التسامح والسلام في دين الإسلام
أسامة محمد موسى
1438/03/30 - 2016/12/29 13:20PM
التسامح والسلام في دين الإسلام
أيها الإخوة الفضلاء..
سنتكلم معكم اليومَ بمشيئة الله عن التسامح والسلام في دين الإسلام .. وهو موضوعٌ مهمٌ للغاية وأسأل الله أن يكتب لي ولكم التوفيق والسداد ..
أحبتي في الله .. إن دينَ الإسلام الذي استُبيحَ على الأرضِ في هذا الزمان، قد استباحَه المحتلّون ليس عسكرياً فحسب، بل فكرياً أيضاً حتى وُصف بأبشع الأوصاف، وسُلّط عليه الآلاتُ الإعلامية لترسم صورة الإرهاب والأصولية والتطرّف والوحشية لدى أذهان المتلقين، وساعدهم على ذلك كل أعوانهم من المنافقين والمتملقين والذين في قلوبهم مرض، مع أنّ المسلمينَ لم يستخدموا الأسلحة النووية ولا الكيميائية ولا الجرثومية، ولم يبيدوا شعوباً بأكملها على مر تاريخهم، ولم يستخدموا الأسلحة المحرمة دولياً في إبادة شعوبٍ بريئة، ولكنّ الإعلامَ له سحرُه في تغيير الحقائق في أذهان الناس ..
ونحنُ دورُنا أيها الأحبة أن نعتزّ بهذا الدينِ العظيم، ونذكّر أنفسَنا بالمبادئ العظيمة التي قام عليها، ودرجةَ التسامُح الذي وصل إليه، والرفق الذي قامَ عليه في تعاملِه مع الكافر والشجر والحجر والنباتِ والحيوان، الإسلامُ هو الدين الذي رضيَه لنا الله "اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلام ديناً" أيرضى اللهُ لنا ديناً دموياً؟.. حاشاه سبحانه، أيرضى لنا ديناً متطرفاً يحكمُ بالانتقام والدمار؟! كلا وحاشا ..
الإسلامُ هو الدينُ الذي رضيهُ الخالقُ لخلْقِهِ أجمعين، والإسلامُ هو الدينُ الذي يحملُ النجاةَ لهذه البشرية، والإسلامُ هو الضياء في عتمة الظلماتِ التي تتخبطُ بها الأمم والشعوب، والإسلامُ هو الرحمة في ظلّ الهمجية التي نعايشها في كل بقعةٍ من بقاعِ هذه الأرض، ألم يقلِ الحق سبحانه: "وما أرسلناكَ إلا رحمةً للعالمين"، ألم يقل جل وعلا:"إن الله يأمرُ بالعدلِ والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي" دينُنا دينُ العدل الذي به تقوم الحياة، وديننا هو دينُ الإحسان، ودينُنا هو دينُ الحضارة الحقيقية، حتى شهد له بهذا أعداؤه قبل أبنائه، حتى قال أحد مفكري الغرب: (ما عرف التاريخ ديناً فاتحاً متسامحاً كالإسلام، وما عرف التاريخ أمة فاتحة منتصرة متسامحة كأمة الإسلام)
كيف لا والله عزّ وجلّ يأمرُ نبيّه فيقول له: "وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون" يا الله .. أيّ عدل؟ وأي رحمة؟ الله جل وعلا يأمر المصطفى بأن يقبل استئمانَ المشركين الذين أمر الله بقتالهم ويؤمّنهم إذا طلبوا ذلك.. إلى متى نؤمّنه؟ حتى يسمعَ كلامَ الله .. وهل نقاتله بعد سماعه كلامَ الله ورفضه رغم ذلك الإسلام؟ لا "ثم أبلغه مأمنه" يستمر أمانُه حتى يرجعَ إلى دياره وبلاده ومأمنه "ذلك بأنهم قومٌ لا يعلمون" فهم قد يجهلون دينَ الله، وحتى تنتشرَ دعوةُ الله في الأرض. هذا هو دينُكم أيها المسلمون، يجبُ عليكم أن تفخروا به، وتجتهدوا لإيصال دعوة الله الحنيفيةِ السمحة إلى أصقاع المعمورة، فو الله لن تسعدَ البشريةُ جميعُها إلا بتحكيم الإسلام، ولن يتعايشَ أصحابُ الأديانِ في أمنٍ واستقرار إلا في ظل الإسلام.. والعهدةُ العمريةُ خيرُ دليلٍ على ذلك عندما دخل فاروق الأمة رضي الله عنه بيت المقدس فاتحاً ليتسلم مفاتيح المدينة المقدسة فأعطى أهل إيلياء أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وأنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينقص منها ولا من حيِّزها ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرهون على دينهم، ولا يضارّ أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود .. ثم في آخر عهده كتب: وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين، إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية ..
