التحذير من السرورية.
حمد الكربي
جمعتها من عدد من الخطب في هذا الملتقى. الخُطْبَةُ الأُولَى
الْحَمْدُ لِلَّهِ ربِّ الْعَالَمِينَ ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وأشكرُهُ عَلَى نِعمةِ الْأَمْنِ والدّيِنِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إلهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيِكَلَهُ وَلـِيُّ الصَّالِـحِينَ ، وَأَشْهَدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إِمَامُ الْـمُتَّقِيِنَ ، وَقَائِدُ الْغُرِّ الْـمُحَجَّلِيَن ، صَلَّى اللَّهُعَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ .
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّإِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾
[آل عمران: 102].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْأَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُلَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [آل عمران: 103]
فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ أُصُولِ الدِّينِ: الِاجْتِمَاعَ عَلَى الْحَقِّ ، وَالِاعْتِصَامَ بِحَبْلِ اللهِتَعَالَى.
وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: « إِنَّ اللهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْتَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ،وَإِضَاعَةَ الْمَالِ» [رواه مسلم]
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: « ثَلَاثُ خِصَالٍ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّقَلْبُ مُسْلِمٍ أَبَدًا : إِخْلَاصُ الْعَمَلِ للهِ، وَمُنَاصَحَةُ وُلَاةِ الْأَمْرِ، وَلُزُومُ الْجَمَاعَةِ؛ فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مَنْ وَرَاءَهُمْ »
[ أخرجه الترمذي وغيره ، وصححه ابن حجر والألباني ]
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- فِي "مَجْمُوعِ الْفَتَاوَى " : وَهَذِهِ الثَّلَاثُ -يَعْنِي الَّتِي مَرَّ ذِكْرُهَا فِي حَدِيثِزَيْدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-- تَجْمَعُ أُصُولَ الدِّينِ وَقَوَاعِدَهُ، وَتَجْمَعُ الْحُقُوقَ الَّتِي للهِ وَلِعِبَادِهِ، وَتَنْتَظِمُ مَصَالِحَ الدُّنْيَاوَالْآخِرَةِ. عباد الله : وقد جاء التحذير من التفرق والإختلاف فقال سبحانه ( ولا تكونواكالذين تفرقوا واختلفوا ) بل جَعَلَ الاختِلافَ والتَّفَرُّقَ مِنْ صِفَاتِ المُشرِكين، المُخَالِفينَ لِسُنَّةِ الأنبياءِ، وهَدْيالمُرسَلين، (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّحِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ). وقال تعالى :
(إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يفعلون ). وروَى أهلُ السُّنَنِ أنَّ النبيَّ r قال: (افترَقَتِ اليهودُ على إحْدَى وسبعينَ فِرْقَة، وافترَقَتِ النَّصَارىعلى اثنتينِ وسبعينَ فِرْقَة، وستَفْتَرِقُ أُمَّتي على ثَلاثٍ وسبعينَ فِرْقَة، كلُّها في النَّارِ إلاّ وَاحِدَة)، قالوا: مَنْ هيَيا رسولَ الله؟ قال: (هيَ ما أنا عليهِ وأصحابي). وقال ﷺ: (فإِنَّ يَدَ اللَّهِ مَعَالْجَمَاعَةِ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ) (12). عبادَ الله: وإنَّ كُلَّ ما يؤثِّرُ في وِحْدَةِ الصَّفِّ، أو يُضْعِفُاتِّحَادَ الكَلِمَة، أو يُخَالِفَ بينَ القُلوب؛ مِنْ بَثِّ شُبَهٍ وأفكار، أو تَأسيسِ جَماعَاتٍ ذاتِ بيعةٍ وتنظيم، أو نحوِذلك؛ فهو مُحرَّمٌ بدَلالةِ الكتابِ والسُّنة. ومِن تلكَ التنظيمَاتِ المُنحَرِفة: تَنظِيمُ (السُّرورية)، وهو تنظيم ينسبإلى مؤسسه محمد سرور زين العابدين سوري الأصل ، ومن أصول وأهداف هذا التنظيم