التحذير من المخدرات

محمد بن عبدالله التميمي
1444/06/11 - 2023/01/04 22:42PM

 

الحمد لله الَّذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، وكرَّمه بالدين القويم، وميَّزه بالعقل والفِكْرِ السليم، والصَّلاة والسَّلام على أشرف الخلق وخاتم النبيين، هدى الله ببعثته من شاء هدايته من العالمين، وصحَّح برسالته زيغ العقول الضالين، صلى الله عليه وسلم تسليما، وعلى آله وصحبه وتابعيهم أجمعينا، أما بعد:

فلْتكن التقوى من البال على كل حال، ولْيَكُنْ نَظَرُ كلِّ نفسٍ: أيُّ شيءٍ قَدَّمَت لغَدٍ فهو المآل، فالناس من ذلك الجمع يوم القيامة إلى دورهم صائرون، إما في جنات عدنٍ منعَّمون، وإما في نار جهنم معذَّبون، واعلموا عبادَ اللهِ أنَّ شِقَّ التمرةِ يُبعِد عن النار، والصدقةَ تُطفئ غضبَ الرب، والوُضوءَ تتحادَر به الخطايا، والحسَنةَ بِعَشْرِ أمثالها، إلى سَبْعِمِئَةِ ضِعفٍ، إلى أضعافٍ كثيرة؛ {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ * وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}.

عباد الله.. إن العقل جوهرةٌ يتميز بها الإنسان عن الحيوانات، وهو مناط الإدراك فَبِهِ يُفرَّقُ بين الخيرات والشر والمنكرات، ويُميَّزُ به الخبائث من الطيبات، وهو مناط التكليف بالعقائد والعبادات والمعاملات، وبه يصلح الإنسان أن يكون خليفة في الأرض فتنتظم الأمور وتطيب الحياة.

ومن ثَمَّ -عبادَ اللهِ- حَرِصَ الإسلامُ أعظمَ الحِرْصِ على المحافظة على العقل، وجعله الله حجة في فهم التشريع فبه تُفهَم الأحكام ويُعلَمُ العَمَل، ففي كتاب الله جاء الاستفهام التقريعي التوبيخي عشَرات المرَّات بصيغة "أفلا تعقلون" "أفلا تتفكرون"، قد وهب الله الكُفَّارَ عقولا بها يُدركون، ومع ذلك أبوا إلا أن يطمسوها طمساً تتعطل به منفعتها، ولا تستعمل فيما له اللهُ أعدَّها، فكَأَنْ ليس لهم عقول، وليسوا يستيقظون إلا عند حقائق الأمور بمعاينة الموت، ثم في البرزخ، ثم في الدار الآخرة فيقولون وهم في نار جهنم يقاسون حرّها، ويتحسرون فيها كما تحسروا في الموقف وعلى شفيرها: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ}، هذا فيمن طمس الله بصيرتَه بجريرتِه {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}، فكيف بمن قد عوفي في دينه، ثم يَعمِدُ إلى ما يُذهِبُ العقلَ الذي به يُدرِكُ ويُفكِّر، وينظر ويتدبَّر، ويَبْغِي الرَّشَد ويَسلُك طريقه، ويُميِّز الشر ويجتنب سبيله.

إن اعتداء الإنسان على العقل لِتعطيلِه: جريمة يستحق أن يعاقَب تأديباً له على إجرامِه، لذا فقد حمى الله حمى العقل وحصَّنه مما يُنقصه ويُضعفه، فكيف بما يُذهبه؟!

عباد الله.. إن المسكراتِ والمخدراتِ من صور الاعتداء البشعة على العقل، فيُصبح صاحبها كالحيوان أو أضل، لا يُفرِّقُ بين الخير والشر، إن نصَّ الشرع حاسم، في منع هذا الاعتداء الآثم، بالأمر باجتنابها المسكِرات وعدم قربانها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا، فإن وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ}، والخمرُ يأخذ حُكْمَهُ كلُّ مُسْكِرٍ بأيِّ اسمٍ كان، فقد روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كُلُّ شَرابٍ أسْكَرَ فَهُوَ حَرامٌ».

إن المخدراتِ تتخلل العقل وتخدِّرُه، بل تشله وتُذهبه، وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وكُلُّ مُسْكِرٍ حَرامٌ، ومَن شَرِبَ الخَمْرَ فِي الدُّنْيا فَماتَ وهُوَ يُدْمِنُها لَمْ يَتُبْ، لَمْ يَشْرَبْها فِي الآخِرَةِ»، هذا فيما يُغيِّبُ العقل زمنًا، فكيف بما يُذهبه أبَدًا، باللهِ كيف يتوب هذا وقد صار في عداد المجانين؟! فما أشدَّ حسرته، وأسوأَ عاقبته.

عباد الله.. إن ما يُذهب العقل جزئيا حُكمه حكم الخمر وكذا ما يُفتِّر، فكيف بما يُذهِبُه بالكلية إن هو له اعتاد ومنه أكثر، من أنواع المخدر المشتهر، هذا وقد جدَّ ما يُذهبه من استعمالات أولى كالشَّبو، فكونوا على حَذَرٍ وحذِّروا، فإن أعداء الله قد اجتهدوا، ولتقديمه بأغلفة وأشكال كالحلوى أبدعوا وحسَّنوا، فالحذرَ الحذرَ من الشرِّ بجميع صُوره، والبُعدَ البُعدَ من جميع أماكنه، واللهَ اللهَ بتحصين الذرّيّة من جميع ما يُقدَّمُ لهم من متناول أو مشموم ممن لا يعرفون، وتَفَقُّد من يصحبون، ومن يتابعون، وماذا يشاهدون، والله المسؤول أن يُعينَ ويُسلِّم، إنه خيرٌ حافظًا وهو أرحم الراحمين.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود

الخطبة الثانية

الحمد لله أمرنا بالأكل من الطيبات، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، حرّم الخبائث على المسلمين والمسلمات وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم وسار على منهاجه، وسلم تسليماً كثيرًا. أما بعد:

فاتقوا الله تعالى واعلموا أن الشيطان لابن آدم يخادع، فلا يريه أنه يريد به الهاوية وهو بعدُ في المراتب العالية، بل ينزلَ به درجةً درجةً ويأخذه خطوةً خطوةً، قال الله جلَّ ذكرُه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ} وإن من تلكم الخطوات للوقوع في المخدِّرات: محرَّمٌ تساهل به كثير من الناس حتى انتشر في كل مكان: وهو شربُ الدخان، إن الدخان خبيث، واللهُ تعالى قد وصف متَّبعي النبي صلى الله عليه ووصفه فقال عز وجلّ: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}، الدخان مفتِّرٌ للجسم، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومُفتِر، وهو خبيثٌ يُفسِد الأسنان فيَحْطِمُ أساسها وصُوْرَتها، ويَضُرُّ الفمَ فتَكْثُرُ فيه الالتهابات، والحلقَ فيُحدِثُ فيه التقرُّحات، خبيثٌ يُفسِد الجهاز التنفسيَّ والهضميَّ والدمويَّ والعصبيّ، خبيث يُؤَثِّرُ في العقل فيُفسِد التفكير ويُضعف الإدراك، خبيثٌ يؤدي لأمراض خطيرة يُوْدي بالنفس للهَلكَةِ في الحال والمآل، خبيث يُتلف المال، ولو أن إنسانا أشعل في ريال وأحرقه لرُميَ بالخبَل، فكيف بمن يشتري بأكثر ويُكرر، ثم هو يجعل دخان الورق وما خالطه في فمه ويُسَرّ؟!

فاللهم باعد بيننا وبين المُسْكِرَات والمخدرات، واجعل دائرة السَّوء على من أرادنا بسوءٍ في الدين والعقل والضروريات، وأعزَّ دينك وانصر أولياءك، وادحر أعداءك، واجعل هذا البلاد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، ووفق اللهم وليَّ أمرنا ووليَّ عهده لكلِّ خيرٍ وبِر، وادفع بهم كلَّ شرٍّ وضُر.

ثم الصلاة والسلام على سيد البشر ورحمة الله وبركاته أفضلَ تحيةٍ وأحسنَها وأولاها وأبركَها وأطيبَها وأزكاها، صلاة وسلاما دائمين إلى يوم الدين، والحمدُ لله ربِّ العالمين.

المرفقات

1672861336_التحذير من المخدرات 13 -6- 1444.docx

المشاهدات 887 | التعليقات 0