التحذير من الحسد وشيء من عواقبه 20 شوال 1438

بسم1

التحذير من الحسد وشيء من عواقبه[1]

 

الحمدلله الذي أمر عباده بالمحبة والتآلف ونهاهم عن التباغض والتاحسد وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما أما بعد:

 

فيا معاشر المسلمين:  اتقوا الله ولا تحاسدوا وأحبُّوا لإخوانكم ما تحبون لأنفسكم, وتخلَّقوا بخلُقِ الإيثار فإنَّه خُلُقٌ حثَّ عليه الإسلام ورتَّب عليه الأجر الجزيل, وقد أثنى الله على صحابة رسوله صلى الله عليه وسلم لامتثالهم هذا الخلق الكريم, قال تعالى عنهم: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9] قال الإمام السمعاني رحمه الله: (أجمع أهل التَّفْسِير على أَنَّ المرادَ بهم الْأَنْصَار)[2] وقال الإمام السعدي رحمه الله: (من أوصاف الأنصار التي فاقوا بها غيرهم، وتميزوا بها على من سواهم، الإيثار، وهو أكمل أنواع الجود، وهو الإيثار بمحاب النفس من الأموال وغيرها، وبذلها للغير مع الحاجة إليها، بل مع الضرورة والخصاصة، وهذا لا يكون إلا من خلق زكي، ومحبةٍ لله تعالى مقدمةٍ على محبةِ شهواتِ النفسِ ولذاتها، ومن ذلك قصة الأنصاري الذي نزلت الآية بسببه، حين آثرَ ضيفه بطعامه وطعامِ أهله وأولادهِ وباتوا جياعاً)[3]. انتهى ما قاله رحمه الله. وقال تعالى عن الصحابة رضي الله عنهم: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29] قال الإمام السعدي رحمه الله: {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} (أي: متحابون متراحمون متعاطفون، كالجسد الواحد، يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه)[4]. انتهى ما قاله رحمه الله. (وَمِنْ ثَمَرَاتِ الْمَوَدَّةِ فِي اللَّهِ أَنْ لَا تَكُونَ مَعَ حَسَدٍ فِي دِينٍ وَدُنْيَا، وَكَيْفَ يَحْسُدُهُ وَكُلُّ مَا هُوَ لِأَخِيهِ فَإِلَيْهِ تَرْجِعُ فَائِدَتُهُ، وَبِهِ وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُحِبِّينَ فِي اللَّهِ تَعَالَى: (وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ) [الْحَشْرِ: 9] وَوُجُودُ الْحَاجَةِ هُوَ الْحَسَدُ)[5].

 

أيها المؤمنون: رضي الله عن الصحابة حيث ضربوا أحسن الأمثلة في الأخلاق الزكية المرضيَّة وبعداً عن الأخلاق السيئة, فقد طهَّر الله قلوبهم من الحسد والحقد والبغض فالحسد داء خطير, يعتري من ضعفت نفسه, وقلَّ بالله إيمانه, وقلَّبه داعي الهوى وحُبُّ الرفعة والرياسة, ودعا إلى هذا المرض داعي الطمع بدلالة الجشع على طريق مَهَّدهُ الحقد والغِل وأرست معالمه الغيبة والنميمة والآفاتِ الوخيمة, فأيُّ قلبٍ يحمله الحاسد حيث يتمنى زوال النعمة والفضائل عن أخيه المسلم, وقد يصل الحال بالحاسد أن يُطلق لسانه في المحسود ويفتِّش عن عيوبه ويفرح بها لينشرها بين الناس, وقد يحمله الحسد على الكذب والبهتان والبغي والعدوان, قال صلى الله عليه وسلم: (لاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ)[6] متفق عليه. وقَالَ فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رحمه الله: (مَا مِنْ أَحَدٍ أَحَبَّ الرِّئَاسَةَ إِلَّا حَسَدَ وَبَغَى وَتَتَبَّعَ عُيُوبَ النَّاسِ وَكَرِهَ أَنْ يُذْكَرَ أَحَدٌ بِخَيْرٍ)[7] (وكان الحسن يقول: أصول الشر ثلاثة: الحرص، والحسد، والكبر, فالكبر منع إبليس من السجود لآدم، والحرص أخرج آدم من الجنة، والحسد حمل ابن آدم على قتل أخيه. وقال غيره: ليس لثلاث حيلة فقر يخالطه كسل، وخصومة يداخلها حسد، ومرض يداخله هرم)[8]. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (لِكُلِّ نِعْمَةٍ حَاسِدٌ عَلَى قَدْرِهَا دَقَّتْ أَوْ جَلَّتْ...وَلَيْسَ لِلْمَحْسُودِ أَسْلَمُ مِنْ إخْفَاءِ نِعْمَتِهِ عَنْ الْحَاسِدِ. وَقَدْ قَالَ يَعْقُوبُ لِيُوسُفَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ {لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا})[9] وعن الحسن قال: (إِيَّاكَ وَالْحَسَدَ، فَإِنَّهُ سِلَاحُ سُوءٍ مِنَ الشَّيْطَانِ شَدِيدٌ، إِلَّا مَنْ وَقَاهُ اللَّهُ شَرَّهُ)[10].

 

معاشر المسلمين: إنَّ للحسد أضرارا تعود على الحاسد, إذ إنَّه يعادي نِعَمَ الله قَالَ عبد الله ابن مَسْعُودٍ رضي الله عنه: (لَا تُعَادُوا نِعَمَ اللَّهِ. قِيلَ لَهُ: وَمَنْ يُعَادِي نِعَمَ اللَّهِ؟ قَالَ: الَّذِينَ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ)[11] انتهى ما قاله رضي الله عنه. وَيُقَالُ يا عباد الله: الْحَسَدُ أَوَّلُ ذَنْبٍ عُصِيَ اللَّهُ بِهِ فِي السَّمَاءِ، وَأَوَّلُ ذَنْبٍ عُصِيَ بِهِ فِي الْأَرْضِ، فَأَمَّا فِي السَّمَاءِ فَحَسَدُ إِبْلِيسَ لِآدَمَ، وَأَمَّا فِي الْأَرْضِ فَحَسَدُ قَابِيلَ لِهَابِيلَ. وقال بعض الحكماء: (وجدتُّ أطول الناس غمَّاً الحسود, وأهنأهم عيشاً القنوع)[12] ولا يحسِدُ إلا من قلَّ يقينه قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: (اليقين ألا تُرضِي الناس بسخط الله؛ ولا تحسد أحدًا على رزق الله، ولا تلم أحدًا على ما لم يؤتك الله؛ فإن الرزق لا يسوقه حرص حريص، ولا يردّه كراهة كاره؛ فإن الله تبارك وتعالى بقسطه وعلمه وحكمته جعل الرَّوْحَ والفرحَ في اليقين والرضى، وجعلَ الهمَّ والحزنَ في الشك والسخط». (الرَّوْح: أي: الراحة)[13]. وقال الفقيه أبو الليث السمرقندي، رحمه الله: (يصل إلى الحاسد خمس عقوبات قبل أن يصل حسده إلى المحسود، أولاها: غم لا ينقطع. الثانية:مصيبة لا يؤجر عليها، الثالثة: مذمة لا يحمد عليها، الرابعة: سخط الرب، الخامسة: يُغلق عنه باب التوفيق)[14].

 

أيها المسلمون: إنَّ الحاسد لا يحبُّه الناس لعلمهم بتخلُّقه بخلق ذميم, إضافة إلى أنَّه يجدُ ألماً وكمداً كلما رأى عند أخيه نعمة أو مزيد فضل ومكانة قال الشاعر:

 

دَعِ الْحَسُودَ وَمَا يَلْقَاهُ مِنْ كَمَدِهِ ...كَفَاك مِنْهُ لَهَيْبُ النَّارِ فِي جَسَدِهْ

 

إنْ لُمْت ذَا حَسَدٍ نَفَّسْت كُرْبَتَهُ... وَإِنْ سَكَتَّ فَقَدْ عَذَّبْته بِيَدِهْ

 

قَالَ الْأَصْمَعِيُّ سَمِعْت أَعْرَابِيًّا يَقُولُ: (مَا رَأَيْت ظَالِمًا أَشْبَهَ بِمَظْلُومٍ مِنْ الْحَاسِدِ حُزْنٌ لَازِمٌ، وَنَفَسٌ دَائِمٌ، وَعَقْلٌ هَائِمٌ، وَحَسْرَةٌ لَا تَنْقَضِي). اللهم اجعل قلوبنا سليمة وسُلَّ منها السخيمة ولا تجعل فيها مكانا للحقد والغل والحسد. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

التحذير من الحسد (الخطبة الثانية)[15]

 

الحمدلله وفق من شاء من عباده لسلامة القلب, فلم تضمر شرَّاً ولم تحمل غِلَّاً أو حقدا أو حسداً, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد ان محمداً رسول رب العالمين صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أما بعد:

 

فاتقوا الله أيها المؤمنون واعلموا أنَّ اللهَ يحفظ عباده المؤمنين إذا حفظوه وأكثروا من ذكره وحافظوا على أذكارهم في الصباح والمساء.

 

معاشر المؤمنين: إنَّ من الناس من يحمِّل المصاعب التي يتعرض لها والفشلَ وعدمَ التوفيق وتعسيرَ الأمور على حسد الحاسدين وأعينهم, فيعيش في أوهامٍ وهمٍّ وغمٍّ وقد يجرُّه ذلك إلى الوسوسة واتهام غيره بأنَّه حاسد له, وهذا خطأ وخلل فعليه أن يطَّرحَ الوساوس والأوهام ويسعى في الأسباب الموصلة إلى التوفيق والنجاح لئلا يفشل وتتعسَّر عليه الأمور.

 

أيها المسلمون: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، اللهم ارض عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة والتابعين وعنا معهم بكرمك يا أكرم الأكرمين اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين, اللهم كن لإخواننا المضطهدين في دينهم في سائر الأوطان, اللهم كن لهم ولا تكن عليهم, وانصرهم على من ظلمهم, اللهم انصر أهلنا في سوريا وفي فلسطين وفي العراق وفي الأحواز وفي اليمن ياذا الجلال والإكرام .اللهم اجعل شأن عدوهم في سَفال, وأمرهم في وبال.

 

اللهم آمنا في أوطاننا, وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا, واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يارب العالمين, اللهم ووفق ولي أمرنا لما تحبهُ وترضاهُ من الأقوال والأعمال, وأصلح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم انصُر جنودَنا المرابِطين على حُدود بلادِنا، وانصر جنود التحالف العربي في اليمن, اللهم كُن لهم مُؤيِّدًا ونصيرًا، ومُعينًا وظهيرًا، وسدد رميهم وثبت أقدامهم, اللهم وفِّق رجالَ أمنِنا في كل مكان, ومكِّنهم ممن يريد ببلادنا شراً, اللهم أقم علم الجهاد واقمع أهل الشرك والزيغ والفساد وانشر رحمتك على العباد.

 

اللهم ارفع عنا الغلا والوباء والرباء والرياء والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين.

 

اللهم احفظ بلادنا وحكامها وعلماءها وأهلها وجنبها الفتن والحروب وانصرها على من عاداها واجمع بها كلمة المسلمين على الحق, اللهم زدها قوة وأمنا ورخاء وتمسكا بالدين, وأظهرها على عدوها يا رب العالمين, اللهم انصر دينكَ وكتابكَ وسنةَ نبيكَ وعبادكَ الصالحين، اللهم عليك بالصهاينةِ والصليبينَ والحوثيينَ والمجوسِ والروسِ المعتدين ومن عاونهم, اللهم فرق جمعهم, وخالف بين قلوبهم وأدر الدائرة عليهم.

 

اللهم اغفِر ذنوبَنا، واستُر عوراتنا، ويسِّر أمورَنا، وبلِّغنا فيما يُرضِيك آمالَنا، ربَّنا اغفِر لنا ولوالدِينا، وارحَمهم كما ربَّونا صِغارًا، اللهم من كان منهم حيًّا فمتِّعه بالصحة والعافية على طاعتِك، ومن كان منهم ميتًا فتغمَّده برحمتِك، ونوِّر له في قبرِه ووسِّع له فيه، واجعَله روضةً من رياضِ الجنة، واجمَعنا به في دار كرامتِك.

 

ربَّنا تقبَّل منَّا إنك أنت السميعُ العليم، وتُب علينا إنك أنت التوابُ الرحيم.

 

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين, وأقم الصلاة.

 

 

 

 

 



[1] تم إعدادها يوم الأربعاء 18 شوال 1438هـ, خطبة الجمعة 20 شوال 1438هـ, جامع بلدة الداخلة في سدير, عمر المشاري.

[2] تفسير السمعاني (5/ 400).

[3] تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 851).

[4] تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 795).

[5] موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين (ص: 137).

[6] أخرجه البخاري في كتاب  الأدب, باب ما ينهى عن التحاسد والتدابر, برقم (6065) ومسلم في كتاب البر والصلة والآداب, باب تحريم التحاسد والتباغض والتدابر برقم (2559).

[7] جامع بيان العلم وفضله (1/ 571).

[8] مفتاح الأفكار للتأهب لدار القرار (3/ 277).

[9] انظر مجموع الفتاوى (15/ 18).

[10] التوبيخ والتنبيه لأبي الشيخ الأصبهاني (ص: 43).

[11] تفسير القرطبي (5/ 251).

[12] دليل الواعظ إلى أدلة المواعظ (1/ 265).

[13] دليل الواعظ إلى أدلة المواعظ (1/ 265).

[14] المستطرف في كل فن مستطرف (ص: 221).

[15] تم إعدادها يوم الأربعاء 18 شوال 1438هـ, خطبة الجمعة 20 شوال 1438هـ, جامع بلدة الداخلة في سدير, عمر المشاري.

 

المرفقات

من-الحسد-وشيء-من-عواقبه

من-الحسد-وشيء-من-عواقبه

من-الحسد-وشيء-من-عواقبه-الثانية

من-الحسد-وشيء-من-عواقبه-الثانية

المشاهدات 949 | التعليقات 0