التحذير من التبذير

المهذب المهذب
1437/04/12 - 2016/01/22 05:49AM
هذه خطبة جمعتها من عدة خطب في هذا الملتقى المبارك ...


التحذيرُ من الإسْرَافِ والتَّبذير 12/4/1437
الخطبة الأولى:
الحَمدُ للهِ الْعَلِيِّ القَدِيرِ، أَبْدَعَ الخَلْقَ وَأَحْكَمَ التَّدْبِيرَ، سُبْحَانَه وَبحمْدِهِ "غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ"، أَحمَدُهُ تَعَالَى وَأَشْكرُهُ عَلَى فَضْلِه العَمِيمِ وَخَيرِه الوَفِير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له المُلكُ وله الحمدُ يُحيِي ويُميت وهو على كل شيءٍ قدير، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه البشيرُ النذير، والسراجُ المُنير، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وأزواجه وأصحابِه والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدّين. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مِنْ طَبِيعَةِ الْبَشَرِ التَّوَسُّعُ فِي النَّفَقَاتِ، وَالْمُبَالَغَةُ فِي الِاسْتِهْلَاكِ، وَهَدْرُ الْأَمْوَالِ عِنْدَ أَوَّلِ شُعُورٍ بِالثَّرَاءِ وَالْيَسَارِ، وَقَدْ جاءَ فِي الْقُرْآنِ أَنَّ مِنْ طَبِيعَةِ الْإِنْسَانِ السَّرَفَ عِنْدَ الْغِنَى، وَتَجَاوُزَ حُدُودِ الْقَصْدِ وَالِاعْتِدَالِ: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى*أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾، ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾.
وَلِتَهْذِيبِ الْإِنْسَانِ وَتَرْبِيَتِهِ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْقَصْدِ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا، وَضِدُّ الْقَصْدِ: السَّرَفُ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ: ﴿وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾. قَالَ عَطَاءٌ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: نُهُوا عَنِ الْإِسْرَافِ فِي كُلِّ شَيْءٍ.
وَالْإِسْرَافُ فِي شِرَاءِ الْأَطْعِمَةِ وَأَكْلِهَا أَوْ رَمْيِهَا مِنْهِيٌ عنه: ﴿كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾.
وَكَذَا الْإِسْرَافُ فِي الْمَلَابِسِ وَالْمَرَاكِبِ وَالْأَثَاثِ وَغَيْرِهَا مُحَرَّمٌ: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾، وَقَالَ النَّبِيُّ : «كُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَخِيلَةٍ».
وَهَذَا التَّشْدِيدُ فِي النَّهْيِ عَنِ السَّرَفِ مَا كَانَ إِلَّا لِأَجْلِ الْحِفَاظِ عَلَى الْأَمْوَالِ وَالْمَوَارِدِ الَّتِي يُسْأَلُ عَنْهَا الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَهُوَ يُسْأَلُ عَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وِفِيمَ أَنْفَقَهُ.
وَالسَّرَفُ يُعَارِضُ حِفْظَ الْمَالِ؛ بَلْ يُتْلِفُهُ وَيُؤَدِّي إِلَى إِفْقَارِ نَفْسِهِ، وَمِنْ ثَمَّ إِفْقَارُ أَهْلِ بَيْتِهِ وَقَرَابَتِهِ وَأُمَّتِهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى كَرِهَ لَنَا قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ.
