التحذير من مخالفات بعض الرقاة في الرقية الشرعية

عايد القزلان التميمي
1444/03/25 - 2022/10/21 06:52AM
الحمد لله الذي بحكمته أنزل الداء، ومن عدله وحكمته وفضله جعل لكل داء دواء. علمه من علمه، وجهله من جهله. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وعلى صحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلن.
عباد الله : فلا شك ولا ريب أن العلاج بالقرآن الكريم وبما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من الرُّقَى هو علاج نافع وشفاء تام {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء}
والقرآن كله شفاء {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ}
فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية، وكيف تُقَاوِم الأَدْوَاء كلام ربِّ الأرض والسماء الذي لو نزل على الجبال لصَدَّعها، أو على الأرض لقطعها .
 قال العلامة ابن القيم رحمه الله: "فمن لم يشفه القرآن فلا شفاه الله ومن لم يكفه فلا كفاه الله ولو أحسن العبد التداوي بالقرآن لرأى لذلك تأثيراً عجيباً في الشفاء العاجل.
وقال رحمه الله تعالى: "لقد مر بي وقت في مكة سَقِمْتُ فيه، ولا أَجِد طبيباً ولا دواءً فكُنْت أُعَالِج نفسي بالفاتحة، فأرى لها تأثيراً عجيباً، آخذ شربةً من ماء زمزم وأقرؤها عليها مراراً ثم أشْرَبَه فَوجَدْت بذلك البُرْءَ التَّام )) انتهى كلاه رحمه الله ، زاد المعاد 4/178.
عباد الله والرُّقْيَةُ الشَّرْعِيَّةُ المقصود بها الْعِلاَج وَالتَّدَاوِي بِالْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَبِالأَدْعِيَةِ النَّبَوِيَّةِ الصَّحِيحَةِ .
(( وقال ابن حجر رحمه الله : وقد أجمع العلماء على جواز الرُّقَى عند اجتماع ثلاثة شروط:
أن تكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته أو كلام رسوله صلى الله عليه وسلم. وأن تكون باللسان العربي أو بما يعرف معناه من غيره. أن يَعتقد أن الرُّقية لا تُؤَثِّر بِذَاتِها بل بِقُدْرَة الله تعالى  والرُّقية إنما هي سببٌ من الأسباب.
وعن عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ : كُنَّا نَرْقِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ : كَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ ؟ فَقَالَ : " اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ " رواه مسلم .
 والرقية ليست مقصورة على إنسان بعينه ، ولا شك أن صلاح الإنسان له أثر في النفع ، وكلما كان أكثر صلاحا كان أكثر نفعا ، لأن الله تعالى يقول : ( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ )
وعلى المسلمِ أيها المؤمنون أن يحذرَ من الْمُحدثات والمخالفات المتعلقة بالرقية عند بعض الرُّقاة ،
ومنها: الاستعانة بالجن في الرقية
وقد أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء (( بأنه لا تجوز الاستعانة بالجن في معرفة نوع الإصابة ونوع علاجها؛ لأن الاستعانة بالجن شرك؛ قال تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا}، وقال تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} ،  ومعنى استمتاع بعضهم ببعض: أن الإنس عظَّموا الجن، وخضعوا لهم، واستعاذوا بهم، والجن خدموهم بما يريدون، وأحضروا لهم ما يطلبون، ومن ذلك إخبارهم بنوع المرض وأسبابه مما يطَّلع عليه الجن دون الإنس، وقد يكذبون؛ فإنهم لا يُؤْمَنُون ولا يجوز تَصْدِيقُهم .
وهذا دليل على أن استمتاع الجني بالإنسي والإنسي بالجني محرَّم في نصوص الكتاب والسنة .
وقال الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله -: لا يُستعان لا بالمسلم منهم، ولا بالذي يقول: إنه مسلم؛ لأنه قد يقول: مسلم، وهو كذاب؛ لأن هذا يفتح الباب، والاستعانة بالغائب لا يجوز سواء كان جنيًّا أو غير جني، سواء كان مسلمًا أو غير مسلم، إنما يستعان بالحاضر الذي يقدر على الإعانة؛ كما قال الله تعالى عن موسى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} ، هذا حاضر يقدر على الإغاثة .
