التدخين وحفظ النفس
محمد آل مداوي
التدخين وحفظ النفس 16-10-1442
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.. أما بعد:
فأُوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتَّقوا الله رحمكم الله.. كلُّ نَعيمٍ دُونَ الجنَّةِ حقير، وكلُّ بَلاءٍ دونَ النَّارِ عافِية، (مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) .
عباد الله: خَلَقَ اللهُ النفسَ البشريَّةَ وأَكْرَمَها، فنَفَخَ فيها مِنْ رُوْحِه، وأَسْجَدَ لها ملائكتَه، وأقسَمَ بها سبحانَهُ، فقال: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا) أي: خَلَقَها سَوِيَّةً مُسْتَقِيمَة، على الفِطْرَةِ القَويمة، عَرَّفَها طريقَ الخيرِ لِتَسْلُكَ مَسَالِكَه، وبيَّنَ لها طريقَ الشَّرِّ لِتَجْتَنِبَ مَزَالِقَه، (فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) وأكَّدَ سبحانه على حِفْظِها، وأَمَرَنا برعَايتِها، وحِمَايَتِها مِنْ كُلِّ ما يَضُرُّها أو يُهْلِكُها، قال تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) فَحِفْظُ النَّفسِ مِنَ المقاصدِ العظيمة، التي أنزلَ اللهُ تعالى كُتُبَهُ لِتَحْقِيقِها، وأرسَلَ رُسُلَهُ الكِرامُ عليهمُ السلامُ للتأكيدِ عليها؛ رَحْمَةً بعِبَادِه، وشَفَقَةً عليهم، قال سبحانه: (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)
أيها المسلمون: وهذه النَّفسُ أمَانةٌ عظيمة، أَلْزَمَ اللهُ بها المُكَلَّفين، وابْتَلى بها المخلوقين؛ فمَنْ قامَ بها وأدَّاها نالَ أعظمَ الثَّوَاب، ومَنْ ضَيَّعَها وأَهْمَلَها أحاطَ به العِقَاب، قال تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً * لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً)
ومِنْ معاني الأمَانَة: أنْ تَنْظُرَ إلى جَوارِحِكَ التي أنعَمَ اللهُ بها عليك، فتُدْرِكَ أنَّها ودَائعُ اللهِ عِندَك، فتُسَخِّرَها في قُرُبَاتِه، وتَستخْدِمَها في مَرْضَاتِه. فإنِ امْتُحِنْتَ بِبَقائها فلا تُتْلِفْها في سُوء، ولا تَسْتَقْوي بها على معصية. قال عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)
أيها المسلمون: وإنَّ مِنْ أعظَمِ الآفاتِ التي تُتْلِفُ النُّفوس، وتُلَوِّثُ المجتمعَات، وهي المُدَمِّرُ لِصِحَّةِ الأفراد، وسَلامَةِ الأطفال، واقتصَادِ الدُّوَل، وسَعادَةِ الأُمَم: آفَةُ التَّدْخِين، وبَلاءُ التِّبْغِ والدُّخَانِ بألوَانِه وأنوَاعِه.
الدُّخَانُ -عبادَ الله- خَبِيثٌ لا طِيْبَ فيه، مُضِرٌّ لا نَفْعَ فيه، مُمرِضٌ لا صِحَّةَ فيه، خسَارةٌ لا كَسْبَ فيه، ليسَ بغِذاءٍ ولا دَواء، لا يُسْمِنُ ولا يُغني مِنْ جُوع، لا يَجني المُدَخِّنُ منهُ سِوى السُّمُومِ القاتِلة، يَدْفَعُها إلى دَاخِلِ جَسَدِه؛ لِتَبْلُغَ أجزاءَ بَدَنِه، وتَسْرِي معَ عُروقِهِ وأعصَابِه؛ لِتُفْسِدَ ولا تُصْلِح، وتَهْدِمَ ولا تَبني.
