التحذير من الظلم ( أعظم الظلم الشرك )

مبارك العشوان
1436/05/07 - 2015/02/26 21:24PM
إن الحمد لله...أما بعد: فاتقوا... مسلمون.
عباد الله: روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صـلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: ( يَا عبادي إني حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نفسي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا...) الحديث، وقال عليه الصلاة والسلام: ( اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ..)الحديث رواه مسلم.
الظلم عباد الله من أعظم الذنوب وأعجلها وأشدها عند الله تعالى عقوبة، وقد نزه الله تعالى نفسه عن الظلم فقال: { وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ }ق 29 وقال:{ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبيدِ }فصلت 46 وقال: { وَأَنَّ اللَّهَ لَيـْسَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ }آل عمران 182 وقال:{ وَلا يَظْــــــلِمُ رَبُّكَ أَحَداً } الكهف 49 وقال: { إن الله لا يظلم الناس شيئا } يونس 44 وقال: { إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } النساء 40 وحذَّر الله تعالى عبادَه من الظلم ونفى عن الظالمين الفلاح والهدى فقال:{ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } الأنعام 21 وقال:{ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ } إبراهيم 27 وقال: { والله لا يهدي القوم الظالمين } البقرة 258 وبين سبحانه أنه لا يحب الظالمين فقال: { وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ } آل عمران 57 بل إنه تعالى يلعنهم، كما قال: { أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ } هود 18 وقال:{ يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ } غافر 52 وقد توعد الله تعالى الظالمين بأنواع من الوعيد فقال تعالى:{ وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ، مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء ٌ} إبراهيم 42، 43 وقال:{ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } الشورى 21 وقال:{ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ }الشورى 45 وقال: { وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِـي شِقَاقٍ بَعِيدٍ }الحج 53
والآيات والأحاديث في ذم الظلم والتحذير منه كثيرة جدا وحديث اليوم عن نوع من أنواع الظلم هو أعظمها وأشنعها وأقبحها :( الشرك بالله ) هو أظلم الظلم وأكبر الكبائر، قال تعالى: { وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ } البقرة 254 ولَمَّا نَزَلَتْ: { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّنَا لَا يَظْلِمُ نَفْسَهُ ؟ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ أَلَمْ تَسْمَعُوا مَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ: { يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } رواه البخاري وروى أيضا من حديث عبدَ الله بن مسعود رضي الله عنه قال سَأَلْتُ أَوْ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الذَّنْبِ عِنْدَ اللَّهِ أَكْبَرُ ؟ قَالَ أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ، قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ، قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ أَنْ تُزَانِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ، قَالَ وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ } الفرقان 68 ـ 71 وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ قُلْنَا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ...) الحديث رواه البخاري ومسلم.
الإشراك بالله هو الضلال البعيد، وهو محبط الأعمال، وهو الذنب الذي لا يغتفر إلا بتوبة، وهو ما حرمت الجنة على فاعله وجعلت النار مأواه:{ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ } المائدة 72 وقال جل وعلا: { وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } الأنعام 88 وقال عز وجل: { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افـْتَرَى إِثْماً عَظِيماً } النساء48 وقال سبحانه: { وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافـِرِينَ } الأعراف 50
المشرك بالله ومن يصرف شيئا من العبادة لغير الله قد أتى بأعظم الظلم وأكبر الظلم، وأيُّ ظلمٍ أعظم من ظلمه وقد سَوَّى المخلوق بالخالق، عَبَدَ غَيْرَ الله وتعلق قلبُه بغيرِ الله حبا وتعظيما وخوفًا ورجاءً، عَبَدَ من لا يملكُ لنفسه نفعًا ولا ضرًا ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا: { أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلاَ يسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلاَ أَنفُسـَهُمْ يَنصُرُونَ }الأعراف191، 192 أيُّ ظلم أعظم من ظلم من تعلّق بمن يُسَمَّون بالأولياء والصالحين فعظمهم وطاف بقبورهم ونذر لهم النذور وقرب لهم القرابين ودعاهم مع الله؛ معتقدا أنهم ينفعون أو يضرون أو يقربونه إلى الله زلفى، ويشفعون له في قضاء الحاجات، وتفريج الكربات وشفاء المرضى، هذا هو الظلم والشرك بعينه، قال تعالى: { وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ } يونس 106 وقال: { إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } فاطر 14 أجارني الله وإياكم من الشرك وبارك لي ولكم ... وأقول ما تسمعون ...




الخطبة الثانية:
الحمد لله... أما بعد: فليس الشرك مقصور على عبادة الأصنام فحسب، بل هو أنواع ومراتب، منها الظاهر الجلي ومنها الباطن الخفي؛ منها ما هو أخفى من دبيب النملة على الصخرة الصماء في ظلمات الليل، كما قال أبو موسى الأشعري وابن عباس رضي الله عنهما، فعلى المؤمن أن يكون بعيدا كل البعد عن ظاهر الشرك وخفيه، وأن يحذره أشد الحذر ويحترز منه غاية الاحتراز، ولقد وقع طوائف من الناس في أمور هي من الشرك وتهاونوا بها، وإليكم بعضها تحذيرا:
فمن ذلك: السحر، تلك الكبيرة والموبقة والناقض من نواقض الإسلام، وقد دلت النصوص على كفر الساحر ووجوب قتله وتحريم إتيان السحرة بل حتى مجرد سؤالهم ولو دون تصديق ومع كل هذا يتجه إليهم بعض من يُبتلى بمرض أو مشاكلَ زوجيةٍ، أو غيرها، وقد كثر المشعوذون في زمننا ممن يدعون الطب ويعالجون عن طريق السحر والكهانة، استغلوا عامة الناس ومن يغلب عليهم الجهل، وأوقعوهم في الشرك وفي الحديث: ( لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَطَيَّرَ، أَوْ تُطِيَّرَ لَهُ أَوْ تَكَهَّنَ، أَوْ تُكِهِّنَ لَهُ أَوْ سَحَرَ، أَوْ سُحِرَ لَهُ، وَمَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم ) رواه البزار وقال الألباني صحيح لغيره. فالواجب على المسلم أن يتقي ربه ويحفظ دينه مما يفسده .
ومن ذلك ما فتن به البعض من التعلق بالتمائم والحروز، يعلقها عليه وعلى أولاده، أو بهائمه أو سياراته، أو بيته، أو يضع مصحفا أو جلدا أو غير ذلك دفعا للجن والعين. وفي الحــــديث: ( مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ ) أخرجه الإمام أحمد وصححه الألباني.
وقال الله تعالى : { وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلّ شَىْء قَدُيرٌ }الأنعام 17
ومن ذلك: الحلف بغير الله، كمن يحلف بالنبي أو بحياة النبي أو حياة فلان، أو بوالديهم، أو بالكعبة، أو بأي شي ء من المخلوقات لأن: ( مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ ) رواه الترمذي وصححه الألباني ومن ذلك الرياء وإرادة الإنسان بعمله الدنيا قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ ) قَالُوا: وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: ( الرِّيَاءُ، يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: إِذَا جُزِيَ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً ) أخرجه الإمام أحمد وصححه الألباني
فاحذروا رحمكم الله الشرك ووسائله ثم صلوا وسلموا …
عباد الله : اذكروا الله …
المشاهدات 2114 | التعليقات 0