التعليم، وموقع المسؤولية الأبوية
عبدالكريم الخنيفر
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يُضللْ فلا هاديا له.
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا،
عبادَ الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فإن التقوى هدايةٌ إلى الطريقِ الواضحِ والعلمِ الراجح، وهي السبيلُ للنجاحِ والفلاحِ في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).
إخوةَ الإسلام، بين يدي عامٍ دراسيٍّ جديد، يحتارُ الآباءُ والأمهاتُ: كيف نجعلُ أبناءَنا وبناتِنا متفوقين دراسيًّا؟ وما الطريقةُ المُثلى لمعرفةِ قدراتِهم في اختيارِ التخصصِ الأنسبِ لهم؟ بل قبل ذلك كيف أُنمِّي ذكاءَهم ومهاراتِهم؟ وأعظمُ من هذا وذاك:
كيف أجمعُ التربيةَ مع التعليم، فيكونُ أبنائي صالحين ونافعين؟
أسئلةٌ كثيرة، وهمومٌ عريضة، والإجابةَ واضحةٌ يسيرة.
لكنني قبلَ الإجابةِ لابدَّ أن أسألَكم سؤالا أجيبوا عليه في وجدانكم:
تعليمُ أبنائي، أين موقعُ مسؤوليتي منه؟
ولا أعني بتلك المسؤوليةِ ما ينتهي عند بابِ المدرسة، ولا بحضورِ مجلسِ الآباء، ولا بسؤالِ أمه ماذا دَرَسَ وفِيمَ اختبر، فهذه شكلياتٌ أوَّليَّة، والمسؤوليةُ الأعظمُ أن تصنعَ من ابنك وابنتك فتى يافعًا مُتعلِّمًا، ويكون المنزلُ هو المصدرَ الأولَ للتعليم فيه.
فما كان المنزلُ ولا ينبغي أن يكونَ مجرَّدَ عنصرٍ مساعدٍ للمدرسة، بل المنزلُ هو الأساسُ للتربية والتلقِّي والتعليم.
ثم أعودُ الآنَ للإجابةِ على ذلك السؤال فأقول:
أيها المسلمون، إنَّ أولى ما نعتني به، وأولَ ما نحرصُ على تعليمِه لأبنائنا وبناتنا هو كتابُ الله، تعليمًا وتحفيظًا وتمسُّكًا.
قال الرسول ﷺ: ((أنا تاركٌ فِيكم ثَقلينِ: أوَّلهما: كتابُ الله، فيه الهُدى والنُور؛ فخُذوا بكتاب الله، واستمسِكوا به)).
إنَّ تعلُّمَ القرآن وحفظَه يا عباد الله، يمنحُ صاحبَه بركةً عامةً في سائرِ شؤونِ الحياة، فتجدُ الحافظَ مباركًا في خُلُقِه وفي وقته وفي علمِه وعملِه.
كما أنًّ حفظَ القرآن يمنح صاحبَه ذكاءً عاليًا، ومهاراتٍ لُغويةً وتحليليَّةً فائقة، وانظروا إن شئتم لإحصائياتِ المركز الوطني للقياس والتقويم، ستجدون أن الأوائلَ هم حفظةُ كتابِ الله، وستجدون أنَّ المميَّزين في التخصصاتِ التطبيقيَّةِ والإنسانيةِ كثيرٌ منهم حافظٌ لكتاب الله.
ولا غرابةَ في ذلك ولا عجب، فهذا نزرٌ يسيرٌ من بركة القرآنِ على صاحبه، أمَّا الشيء العظيمُ فهو الهدايةُ التي يمنحها القرآن الكريم لحافظه، تلكمُ الهدايةُ التي تجعله صالحًا في دنياه، فائزًا في آخرته.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
(إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا).
اللهم اهدنا بالقرآن، واجعله ربيعَ قلوبنا ونورَ صدورنا، وأصلحْ به ذرِّيَّاتِنا.
أقول قولي هذا وأستغفر اللهَ لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدلله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقه وامتنانه أما بعد، عبادَ الله،
هكذا تتبيَّنُ الأهميةُ العاليةُ للوالِدين في التعليم،
وإنه إلى جانب تعليمِ القرآنِ الكريم فإنَّ تقريبَ الأبناءِ من لغتِهم الأصيلةِ لغةِ القرآنِ، لأمرٌ بالغُ الأهمية والضرورة؛ لأنَّ اللغةَ هُويةُ الإنسان، وإذا ماعتْ لُغتُه ضاعتْ هُويتُه، وعندها يتلاشى وجودُه.
وأهميةُ اللغةِ أيها المسلمون لا تقفُ عند مجرَّد الكلام، بل هناك ما هو أعمقُ من ذلك: إنَّه التفكيرُ وطريقتُه، والصوتُ وتركيبتُه، هذه أمورٌ تتأسَّسُ وتنمو بناءً على علاقةِ اللغةِ بمجتمعها.
إنَّ العنايةَ بلغتنا العربيةِ مطلبٌ عظيمٌ جدا؛ لأنها لغةُ القرآن، وكيف لنا أن نفهمَ القرآنَ إذا جهلنا لُغَتَه؟!
فلنحرصْ على التمسكِ بلغتِنا بتقريبِ أبنائنا من كتابِ الله، وكذلك: بقراءةِ الشعرِ العربيِ قديمِهِ وحديثِه؛ فإنَّ فيه كنوزًا معرفيَّةً عُظمى، وأخلاقًا سلوكيةً فُضلى، يعرف ذلك من نقَّب عن كنوزِه وحفِظَ من مكنونِه.
فالحرصَ الحرصَ يا عبادَ الله على من استرعاكم الله، أن تجتهدوا في تعليمهم أشرفَ العلوم وأزكاها، فقد قال الرسول ﷺ: ((كلكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيته : والرجلُ راعٍ في أهلِه ومسؤولٌ عن رعيته، والمرأةُ راعيةٌ في بيتِ زوجِها ومسؤولةٌ عن رعيتها، فكلكم راعٍ ومسئولٌ عن رعيته )).
اللهم أصلح ذرِّياتنا، واجعلهم قرةَ عين لنا،
ربنا هبْ لنا من أزواجنا وذرياتنا قرةَ أعين واجعلنا للمتقين إماما، ربنا اجعلنا مقيمي الصلاة ومن ذرياتنا ربنا وتقبل دعاء.
اللهم ارفع عنا الوبا والغلا، اللهم أصلح أحوال المسلمين، وولِّ عليهم خيارَهم.
اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم وفقه ونائبَه لما فيه خير البلاد والعباد، سبحان ربك ربِّ العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
المرفقات
1630019875_التعليم، وموقع المسؤولية الأبوية.pdf