التحذيرُ من أسبابِ الزلازلِ-30-2-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ فهد الغراب
محمد بن سامر
التحذيرُ من أسبابِ الزلازلِ-30-2-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ فهد الغراب
الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، أَمَّا بَعْدُ:
فإنَّ منْ تقديرِ اللهِ-تعالى-الحكيمِ الخبيرِ أنَ حجبَ العلمَ بوقتِ قيامِ الساعةِ عنْ جميعِ خلقهِ، وخصَّ بهِ نفسَه، وجعلهُ منْ غيبهِ، فلمْ يُظْهِرْ عليهِ مَلَكًا مقربًا، ولا نبيًا مرسلًا، قالَ-سبحانهُ-: (يسألكَ الناسُ عنْ الساعةِ قلَ إنما علمُها عندَ اللهِ وما يُدريكَ لعلَّ الساعةَ تكونُ قريبًا)، غيرَ أنَّ النّبيَ-صلى اللهُ عليهِ وسلّمَ-أخبرَ عنْ أماراتِها وأشراطِها، وهيَ العلاماتُ الدالةُ على قُربِ وقوعِها، ودُنُوِّ زمانِها، فكانَ وقوعُ هذهِ الأخبارِ النبويةِ الصادقةِ دليلًا منْ دلائلِ نبوتهِ، وعَلَمًا منْ أعلامِها، وآيةً بينةً على صدقِهِ-صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليهِ-فيما أخبرَ بهِ عنْ ربهِ.
ومما أخبرَ بهِ-صلى اللهُ عليهِ وسلّمَ-منْ أشراطِ الساعةِ كثرةُ الزلازلِ التي تكونُ في آخرٍ الزمانِ فقال: "لا تقومُ الساعةُ حتى يقبضَ العلمُ، وتكثرَ الزلازلُ، ويتقاربَ الزمانُ، وتظهرَ الفتنُ، ويكثرَ الهرجُ وهوَ القتلُ"، وعنْ أُمِّنا صفيةَ-رضي اللهُ عنها- أنها قالتْ: "زُلزلتْ المدينةُ على عهدِ عمرَ بنِ الخطابِ-رضي اللهُ عنه-فقالَ: يا أيّها الناسُ، ما هذا؟ ما أسرعَ ما أحدثتمْ! لئنْ عادتْ لا أُساكنُكمْ فيها أبدًا"، وقالَ كعبُ-رضيَ اللهُ عنهُ-: "إنّما تَزَلْزَلُ الأرضُ إذا عُمِلَ فيها بالمعاصي، فَتَرْعُدُ خوفًا منْ الربِ-جلَ جلالهُ-أنْ يَطَّلِعَ عليها"، وعنْ سلمةَ بنِ نُفَيْلٍ-رضيَ اللهُ عنهُ-قالَ: " كنا جلوسًا عندَ رسولِ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وسلّمَ فقال: "بينَ يدي الساعةَ مُوْتَانٌ شديدٌ، وبعدهُ سنواتُ الزلازلِ".
إخواني: وفي الشدائدِ والمصائبِ يعرفُ الناسُ عِزَّ الربِّ وقهرَه، وذُلَّ العبدِ وكسرَه، وأنَّ الخلقَ كلَّهمْ مِلْكهُ وعبيدهُ، راجعونَ إلى حُكْمِهِ وتدبيرهِ، لا مفرَّ لهمْ منهُ، ولا محيدَ لهمْ عنهُ، والمؤمنونَ على يقينٍ أنَ أفعالَ اللهِ-عزَ وجلَ-تتضمنُ الحكمةَ وإنْ غابتْ عنْ عقولِنا، والمؤمنُ يعتقدُ أنَ اللهَ خالقُ هذا الكونِ، كلُ ما يتحركُ في السماءِ، وما تـمورُ بهِ الأرضُ، كلُّ نسمةِ وحركةِ بإذنِ اللهِ-تباركَ وتعالى-، قالَ-تعالى-: (وخلقَ كلَّ شيءٍ فقدرَهُ تقديرًا).
والمؤمنونَ يتعاملونَ معَ الأحداثِ بالعظةِ والاعتبارِ، قالَ-تعالى-: (إنَّ في ذلكَ لعبرةً لمنْ يخشى)، ويأخذون منها الدروسَ التي تَفتحُ الآذانَ، وتُوقظُ القلوبَ، وتُحركُ المشاعرَ، قالَ-تعالى-: (وما نُرسلُ بالآياتِ إلا تخويفًا)، إنَّ زلزالَ الدنيا مهولٌ، وآثارهُ مدمرةٌ، وواقعهُ مفجعٌ، وهوَ في الوقتِ نفسِهِ موقظٌ للمؤمنين منْ رقدتهم ليتذكروا الآخرةَ، (أفحسبتمْ أنما خلقناكمْ عبثًا وأنكمْ إلينا لا تُرْجعونَ).
زلزالُ الدنيا أرضٌ ترتجفُ، ومبانٍ تسقطُ، يموتَ منْ يموتُ، ويحيا منْ بقيَ لهُ منْ عُمُرِهِ بقيةٌ، أما زلزالُ الآخرةِ ففيه تذهلُ المراضعُ، وتضعُ الحواملُ، وتشيبُ الولدانُ، والناسُ كالسكارى منْ هولِ الموقفِ والذعرِ، قالَ-تعالى-: (يا أيها الناسُ اتقوا ربكمْ إنَ زلزلةَ الساعةِ شيءٌ عظيمٍ*يومَ ترونها تذهلُ كلُّ مرضعةٍ عما أَرضعتْ وتضعُ كلُّ ذاتِ حَمْلٍ حملَها وترى الناسَ سُكارى وما همْ بسُكارى ولكنْ عذابَ اللهِ شديدٌ).
وسبيلُ النجاةِ والمخرجُ منْ الكُرَبِ والفتنِ والشدائدِ اللجوءُ إلى اللهِ-تعالى-وحدهُ، والفزعُ إليهِ، والتوبةُ والاستغفارُ والصلاةُ، والأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عنْ المنكرِ، قالَ-تعالى-: (فأخذناهمْ بالبأساءِ والضراءِ لعلهمْ يتضرعونَ)، وقالَ-سبحانه-: (أَمَّنْ يُجيبُ المضطرَ إذا دعاهُ ويكشفُ السوءَ)، وقال-عز وجل-: (وما كانَ اللهُ لِيُعذبَهمْ وأنتَ فيهمْ وما كانَ اللهُ مُعذبَهمْ وهمْ يستغفرونَ)، وقالَ-تعالى-: (وما كانَ ربكَ ليهلكَ القرى بظلمٍ وأهلُها مُصلحونَ).
أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:
فيقولُ اللهُ-تعالى-: (ظهرَ الفسادُ في البرِ والبحرِ بما كسبتْ أيدي الناسِ ليذيقهمْ بعضَ الذي عملوا لعلهمْ يرجعونَ)، يقولَ ابنُ القيمِ-رحمهُ اللهُ-: "ونَزِّلْ هذهِ الآيةَ على أحوالِ العالمِ، وطَابِقْ بينَ الواقعِ وبينها، وأنتَ ترى كيفَ تحدثُ الآفاتُ والعللُ كلَّ وقتٍ، في الثمارِ والزرعِ والحيوانِ، وكيفَ يحدثُ منْ تلكَ الآفاتِ آفاتٌ أُخرُ متلازمةٌ، بعضُها آخذٌ برقابِ بعضٍ، وكلما أحدثَ الناسُ ظلمًا وفجورًا أحدثَ لهمْ ربُهمْ-تباركَ وتعالى-منْ الآفاتِ والعللِ في أغذيتِهمْ وفواكهِهمْ، وأهويتِهمْ ومياهِهمْ، وأبدانِهمْ وخلقِهمْ، وصُوَرِهمْ وأشكالِهمْ وأخلاقِهمْ منْ النقصِ والآفاتِ ما هوَ موجبُ أعمالِهمْ وظلمِهمْ وفجورِهمْ ".
إخواني: إننا في زمانٍ كثرت فيه البلايا والآفات: زلازلُ وبراكينُ، وفيروساتٌ وأمراضٌ، وحروبٌ ومجاعاتٌ، ولقدْ أخبرَ رسولُ اللهِ-صلى اللهُ عليه وسلَّمَ-عن أسباب وقوعِها فقال: "لمْ تظهرِ الفاحشةُ في قومٍ قطُ حتى يعلنوا بها إلا فشا-انتشرَ-فيهم الطاعونُ والأوجاعُ التي لمْ تكنْ في أسلافِهم الذين مَضَوْا"، قالَ-سبحانه-: (كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ).
وإنَّ مما يدعو إلى الأسفِ والعجبِ ما درجتْ عليه وسائلُ الإعلامِ من إِظهارِ هذه الكوارثِ على أنها ظواهرُ طبيعيةٌ، وأنَّ سببَها تصدّعٌ في باطنِ الأرضِ ضعُفتِ قِشْرُتها عن تحمّله، فترتّبَ من جَرّاء ذلك حدوثُ تلك الهزّاتِ المُزلزِلةِ.
والسؤالُ الموجّهُ إلى هؤلاءِ وأمثالِهم: مَن الذي قدّر لهذا الصدعِ أن يَحدُثَ؟ ومن الذي أضعفَ قشرةَ الأرضِ أنْ تتحمّلَه؟ أليس هو اللهُ، بسببِ انتشارِّ المنكراتِ، واستبدالِ الذي هو أدنى بالذي هو خيرٌ، والأمنِ من مكرِ اللهِ.
قال الشيخُ ابنُ بازٍ-رحمه الله-: "فالواجب عند الزلازلِ وغيرِها من الآياتِ، والكسوفِ والرياحِ الشديدةِ والفيضاناتِ، البِدَارَ-المبادرةَ-بالتوبةِ إلى اللهِ-سبحانَه-والضراعةَ إليهِ، وسؤالَه العفوَ والعافيةَ، والإكثارَ من ذكرِه واستغفارِه".
وأما ما أصابَ إخوانَنَا هنا وهناك، فنحن مؤازِرُونَ مُواسُونَ.
اللهم يا حيُّ يا قيومُ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ، نسألكَ بأسمائِك الحُسْنَى، وصفاتِك العُلَى.
اللهم ارحمْ ضعفَهم، واجبرْ كسرهم، وأطعمْ جائعَهم، واكسُ عاريَهم، واشفِ مرضاهم، وعافِ مبتلاهم، وتقبل من مات منهم في الشهداء.
اللهم اجعل ما أصابهم، رفعةً لدرجاتِهم، وزيادةً في حسناتِهم، وتكفيرًا لسيئاتِهم.
يا ولي الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ.
اللَّهُمَّ أصلحْ لنا وللمسلمينَ الدِّينَ والدُنيا والآخرةَ، واجعلِ الحياةَ زيادةً في كلِّ خيرٍ، والموتَ راحةً منْ كلِّ شرٍ.
اللَّهُمَّ اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها.
اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ في كلِّ شيءٍ.
اللَّهُمَّ يا شافي اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمينَ والـمسالـمينَ.
اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، واجعلْ أَمرَهم لِنَصرِ دِينِكَ، ولإعلاءِ كَلمتِكَ، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى.
اللَّهُمَّ انصرْ الإسلامَ والمسلمينَ، وجنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالـمينَ غانـمينَ.
اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمين.
المرفقات
1694660562_التحذيرُ من أسبابِ الزلازلِ-30-2-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ فهد الغراب.docx
1694660564_التحذيرُ من أسبابِ الزلازلِ-30-2-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ فهد الغراب.pdf