ فبقِيَ في الظلامِ".
وقالُ أهلُ الحكمةِ: "إنَّ قسَماتِ وجهِ المرءِ انعكاسٌ لأفكارِه، ومصائبُ الحياةِ تتماشى مع هِمَمِ الرجالِ صُعودًا وهُبوطًا، وتَشيبُ الرؤوسُ ولا تشيبُ الهِمَمُ".
فاحترِم نفسَك-رحمَك اللهُ-فهي أجملُ مخلوقٍ على وجهِ الأرضِ، والذينَ لا يُغيِّرون ما بأنفسِهم لا يُغيِّرون ما حولَهم، ولهذا ترى الجميعَ يُفكِّر بتغييرِ العالَم، وقليلٌ منهم من يُفكِّر بتغييرِ نفسِه، واللهُ-سبحانه-يقولُ: [إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ].
[/align]
المرفقات

التفاؤل والتشاؤم(1)-6-1-1438هـ-صالح بن حميد-الملتقى-بتصرف.docx

التفاؤل والتشاؤم(1)-6-1-1438هـ-صالح بن حميد-الملتقى-بتصرف.docx

التفاؤل والتشاؤم(1)-6-1-1438هـ-صالح بن حميد-الملتقى-بتصرف.pdf

التفاؤل والتشاؤم(1)-6-1-1438هـ-صالح بن حميد-الملتقى-بتصرف.pdf

المشاهدات 1190 | التعليقات 0