التحذِيرُ منَ التحَزُّبِ (موافق للتعميم)
راشد بن عبد الرحمن البداح
الحمدُ للهِ الذي منَّ علينا بخيرِ الشرائعِ وأوفاها، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، عزَّ ربًا وجلَّ إلهًا، وأشهدُ أن محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، بعثهُ اللهُ بأكملِ المِلَلِ وأزكاها، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وأصحابِه، أعلمِ الأمةِ وأتقاها وأهداها، أما بعدُ:
فاتّقو اللهَ حقَّ التقوَى، فهيَ الذّخرُ الأبقَى والطّريقُ الأنقَى.
معاشِرَ المسلمينَ: إن اللهَ–تعالى- أمرَ بالاجتماعِ على الحقِ ونهَی عنِ التفرُّقِ والاختلافِ.
قالَ تعالَى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}[الأنعام: 159]وأمَرَ العِبادَ باتِّباعِ الصراطِ المستقيمِ، ونَهَاهُم عنِ السُبُلِ التي تَصْرِفُ عنِ الحقِ، فقالَ سبحانَه: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[الأنعام: 153].
وإنما يكونُ اتباعُ صِراطِ اللهِ المستقيمِ بالاعتصامِ بكتابِ اللهِ بل وسُنةِ رسولهِ، وقد دلتِ الأحاديثُ الصحيحةُ على أنَّ منَ السبُلِ التي نَهَى اللهُ تعالى عن اتّباعِها المذاهبُ والنِحَلُ المنحرفةُ عن الحقِ، فقد ثَبَتَ من حديثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعودٍ، قَالَ: خَطَّ رَسُولُ اللهِ e، خَطّاً بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ:"هَذَا سَبِيلُ اللهِ مُسْتَقِيمًا"، قَالَ: ثُمَّ خَطَّ عَنْ يَمِينِهِ، وَشِمَالِهِ، ثُمَّ قَالَ:"هَذِهِ السُّبُلُ، لَيْسَ مِنْهَا سَبِيلٌ إِلَّا عَلَيْهِ شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ" ثُمَّ قَرَأَ: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ). رواهُ الإمامُ أحمَدُ.
قَالَ الصَّحَابِيُّ الجَلِيْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيْ قَوْلُهُ: {وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}[الأنعام:153] وَقَوْلُهُ: {أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}[الشورى:13] وَنَحْوِ هَذَا مِنَ الْقُرْآنِ، قَالَ: "أَمَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْجَمَاعَةِ، وَنَهَاهُمْ عَنِ الاخْتِلَافِ وَالْفُرْقَةِ، وَأَخْبَرَهُمْ: أنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالْمِرَاءِ وَالْخُصُومَاتِ فِي دِينِ اللَّهِ"([1]).
والاعْتِصَامُ بكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ هُوَ سَبِيْلُ إِرْضَاءِ اللهِ وَأَسَاسُ اجْتِمَاعِ الكَلِمَةِ، وَوَحْدَةِ الصَّفِّ والوِقَايَةِ مِنَ الشُرُوْرِ والفِتَنِ، قَالَ تَعَالَى : {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 103]
فَعُلِمَ مِنْ هَذَا: أَنَّ كُلَّ مَا يُؤَثِّرُ عَلَى وَحْدَةِ الصَّفِّ حَوْلَ وُلَاةِ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَثِّ شُبَهٍ وَأَفْكَارٍ، أَوْ تَأْسِيسِ جَمَاعَاتٍ ذَاتِ بَيْعَةٍ وَتَنْظِيمٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَهُوَ مُحَرَّمٌ بِدَلَالَةِ الْكِتَابِ وَالسَّنَةِ.
وَفِي طَلِيعَةِ هَذِهِ الْجَمَاعَاتِ الَّتِي نُحَذِّرُ مِنْهَا جَمَاعَةُ الْإِخْوَانِ الْمُسْلِمِينَ، فَهِيَ جَمَاعَةٌ مُنْحَرِفَةٌ، قَائِمَةٌ عَلَى مُنَازِعَةِ وُلَاةِ الْأَمْرِ وَالْخُرُوجِ عَلَى الْحُكَّامِ، وَإِثَارَةِ الْفِتَنِ فِي الدُّوَلِ، وَزَعْزَعَةِ التَّعَايُشِ فِي الْوَطَنِ الْوَاحِدِ، وَوَصْفِ الْمُجْتَمَعَاتِ الْإِسْلَامِيَّةِ بِالْجَاهِلِيَّةِ.
وَمُنْذُ تَأْسِيسِ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهَا عِنَايَةٌ بِالْعَقِيدَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَلَا بِعُلُومِ الْكِتَابِ وَالسُّنّةِ، وَإِنَّمَا غَايَتُهَا الْوَصُولُ إِلَى الْحُكْمِ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ تَارِيخُ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ مَلِيئًا بِالشُّرُورِ وَالْفِتَنِ، وَمِنْ رَحِمِهَا خَرَجَتْ جَمَاعَاتٌ إِرْهَابِيَّةٌ مُتَطَرِّفَةٌ، عَاثَتْ فِي الْبِلَادِ وَالْعِبَادِ فَسَادًا، مِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ وَمُشَاهَدٌ مِنْ جَرَائِمِ الْعُنْفِ وَالْإِرْهَابِ حَوْلَ الْعَالَمِ.
وَمِمَّا تَقَدَّمَ يَتَّضِحُ أَنَّ جَمَاعَةَ الْإِخْوَانِ الْمُسْلِمِينَ جَمَاعَةٌ إِرْهَابِيَّةٌ لَا تُمَثِّلُ مِنْهَجِ الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا تَتْبَعُ أَهْدَافَهَا الْحِزْبِيَّةَ الْمُخَالِفَةَ لِهَدْيِ دِينِنَا الْحَنِيفِ، وَتَتَسَتَّرُ بِالدِّينِ وَتُمَارِسُ مَا يُخَالِفُهُ مِنَ الْفُرْقَةِ، وَإِثَارَةِ الْفِتْنَةِ، وَالْعُنْفِ وَالْإِرْهَابِ.فَعَلَى الْجَمِيعِ الْحَذَرُ مِنْ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ وَعَدَمُ الْاِنْتِمَاءِ إِلَيْهَا أَوِ التَّعَاطُفِ مَعَهَا.واللهَ نَسْأَلُ أَنْ يَحْفَظَنَا جَمِيعًا مِنْ كُلِّ شَرٍّ وَفِتْنَةٍ.
أيُّها المؤمنونَ: كلُّ ما مضَى من كلامٍ تحذيريٍ بأدلتهِ إنما هو بنصِّهِ بيانٌ صادرٌ مِن هيئةِ كبارِ العلماءِ قبلَ أمسٍ الأربعاءِ، فسدَّدَهم اللهُ وجزاهُم اللهُ عنا خيرَ الجزاءِ.
الحمدُ للهِ الذي كفَى ووقَى، وهدَى، والصلاةُ والسلامُ على إمامِ الهُدَى، وعلى آلهِ وصحبِهِ ومَنِ اهتدَى، أما بعدُ: فلنَنْأَ بأنفسِنا عن مُضلاتِ الفتنِ، ومن المتأكدِ جدًا لمن يُريدُ أن يَسلمَ له دينُه: ضرورةُ الابتعادِ عن مواضعِ الشبهاتِ والفتنِ، وألا يعتقدَ المرءُ أنه يقدِرُ على مواجهتِها، مع قلةِ العلمِ والدينِ. فقد قَالَ e: مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ؛ فَوَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَيَتَّبِعُهُ؛ مِمَّا يَبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ "([2]).
فاللهم يا مقلبَ القلوبِ ثبتْ قلوبَنا على دينِك، واهدِنا لما اختُلفَ فيه من الحقِ بإذنِكَ إنكَ تَهدي من تَشاءُ إلى صراطٍ مستقيم.)
{رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ }
- اللّهُمّ نسألكَ اللهم بعزكَ وذلِنا وغناكَ وفقرِنا وقوتِك وضعفِنا أن تقيَنا الفتنَ ما ظهرَ منها وما بطنَ، وأن تحفظَ علينا أمنَنا وإيمانَنا وغيرتَنا وثوابتَنا. وتعليمَنا وحدودَنا وجنودَنا
- اللهم احفظِ البلادَ والعبادَ من أيِّ سوءٍ ومكروهٍ. وادفعْ عنا وعنِ المسلمينَ الوباءَ والبلاءَ واللأواءَ، واكفنا شرَ الأهواءِ والأدواءِ، وقِنا فتنَ الشبهاتِ والشهواتِ، والبدعِ والمحدَثاتِ، وأهلِ الإشراكِ وكلِّ أفاكٍ.
- اللّهُمّ اكْفِنا مَا أَهَمّنا، وَمَا لَا نهْتَمُّ لَهُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنّا. وَوَجِّهْنا لِلْخَيْرِ أَيْنَمَا تَوَجّهْنا.
- اللَّهُمَّ امنُنْ علينا بتوبةٍ نصوحٍ قبل الموتِ، وبشهادةٍ عند الموتِ، وبرحمةٍ بعد الموتِ.
- اللهم أصلح أحوالَ المسلمين في كل مكان، واجمع شملَهم على الحقِ.
- اللهم وفَّقْ إمامَنا ووليَّ أمرِنا ووليَّ عهدِه لما تحبُّ وترضَى، وخُذْ بناصيتِهِما للبرِّ والتقوى. واجزهم خيرًا على ما يبذلون لمصلحة الإسلام، ولخدمة المسلمين.
- اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ. وأقمِ الصلاةَ إنَّ الصلاةَ تَنهَى عنِ الفحشاءِ والمنكرِ، ولَذِكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعونَ.
المرفقات
التحذير-من-التحزّب
التحذير-من-التحزّب
التحذير-من-التحزّب-2
التحذير-من-التحزّب-2