التحذير من الرشوة
خالد الكناني
التحذير من الرشوة
إن الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلِ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أن محمدًا عبده ورسوله ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أما بعدُ : عبادَ الله : اتقوا الله حق التقوى، قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا ِاللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }
أيها المسلمون : إن من الضروريات الخمس التي جاء بها الاسلام حفظ المال ، وبين لنا الشرع الحكيم التصرفات الصحيحة والخاطئة في الأموال ، ومن ذلك حرم الاسلام أكل أموال الناس بينهم بالباطل ، قال تعالى : { وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } البقرة 188
ومما أنتشر في بعض المجتمعات الإسلامية ويمارسها البعض من الناس آفة من أشد الآفات خطورة في التعاملات المالية ألا وهي الرشوة وهي كبيرة من الكبائر حرمها الاسلام ، وهي بذل المال أو الهدايا للتوصل به إلى باطل، وتأخذ صورا كثيرة ومختلفة فقد تسمى هدية أو مكرمة أو من أجل تقديم خدمات أو على شكل وليمة فتقدم إما مالا نقديا أو أشياء عينية وهكذا ، المهم أن المقصود منها عند دفعها من مراد الدافع الحصول على مراده بغير حق أو طمس حق أو السكوت على باطل ، وهي تدار في الادارات والمؤسسات الخاصة والعامة والشركات وغيرها أو بين الأفراد بعضهم بعضا، فأي كانت الصورة فهي رشوة يقصد منها الحصول على حق الغير، وقد لُعن دافعها وآخذها على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي» ، وهي محرمة و وصاحبها على خطر عظيم لأن ذلك من أكل الاموال بغير حق أو الحصول على المراد بغير حق ، فعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
يَا كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ، إِنَّهُ لَا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلَّا كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ» سنن الترمذي ت شاكر (2/ 513)
أيها المسلمون: إن الشارع الحكيم حرم الرشوة لما فيها من الضرر على الفرد وعلى المجتمع كافة، فهي مغضبة للرب ممحقة للرزق ما نعة لإجابة الدعوة ممحقة للبركة ، تبطل حقوق الضعفاء، وخطرها على المجتمع عظيم فهي تخفي الجرائم وتزيف الحقائق ويحصل المتعامل بها على حق الغير بالباطل وعن طريقها يفلت المجرم فهي معول هدم للدين وللفضيلة وللأخلاق ، وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أخذ الأموال من قبل العاملين عليها بغير حق .
عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنَ الْأَسْدِ، يُقَالُ لَهُ: ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ - قَالَ عَمْرٌو: وَابْنُ أَبِي عُمَرَ - عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا لِي، أُهْدِيَ لِي، قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: " مَا بَالُ عَامِلٍ أَبْعَثُهُ، فَيَقُولُ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، أَفَلَا قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ، أَوْ فِي بَيْتِ أُمِّهِ، حَتَّى يَنْظُرَ أَيُهْدَى إِلَيْهِ أَمْ لَا؟ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَنَالُ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْهَا شَيْئًا إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةٌ لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةٌ تَيْعِرُ "، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «اللهُمَّ، هَلْ بَلَّغْتُ؟» مَرَّتَيْنِ ))
فاتقوا الله عباد الله في حفظ دينكم وأخلاقكم وأموالكم في طرق كسبها وفي وجوه بذلها فإن الله سائلكم عنها .
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد ألا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى أله وصحبه وسلَّم تسليما كثيرا .
أما بعدُ : أيها المسلمون : اتقوا الله تعالى واعلموا أنه ينبغي علينا مكافحة هذه الآفة الخطيرة المحرمة والتي تضر بالفرد والمجتمع، أولا بغرس الايمان في قلوبنا ومراقبة الله تعالى في السر والعلن ، وتربية النفس وتهذيبها على الفضائل والاخلاق ، والبعد كل البعد عن الرذائل ومساوئ الأخلاق وتعظيم حرمات الله (( وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ )) (( وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ))
وكذلك بالنشر والتثقيف والتعليم عن هذه الآفة وخطرها ، وبالتعاون مع الجهات الحكومية الخاصة بالإبلاغ عن كل من يتعامل بها ، قال تعالى :
( ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ))
هذا وصلوا على من أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه قال تعالى : ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )