التحذير من التشاؤم بشهر صفر

أحمد بن صالح العجلان
1444/02/06 - 2022/09/02 10:27AM

                                   التحذير من التشاؤم بشهر صفر  

الخطبة الأولى :  

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ وَالَاهُ وَاسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ وَاهْتَدَى بِهُدَاهُ فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ اخواني: احذَرُوا التطيُّرَ بشهرِ صَفَر، فإنَّ التطيُّرَ وهو التشاؤُمُ بالشهورِ والأيامِ والنجومِ والطيورِ والمرئياتِ والمسموعاتِ كأن يريد سفرًا أو عملاً ما فيرى رجلاً أعمى أو أعرج أو يرى طير الغراب، فيعدل ويرجع عن سفره أو عمله، أو يرى الظباء فينشط .وهذا نوعٌ من الشركِ الذي يَتَنافى معَ التوحيدِ أو يُنقصُ كَمَالَهُ، لكونهِ من إلقاءِ الشيطانِ وتخويفهِ ووسوستهِ، ومن أمثلة التطير:- قولهم: "خير يا طير" للشيء الجديد، وهذه من ألفاظ الجاهلية أنكرها بعض السلف لما سمعها وهجر عليها.-و قولهم: "الطير الأخضر ترى يا زينة، والطير الأسود ترى يا شينة"، وهذا من التشاؤم بالألوان. وكذلك إذا شعر بحكة في يده اليمنى، فهي علامة خير. وإذا شعر بحكة في يده اليسرى، فهي علامة شر. وكذلك إذا طنت أذنه، استدل على أنها علامة شر. وكذلك التشاؤم في بلد أو بيت، كأن يسكنه ويموت له ميت فيه فيتشاءم منه، فهذا تطير؛ لأنه لا علاقة بين الموت والسكن.و كذلك تشاؤم الآباء إذا سموا أبناءهم بأسمائهم، ويقول: إنها من علامة قرب موته. وكذلك حركة العين فيقولون في اليمين: خير، وفي اليسرى: شر.وكذلك بعض أصحاب الدكاكين يبيع في أول النهار بأي سعر ولا يرد أول زبون، فإذا رده فيسمى هذا اليوم شؤم.قال ابنُ القيِّم: (خَوَاطِرُ وحُدُوسٌ وتَخْميناتٌ لا أصْلَ لَهَا) انتهى، قال ابنُ رجب: (الطيرةُ من أعمالِ أهلِ الشركِ والكُفرِ، وقد حكاها اللهُ تعالى في كتابهِ عن قومِ فرعونَ، وقومِ صالحٍ، وأصحابِ القريةِ التي جاءَهَا الْمُرْسَلُون) انتهى، وكذلكَ تَطَيَّرَ أصحابُ يُونُسَ عليهِ السلامُ بهِ لَمَّا اقترَعُوا وأَلْقَوهُ في اليَمِّ، وقومُ فرعونَ إذا أصابَهُم غلاءٌ وقَحْطٌ قالوا: هذا أصابَنا بسببِ موسى وأصحابهِ وبشؤْمِهِم، فردَّ اللهُ تعالى عليهم بأنَّ ما أصابَهُم من ذلكَ إنما هوَ بقضائهِ وقَدَرِهِ عليهم بكفرِهم، ثمَّ وَصَفَ أكثرَهُم بالجهالةِ وعَدَمِ العِلْمِ، ولو فَهِمُوا وعَقِلُوا لعَلِمُوا أنَّ الأنبياءَ ما جاءُوا إلاَّ بالخيرِ والبركةِ والفلاحِ لِمَنْ آمَنَ بهِم واتَّبَعَهُم، وأنَّ المصائب بسبب المعاصي والسيئات. (وعن أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنه أن رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قال: «لا عَدْوَىَ ولا طِيَرَةَ ولا هَامَةَ ولا صَفَرَ» أخرجاه، وزادَ مُسْلِمٌ: «ولا نَوْءَ ولا غُولَ»). لا عدوى مؤثرة بذاتها وإنما الذي ينقل العدوى هو الله إذا شاء سبحانه ولا طيرة فالطير ليس مؤثرًا ولا حقيقة له ولا هامة الهامة هي البومة  كانوا يتشاءمون بها إذا وقعت على بيت أحدهم يقول: سأموت أو سيموت أحدًا من أهل داري. ولا صفر شهر صفر المعروف، وكانوا يعتقدون أنه شهر الآفات والشرور، فيتشاءمون به. ولا نوء: وهو النجم يتشاءمون في بعض النجوم، فيقولون: هذا نجم نحس وبعض النجوم يتفاءلون بها ويقولون: نجم خير. "ولا غول": هي: جنس من الشياطين من الجن تترآئ للمسافرين وطردها ذكر الله والآذان .فانفى rما كانت تعتقدُهُ الجاهليةُ من اعتقاداتٍ باطلةٍ من التشاؤُمِ بالطيورِ وبعضِ الشهورِ والنجومِ وبعضِ الجنِّ والشياطينِ، فيتوقَّعُونَ الهلاكَ والضَّرَرَ منها، كما كان يعتقدونَ سَرَيانَ الأمراضِ من مَحَلِّ الإصابةِ إلى غيرِها بأنفُسِهَا، فيَرُدُّ rكُلَّ هذهِ الخرافاتِ، ويَغْرِسُ مكانَهَا التوكُّلَ على اللهِ وعقيدةَ التوحيدِ الخالصِ.وعن أنسٍ قال: قال رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: «لا عدوى ولا طِيَرَةَ، ويُعْجِبُني الْفَأْلُ»، قالوا: وما الفألُ؟ قالَ: «الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ»).والفأل كأنْ يكونَ الرَّجُلُ مريضاً فيسمَعُ مَن يقولُ: يا سالِمُ، فيُؤَمِّلُ الشفاءَ من مَرَضهِ، فليسَ من الطِّيَرَةِ المنهيِّ عنها، فالفَأْلُ فيهِ حُسْنُ ظنٍّ باللهِ،  ولأبي داودَ بسَنَدٍ صحيحٍ عن عُرْوَةَ بنِ عامرٍ قالَ: ذُكِرَتِ الطِّيَرَةُ عِنْدَ رسولِ اللهِ rفقال: «أحْسَنُهَا الْفَأْلُ، ولا تَرُدُّ مُسْلِماً، فإذا رَأَى أحَدُكُمْ ما يَكْرَهُ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ لا يَأْتي بالحَسَنَاتِ إلاَّ أنْتَ، ولا يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إلاَّ أنْتَ، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلاَّ بكَ»).فأخبرَ rأن الطِّيَرَةَ لا تَرُدُّ مُسلِمَاً عن قَصْدِهِ، لإيمانهِ أنه لا ضارَّ ولا نافعَ إلاَّ اللهُ، وإنما تَرُدُّ الْمُشركَ الذي يَعتقِدُها، ثم أرشَدَ rإلى العلاجِ الذي تُدفَعُ به الطِّيَرَةُ وهو هذا الدُّعاءُ : اللَّهُمَّ لا يَأْتي بالحَسَنَاتِ إلاَّ أنْتَ، ولا يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إلاَّ أنْتَ، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلاَّبك. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية: : الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَانْبِي بَعْدَهُ. فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ فَتَقْوَى اللَّهِ خَيْرُ زَادٍ وَأَفْضَلُ مَآبٍ وَالْمُوصِلُ إِلَى رِضَى رَبِّ الْعِبَادِ. اخواني : جاء عند مسند الإمام أحمد مِن حديثِ ابنِ عمروٍ: «مَنْ رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ عَن حاجَتهِ فقَدْ أشرَكَ»، قالوا: فمَا كَفَّارَةُ ذلكَ؟ قال: «أنْ تقُولَ: اللَّهُمَّ لا خَيْرَ إلاَّ خَيْرُكَ، ولا طَيْرَ إلاَّ طَيْرُكَ، ولا إلَهَ غيرُكَ»، وله مِن حديثِ الفَضْلِ بنِ عبَّاسٍ: «إنِمَّا الطِّيَرَةُ مَا أمْضَاكَ أوْ رَدَّكَ»).يُخبرُ rأنَّ الطِّيَرَةَ المنهي عنها والتي هي شِرْكٌ، حقيقَتُها وضابطُهَا ما حَمَلَ الإنسانَ على الْمُضِـيِّ فيما أرادَهُ أو رَدَّهُ عنه اعتماداً عليها، فإذا رَدَّتْهُ عن حاجتهِ التي عَزِمَ عليها كإرادةِ السفرِ ونحوهِ فقد وَلَجَ بابَ الشركِ فمن اعتقد أنها تفعل بذاتها أو علامة على المستقبل فهذا شرك أكبر، ومن اعتقد أنه سبب فهو شرك أصغر.ولكي تنجو من التَّطَيُّرِ، أو تتخلَّصَ منه لو وَقَعتَ فيه:أولاً: عليكَ بالتوكُّلِ على الله تعالى، كما في الحديث المتقدِّم: (ولكنَّ الله يُذهِبُهُ بالتوكُّلِ).ثانياً: أن تَمْضيَ لقَضَاءِ قَصْدِكَ ولا تَرْجِع من أجلها فالإنسانُ قد يَجدُ في قلبهِ تَطَيُّراً، وقد قال النبيُّ r: (ذاكَ شَيْءٌ يَجِدُونَهُ في صُدُورِهِمْ فَلا يَصُدَّنَّهُمْ) رواه مسلم. ثالثاً: الدُّعاء: سُئلَ rكما تقدَّم عن كفَّارةِ مَن رَدَّتْهُ الطِّيَرَة، فقال: (أنْ تقُولَ: اللَّهُمَّ لا خَيْرَ إلاَّ خَيْرُكَ، ولا طَيْرَ إلاَّ طَيْرُكَ، ولا إلَهَ غيرُكَ).رابعاً: عدم الالتفات للوساوس، وتتذكَّرَ دائماً: الإيمان بالقضاء والقدر، قال r: (لا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حتى يُؤْمِنَ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ، حتَّى يَعْلَمَ أنَّ ما أصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وأنَّ ما أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ) رواه الترمذي وصحَّحه الألباني.خامساً: إحسان الظنِّ بالله، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (إنَّ اللهَ يَقُولُ: أَنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأَنا مَعَهُ إذا دَعَانِي) رواه مسلم..هذا وصلوا وسلموا على نبيكم كما امركم بذلك ربكم فقال عز من قائل حكيما( ان الله وملائكته يصلون على النبي يا ايها امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) وقالr «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى الله عَلَيْهِ عَشْرًا») فاللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد بن عبدالله البشير النذير، والسراج المنير صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر والمقام الأطهر،وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين : أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن بقيَّة الصحابة، وعن التابعين، وتابعي التابعين، ومَن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجودك وكرمك وإحسانك يا أرحم الراحمين. اللهم إنا نسألك من خير ما سألك منه عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم ونستعيذك من شر ما ستعاذك منه عبدك ونبيك محمد r.اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ ، وَاحْمِ حَوْزَةَ الدِّينِ ، وَاجْعَلْ بَلَدَنَا آمِنًا مُطْمَئِنًّا وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ . ووفق ولي أمرنا بتوفيقك يارب العالمين اللهم ادفَع عنَّا الغَلاء والرِّياء، والربا والزنا والزلازل والمِحَن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصَّة، وعن سائر بلاد المسلمين عامَّة يا رب العالمين.. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ عِبَادَ اللهِ :إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فَاذْكُرُوا اللهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ، وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون}. 

 

 

 

 

 

 

 

  

 

المشاهدات 299 | التعليقات 0