التحذير من الجماعات ذات البيعة والتنظيم ومنها جماعة الإخوان المسلمين

أ.د عبدالله الطيار
1442/04/14 - 2020/11/29 18:09PM

الخطبة الأولى:

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين؛ القائل في كتابه{وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَتَفَرَّقُواْ.} [آل عمران:103]، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، صلَّى اللهُ وسلَّم عليه ورضي الله عن صحابته الأخيار، أما بعدُ:  فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ؛{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آل عمران: 102].

أيُّها المؤمنونَ: المتأملُ في حالِ كثيرٍ من بلادِ المسلمينَ التي عَصَفتْ بهَا رياحُ الفتنِ والاختلافاتِ ودَخَلَهَا التفَرقُ وتغلْغلتْ بها الحزبياتُ والجماعاتُ يرى ما آلَ إليهِ حالُهم من تعدِّي بعضِهم على بعضٍ بالتُّهمِ والتَّكفيرِ والإشاعاتِ الكاذبةِ والسِّبابِ، وكلٌ يدَّعي أنَّه على الحقِّ وهذا يخالفُ واقعَهم المريرَ، فالموازينُ الشرعيةُ عندهُم غائبةٌ، وأهواؤُهم وآراؤُهم وأقوالُهم هي الغالبةُ، وكانَ الأجدرُ بهؤلاءِ أن يتِّحدوا على التَّوحيدِ والسنَّةِ لأنَّها أساسُ الوحدةِ وأصلُ جمعِ الصفِّ والكلمةِ وهي سفينةُ النجاةِ.  يقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةِ رحمهُ اللهُ في كتابِه [الاستقامة 1/42]: (البدعةُ مقرونةٌ بالفُرقةِ كما أنَّ السنةَ مقرونةٌ بالجماعةِ، فيقالُ أهلُ السنةِ والجماعةِ كما يُقالُ أهلُ البدعةِ والفُرقةِ) انتهى كلامه.

فهذهِ الجماعاتُ وهذه الفرقُ وهذا التشرذمُ لا يُقرِّه الشرعُ، بل ينهى عنه أشدَّ النَّهيْ ويأمرُ بالاجتماعِ على عقيدةِ التوحيدِ وعلى منهجِ السَّلفِ جماعةٌ واحدةٌ وإمامٌ واحدٌ له بيعةٌ في رقبةِ كلِّ فردٍ.

عبادَ اللهِ: التفرُّقُ وتعدُّدُ الأحزابِ والجماعاتِ علامةٌ على ضعفِ الأمةِ، وكلُّ فرقةٍ أو جماعةٍ أو حزبٍ انعقدتْ تحتَ شعارٍ مستحدثٍ يُعقدُ عليه الولاءُ والبراءُ، وتلتزمُ ببعضِ ما أمرَ اللهُ به دونَ بعضٍ، ولا تُواليْ إلا مَنْ كانَ تبعًا لهَا، وتخالفُ منهجَ أهلِ السنةِ والجماعةِ في أمرٍ كليِّ أو جزئيِّ

باسمٍ أو رسمٍ، فهي ضالةٌ مضلةٌ لما فيهَا من البغيِ والميلِ عن طريقِ الحقِّ، وشذوذٍ عن منهجِ السلفِ، والمُتعلِّقُ في هذهِ الأحزابِ والفرقِ سوفَ يَسقطُ لا محالةَ مهما كانتْ جذورُ حزبيِّتهِ ضاربةً في الأرضِ لأنَّ هذه سُنَّةُ اللهِ في خلْقِه، والحزبيةُ كانتْ وما تزالُ حجابًا عن معرفةِ الحقِّ لداءِ التعصُّبِ المقيتِ الذي يلازمُها وهي كذلكَ من أسبابِ ضعفِ الغيرةِ على التوحيدِ الخالصِ.  والحزبيةُ كذلكَ سببٌ للفرقةِ التي هي مِنْ أقوى المعاولِ لتفريقِ المجتمعِ، فالحزبيونَ لا يَهمُّهم إلا أنفسَهم ومَنْ على شاكلتِهم. وأما غيرُهم فمهمَا كانَ صلاحُه وتقاهُ فهو عقبةٌ في طريقِهم والحزبيُّونَ لا يرونَ الدعاءَ لوليِّ الأمرِ، وهذا من جهلِهم وفاحشِ غلطِهم.  

عبادَ اللهِ: الحزبيُّونَ ومنهم جماعةُ الإخوانِ المسلمينَ يمتنعونَ عن الدعاءِ لولاةِ الأمورِ ويجتهدونَ في بذرِ الفرقةِ والخلافِ بينَ عامةِ النَّاسِ وولاةِ أمورِهم بنشرِ الكذبِ والزورِ وتضخيمِ الأمورِ فوقَ حجمِها بلْ ويسوؤُهم ويُقضُّ مضاجعَهم ما تعيشُ فيه هذِه البلادِ من أمنٍ وطمأنينةٍ ورغدِ عيشٍ وتلاحمٍ بينَ قيادتِها وشعبِها.

ولكنْ بحولِ اللهِ ستبقى هذهِ البلادُ قويةً بإيمانِها متمسكةً بشرعِ اللهِ يتعاونُ فيهَا ولاةُ الأمرِ والعلماءُ وسائرُ أفرادِ الشعبِ على الضرَّبِ بيدٍ من حديدٍ على من تُسوِّلُ لهُ نفسُه تعكيرَ الصفوِّ أو تمزيقَ الصفِّ أو بذرَ الخلافِ والفُرقةِ، واللهُ غالبٌ على أمرِه

ولو كرهَ المجرمونَ.

أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُون}[الأنعام:159].

باركَ اللهُ لي ولكمْ في القرآنِ العظيمِ ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ والذِّكرِ الحكيمِ، واسْتَغفروا الله وتوبوا إليه إنَّه هو الغفورُ الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، ولا عدوانَ إلا على الظالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على المبعوثِ رحمةً للعالمينَ، محمدِ بنِ عبدِ اللهِ النبيِّ الكريم، صلَّى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين. أما بعدُ:  فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ، واعلموا أنَّ اجتماعَنا وتآلفَنا وتعاضدَنا وتمسُّكنَا بالمنهجِ الحقِّ هو سبيلُ النجاةِ لنَا في الدُّنيَا وفي الآخرةِ.

وقد صَدَرَ بيانُ هيئةِ كبارِ العُلماءِ في بلادِنا المباركةِ في 24/3/1442هـ للتحذيرِ من التفرِّقِ ونبذِ الخلافاتِ ووجوبُ التَّمسكِ بالجماعةِ وطاعةِ ولاةِ الأمرِ، وفيمَا يلي نصُّه: الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على عبدِه ورسولِه وأمينِه على وحيِه، وصفوتِه من خلقِه، نبيِّنا وإمامِنا وسيِّدِنَا محمدِ بن عبدِاللهِ وعلى آلِه وأصحابِه، ومَنْ سَلكَ سبيلَه، واهتدى بهداهُ إلى يومِ الدينِ، أما بعدُ: فإنَّ اللهَ تعالى أَمَرَ بالاجتماعِ على الحقِّ ونهَى عن التفرُّقِ والاختلافِ، قالَ تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُون}، وأَمَرَ العبادَ باتباعِ الصراطِ المستقيمِ، ونهاهُم عن السُّبلِ التي تصرفُ عن الحقِّ، فقالَ سُبحانَه:{وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون}،  وإنَّما يكونُ اتباعُ صراطِ اللهِ المستقيمِ بالاعتصامِ بكتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ وسنةِ رسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقد دلَّتْ الأحاديثُ الصحيحةُ على أنّ مِنَ السُّبلِ التي نهى اللهُ تعالى عن اتِّباعِها المذاهبَ والنحلَ المنحرفةَ عن الحقِّ، فقد ثبتْ من حديثِ عبدِاللهِ بنِ مسعودٍ رضيَ اللهُ عنه أنَّه قالَ: خطَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم خطاً بيدِه ثمَّ قالَ: (هذَا سبيلُ اللهِ مستقيمًا)، ثمَّ خطَّ عن يمينِه وشمالِه، ثمَّ قالَ:(هذِه السُّبلُ ليسَ منها سبيلٌ إلاّ عليه شيطانٌ يدعو إليه، ثم قرأَ {وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} (رواه الإمام أحمد). وقالَ الصحابيُّ الجليلُ عبدُاللهِ بنِ عباسٍ رضيَّ اللهُ عنهُما في قولِه تعالَى: ({فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ}، وقولِه: {أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} ونحوِ هذا في القرآنِ، قالَ: أَمَرَ اللهُ المؤمنينَ بالجماعةِ، ونهاهُم عنِ الاختلافِ والفُرقةِ، وأخبرَهم أنَّه إنَّما هَلكَ مَنْ كانَ قبلّهم بالمِراءِ والخصوماتِ في دينِ اللهِ).  والاعتصامُ بكتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ وسنةِ رسولِه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم هو سبيلُ إرضاءِ اللهِ وأساسُ اجتماعِ الكلمةِ، ووحدةِ الصفِّ، والوقايةُ مِنَ الشرورِ والفتنِ، قالَ تعَالى :{ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون}.

فعُلمَ مِنْ هذا: أنَّ كلَّ ما يُؤثِّرُ على وحدةِ الصفِّ حولَ ولاةِ أمورِ المسلمينَ من بثِّ شُبَهٍ وأفكارٍ، أو تأسيسِ جماعاتٍ ذاتِ بيعةٍ وتنظيمٍ، أو غيرِ ذلكَ، فهوَ محرمٌ بدلالةِ الكتابِ والسنةِ. وفي طليعةِ هذهِ الجماعاتِ التي نُحذِّر منها جماعةَ الإخوانِ المسلمينَ، فهي جماعةٌ منحرفةٌ، قائمةٌ على منازعةِ ولاةِ الأمرِ والخروجِ على الحكَّامِ، وإثارةِ الفتنِ في الدولِ، وزعزعةِ التعايشِ في الوطنِ الواحدِ، ووصْفِ المجتمعاتِ الإسلاميةِ بالجاهليةِ، ومنذُ تأسيسِ هذِه الجماعةِ لم يَظْهرْ منهَا عنايةٌ بالعقيدةِ الإسلاميةِ، ولا بعلومِ الكتابِ والسنةِ، وإنَّما غايتُها الوصولُ إلى الحكمِ، ومن ثمَّ كانَ تاريخُ هذهِ الجماعةِ مليئًا بالشرورِ والفتنِ، ومنْ رَحِمها خَرَجَتْ جماعاتٌ إرهابيةٌ متطرِّفةٌ عاثتْ في البلادِ والعبادِ فسادًا ممَّا هوَ معلومٌ ومشاهدٌ مِنْ جرائمِ العنفِ والإرهابِ حولَ العالمِ. وممَّا تقدَّمَ يتَّضحُ أنَّ جماعةَ الإخوانِ المسلمين جماعةٌ إرهابيةٌ لا تمثلُ منهجَ الإسلامِ، وإنِّما تَتَّبعُ أهدافَها الحزبيةَ المخالفةَ لهدي دينِنا الحنيفِ، وتَتَستَّرُ بالدينِ وتمارسُ ما يخالفُه من الفُرقةِ وإثارةِ الفتنةِ والعنفِ والإرهابِ.  فعلى الجميعِ الحذرُ من هذِه الجماعةِ وعدمُ الانتماءِ إليهَا أو التعاطفِ معهَا. واللهُ نسألُ أن يحفَظَنا جميعًا مِنْ كلِّ شرٍّ وفتنةٍ، وصلَّى اللهُ وسلَّم على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين. انتهى بيان الهيئة سدَّدهُم اللهُ ووفقهُم لكلِّ خيرٍ. هذا وصلُّوا وسلِّموا على الحبيبِ المصطفَى والنبيِّ المجتبى فَقَد أمَرَكُم اللهُ بذلكَ فقالَ جلَّ وعلا:[إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا]. 

الجمعة: 227-3-1442هـ

المشاهدات 1627 | التعليقات 0