التذكير بعرفة والعيد 1445/12/8ه
يوسف العوض
الخطبة الأولى
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: غَدَاً هُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَهُوَ يَوْمٌ عَظِيمٌ مِنْ أَيَّامِ اللهِ إِنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ يَوْمٌ فَاضِلٌ جِدَّاً وَقَدْ ثَبَتَتْ السُّنَّةُ بِالْحَثِّ عَلَى عَمَلَيْنِ فِيهِ:
(الْأَوَّلُ) الإِكْثَارُ مِنْ قَوْلِ "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" طُوَالَ هَذَا الْيَوْمِ، سَوَاءٌ كَانَ الإِنْسَانُ حَاجَّاً أَمْ لا، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ".
(الثَّانِي) الصَّوْمُ لِغَيْرِ الْحُجَّاجِ وَقَدْ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ فَقَالَ : "يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ".
أَمَّا الحَاجُّ فَالسُّنَّةُ فِي حَقِّهِ أَنْ يُفْطِرَ يَوْمَ عَرَفَةَ؛ حَيْثُ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُفْطِرَاً فِي عَرَفَةَ حِينَ حَجَّ، وخَيْرُ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ إِنَّ الحَاجَّ مُحْتَاجٌ للْفِطْرِ لِيَقْوَى عَلَى الدُّعَاءِ فِي هَذَا الْيَومِ، وَالصَّومُ يُضْعِفُهُ عَنْ ذَلِكَ.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: وَأَمَّا يَومُ عِيدِ الأَضْحَى فِإنَّهُ يُشْرَعُ فِيهِ لِغَيْرِ الحَاجِّ عِبَادَتَانِ عَظِيمَتَانِ، (الأُولَى) صَلَاةُ العِيدِ، وَ(الثَّانِيَةُ) ذَبْحُ الأَضَاحِي.
فَأَمَّا صَلَاةُ العِيدِ: فَهِيَ شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ شَعَائِرِ الإِسْلامِ يَجْتَمِعُ الْمُسْلِمُونَ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ مُرَدِّدِينَ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّحْمِيدَ!
وَصَلاةُ العِيدِ وَاجِبَةٌ فِي حَقِّ الرِّجَالِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلَي العُلَمَاءِ، وَهِيَ سُنَّةٌ في حَقِّ النِّسَاءِ، لِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "أُمِرْنَا أَنْ نُخْرِجَ اَلْعَوَاتِقَ، وَالْحُيَّضَ فِي الْعِيدَيْنِ، يَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ اَلْمُسْلِمِينَ، وَيَعْتَزِلُ اَلْحُيَّضُ اَلْمُصَلَّى"..
فَمَنْ تَرَكَ صَلاةَ العِيدِ مِنَ الرِّجَالِ البَالِغِينَ مِنْ غَيرِ عُذْرٍ فَهُوَ آَثِمٌ. وَالقَوْلُ بِوُجُوبِ صَلاةِ العِيدِ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَاخْتِيَارُ الشَّيْخَيْنِ ابْنِ بَازٍ وابْنِ عُثَيْمِينَ، رَحِمَهُمُ اللهُ أَجْمَعِينَ.
وَمِنْ سُنَنِ العِيدِ: التَّكْبِيرُ، والاغْتِسَالُ، وَلُبْسُ أَحْسِنِ الثِّيَابِ، والتَّطَيِّبُ، وَالذَّهَابُ مِنْ طِرِيقٍ إِلَى الْمُصَلَّى وَالعَوْدَةُ مِنْ طَرِيقٍ آَخَرَ، واصْطِحَابُ الأَطْفَالِ وَالنِّسَاءِ دُونَ اسْتِثْنَاءٍ حَتَّى الحُيَّضِ وَالْعَوَاتِقِ وَذَوَاتِ الخُدُورِ، والاسْتَمَاعُ إِلَى خُطْبَةِ العِيدِ، وَالتَّهْنِئَةُ بِالعِيدِ بِقَوْلِ: تَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنْكَ، أَوْ غَيْرِهَا مِنْ العِبَارَاتِ الْمُبَاحَةِ، فَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ: "كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا الْتَقَوا يَومَ العِيدِ يَقُولُ بَعْضُهُم لِبَعْضٍ: تَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنْكَ". .
وَمِنَ السُّنَنِ الخَاصَّةِ بِعِيدِ الأَضْحَى أَنْ لا يَأْكُلَ حَتَّى يَرْجِعَ مِنَ مُصَلَّاهُ، فَعَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضَيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَخْرُجُ يَوْمَ اَلْفِطْرِ حَتَّى يَطْعَمَ، وَلَا يَطْعَمُ يَوْمَ اَلْأَضْحَى حَتَّى يُصَلِّيَ".
أَيُّهَا الإِخْوَةُ: وَأَمَّا الأُضْحِيَةُ فَهِيَ سُنَّةُ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ وَمِنْ هَدْيِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ وَبَعْضُ العُلَمَاءِ أَوْجَبَهَا، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضَيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا".
وَمَعْنَى (سَعَةٌ) أَيْ اسْتِطَاعَةٌ، وَعَلَيْهِ فَمَنَ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَيْسَ لَهُ وَفَاءٌ أَوْ كَانَ دَخْلُهُ عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِ وَحَاجِةِ مَنْ يَعُولُ، فَلا يُضَحِّي، لِأَنَّ الأُضْحِيَةَ سُنَّةٌ وَسَدَادُ الدَيْنِ وَاجِبٌ، فَلْيُنْتَبِه لِهَذَا!
ثُمَّ إِنَّ الأُضْحِيَةَ مَشْرُوعَةٌ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ مَسْكَنٌ مُسْتَقِلٌ، كَالْبَيْتِ والشُّقَّةِ! أَمَّا مَنْ كَانَ يَعِيشُ مَعَ غَيْرِهِ لَكِنْ غَيْرَ مُسْتَقِلٍ فَلَا يُطَالَبُ بِأُضْحِيةٍ! فَمَثَلاً لَوْ كَانَ الرَّجُلُ مُتَزَوِجَاً لَكِنْ يَعِيشُ مَعَ أَبِيهِ وَمَأْكَلُهُمْ جَمِيعٌ وَمَكَانُ الطَّبْخِ مُتَّحِدٌ فَيَكْفِي أَنْ يُضَحِّيَ الأَبُ عَنِ الجَمِيعِ.
واعْلَمُوا أَنَّ السُنَّةَ فِي الأُضْحِيَةِ: أَنْ تَكُونَ عَن الحَيِّ، فَيُضَحِّي الرَّجُلُ عَن نَفْسِهِ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ الأَحْيَاءِ والأَمْوَاتِ فَيَشْمَلُهُم الأَجْرُ، وَأَمَّا الأُضْحِيَةُ عَن الْمَيِّتِ فَإنْ كَانَتْ وَصِيَّةً، بِمَعْنَى أَنَّ الْمَيَّتَ تَرَكَ مَالاً وَقَالَ: ضَحُّوا عَنِّي مِن هَذَا الْمَالِ، فَيَجِبُ تَنْفِّيذُ الَوصِيَّةِ.
وَأَمَّا الأُضْحِيَةُ عَنِ الْمَيِّتِ اسْتِقْلَالَاً، مِنْ دُونِ وَصِيَّةٍ، فَهَذِهِ خِلَافُ الأَفْضَلِ، لأَنَّهَا لَمْ تَرِدْ بِهَا السُّنَّةُ، وَلِأَنَّ مِن أَهْلِ العِلْمِ مَنْ قَالَ: إِنَّهَا لا تَصِحُّ، فَالأَحْوَطُ للإِنْسَانِ أَنْ لا يَفْعَلَ ذَلِكَ، لَكِنَّهُ لُوْ فَعَلَ فِإِنَّهَا تَصِحُّ إِنْ شَاءَ اللهُ!
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: اذْبَحُوا أَضَاِحيكُمْ طَيَّبَةً بِهَا نُفُوسُكُمْ، رَاضِيَةً بِهَا قُلُوبُكُمْ واعْلَمُوا أَنَّكُمْ تَتَقَرَّبُونَ إِلى رِبِّكِمْ وَتَقْتَدُونَ بِنَبِيِّكُمْ مَحَمَّدٍ وَأَبِيكُمْ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا الصَلَاةُ وَالسَّلَامُ والأُضْحِيَةَ لا تَصِحُّ إِلا بِالشُّرُوطِ التَّالِيَةِ:
الأَوَّلُ: أَنْ تَكُونَ مِن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ وَهِي: الِإبِلُ وَالبَقَرُ وَالغَنَمُ.
الثَّانِي: أَنْ تَبْلُغَ السِّنَّ الْمُعْتَبَرَةَ شَرْعَاً وَهِيَ: سِتَّةُ أَشْهُرٍ للضَّأْنِ، وَسَنَةٌ للْمَعْزِ، وَسَنَتَانِ للْبَقَرِ، وَخَمْسُ سِنِينَ للإِبِلِ.
الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ خَالِيَةً مِن العُيُوبِ الْمَانِعَةِ مِنَ الإِجْزَاءِ، وَهِيَ مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ اَلْبَرَاءِ بنِ عَازِبٍ رَضَيَ اللهُ عَنْهُ مَا قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اَللَّهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ فَقَالَ: "أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي اَلضَّحَايَا: اَلْعَوْرَاءُ اَلْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ اَلْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ اَلْبَيِّنُ ظَلْعُهَا، وَالْعَجْفَاءُ اَلَّتِي لَا تُنْقِي".
فَهَذِهَ أَرْبَعَةُ عُيُوبُ مَانِعَةٌ مِن إِجْزَاءِ الأُضْحِيَةِ، وَهِيَ مَا بَانَ مِنْ عَوّرٍ وَمَرَضٍ وَعَرَجٍ وَهُزَالٍ شَدِيدٍ، وَيُلْحَقُ بِهَا مَا كَانَ مِثْلَهَا أَوْ أَشَّدَّ.
الشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَنْ يُضَحِّىَ بِهَا فِي الوَقْتِ الْمَحْدَّدِ شَرْعَاً، وَهُوَ مِنْ بَعْدِ صَلاةِ العِيدِ يَوْمَ النَّحْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَهُوُ الْيَومُ الثَّالِثُ عَشَرَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، فَتَكُونُ أَيَّامُ الذَّبْحِ أَرْبَعَةً: يَوْمُ العِيدِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ.
وَيَجُوزُ ذَبْحُ الأُضْحِيَةِ لَيْلَاً أَوْ نَهَارَاً، وَالذَّبْحُ فِي النَّهَارِ أَوْلَى، وَكُلُ يَومٍ أَفْضَلُ مِمَّا يَلِيِهِ، لِمَا فِيهِ مِن الْمُبَادَرَةِ إِلَى فِعْلِ الْخَيْرِ، وَيَوْمُ العِيدِ بَعْدَ الخُطْبَتَيْنِ أَفْضَلُ لأَنَّهُ مِنْ أَيَّامِ الْعَشْرِ التِي هِيَ أَفْضُلُ أَيَّامِ السَّنَةِ.
المرفقات
1718085943_عرفة.docx