التخطيط ووضع الهدف الدقيق: من أعظم أسباب النجاح والتوفيق- خطط لعامك الجديد 30-1-1437

أحمد بن ناصر الطيار
1437/01/28 - 2015/11/10 14:19PM
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وسلم تسليما كثيراً. أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله, واعلموا أنّ عامًا كاملاً قد مضى, ارْتفع فيه أقوامٌ وانخفض آخرون, وليس هناك قسمٌ آخر, فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي تَقَدُّمٍ فَأنت مُتَأَخِّرٌ وَلَا بُدَّ, قال ابن القيم رحمه الله تعالى: الْعَبْدُ سَائِرٌ لَا وَاقِفٌ, وَلَيْسَ فِي الطَّبِيعَةِ وَلَا فِي الشَّرِيعَةِ وُقُوفٌ الْبَتَّةَ، {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ}, وَلَمْ يَذْكُرْ وَاقِفًا، إِذْ لَا مَنْزِلَ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَلَا طَرِيقَ لِسَالِكٍ إِلَى غَيْرِ الدَّارَيْنِ الْبَتَّةَ، فَمَنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ إِلَى هَذِهِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ, فَهُوَ مُتَأَخِّرٌ إِلَى تِلْكَ بِالْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ. ا.ه

فمن لم يُغيّر نفسه للأحسن, فإنه لن يستمرَّ على حالِه, بل سيتأخر ويضعُف.
وأقرب لهذا: لذلك العقلُ والجسم, فالجسم إذا لم تُحافظ عليه صحةً ورياضةً, وإلا فإنه سيضعفُ يومًا بعد يوم.
وكذلك الحال بالنسبة للعقل, فإذا لم يتنشط بالفهم أو الحفظ أو التفكير النافع, وإلا فإنه سَيَضْعُفُ ويذبل, حتى يصل إلى مرحلةٍ يفقد فيها الذاكرةَ تمامًا, وهو ما يُسمّى بمرض الزهايمر, وقد ذكر الْمُختصون أنّ مِن أسبابه: عدمَ تنشيط القدرات الذهنية, وعدمَ القيام بأنشطةٍ رياضيةٍ أو اجتماعيّة.
وبعد هذا أيها المسلم: ينبغي أنْ تقف مع نفسك وقفةَ مُحاسبةٍ, هل كنت في العام المنصرم مُتقدّمًا في الدين والأخلاق, هل عمرتَ وقتك بما ينفعك وينفع أمتك, هل اكتسبت علمًا نافعًا, أو ازدتّ عملاً صالحًا؟
فإنْ لم يكن شيءٌ من ذلك, وكنتَ أولَ عامك مثلَ آخره, فأنت في تأخُّرٍ ونزول, وهبوطٍ وانْحدار.
فاحرصْ على أنْ تكون في عامك هذا, أحسنَ حالاً من العام المنصرم, وأنْ تعزم على التَّغَيُّرِ نحو الأفضل.
واجعل من منهجك: إلزامَ نفسِك تغييرَ طبعِها إلى ما هو أفضل, ولنْ تَشُمَّ رائحةَ التوفيقِ والسداد وأنت مُسْتَسْلِمٌ لطبعك, أسيرُ عاداتك ونشأَتِك.
فاحرص على أنْ تُلزمَ نفسَك, على تطبيق كلِّ ما ينفع ويُفيد, وقل لنفسك: سأعمل وأطبق ما أراه مفيداً ونافعاً لي, وسأترك ما يضرُّني أو لا تنفعني, وستنقاد نفسُك لك مع مرور الأيام مُرغَمَةً ومُنقادةً بشكلٍ عجيب.
ولهذا قيل: أحزم الناس من إذا وَضَحَ له الأمرُ صَدَع فيه، قال تعالى: (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)".

فابدأ عامك هذا بعزيمةٍ على التغيير نحو الأفضل, ونظّم جدول يومك, ولن تَتَمَكَّنَ من بلوغ مُناك, إلا إذا رتّبتَ وقتك ترتيبًا دقيقًا.
واعلم أنَّ كلّ شيءٍ ثمينٍ, لابدّ في حصولِه من بذل الغالي والنفيس, كبذل المال والوقت, والجهد والتعب, والتضحيةِ في أشياء اعْتَدَتّ عليها.

معاشر المسلمين: إنّ أي إنسان يريد النجاح في الدين أو الدنيا: لابدّ له من ثلاثة أمور:
الأول: أنْ يضع له هدفًا يسعى إليه.
الثاني: أنْ يضع له خطةً دقيقةً يسير عليها.
الثالث: أنْ يُلْزم نفسه على التطبيق, ويُحاسب نفسه على التقصير.