التدخين؛ مَرَضٌ وهَلاك، وضَيَاعُ مَال، وتَخريبُ أُسَر.. لا يَتْرُكُ جُزْءًا مِنْ أجزَاءِ الجسَدِ إلاَّ ونَالَهُ مِنْ ضَرَرِهِ وأذَاه؛ مِنَ الصَّدْرِ والرِّئة، والقلبِ والأسنان، والمُخِّ وجِهَازِ الهَضْم، والجهازِ العَصَبي، وتجَاعِيدِ الوَجْهِ والجِلْد، واضطِرَابِ النَّوْم، والاكتئاب، والعُقْم، حتى الجنينَ في بَطْنِ أُمِّه!.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ)
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين والمسلمات من كل ذنبٍ فاستغفروه، فيا فوز المستغفرين!.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا مزيدًا.. أما بعد:
اتَّفَقَ التربويُّونَ والإعلاميون، والرياضيُّونَ والاقتصاديُّون، وعلماءُ النَّفْسِ والمُحَامُون، وعلماءُ الاجتماع، وقبلَهُم وبعدَهُم علماءُ الشَّرْعِ المُطَهَّرِ والأطباء؛ اتَّفقوا جميعًا على خَطَرِ آفَةِ التَّدخين، ووجُوبِ مَوَاجَهَتِها ومكافَحَتِها، ومُكافَحَةِ وسَائلِها وأسبَابِها.
والغالبُ أنَّ أكثرَ مَنْ يَبْدَأُ في الوقوعِ في هذه الآفَةِ هُم مِنَ الشبَابِ والنَّاشِئة؛ فتعَاهَدُوهُمْ -رحمكُمُ الله- ومَنْ تحتَ أيديكُم؛ بالنُّصْحِ والتوجيه، والتَّحذيرِ والتنبيه.
ويَا مَنِ ابْتُلوا بهذا البلاء: اجعلوا أنفُسَكُم في عافيةٍ منه، اقتُلُوهُ قبلَ أنْ يَقْتُلَكُم، واهْرُبُوا مِنهُ قبلَ أنْ يَلْتَفَّ عليكم.. اِحْمُوا أنفُسَكُم وأطفَالَكُم وأَهْلِيكُم، واحفَظُوا أموالَكُم، وأَرْضُوا ربَّكم.
يقول ابنُ القيِّم رحمه الله: "إنَّما تكونُ المشَقَّةُ في تَرْكِ المألوفَاتِ والعَوَائدِ ممَّنْ تَرَكَها لغيرِ الله، أمَّا مَنْ تركَها مُخلِصًا في قَلْبِه لله؛ فإنَّه لا يَجِدُ في تَرْكِها مَشَقَّةً إلاَّ في أوَّلِ وَهْلَةٍ؛ لِيُمْتَحَنَ: أصَادِقٌ هُوَ في تَرْكِها أم كاذِب؟ فإنْ صَبَرَ على تَرْكِ المشقَّةِ قليلاً اسْتَحَالَتْ لذَّة".
ولْيَجْتَهِد مَنِ ابْتُليَ بهذا البَلاء؛ في الخَلاَصِ منه بإرادَةٍ جَازِمَة، وهِمَّةٍ حَازِمَة.. وحينما يُعافِيكَ اللهُ ويُنَجِّيكَ مِنْ هذهِ الآفة؛ فإنَّ آثارَها العَاجِلَةَ -بإذن الله-: سَعَادةٌ في الرُّوح، وزِيادةٌ في العافية، ونضَارَةٌ في الوَجْه، مَظْهَرٌ أجمل، ورائحَةٌ أزكى، ومالٌ أوْفَر، وحياةٌ أسعد، وطاعةٌ لله، ورحمةٌ ورِضا مِنْ ربِّ العالمين: (وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)
فاتقوا الله عباد الله.. ثم صلوا وسلموا على رسولِ الله؛ فقد أمركم بذلك ربُّكم فقال قولاً كريمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خُلفائِه الأربعة: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابةِ نبيِّك محمدٍ r، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجُودك وكرمك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئناً سخاءً رخاءً وسائرَ بلاد المسلمين.
اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، وأعنه وولي عهده على ما فيه صلاح الإسلام والمسلمين، وهيئ لهم البطانة الناصحة الصالحة التي تدلهم على الخير وتعينهم عليه يا رب العالمين.
اللهم احفظ جنودنا المرابطين على الثغور، اللهم قوِّ عزائمهم وسدد سهامهم، واكبت أعداءهم، وانصرهم على القوم الباغين يا رب العالمين.
اللهم عُمَّ بالأمن والرخاء والاستقرار جميعَ أوطان المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم إنّا نعوذ بك من الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.
(ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار).
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
المرفقات
1622122644_التدخين 16-10-1442.docx