تَفريقِ الكَلِمَة، وبَثِّالفُرْقَةِ، ومُنازَعةِ وُلاةِ الأمور، والتَّحْرِيضِ على الخُروجِ عليهِم، وإسقاط هيبة العلماء ، وإثَارةِ الفتنِ بينَالمُسلِمين، ونَشْرِ الحُروبِ في بُلدَانِهم.. وهو تَنْظِيمٌ يَتَسَتَّرُ بالدِّينِ ويُمَارِسُ ما يُخالِفُه، يَنْتَهِجُ السرِّيَّةَ فيالوُصولِ إلى أهْدَافِه، وهُوَ خَارِجٌ مِنْ رَحِمِ جَمَاعَةِ (الإخْوانِ) الإرهابية، ووَجْهٌ مِنْ وجُوهِهَا. فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنْهَذِهِ الْجَمَاعَاتِ الْمَشْبُوهَةِ وَالتَّنْظِيمَاتِ الْمُحْدَثَةِ ؛ فَوَاللهِ مَا حَلَّتْ فِي بَلَدٍ، وَنَفَثَتْ فِيهِ سُمُومَهَا؛ إِلَّا سَادَ فِيهِالتَّفَرُّقُ وَالِاخْتِلَافُ، وَبَرَزَتْ الشَّحْنَاءُ وَالْبَغْضَاءُ بَيْنَ أَبْنَائِهَا، وَحَلَّ الدَّمَارُ فِيِ رُبُوعِهَا ، فَعَلَيْنَا جَمِيعًا الانْتِبَاهُمِنْ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ وَغيرها، وَلا سِيِّمَا بَعْدَ وَسَائِلِ التَّوَاصِلِ الْحَدِيثَةِ، التِي جَعَلَتْ وُصُولَ الْأَفْكَارِ الْهَدَّامَةِ سَهْلًا،حَتَّى رُبَّمَا تَشَرَّبَهَا الشَّبَابُ وَيَظُنُّونَ أَنَّهُمْ يَنْصُرُونَ الدِّينَ، وَهُمْ فِي الْوَاقِعِ يَهْدِمُونَهُ وَيُضْعِفُونَهُ، وَلا حَوْلَ وَلاقُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَلَيِّ الْعَظِيمِ. بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِيوَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُوْرِالرَّحِيمِ .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي منّ عَلَيْنَا بِالْأَمْن وَالْإِيمَانِ ، وَغَمَرَنَا بِالْفَضْلِ وَالنِّعَمِ وَالْإِحْسَانِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الرَّحِيمِالرَّحْمَنِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، الْمُؤَيَّدِ بِالْمُعْجِزَةِ وَالْبُرْهَانِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِوَاَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَان ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا . -عبادَ الله- إن السعيد مَنْ لَزِمَ الجمَاعة،واتَّبَعَ السُّنة، ودعَا إلى اللهِ على عِلْمٍ وبَصِيرَة، وتَرَكَ الانتِمَاءَ إلى مِثْلِ هذهِ الجَمَاعاتِ، أو التَّعاطُفَ معَها. يقولُ الشيخُ ابنُ باز رحمه الله :(وأَمَّا الانتماءاتُ إلى الأحزاب: فالواجِبُ تَرْكُهَا، وأنْ يَنْتَمِي الجميعُ إلىكِتَابِ اللهِ وسُنَّةِ رَسُوْلِه: فما وَافَقَهُمَا فهو المقبول، وما خالفَهما وجَبَ تَرْكُه؛ وَبِذَلِكَ تَجْتَمِعُ الكَلِمَة، ويكونُالجميعُ حِزْبًا واحِدًا، يَتَرَسَّمُ خُطَى أَهْلِ السُّنَّةِ والجماعة) (11).
فكونوا ياعباد الله يَدًا وَاحِدَةً مَعَ مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ ، وَاحْذَرُوا التَّفَرُّقَ وَالتَّنَازُعَ وَالِاخْتِلَافَ ، وَكُونُوا عَلَى مَنْهَجٍسَلَفِكُمُ الصَّالِحُ ؛ فَإِنَّ التَّنَازُعَ يُؤَدِّي إِلَى الْفَشَلِ، وَالْفَشَلُ يُؤَدِّي إِلَى الدَّمَارِ وَذَهَابِ الْقُوَّةِ، وَاللهُ يَقُولُ : ﴿ وَلَاتَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾
[الأنفال: 46].
كُونُوا جَمِيعَاً يا بَنِيَّ إِذا اعْتَرَى *** خَطْبٌ وَلَا تَتَفَرَّقُوا آحَادَا
تَأْبَى الْقِدَاحُ إِذا اجْتَمَعْنَ تَكَسُّراً *** وَإِذا افْتَرَقْنَ تَكَسَّرتْ أَفْرادَا. هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُواعَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِوَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]، وَقَالَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِبِهَا عَشْرًا»
[رواه مسلم ].