وَلَمْ تُحَرِّمِ الشَّرِيعَةُ اكْتِسَابَ الْأَمْوَالِ وَنَمَاءَهَا وَالتَّزَوُّدَ مِنْهَا؛ بَلْ حَضَّتْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَكِنَّهَا حَرَّمَتِ الطُّرُقَ الْمُحَرَّمَةَ فِي كَسْبِهِ وَإِنْفَاقِهِ، وَإِنَّ مِنَ الطُّرُقِ الْمُحَرَّمَةِ فِي إِنْفَاقِهِ: السَّرَفَ فِيهِ، وَإِهْدَارَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ إِمَّا فِي سَفَرٍ مُحَرَّمٍ، وَإِمَّا فِي حَفْلَاتٍ بَاهِظَةِ التَكَالِيفِ، وَإِمَّا في شِرَاءِ كَمَالِياتٍ يُمكِنُ الاستِغْنَاءُ عَنْهَا. وَإِنَّ مَا يُنْفَقُ مِنْ أَمْوَالٍ عَلَى السَّفَرِ إِلَى بِلَادِ الْكُفْرِ وَالْفُجُورِ لَيَعْدِلُ مِيزَانِيَّاتِ دُوَلٍ كَامِلَةً، وَمَا يُنْفَقُ عَلَى الحَفَلَاتِ الَّتِي يُلْقَى فَائِضُ أَطْعِمَتِهَا فِي النُّفَايَاتِ لَيُنْقِذُ الْمَلَايِينَ مِمَنْ يَمُوتُونَ جُوعًا، فَهَلْ مِنْ حِفْظِ الْمَالِ هَدْرُهُ بِأَيَّةِ طَرِيقَةٍ؟! وَهَلْ مِنْ شُكْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى نِعْمَتِهِ إِنْفَاقُ المَالِ فِيمَا يُسْخِطُهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-؟!
هَلْ يَلِيقُ بِالمؤمِنِ هَدْرُ الْأَمْوَالِ وَإِتْلَافُهَا وَفِي الْمُسْلِمِينَ مُشَرَّدُونَ مَحْرُمُونَ، لَا يَجِدُونَ مَا يَسُدُّ جَوْعَتَهُمْ، وَلَا مَا يَكْسُو عَوْرَتَهُمْ؟! هَلْ مِنْ مَعَانِي الْأُخُوَّةِ فِي الدِّينِ أَنْ تَسْتَمْتِعَ -أَيُّهَا الْمُسْلِمُ- بِمَا أَعْطَاكَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكَ وَأَنْتَ تَرَى مَآسِيَ إِخْوَانِكَ الْمُسْلِمِينَ؟! وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ مُسْلِمٌ عَلَى وَجِهِ الْأَرْضِ يَحْتَاجُ إِلَى جُزُءٍ مِنْ مَالِكَ يَسُدُّ رَمَقَهُ، وَيُبْقِي عَلَى حَيَاتِهِ؛ لَمَا جَازَ لَكَ أَنْ تُهْدِرَ مَالَكَ فِي غَيْرِ الْحَقِّ، فَكَيْفَ وَالْمُسْلِمُونَ يَمُوتُ مِنْهُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ عَشَرَاتٌ جَرَّاءَ التَّجْوِيعِ وَالْحِصَارِ وَالْحِرْمَانِ؟!
إِنَّ عَدَمَ الِاهْتِمَامِ بِذَلِكَ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا لِلْعُقُوبَةِ، وَزَوَالِ الْأَمْوَالِ، وَإِفْقَارِ النَّاسِ؛ حَتَّى يَتَمَنَّى الْوَاحِدُ مِنْهُمْ مَا كَانَ يَلْقَى بِالْأَمْسِ فِي النُّفَايَاتِ عِيَاذًا بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ.
إِنَّ الأَخطَارَ تُحيطُ بِنَا، وَالنُذُرُ تَأتِينَا مِنْ بَينِ أَيدِينَا وَمِنْ خَلْفِنَا، وَالأَعداءُ يَتَهَيئُونَ لِلانْقِضَاضِ عَلَينَا، كَمَا دَمَّرُوا العِراقَ وَنَخِيلَهُ وَتَمرَهُ وَثَرَوَاتِهِ، فَلَا تَمْرَ فِي العِراقِ يَكفِي أَهلَهَا، وَقَدْ كَانَتْ فِي يَومٍ مِنَ الأَيَامِ تُصَدِّرُ لِلعَالَمِ فائضَ تَمرِهَا، فَأَحَالَها الصَفَوِيُّونَ خَرَابًا يَبَابًا، يَبْحثُ أَهلُهَا عَنْ بُلَغةٍ مِنْ عَيشٍ كَريمٍ فَلَا يَجِدُونَها، وَيَحلُمُونَ بِأَمْنٍ زَالَ عَنْهُم مُنذُ وَطِءَ الأًعداءُ أَرْضَهُمْ.
