التربية الواقعية .. سددوا وقاربوا

بندر بن عبدالله الرشود
1438/11/11 - 2017/08/03 13:18PM

ان الحمدلله نحمده .....

اما بعد فاتقوا الله عباد الله فإن التقوى خيرُ زاد يتزود به المرء لآخرته ويستعين به على امور دنياه ( وتزودوا فإن خير الزاد التقوى )

عباد الله ان من القواعد العظيمة العملية التي رسخها النبي صلى الله عليه وسلم لأمته قاعدة التسديد والمقاربة

فقد روى الشيخان رحمهما الله تعالى من حديث ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( سددوا وقاربوا وأبشروا فإنه لن يُدخِل الجنة أحداً عمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله منه برحمة، واعلموا أن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قلَّ)

قال الإمام النووي : ومعنى (سددوا وقاربوا): اي اطلبوا السداد واعملوا به، فإن عجزتم عنه فقاربوه أي: اقربوا منه، والسداد هو الصواب، وهو بين الإفراط والتفريط، فلا تغلوا ولا تُقصّروا. انتهى كلامه رحمه الله

وقال الشيخ السعدي : فالتسديد: أن يقول الإنسان القول السديد ، ويعمل العمل السديد ، ويسلك الطريق الرشيد ، وهو الإصابة في أقواله وأفعاله من كل وجه ، فإن لم يدرك السداد من كل وجه فليتق الله ما استطاع ، وليقارب الغرض ، فمن لم يدرك الصواب كله فليكتف بالمقاربة ، ومن عجز عن العمل كله فليعمل منه ما يستطيعه . ويؤخذ من هذا أصل نافع دلّ عليه أيضاً قوله تعالى : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) , وقوله صلّى الله عليه وسلم : ( إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم ) والمسائل المبنية على هذا الأصل لا تنحصر . انتهى كلامه رحمه الله

والأصل في هذه القاعدة أنها شرعت في باب العبادات ، ومع ذلك فإن هذه القاعدة يمكن أن تكون منهجا للمسلم في جميع شؤونه وأمور حياته ..

وإن من أعظم الشؤون الحياتية التي يحتاج فيها المسلم الى تطبيق هذه القاعدة هو تربية الأبناء ..

نعم عباد الله ان التربية اليوم قد أصبحت عبئا ثقيلا وحملا لا يكاد يطاق في ظل تعدد المربين ، فالبيت يربي والمدرسة تربي والمجتمع يربي ، والإعلام يربي ،والأقارب والأصدقاء يربون ، والكل قد أصبح اليوم مربيا يشاركنا في تربية أبناءنا ..

ولهذا فلا عجب أن تسمع اليوم الكثير من الناس وهو يشتكي من صعوبة التعامل مع أبنائه ، أو يتذمر من التغيرات التي تطرأ على أخلاقهم وأسلوب تعاملهم مع اهليهم ..

إن الإعلام اليوم وخاصة ما يعرض في الشبكة العالمية كفيل بأن يصنع من أبناءنا صورة مقلدة من رموز وأشخاص لا خلاق لهم في الدنيا والآخرة .. إنْ في أخلاقهم وسلوكهم أو في ألفاظهم وأسلوب كلامهم أو في هيئاتهم وأشكالهم .

والعاقل اليوم يدرك مدى تأثير الاعلام في صياغة مجتمعات بكاملها فضلا عن التأثير في بعض أفرادها ..

ولسنا في صدد ذكر الآثار السيئة التي حققها الإعلام السيء في أخلاق الأبناء ذكورا وإناثاً أو في صياغة أساليب حياتهم ؛ فإن ذلك حديث لا ينتهي وليلٌ بهيم لا يكاد ينجلي .

وإنما المقصود عباد الله هو الإلماح الى أثر هذه الوسائل في التربية إجمالا وكيفية الخروج من براثنها .

و لا يخفى عليكم رحمكم الله أن الإنسان مسؤول ومؤتمن على تربية أولاده فقد جاء في الحديث المشهور ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ، حتى قال : والرجل راع في اهل بيته ومسئول عن رعيته )

فيلزم ابتداءً أن يتقرر في نفس الأب أنه مسئول أمام الله تعالى عن رعيته وأن الله تعالى سيحاسبه كيف قام بهذه المسئولية وكيف أدى هذه الأمانة ؟

فإذا تقرر هذا الأصل عباد الله فإن التربية اليوم وقد تعددت منابعها ومشاربها لا بد أن تكون واقعية أكثر من كونها خيالية أو متكلفة ؛ لا يتعدى تطبيقها سطور الكتاب الذي سطرت فيه أو ذلك المبنى الذي القيت تلك الدورة عن التربية فيه !

وعماد التربية الواقعية اليوم شيئان رئيسان : هما التسديد والمقاربة .. فيحرص كل الحرص على تربية أبنائه على الكمال فيربيهم على الفرائض والنوافل من انواع العبادات ، ويحملهم على أكمل الفضائل وأجمل الأخلاق في الأقوال والأفعال ...قال ابن مسعود رضي الله عنه: 'حافظوا على أبنائكم في الصلاة، ثم تعوَّدوا الخير؛ فإن الخير بالعادة'، فهذا هو السداد .

فإن عجز عن السداد فلا مفر حينئذ من المقاربة منه ، فأما الفرائض فيحملهم عليها بالحزم ولا يجعل لهم خيارا فيها ، وكذلك الشأن في المحرمات فلا خيار لهم في فعلها ، ويُستدرجون لفعل المستحبات وترك المكروهات .. يقول ابن تيمية رحمه الله ( فإن ما حرم الله على الرجل فعله حرم عليه أن يُمكِن منه الصغير، وقد رأى عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ ثوبًا من حرير على صبي للزبير فمزقه، وقال: لا تُلبِسوهم الحرير'. ومزق ابن مسعود رضي الله عنه قميصًا من حريرعلى أحد أولاده، وقال: قل لأمك تكسوك غير هذا)

وأما اللعب والتسلية فلا مناص منهما للأطفال جاء عن الحسن رضي الله عنه أنه دخل منزله وصبيان يلعبون فوق البيت ومعه عبد الله ابنه فنهاهم فقال الحسن: دعهم فإن اللعب ربيعهم.وعن إبراهيم النخعي رحمه الله قال: كانوا يرخصون للصبيان في اللعب كله إلا بالكلاب.

أقول ما تسمعون ....  

الخطبة الثانية

الحمدلله على احسانه ....

فاتقوا الله عباد الله في سركم ونجواكم ( واتقوا يوما ترجعون فيه الى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون )

عباد الله وان من لوازم التسديد والمقاربة في التربية أن تكون برفق ( فان الرفق ما كان في شيء الا زانه وما نزع من شيء الا شانه ) كما صح عن المصطفى عليه الصلاة والسلام .

والرفق كما قال ابن حجر رحمه الله هو لين الجانب بالقول، والفعل، والأخذ بالأسهل، وهو ضد العنف )والعنف هو القسوة والشدة وهي غير الحزم فإن الحزم هو ضبط الأمور وإحكامها ..

فإذا أخطا الأبناء ولو بفعل محرم او ترك فريضة قومهم وليهم بالرفق واللين والحزم وبذل لهم النصيحة بإشفاق ومحبة ولطف ..

وأما الضرب فهو آخر الدواء ، وإنما يستعمل مع ذوي المدارك دون الصغار إذا غلب على الظن أنه ينفع ويردع وإلا فتركه أولى ..

وكان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يكتب للأمصار: لا يقرن المعلم فوق ثلاث؛ فإنها مخافة للغلام ـ يعني لا يجمع ثلاث ضربات. وسئل الإمام أحمد عن ضرب المعلم للصبيان، فقال: على قدر ذنوبهم، ويتوقى بجهده الضرب، وإن كان صغيرًا لا يعقل فلا يضربه.

وليعلم عباد الله أن الأمور لا تؤتى غلابًا كما قال الشاعر، وإنما التدرج مطلوب في التقويم؛ فقد نقل الحافظ عن سعيد بن جبيرالحث على التدرج في أخذ الطفل بالجد، وهذا يتمشى مع الحكمة التي جاءت بها الشريعة،وطبيعة النفس الإنسانية التي تستثقل أخذها بالعزيمة بلا تدرج.

وختاما عباد الله فلا يشك مؤمن ما للدعاء من أهمية في صلاح الأبناء، فقد شكا أحدهم ابنه إلى طلحة بن مصرف فقال له طلحة : استعن عليه بهذه الآية: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي} أي داوم على الدعاء له

فلا عجب أن ترى كهلاً عاميا لا يعرف إلا مسجده وليس يفقه من أساليب التربية الحديثة شيئا ثم ترى في ذريته عجبا من الصلاح والتوفيق فحينها تدرك أهمية الدعاء وأنه رأس الأمر وعموده .. اللهم هب لنا من ازواجنا وذرياتنا قرة اعين واجعلنا للمتقين اماما

  • هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على الهادي البشير
المشاهدات 1570 | التعليقات 1

أخي الشيخ بندر

بورك فيك... 

سردٌ جميل .. وهادئ

 

نفع الله بكم