عباد الله إن الجن في زمن النبوة كان منهم من صَحِبَ النبي - صلى الله عليه وسلم - وأسلم على يديه، وعندهم من القُدَرة ما ليس عند غيرهم، وقد مضى زمن النبوة بأزمان ولم يَستَعِن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجن، ولم يَسْتَعِن الصحابة بهم وقد واجهتهم أشياء،
فهذا الدليل أبلَغ ما يُستَدَل به على أن هذا الأمر من البِدَع .
عباد الله وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن  صحة تخيل المريض للعائن أثناء القراءة، أو طلب الراقي من القرين أن يتخيل للمريض من أصابه بالعين؟
 فأجابة اللجنة : تخيل المريض للعائن أثناء القراءة عليه، وأمر القارئ له بذلك - هو عمل شيطاني لا يجوز؛ لأنه استعانة بالشياطين، فهي التي تتخيل له في صورة الإنسي الذي أصابه، وهذا عمل محرم؛ لأنه استعانة بالشياطين، ولأنه يسبب العداوة بين الناس، ويسبب نشر الخوف والرعب بين الناس، فيدخل في قوله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا}؛
ولا يجوز للناس أن يذهبوا إليه طلباً لعلاج الأمراض عن طريق ما يستخدمه من الجن ،
وقد صحَّ عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال " من أتى عرَّافاً فسأله عن شيء : لم تُقبل له صلاة أربعين ليلة " رواه مسلم . وقال صلى الله عليه وسلم " من أتى كاهناً فصدَّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد " .
وهذا الرجل وأصحابه من الجن يعتبرون من العرَّافين والكهنة ، فلا يجوز سؤالهم ولا تصديقهم .
عباد الله ومن مخالفات الرقاة الخلوة بالمرأة ومس بدنها أثناء الرقية ، فهذ العمل لا يجوز لما في ذلك من الفتنة.
أيها المؤمنون واعلموا أن الرقية لا بد أن تكون على المريض مباشرة، ولا تكون بواسطة مكبر الصوت، ولا بواسطة الهاتف أو مسجل؛ أو الرقية الجماعية، والرقية الجماعية فيها من المحاذير الشرعية والأخطاء كثير وكثير، كتكشّف النساء، والاختلاط بين الرجال والنساء، وربما تلبس الجان بآخرين، وغير ذلك. ولأن هذا يخالف ما فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم - وأتباعهم بإحسان في الرقية، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رد)).
بارك الله لي ولكم
.... الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، أغنانا بكتابه المبين، وسنة نبيه الأمين، عن ابتداع المبتدعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له سبحانه عما يشركون ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم يبعثون
أما بعد
فاتقوا الله
عباد الله واعلموا أن الرقية أمرهها سهلٌ ولا تَكَلُّفَ فيها، فَلْنَتَعَلَّم هدي النبي صلى الله عليه وسلم فيها وذلك بقراءة ما تيسر من القرآن كالفاتحة والإخلاص والمعوذتين وآية الكرسي  فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من قرأها كلّ ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربُه شيطان))
وأخبَر صلى الله عليه وسلم أنّ قراءة سورة البقرة تُبعِد الشّياطين عن المنزل، وأنّ الشيطان يفرُّ من البيت الذي تقرَأ فيه سورة البقرة ، وكذلك قراءة الآيتين من أواخر سورة البقرة: ((من قرأ بهما في ليلةٍ كفتاه))
واحذروا من تعلق القلوب بالرقاة أو بمياههم أو زيوتهم ولتكن القلوب معلقة بالله وحده فالله هو الشافي والمعافي وهؤلاء ناس كغيرهم من الناس لا سلطان لهم على الأمراض ولا على الجن، وكثير منهم المتاجر المُسْتَغِل لضَعْفِ المرضى وحاجتهم بأكل أموالهم بأي طريقة أمكنته، وقليل منهم البَرُّ التَّقِي النّاصح الواقِف عند حدود الله.
عباد الله صلوا وسلموا على رسول الله .....
المرفقات

1666324315_التحذير من مخالفات بعض الرقاة في الرقية الشرعية.doc

المشاهدات 437 | التعليقات 0