وَكانتِ الشَّامُ جَنَّةَ اللهِ تَعَالى فِي أَرْضِهِ، وَأَنَهَارُهَا أَعْذَبَ الأَنْهَارِ، وَفَاكِهَتُهَا أَطيبَ فَاكِهَةٍ، وَأَنُواعُ الحَلوَى مُنتَشِرةٌ فِي شَوَارِعِهَا، وَهِيَ الآنَ مِنْ دَمَارٍ إِلَى دَمَارٍ حَينَ سُلِّطَ عَلَيهَا البَاطِنِيُونَ فَغَزَوهَا وَدَمَّرُوهَا وَحَاصَرُوهَا حَتَى مَاتَ أَهْلُهَا جُوعًا.
مَنْ كَانَ يُصَدِّقُ أنَّ العِراقَ يَقِلُّ تَمْرُهَا، أَو أَنَّ الشَامَ تَذْبُلُ ثِمَارُهَا، وَيَيْبَسَ شَجَرُهَا؟
أَلَا فَاعتَبِرُوا -عبادَ اللهِ - بِما حَلَّ بِإِخْوَانِكُمْ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ بِكُمْ، وَخُذُوا حِذْركَم مِنْ سَخَطِ اللَّهِ تَعَالَى، وَارْعُوا نِعْمَتَهُ، وَإِيَّاكُمْ وَطَاعَةَ النِّسَاءِ وَالْأَوْلَادِ فِي السَّرَفِ وَتَضْيِيعِ الْأَمْوَالِ فِي الْحَفَلَاتِ الْبَاهِظَةِ، وَالْأَعْرَاسِ الْمُتَكَلِّفَةِ، وَالسَّفَرِ الْمُحَرَّمِ؛ فَإِنَّ لَذَّةَ الْمُحَرَّمِ تَزُولُ، وَيَبْقَى الإِثْمُ وَالحَسْرَةُ.
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا* إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا* وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلًا مَّيْسُورًا* وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا * إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا﴾
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ...

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
أَمَّا بَعْدُ: فَلَمْ يَكُنْ مِنْ هَدْيِ السَّلَفِ الصَّالِحِ الْإِسْرَافُ وَتَضْيِيعُ الْأَمْوَالِ، بَلْ كَانُوا مُقْتَصِدِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي الْحَقِّ، وَيَحْفَظُونَهَا عَنِ الْإِنْفَاقِ فِيمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ.
لَقَدْ كَانُوا -رَحِمَهُمُ اللَّهُ- مَعَ زُهْدِهِمْ وَوَرَعِهِمْ يَعْتَنُونَ بِقَلِيلِ الْمَالِ وَلَا يَحْتَقِرُونَ مِنْهُ شَيْئًا مَعَ اقْتِصَادٍ فِي الْمَعِيشَةِ وَالنَّفَقَةِ؛ وَلِذَا كَانَ الْقَلِيلُ مِنَ الْمَالِ يَكْفِيهِمْ.
وَقَدْ أَبَصَرَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ مَيْمُونَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- حَبَّةَ رُمَّانٍ فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَتْهَا وَقَالَتْ: "إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ". وَالْتَقَطَ أَبُو الدَّرْدَاءُ  حَبًّا مَنْثُورًا فِي غُرْفَةٍ لَهُ وَقَالَ: إِنَّ مِنْ فِقْهِ الرَّجُلِ رِفْقَهُ فِي مَعِيشَتِهِ. وَقَالَ عُمَرُ : الْخَرَقُ فِي الْمَعِيشَةِ أَخْوَفُ عِنْدِي عَلَيْكُمْ مِنَ الْعَوَزِ، لَا يَقِلُّ شَيْءٌ مَعَ الْإِصْلَاحِ، وَلَا يَبْقَى شَيْءٌ مَعَ الْفَسَادِ. وَأَخْبَارُهُمْ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ.
إِنَّ السَّرَفَ فِي الْعُصُورِ الْمُتَأَخِّرَةِ تَحَوَّلَ مِنْ سُلُوكٍ فَرْدِيٍّ لَدَى بَعْضِ التُّجَارِ وَالْوَاجِدِينَ إِلَى ظَاهِرَةٍ عَامَّةٍ تَجْتَاحُ الْأُمَّةَ كُلَّهَا؛ فَالْقَادِرُ يُسْرِفُ، وَالَّذِي لَا يَجِدُ يَقْتَرِضُ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُسْرِفَ وَيُلَبِّيَ مُتَطَلَّبَاتِ أُسْرَتِهِ مِنَ الْكَمَالِيَّاتِ وَمَا لَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ الأَولَى الِاسْتِغْنَاءِ عَنِ الْأَشْيَاءِ بَدَلَ الِاسْتِغْنَاءِ بِهَا حَتَّى لَا تَسْتَعْبِدَهُمُ الْمَادَّةُ، وَقَدْ قِيلَ: مِنْ اشْتَرَى مَا لاَ يَحْتَاجُ إِلِيهِ؛ بَاعَ مَا يَحْتَاجُ إِلِيهِ.
إنَّ ما نراهُ يا عبادَ اللهِ في هذه الأيامِ من مظاهرِ الإسرافِ والبَذخِ والمُباهاةِ، وما يتناقله الناسُ في وسائل التواصل الاجتماعي ليس والهأ من الكرمِ في شيءٍ! لا تُرضي ربَّ العالمين، ولا عبادَه الصَّالحينَ.. إنها مذمَّةٌ وليستْ مَحمدةً.. ونقيصةٌ وليستْ مكرمةً.. إنها معصيةٌ له تعالى، ومجاهرةٌ بذلك، وكفرٌ للنعمة، والهَ تعالى يقول: "ولئن كفرتم إن عذابي لشديد"، وهي أذانٌ بهلاكِ البلادِ إذا لم يُؤخذْ على أيدي هؤلاءِ المُترفينَ السُّفهاءِ، قالَ تعالى: "وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا"، فالإنكارُ واجبٌ على الجميعِ حتى لا يحلَّ بنا الدَّمارُ.
أكرمْ ضُيوفَكَ بما تعارفَ عليه المسلمونَ، وبما يُرضي اللهُ تعالى عنكَ، ثُمَّ اصرفْ ما فاضَ على الفقراءِ والمساكينِ، والأيتامِ والأراملِ والمُحتاجينَ.. وإياكَ ثُمَّ إياكَ أن تكونَ أنتَ وغيرُك سببَ تبديلِ أمنِنا خوفاً ورِزقِنا جوعاً، كما أخبرَ سُبحانَه: "وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ".
ولقد سمعنا من أجدادِنا قِصصَ الجوعِ والخوفِ التي عاشوها في هذه البِلادِ.. وأخشى -إن لم يتداركنا الهت برحمته- أن نحكيَ لأبنائنا وأحفادنا قِصصَ الأمنِ والنِّعمةِ التي نعيشها الآن!
اللهمَّ ارزقنا شُكرَ نعمائِك، وزِدنا من فضلِك وكرمِك وإحسانِك، واحشرنا يومَ القيامةِ مع أنبيائِك وأوليائِك وأصفيائِك، برحمتِك يا أرحمِ الرَّاحمينَ.. اللهم لا تؤاخذنا بما فعلَ السُّفهاءُ منَّا .. اللهم إنا نسألُك أن تردَّنا إلى الحقِّ ردًا جميلاً..
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ.
المشاهدات 1630 | التعليقات 0