هل يوجدُ تسامحٌ أعظمُ من هذا؟ هل هناك تعايشٌ تتخيله البشريةُ أكثر من ذلك؟ إنهم الخلفاء الراشدون الذين تربوا على يدي محمدِ بن عبدالله ﷺ الذي دخل مكة فاتحاً منتصراً بعد أن مَكَرت به قريشٌ في جاهليتها؛ وآذوه، وعذبوا أصحابه، ومع كل ذلك يوم أن مكنه الله من رقابهم يوم فتح مكة خاطبهم، وهو واقف على باب الكعبة، وهم وقوف تحت قدميه: ما تظنون أني فاعل بكم؟ فجاءه الرد من قلوب خائفة ذليلة وجلة قالوا: (خيراً، أخ كريم وابن أخٍ كريم) يعلمونَ رحمته، ويعرفون تسامحَه، فما كانَ من الرحمةِ المهداة إلا أن خاطبهم بذلك الخطاب الذي يمسك بأذن التاريخ والبشرية، ليصب فيها أروع صور العفو والمسامحة: " فإني أقولُ لكم ما قال يوسفُ لإخوتِه . : لا تثريبَ عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء"، مع كل ما فعلتموه اذهبوا فأنتم الطلقاء .. ولو أن الحديث في إسناده ضعف .. لكن ما أجمل العفو عند المقدرة،
هذا هو التسامحُ المقترنُ بالعدل .. لما فتح قتبيةُ بن مسلم مدينة سمرقند التي تقع الآن في أوزبكستان، وأرسلَ أهل سمرقند رسالة إلى خليفة المسلمين يومئذٍ الخليفة العادل، عمر بن عبد العزيز قالوا له فيها: أن الفتح الإسلامي للمدينة فتح باطل؛ لأن الجيش لم يدعنا للإسلام، ولم يفرض علينا الجزية إن امتنعنا، ولم يخبرنا بالمنابذة، فلما عرض عمر بن عبد العزيز الأمر على قاض المسلمين أقام القاضي محكمةً أحضر فيها قائد جيش المسلمين بسمرقند وحكم فيها ببطلان الفتح الإسلامي لسمرقند، قال القاضي: لقد خرجنا مجاهدين في سبيل الله وما خرجنا فاتحين للأرض أشراً وبطراً , ثم قضى القاضي بإخراج المسلمين على أن يؤذنهم القائد بعد ذلك وفقاً للمبادئ الإسلامية ، وما ظنّ أهل سمرقند أنّ تلك الكلمات ستفعل فعلها، فما غربت شمس ذلك اليوم ورجل من الجيش الإسلامي في أرض سمرقند , خرج الجيش كله ودعوهم إلى الإسلام أو الجزية أو القتال
فلما رأى أهل سمرقند ما لا مثيل له في تاريخ البشرية من عدالة تنفذها الدولة على جيشها وقائدها , قالوا: هذه أمة حُكمُها رحمة ونعمة , فدخل أغلبهم في دين الله وفُرضت الجزية على الباقين ..
هذه هي أخلاقُنا .. وهذا هو دينُنا الذي يجب أن نفاخر به الدنيا بأسرها ..
حينما جاء رجل من أهل مصر يشكو ابن عمرو بن العاص والي عمر بن الخطاب على مصر قائلاً: يا أمير المؤمنين! عائذٌ بك من الظلم. قال: عُذْتَ معاذا. قال: سابقتُ ابن عمرو بن العاص فسبقته، فجعل يضربني بالسوط ويقول: أنا ابن الأكرمين، فكتب عمر إلى عمرو -رضي الله عنهما- يأمره بالقدوم ويقدم بابنه معه فقدم عمرو فقال عمر: أين المصري؟ خذ السوط فاضرب، فجعل يضربه بالسوط ويقول عمر: اضرب ابن الأكرمين ، قال أنس: فضرب، فوالله! لقد ضربه ونحن نحب ضربه، فما رفع عنه حتى تمنينا أن يرفع عنه، ثم قال عمر لعمرو بن العاص قولته الخالدة التي غدت ميثاقاً للبشرية بعده، قال: يا عمرو متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟
لذلك عندما أسرَ جيشُ عمرو بن العاص رضي الله عنه أرمانوسة بنت المقوقس حاكم مصر مع جواريها ومماليكها، قال عمرو: لقد أرسل المقوقس إلى نبينا ﷺ هدية وأكرم كتابه وأرى أن نكرم المقوقس وأن نرد عليه ابنته معززة مكرمة فردّ أرمانوسة إلى أبيها وقد جرى حوارٌ بين أرمانوسة وجاريتها بربارة فقالت لها جاريتها: العرب يحيطون بنا من كل ناحية، فردت عليها أرمانوسة رداً يشهدُ للرجال الذين حملوا هذا الدين بكل رجولة، وبكل أمانة، وبكل سماحة، قالت لها: يا بربارة إني آمنُ على نفسي وعلى عِرضي في خيمة العربي، أكثر من أمني على نفسي في قصر أبي!
الله أكبر .. كيف يُتّهمُ دينٌ هؤلاء رجالُه بالإرهاب والتطرّف، كيف يوصفُ هذا الدين بالوحشية والدموية ؟ صلاحُ الدين البطل عندما هزم الصليبيين في موقعة حطين التاريخية سمعَ أن ريتشارد قلب الأسد ذلك القائد الخبيث قد مرض مرضاً شديداً فما كان من صلاح الدين إلا أن أرسل بطبيبه الخاص معه دواء لينظر في حالته .. هذه هي الصورة المشرقة للإسلام، وستظل ناصعةً بيضاء يذكرها التاريخ ..
أسأل الله أن يريَنا الإسلام عزيزاً .. إنه ولي ذلك والقادر عليه..
الخطبة الثانية:
أما بعدُ: فكما ذكرنا –أيها الأحبة- أن الإسلام لم يكن يوماً دينُ خوفٍ وتخويفٍ وإرهاب، ولكنّ الذين رسموا هذه الصورة القاتمة هم آلاتُ الإعلام المملوكون للحركات الصهيونية المعادية للإسلام، ونعترفُ بأنه قد ساعدهم على ذلك بعض شُذّاذِ الأفرادِ، والخوارجِ الذين استباحوا الدماء المعصومة جهلاً منهم بحقيقةِ وسماحةِ هذا الدين الذي يأمرُ بقتال أعداء الله لكن في مواضعِه، وضمن شروطه وضوابطه.. فنبيّنا ﷺ يقول عن قتلِ المعاهَدين من غير المسلمين: "من قتل مُعاهَدًا لم يَرَحْ رائحةَ الجنَّةِ ، وإنَّ ريحَها توجدُ من مسيرةِ أربعين عامًا" وهؤلاء الجهلة أول من قاتلوهم المسلمين الذين يشهدون أن لا إله إلا الله، لكنّهم –وبفضل الله- نُبذوا من عامة المسلمين، وحوربت أفكارهم من علماء المسلمين قبل أن يستخدمهم أعداء الدين لترويج افتراءاتهم على ديننا الحنيف ..
والمطلوب منا – أيها الأخيار- أن نعيشَ فيما بيننا ضمن تسامحِ الإسلام العظيم، نحنُ نعلمُ أن الإسلامَ يمرّ بمرحلةٍ من مراحلِ الضعف، لكنه لن تكون العاقبةُ إلا له، فعلينا أن نتحلّى بأخلاق ديننا العظيم الذي يأمرنا بالتذلل لإخواننا والعزةِ أمام أعدائنا وهذه هي صفاتُ القوم الذين يحبون الله ويحبهم الله "يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين" ، علينا أن تجتمع قلوبُنا وتتآلف أمام تلك الهجمات الشرسة علينا لتكوّن بذلك نواةَ الإسلام المنتصر بإذن الله فالفرقةُ لا تأتي إلا بالعذاب والخلاف شرٌ وفتنة "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم"، وعلينا أن نعتزّ بديننا الذي ما كان يوماً إلا دينَ رحمة ورفق ولين، علينا أن نعلّم أجيالَنا عن تعايش ديننا وسماحته وعدله..
الدعاء ..
أيها الإخوة الفضلاء..
سنتكلم معكم اليومَ بمشيئة الله عن التسامح والسلام في دين الإسلام .. وهو موضوعٌ مهمٌ للغاية وأسأل الله أن يكتب لي ولكم التوفيق والسداد ..
أحبتي في الله .. إن دينَ الإسلام الذي استُبيحَ على الأرضِ في هذا الزمان، قد استباحَه المحتلّون ليس عسكرياً فحسب، بل فكرياً أيضاً حتى وُصف بأبشع الأوصاف، وسُلّط عليه الآلاتُ الإعلامية لترسم صورة الإرهاب والأصولية والتطرّف والوحشية لدى أذهان المتلقين، وساعدهم على ذلك كل أعوانهم من المنافقين والمتملقين والذين في قلوبهم مرض، مع أنّ المسلمينَ لم يستخدموا الأسلحة النووية ولا الكيميائية ولا الجرثومية، ولم يبيدوا شعوباً بأكملها على مر تاريخهم، ولم يستخدموا الأسلحة المحرمة دولياً في إبادة شعوبٍ بريئة، ولكنّ الإعلامَ له سحرُه في تغيير الحقائق في أذهان الناس ..
ونحنُ دورُنا أيها الأحبة أن نعتزّ بهذا الدينِ العظيم، ونذكّر أنفسَنا بالمبادئ العظيمة التي قام عليها، ودرجةَ التسامُح الذي وصل إليه، والرفق الذي قامَ عليه في تعاملِه مع الكافر والشجر والحجر والنباتِ والحيوان، الإسلامُ هو الدين الذي رضيَه لنا الله "اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلام ديناً" أيرضى اللهُ لنا ديناً دموياً؟.. حاشاه سبحانه، أيرضى لنا ديناً متطرفاً يحكمُ بالانتقام والدمار؟! كلا وحاشا ..
الإسلامُ هو الدينُ الذي رضيهُ الخالقُ لخلْقِهِ أجمعين، والإسلامُ هو الدينُ الذي يحملُ النجاةَ لهذه البشرية، والإسلامُ هو الضياء في عتمة الظلماتِ التي تتخبطُ بها الأمم والشعوب، والإسلامُ هو الرحمة في ظلّ الهمجية التي نعايشها في كل بقعةٍ من بقاعِ هذه الأرض، ألم يقلِ الحق سبحانه: "وما أرسلناكَ إلا رحمةً للعالمين"، ألم يقل جل وعلا:"إن الله يأمرُ بالعدلِ والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي" دينُنا دينُ العدل الذي به تقوم الحياة، وديننا هو دينُ الإحسان، ودينُنا هو دينُ الحضارة الحقيقية، حتى شهد له بهذا أعداؤه قبل أبنائه، حتى قال أحد مفكري الغرب: (ما عرف التاريخ ديناً فاتحاً متسامحاً كالإسلام، وما عرف التاريخ أمة فاتحة منتصرة متسامحة كأمة الإسلام)
كيف لا والله عزّ وجلّ يأمرُ نبيّه فيقول له: "وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون" يا الله .. أيّ عدل؟ وأي رحمة؟ الله جل وعلا يأمر المصطفى بأن يقبل استئمانَ المشركين الذين أمر الله بقتالهم ويؤمّنهم إذا طلبوا ذلك.. إلى متى نؤمّنه؟ حتى يسمعَ كلامَ الله .. وهل نقاتله بعد سماعه كلامَ الله ورفضه رغم ذلك الإسلام؟ لا "ثم أبلغه مأمنه" يستمر أمانُه حتى يرجعَ إلى دياره وبلاده ومأمنه "ذلك بأنهم قومٌ لا يعلمون" فهم قد يجهلون دينَ الله، وحتى تنتشرَ دعوةُ الله في الأرض. هذا هو دينُكم أيها المسلمون، يجبُ عليكم أن تفخروا به، وتجتهدوا لإيصال دعوة الله الحنيفيةِ السمحة إلى أصقاع المعمورة، فو الله لن تسعدَ البشريةُ جميعُها إلا بتحكيم الإسلام، ولن يتعايشَ أصحابُ الأديانِ في أمنٍ واستقرار إلا في ظل الإسلام.. والعهدةُ العمريةُ خيرُ دليلٍ على ذلك عندما دخل فاروق الأمة رضي الله عنه بيت المقدس فاتحاً ليتسلم مفاتيح المدينة المقدسة فأعطى أهل إيلياء أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وأنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينقص منها ولا من حيِّزها ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرهون على دينهم، ولا يضارّ أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود .. ثم في آخر عهده كتب: وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين، إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية ..
هل يوجدُ تسامحٌ أعظمُ من هذا؟ هل هناك تعايشٌ تتخيله البشريةُ أكثر من ذلك؟ إنهم الخلفاء الراشدون الذين تربوا على يدي محمدِ بن عبدالله ﷺ الذي دخل مكة فاتحاً منتصراً بعد أن مَكَرت به قريشٌ في جاهليتها؛ وآذوه، وعذبوا أصحابه، ومع كل ذلك يوم أن مكنه الله من رقابهم يوم فتح مكة خاطبهم، وهو واقف على باب الكعبة، وهم وقوف تحت قدميه: ما تظنون أني فاعل بكم؟ فجاءه الرد من قلوب خائفة ذليلة وجلة قالوا: (خيراً، أخ كريم وابن أخٍ كريم) يعلمونَ رحمته، ويعرفون تسامحَه، فما كانَ من الرحمةِ المهداة إلا أن خاطبهم بذلك الخطاب الذي يمسك بأذن التاريخ والبشرية، ليصب فيها أروع صور العفو والمسامحة: " فإني أقولُ لكم ما قال يوسفُ لإخوتِه . : لا تثريبَ عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء"، مع كل ما فعلتموه اذهبوا فأنتم الطلقاء .. ولو أن الحديث في إسناده ضعف .. لكن ما أجمل العفو عند المقدرة،
هذا هو التسامحُ المقترنُ بالعدل .. لما فتح قتبيةُ بن مسلم مدينة سمرقند التي تقع الآن في أوزبكستان، وأرسلَ أهل سمرقند رسالة إلى خليفة المسلمين يومئذٍ الخليفة العادل، عمر بن عبد العزيز قالوا له فيها: أن الفتح الإسلامي للمدينة فتح باطل؛ لأن الجيش لم يدعنا للإسلام، ولم يفرض علينا الجزية إن امتنعنا، ولم يخبرنا بالمنابذة، فلما عرض عمر بن عبد العزيز الأمر على قاض المسلمين أقام القاضي محكمةً أحضر فيها قائد جيش المسلمين بسمرقند وحكم فيها ببطلان الفتح الإسلامي لسمرقند، قال القاضي: لقد خرجنا مجاهدين في سبيل الله وما خرجنا فاتحين للأرض أشراً وبطراً , ثم قضى القاضي بإخراج المسلمين على أن يؤذنهم القائد بعد ذلك وفقاً للمبادئ الإسلامية ، وما ظنّ أهل سمرقند أنّ تلك الكلمات ستفعل فعلها، فما غربت شمس ذلك اليوم ورجل من الجيش الإسلامي في أرض سمرقند , خرج الجيش كله ودعوهم إلى الإسلام أو الجزية أو القتال
فلما رأى أهل سمرقند ما لا مثيل له في تاريخ البشرية من عدالة تنفذها الدولة على جيشها وقائدها , قالوا: هذه أمة حُكمُها رحمة ونعمة , فدخل أغلبهم في دين الله وفُرضت الجزية على الباقين ..
هذه هي أخلاقُنا .. وهذا هو دينُنا الذي يجب أن نفاخر به الدنيا بأسرها ..
حينما جاء رجل من أهل مصر يشكو ابن عمرو بن العاص والي عمر بن الخطاب على مصر قائلاً: يا أمير المؤمنين! عائذٌ بك من الظلم. قال: عُذْتَ معاذا. قال: سابقتُ ابن عمرو بن العاص فسبقته، فجعل يضربني بالسوط ويقول: أنا ابن الأكرمين، فكتب عمر إلى عمرو -رضي الله عنهما- يأمره بالقدوم ويقدم بابنه معه فقدم عمرو فقال عمر: أين المصري؟ خذ السوط فاضرب، فجعل يضربه بالسوط ويقول عمر: اضرب ابن الأكرمين ، قال أنس: فضرب، فوالله! لقد ضربه ونحن نحب ضربه، فما رفع عنه حتى تمنينا أن يرفع عنه، ثم قال عمر لعمرو بن العاص قولته الخالدة التي غدت ميثاقاً للبشرية بعده، قال: يا عمرو متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟
لذلك عندما أسرَ جيشُ عمرو بن العاص رضي الله عنه أرمانوسة بنت المقوقس حاكم مصر مع جواريها ومماليكها، قال عمرو: لقد أرسل المقوقس إلى نبينا ﷺ هدية وأكرم كتابه وأرى أن نكرم المقوقس وأن نرد عليه ابنته معززة مكرمة فردّ أرمانوسة إلى أبيها وقد جرى حوارٌ بين أرمانوسة وجاريتها بربارة فقالت لها جاريتها: العرب يحيطون بنا من كل ناحية، فردت عليها أرمانوسة رداً يشهدُ للرجال الذين حملوا هذا الدين بكل رجولة، وبكل أمانة، وبكل سماحة، قالت لها: يا بربارة إني آمنُ على نفسي وعلى عِرضي في خيمة العربي، أكثر من أمني على نفسي في قصر أبي!
الله أكبر .. كيف يُتّهمُ دينٌ هؤلاء رجالُه بالإرهاب والتطرّف، كيف يوصفُ هذا الدين بالوحشية والدموية ؟ صلاحُ الدين البطل عندما هزم الصليبيين في موقعة حطين التاريخية سمعَ أن ريتشارد قلب الأسد ذلك القائد الخبيث قد مرض مرضاً شديداً فما كان من صلاح الدين إلا أن أرسل بطبيبه الخاص معه دواء لينظر في حالته .. هذه هي الصورة المشرقة للإسلام، وستظل ناصعةً بيضاء يذكرها التاريخ ..
أسأل الله أن يريَنا الإسلام عزيزاً .. إنه ولي ذلك والقادر عليه..
الخطبة الثانية:
أما بعدُ: فكما ذكرنا –أيها الأحبة- أن الإسلام لم يكن يوماً دينُ خوفٍ وتخويفٍ وإرهاب، ولكنّ الذين رسموا هذه الصورة القاتمة هم آلاتُ الإعلام المملوكون للحركات الصهيونية المعادية للإسلام، ونعترفُ بأنه قد ساعدهم على ذلك بعض شُذّاذِ الأفرادِ، والخوارجِ الذين استباحوا الدماء المعصومة جهلاً منهم بحقيقةِ وسماحةِ هذا الدين الذي يأمرُ بقتال أعداء الله لكن في مواضعِه، وضمن شروطه وضوابطه.. فنبيّنا ﷺ يقول عن قتلِ المعاهَدين من غير المسلمين: "من قتل مُعاهَدًا لم يَرَحْ رائحةَ الجنَّةِ ، وإنَّ ريحَها توجدُ من مسيرةِ أربعين عامًا" وهؤلاء الجهلة أول من قاتلوهم المسلمين الذين يشهدون أن لا إله إلا الله، لكنّهم –وبفضل الله- نُبذوا من عامة المسلمين، وحوربت أفكارهم من علماء المسلمين قبل أن يستخدمهم أعداء الدين لترويج افتراءاتهم على ديننا الحنيف ..
والمطلوب منا – أيها الأخيار- أن نعيشَ فيما بيننا ضمن تسامحِ الإسلام العظيم، نحنُ نعلمُ أن الإسلامَ يمرّ بمرحلةٍ من مراحلِ الضعف، لكنه لن تكون العاقبةُ إلا له، فعلينا أن نتحلّى بأخلاق ديننا العظيم الذي يأمرنا بالتذلل لإخواننا والعزةِ أمام أعدائنا وهذه هي صفاتُ القوم الذين يحبون الله ويحبهم الله "يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين" ، علينا أن تجتمع قلوبُنا وتتآلف أمام تلك الهجمات الشرسة علينا لتكوّن بذلك نواةَ الإسلام المنتصر بإذن الله فالفرقةُ لا تأتي إلا بالعذاب والخلاف شرٌ وفتنة "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم"، وعلينا أن نعتزّ بديننا الذي ما كان يوماً إلا دينَ رحمة ورفق ولين، علينا أن نعلّم أجيالَنا عن تعايش ديننا وسماحته وعدله..
الدعاء ..