وإنّ وضع الخطط والأهداف, لا يستغني عنها أحدٌ يعيش في هذا الكون.
بل إنّ الدول تتفاوت قوةً واقتصادًا وتطوّرًا, بحسب أهدافها وخططها وأنظمتها.
فكيف لعاقل أنْ يسير في هذه الحياة مُسْتغنيًا عنها؟

والأهدافُ والْغاياتُ لها ضوابطُ كي تكونَ صحيحةً ونافعة, ومنْ أهمّها:
أولاً: أنْ تكون معقولةً مُمْكنة, فبعض الناس قد يأخذُه الحماس, فيضعُ أهدافًا لا يُطيقها, ولا يُمكن الْمُداومةُ عليها.
ثانيًا: أنْ تكون بعد دراسةٍ واسْتشارة أهل الخبرة, ولا ينبغي للعاقل أنْ ينفرد وحده بذلك, لاسيّما إذا كان العمل الذي سيقوم به مُتعدّيًا إلى غيره, كتربية الأبناء, فلا بد أنْ يُشرك أبناءه وأهله بذلك.
ثالثا: أنْ تكون مُحدّدةً ودقيقة, لا عامَّةً وواسعة.
وأضرب لذلك مثالاً للآباء والأمهات:
هدفهم الأول: صلاحُ أبنائهم, وهذا الهدف يشترك به الجميع حتى الكفار.
وأخص منه: حفظهم من رفقاء السوء, والعناية بصحتهم وعقولهم. وهذا هدف أخصّ من الأول, لكنه عامٌّ وواسعٌ أيضًا.
وأخص منه وهو الهدف الصحيح السليم: أنْ يضع الوالدان والأبناء خطّةً يتفقون عليها, ترسم ما سيحصّلونه في العام كلّه, وتُحدّد الأوقات اليوميّة للمذاكرة واللعب, والأوقاتَ المخصصةَ لمشاهدة التلفاز والتقنية الحديثة, ومُحاسبةَ المقصر, والاتفاقَ على نظام الجوائز للملتزمين, والعقابِ للمقصرين والمخالفين.

هكذا تكون الأهدافُ واضحةً دقيقةً عمليّة.

فالذي لا يرسمُ لنفسِه هدفًا يطمح إليه, وغايةً يتطلّع إليها: لن ينجح في حياته, ولن يُوَفَّقَ في مَعادِه.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم, ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول ما تسمعون, وأستغفر الله لي ولكم من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه, إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله رب العالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهُ الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, وسلم تسليمًا كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد: حاسب نفسك - أيها المسلم- واسألها: ماذا أنجزتُ العام الْمُنصرم؟ وماذا أنتجتُ, وماذا اكْتسبتُ من عِلْمٍ وعملٍ صالح؟
يا طالب العلم: لقد أمضيت عامًا كاملاً على طلبك للعلم, ماذا أكسبك هذا العلم, وهل أثَّرَ فيك عملاً ونفعًا وبذلاً؟
لماذا طالبُ العلم الفلانيُّ برع وأنتج ونفع الناس, ورسخ في العلم, وقد يكون طَلَبَ العلم في مدّةٍ وزمنٍ أقل.
أيها الآباء والأمهات: ماذا أنتجت تربيتكم لآبنائكم خلال عامٍ كامل؟ ما هي الْمُنجزاتُ التي حصلوا عليها, وما هي التغيّراتُ النافعةُ التي طرأت عليهم.
اسألوا أنفسكم وحاسبوها: لماذا فلانٌ من الناس, تفوّق أبناؤه أخلاقًا وتعليمًا؟
أيها الطلاب والطالبات: اسألوا أنفسكم عن سبب عدم تفوقكم.
لماذا غيرُكَ نجح في دراسته وأخذ المعدّلات العالية, ويلْقى المحبة والتقدير من معلميه وغيرِهم.
وأنتم لا تلقون مثل ذلك ولا قريبًا منه.
إنّ أعظم الأسباب بعد تقدير الله تعالى: عدمُ وضع الأهداف والخطط الواضحة الصحيحة.
فإلى متى يظل بعضُ الناس, يسير على غير نظامٍ وخطّةٍ صحيحة؟
إلى متى تظل على حالك يا طالب العلم, تتقلب بين الكتب والشيوخ, وتُعاني من ضيق الوقت, وقلّة الإنتاج والتحصيل.
إلى متى تظلون على حالكم أيها الآباء والأمهات, تُربون أبناءكم, وتُديرون بيوتكم بغير نظام واضح, وبعشوائيّةٍ وازدواجيّة.
إلى متى تظل على حالك أيّها العاطل والمتقاعد, الأيام تمضي وأنت لا زلت على حالك وفراغك.
لا تسمح لنفسك أنْ تُضَيِّعَ الوقت, دون اكتساب وعمل, إنَّ تقاعدك عن عملك لا يعني تقاعدك عن نفع أمتك وأقاربك, وإذا اعتزلتَ العملَ النظاميَّ, فلا تعتزلِ العملَ التطوعيَّ وغيرَه.

وأنت أيّها الشاب: احذر أنْ تَبْقَى بلا عمل, أو بِعَملٍ يُدرّ عليك دخلاً قليلاً.
أقرانُك سبقوك بالزواج والوظائف الكبيرة, وأنت غارقٌ بأمانيك وشهواتك.
ماذا تنتظر؟ فكل شيءٍ يفوت, فشبابك وصحتك وعمرك ستفوت عليك, فتدارك وضعك, ودع الكسل والخمول, ولا تكن عالةً على أبيك وأمك, ولْتكن شهمًا عزيزًا تكتسب المال بتعبك؟ لا بسؤالك وتسوّلك.

نسأل الله تعالى أنْ يُبارك في أعمارِنا وأولادنا, وأنْ يُسَدِّدَ أقولَنا وأعالنا, إنه سميعٌ قريبٌ مُجيب.
المشاهدات 1714 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا