التَّحْذِيرُ مِنَ الْمُخَالَفَاتِ وَمِنْهَا التَّسَتُّرُ 9 رَبِيع 1 1443

محمد بن مبارك الشرافي
1443/03/07 - 2021/10/13 17:05PM

التَّحْذِيرُ مِنَ الْمُخَالَفَاتِ وَمِنْهَا التَّسَتُّرُ التِّجَارِيُّ 9 رَبِيع الأَوَّلِ 1443

الْحَمْدُ للهِ الذِي مَيَّزَ أَهْلَ السُّنَّةِ بِالتَّسْلِيمِ لأَدِلِّةِ الْقُرْآنِ الْمُبِين، وَآثَرَهُمْ بِالْهِدَايَةِ إِلَى دَعَائِمِ الدِّين، وَوَفَّقَ أَهْلَ الْحَقِّ لِلاقْتِدَاءِ بِسَيِّدِ الْمُرْسَلِين، وَيَسَّرَ لَهُمُ اقْتِفَاءَ آثَارِ السَّلَفِ الصَّالِحِين ، وَجَنَّبَهُمْ زَيْغَ الزَّائِغِين، وَضَلالَ الْمُلْحِدِين، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهِ، دَعَا إِلَى الْحَقِّ وَالْهُدَى حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِين، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِين، وَأَصْحَابِهِ وَمْنَ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّين.

أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ وَرَاقِبُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ الْبِدْعَةَ : هِيَ الإحْدَاثُ فِي الدِّينِ عَلَى خِلافِ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَصْحَابُهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ مِنْ عَقِيدَةٍ أَوْ عَمَل . وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: كَانَ مِنْ هَدْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْذِيرُ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ مِن الْبِدَعِ وَمِنْ الإِحْدَاثِ فِي الدِّينِ فِي كُلِّ جُمْعَةٍ عَلَى الْمِنْبَرِ، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَعَلاَ صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ وَيَقُولُ (أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرَ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرَّ الأمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

فَانْظُرُوا كَيْفَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَذِّرُ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ مِن البِدْعَةِ مَعَ أَنَّهُمْ خَيْرُ الْقُرُونِ وَأَعَلَمُ الأَمَّةِ عَلَى الإطْلاقِ، أَفَلا يَجْدُرُ بِنَا نَحْنُ أَنْ نَخَافَ مِنْهَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَيُحَذِّرَ بَعْضُنَا بَعْضًا ؟

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ قَضَى بِحِكْمَتِهِ الْبَالِغَةِ وَمَشِيئَتِهِ النَّافِذَةِ أَنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ الإسْلامِيَّةَ سَوْفَ تَفْتَرِقُ بَعْدَ مَوْتِ نَبِيِّهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى فِرَقٍ شَتَّى، وَالذِي عَلَى الْحَقِّ مِنْهَا وَاحِدَةٌ، وَهِيَ مَنْ تَمَسَّكَتْ بِهَدْيِ نَبِيِّهَا عَلَى الْوَجْهِ الأَكْمَلِ ... فَهَلْ نَحْنُ مِنْ تِلْكَ الطَّائِفَةِ النَّاجِيَةِ ؟ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، فَإِحْدَى وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ) قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ ؟ قَالَ (الْجَمَاعَةُ ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ. وَفِي رِوَايَةٍ (مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُما.

وَقَدْ دَأَبَ الرَّسُولُ الْكَرِيمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى تَحْذِيرِ أُمَّتَهِ مِنَ الْبِدَعِ حَتَّى فِي أَوَاخِرِ حَيَاتِهِ بَلْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ وَصَايَاهُ الأَخِيرَةِ. فَعَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً، ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟ فَقَالَ (أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الألْبَانِيُّ.

وَقَدْ وَقَعْتْ هَذِهِ الوَصِيَّةُ مَوْقِعَهَا فِي الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم، وَلِذَلِكَ لَمْ تَقَعْ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ بِدْعَةٌ حَتَّى لَقُوا رَبَّهَم ... بَلْ كَانُوا يُحَذِّرُونَ مِنْ الْبِدَعِ وَالْمُحْدَثَاتِ وَيُنْكِرُونَ عَلَى مَنْ فَعَلَهَا وَإِنْ حَسُنَتْ نِيَّتُهُ. فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: اتَّبِعُوا وَلا تَبْتَدِعُوا فَقَدْ كُفِيتُمْ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضَيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَا يَأْتِي عَلَى النَّاسِ مِنْ عَامٍ إِلَّا أَحْدَثُوا فِيهِ بِدْعَةً ، وَأَمَاتُوا فِيهِ سُنَّةً، حَتَّى تُحْيَى الْبِدَعُ وَتَمُوتَ السُّنَنُ.

فَرَضَيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ وَجَعَلَ الْجَنَّةَ مَثْوَانَا وَمَثْوَاهُمْ!

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: فَإِنَّ مَحَبَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَينٌ نَتَقَرَّبُ إِلَى اللهِ، بِهِ فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللهُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) وَعَلَامَةُ حُبَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ اتَّبَاعُهُ وَتَرْكُ الابْتِدَاعِ فِي سُنَّتِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مَتْرُوكًا لآرَاء النَّاسِ فَكُلٌّ يُعَبِّرُ عَنْ ذَلِكَ بِحَسَبِ هَوَاهُ!

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّهُ حَدَثَ بَعْدَ الْقُرُونِ الثَّلاثَةِ الْمُفَضَّلَةِ بِدعَةٌ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَان، وَلَيْسَ فِي السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ لَهَا حُجَّةٌ وَلا بُرْهَانٌ ، وَلَمْ يَأَتِ لَهَا أَصْلٌ مِنْ عَمِلَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، إِنَّها بِدْعَةُ مَا يُسَمَّى بِالْمَوْلِدِ النَّبَوِيِّ، فَيَجْتَمِعُ النَّاسُ فِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةَ عَشَرَةَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ فِي الْمَسَاجِدِ أَوْ الْبُيُوتِ فَيُصَلَّونَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَلَوَاتٍ مُبْتَدَعَةٍ، وَيَقَرَؤونَ مَدَائِحَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَخْرُجُ بِهِمْ إِلَى حَدِّ الْغُلُوِّ الذِي نَهَى عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرُبَّما صَنَعُوا مَعَ ذَلِكَ طَعَامًا يَسْهَرُونَ عَلَيْهِ، فَأَضَاعُوا الْمَالَ وَالزَّمَانَ، وَأَتْعَبُوا الأَبْدَانَ فِيمَا لَمْ يَشْرَعْهُ اللهُ وَلا رَسُولُهُ، وَلا عَمِلَهُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَلا الصَّحَابَةُ وَلا الْمُسْلِمُونَ فِي الْقُرُونِ الثَّلاثَةِ الْمُفَضَّلَةِ، وَلا التَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَلَوْ كَانَ خَيْرًا لَسَبَقُونَا إِلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ خَيْرًا مَا حَرَمَهُ اللهُ تَعَالَى سَلَفَ هَذِهِ الأُمَّةِ وَفِيهِمْ الْخُلُفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَالأَئِمَّةُ الْمَهْدِيُّونَ، وَمَا كَانَ اللهُ تَعَالَى لِيَحْرِمَ سَلَفَ هَذِهِ الأُمَّةِ ذَلِكَ الْخَيْرَ لَوْ كَانَ خَيْرًا، ثُمَّ يَأْتِي أُنَاسٌ فِي الْقَرْنِ الرَّابِعِ الْهِجْرِيِّ فَيُحْدِثُونَ تِلْكَ الْبِدْعَةِ.

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغِفُرُ اللهَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.

         

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّد وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ          أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْنَا جَمِيعًا التَّعَاوُنُ عَلَى الْخَيْرِ وَالتَّحْذِيرِ مِنَ الشَّرِّ، قَالَ اللهُ تَعَالَى { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}، وَإِنَّ هَذَا الْبَابَ أَنَّ نَتَعَاوَنَ جَمِيعًا فِي تَنْفِيذِ تَعْلِيمَاتِ وَلِيِّ الْأَمْرِ، وَذَلِكَ أَنَّ طَاعَةَ وَلِيِّ الْأَمْرِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ أَمْرٌ وَاجِبٌ يُؤْجَرُ مُوَافِقُهُ وَيَأْثَمُ مُخَالِفُهُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}.

وَإِنَّ مِمَّا جَاءَ النِّظَامُ فِي دَوْلَتِنَا بِالتَّحْذِيرِ مِنْهُ وَتَجْرِيمِهِ: التَّسَتُّرُ التِّجَارِيُّ، وَتَشْغِيلُ الْمُقِيمِينَ فِي أَعْمَالٍ خِلَافَ مَا اسْتُقْدِمُوا لَهُ، وَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَحْرِصَ أَشَدَّ الْحِرْصَ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرُ رِزْقِهِ حَلالًا، سَوَاءٌ فِي ذَاتِهِ أَوْ طَرِيقِ كَسْبِهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَالَ حَلَالُهُ حِسَابٌ وَحَرَامُهُ عَذَابٌ، فَاحْرِصْ أَيُّهَا الْمُسْلِمُ أَنْ يَكُونَ مَالُكَ حَلالًا بَيِّنًا.

فَلا تَسْتَقْدِمِ مِنَ الْعُمَّالِ إِلَّا مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ، ثُمَّ إِيَّاكَ أَنْ تَأْثَمَ بِإِرْهَاقِهِمْ بِأَخْذِ أَمْوَالِهِمْ, كَمَنْ يَبِيعُ الْفِيَزَ عَلَى الْعَامِلِ، فَهَذَا لا يَجُوزُ، وَإِذَا أَحْضَرْتَهُ فَعَلَيْكَ أَنْ تَقُومَ بِتَكَالِيفِ إِقَامَتِهِ وَرُسُومِهَا وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا، وَإِنِّي أُعِيذُكَ أَنْ تَكُونَ ظَالِمًا جَشِعًا فَتَأْخُذَ نِسْبَةً عَلَى هَذَا العَامِلِ الْمِسْكِينِ الذِي قَدِمَ يَطْلُبُ لُقْمَةَ الْعَيْشِ لَهُ وَلِأَهْلِهِ، وَقَدْ دَأَبَ بَعْضُ الْكُفَلَاءِ الظَّلَمَةِ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ حَالِهِمْ وَنُشْهِدُ اللهَ عَلَى كَرَاهَةِ فِعْلِهِمْ، وَنَدْعُوا اللهَ أَنْ لا يُؤَاخِذَنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا.

فَعَلَيْنَا التَّعَاوُنُ عَلَى تَطْبِيقِ أَنْظِمَةِ دَوْلَتِنَا وَفَّقَهَا اللهُ، وَأَنْ نُبَلِّغَ عَمَّنْ يَتَلاعَبُ بِالْأَنْظِمَةِ أَوْ يَتَسَتَّرَ عَلَى الْمُخَالِفِينَ أَوْ يَظْلِمَ الْعُمَّالَ الْمَسَاكِينَ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا وَعَمَلًا صَالِحًا، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِنا دِينِنا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا وَأَصْلِحْ لِنا دُنْيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشِنا وَأَصْلِحْ لِنا آخِرَتِنا الَّتِي فِيهَا مَعَادِنا وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِنا فِي كُلِّ خَيْرٍ وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِنا مِنْ كُلِّ شَرٍّ ... اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وِأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ اللَّهُمَّ ارْضَ عَنْ صَحَابَتِهِ وَعَنِ التَّابِعِينَ وَتَابِعيِهِم إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَعَنَّا مَعَهُم بِعَفْوِكَ وَمَنِّكَ وَكَرَمِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

المشاهدات 2809 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا