التجاوز الرباني عن الضعف الإنساني ..أ‌. زياد الريسي – مدير الإدارة العلمية

الفريق العلمي
1439/09/14 - 2018/05/29 12:11PM

الحمدلله والصلاة على رسول الله وعلى آله وصحبه والتابعين، وبعد

 

أيها الإخوة: لقد كان من حكمة الله -سبحانه- يوم خلق أبا البشر آدم -عليه السلام- أن جبله على أشياء كثيرة وخلقه على جوانب نقص عديدة، وهي صفات ضعف زامنت هذا الكائن البشري منذ خلقه من تراب وإلى أن صار نطفة ثم إلى أن صار جسدا من لحم وعظم ودم، وحتى يعود إليه سبحانه، ولذلك الضعف البشري مظاهر وصور، نذكر منها ما يلي:

النسيان: وبه كان سبب خروجه من الجنة ومقامه في الأرض، وذلك لما نسي تحذير الله لهما وعهده إليهما ألا يأكلا من الشجرة، فتمكّن الشيطان في هذه اللحظة من الوسوسة لهما وإغوائهما، قال الله: (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا)[طه: 115].

 

الضعف: فالإنسان ضعيف من الناحية الجسديّة والعقليّة والنفسيّة، وخاصّةً في مرحلة الشيخوخة، وحين يعتريه المرض والتعب والهموم والأحزان، قال الله: (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا)[النساء:28].

 

العجلة وعدم التأني: وهذا يقوده إلى كثير الأخطاء ويجلب عليه مفاسد لا يمكن تلافيها؛ بخلاف التأني والتريث فهو يقود إلى نتائج إيجابية كثيرة ومصالح محققة، قال تعالى: (خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ ۚ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ)[الأنبياء:37].

ولو تذكر الإنسان ماضيه سيجد عدداً من الأخطاء ارتكبها كانت نتيجة فقده صبره وعدم ضبطه نفسه.

 

ومنها الظلم والجهل: قال ربنا عز وجل: (وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)[الأحزاب: 72]، فهو ظلوم بسبب تقصيره فيها، وجهله لأنه فرط في أسباب الوفاء بها.

 

الهلع: وهو الحريص الجزوع البخيل المتضجر، الذي لا يستقيم مع أقدار الله ولا يجيد التعامل معها، لاختلال ميزانه، قال الله: (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا)[المعارج: 19 - 21]، فوجود هذه الصفة في الإنسان تجعله مضطرباً متنكراً متقلباً غير مستقر الحال ولا هادئ البال.

 

الجدال والمراء: وما أكثر ذلك فيه؛ فهو يجادل في حق وباطل وفيما يعلم وما يجهل يجادل عن نفسه وعن غيره، ودليل ذلك ما ذكره الله في قوله: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا)[الكهف:54].

وفي الحديث الذي أخرجه البخاري -رحمه الله- أنَّ رسولَ اللهِ -ﷺ- طرقَهُ وفاطمةَ -عليها السلامُ- بنتَ رسولِ اللهِ ﷺ، فقال لهمْ : "ألا تُصلُّونَ. فقال عليٌّ: فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنما أنفسٌنا بيدِ اللهِ، فإذا شاء أن يبعثَنا بعثَنا. فانصرف رسولُ اللهِ -ﷺ- حين قال لهُ ذلك، ولم يرجع إليهِ شيئًا، ثم سمعهُ وهو مُدبرٌ، يضرب فخِذَهٌ، وهو يقولٌ: (وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا) (صحيح البخاري ٧٣٤٧).

 

البخل وحب المال: والذي يتمثل في حبّ الإنسان لجمع المال وخشيته من إنفاقه، أو الحرص على إخفاء النعم التي وهبها الله -تعالى- له، قال سبحانه: (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا)[الإسراء: 100].

فأما عن حب المال؛ فقال الله: (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا)[الفجر: 20]، وهذه المحبة طبيعة خلقنا الله عليها، وأثبتها فينا قرآنا محكماً لا يتغير أبد الدهر؛ إلا أن المشكلة يوم يكون حب المال أعظم من حب الله ومراده وحين يكون حبه وجمعه سببا في تضييع أمره وارتكاب نهييه.

 

اليأس والإحباط: حيث يلاحظ أن الإنسان يصبح يائساً ويملأ قلبه الإحباط والقلق عندما يمسه الشر، وتتلاشى ثقته برحمة الله، وما يدلّ على ذلك قوله تعالى: (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوساً)[الإسراء:83]. .

 

الكفر والكنود: وهو عدم الإيمان بالله وجحود نِعمَه ونكرانها، قال الله عن أهل سبأ: (ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ)[سبأ: 17]، وقوله سبحانه: (إنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ)[العاديات: 6].

 

التمني وطول الأمل: وهذه الآفة ملازمة للعبد ولا تقل مع مرور الأيام غالبا؛ بل تزداد كلما تقدم المرء في السن؛ إلا عند من أدركوا أن الدنيا متاع وأن الآخرة هي دار القرار، قال الله على لسان مؤمن آل فرعون: (يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ)[غافر: 39]؛ وفي الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يَزَالُ قلبُ الكبيرِ شابًّا في اثنتينِ: في حُبِّ الدنيا، وطُولِ الأَمَلِ" (صحيح الجامع ٧٦٩٨).

 

الغرور والطغيان: وتبرزان هاتان الصفتان في الإنسان يوم يعيش نعمة لا يعيشها غيره؛ سلطة أو غنى أو عشيرة أو غير ذلك من مقومات البطش ودوافع الغرور، قال الله: (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى)[العلق: 6، 7].

ومن هذا الطراز حدث ولا حرج وعن هذا الفصيل مثِّل ولا أسف؛ فمن النمرود إلى قارون وفرعون ثم الوليد بن المغيرة وغيرهم فلا يعدم منهم زمان ولا مكان؛ وقد تحدث القرآن عن إعراضهم عن الله وتمردهم عن شرعه وتنكرهم لنعمه وظلمهم لعباده، مثال ذلك قوله تعالى: (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ * فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)[القصص: 78، 79]

وقليل من عباده من يرعى تلك النعم ويحفظ لله شكرها ويعطي للعباد حقها ويشاركهم فيها ولا يتسلط عليهم بها.

 

الحسد: ومتى تمكن هذ الخلق المشين من قلب صاحبه أتى عليه بالويلات وجر على غيره النكبات، ولا يشفع عند صاحبه قربى ولا رحم ولا جوار ولا خلة، ولا أدل على هذا مما فعله هابيل من قتله أخيه قابيل؛ ليتخلص منه طمعا بأخته التي كانت بالنسبة لشريعتهم محرمة عليه وحلال لأخيه، قال ربنا: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ)[المائدة: 27].

وهي من ساقت إخوة يوسف على جريمتهم النكراء، وهي إلقاء أخيهم الصغير في البئر حسدا منهم على مكانته من أبيه -حد زعمهم-، قال الله: (إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ)[يوسف: 8، 9].

 

الحرص والطمع: وهذه هي الثغرة التي دخل منها إبليس على آدم -عليه السلام-؛ وهي حرصه على الخلود فيها وطمعه في الزيادة منها؛ فلما كانت هذه نقطة ضعف لديه وثغرة استطاع من خلالها الشيطان النفوذ إلى ما يريد، قال الله -تعالى-: (وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ)[الأعراف: 20].

وحب الملك والمال غريزة في النفس البشرية، وجبلة في الطبيعة الإنسانية، والإثم والعتب ليس في التعامل مع المال أو التطلع للملك إنما الإثم في سوء جمعه أنفاقه وسوء إدارته وتعامله.

 

أيها الفضلاء: هذه الصفات وغيرها لم يسلم منها أبو البشر آدم -عليه السلام- حتى وهو في السماء؛ فقد جاء في تفسير قوله تعالى: (خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ)[الأنبياء: 37]، أنه لَمَّا دَخَلَ الروح في عيني آدَمَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- نَظَرَ فِي ثِمَارِ الْجَنَّةِ، فَلَمَّا دَخَلَ جَوْفَهُ اشْتَهَى الطَّعَامَ، فَوَثَبَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَبْلُغَ الرُّوحُ رِجْلَيْهِ عَجْلَانَ إِلَى ثِمَارِ الْجَنَّةِ. فَذَلِكَ قَوْلُهُ:" خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ" تفسير القرطبي (11/ 289)، ففرضت عليه صفات الضعف وهو في الجنة فكان خروجه منها.

 

ولا زالت تلك الصفات التي جبل عليها أبو البشر وذريته ملازمة لهم لا تنفك عنهم بحال من الأحوال حتى موتهم.

 

ولما كانت خلقة الإنسان مصبوغة بطباع ضعف وصفات نقص؛ جعل من قدراته الذهنية والبدنية والعقلية وغيرها محدودة، ولهذا يقع منه الخطأ والنسيان ويكون منه الزلة والهفوة؛ فعفى الله ما يكون منها بغير اختياره –كما سيأتي بيانه-؛ فقد جاء من حديث عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: "لمَّا نزلت هذِه الآيةُ (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) دخلَ قلوبَهم منها شيءٌ فقال النَّبيُّ -ﷺ- قولوا سمِعنا وأطعنا وسلَّمنا فألقى اللَّهُ في قلوبِهمُ الإيمانَ فأنزلَ اللَّهُ -تعالى-: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ) إلى قولِه: (إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) قال قد فعلتُ (رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ) قال قد فعلتُ" (أبو نعيم (٤٣٠ هـ)، حلية الأولياء ٧/١١٥ صحيح متفق عليه؛ أي: بين العلماء)، وقال عليه الصلاة والسلام: "كلُّ بني آدمَ خطَّاءٌ وخيرُ الخطَّائينَ التوَّابون" (أنس بن مالك - صحيح ابن ماجه ٣٤٤٧).

 

ولأجل هذا وغيره كان من رحمة الله -سبحانه- أن جعل في تشريعاته من الأسباب ما ترفع الحرج وتزيل الإثم، وبالتالي تمنع عن صاحبها العقوبة والمؤاخذة، ومن تلك الموانع:

  • رفع الحرج والإثم عن المخالفة التي باعثها الخطأ أو النسيان، قال الله -تعالى-: (لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)[البقرة: 286]، وفي الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنَّ اللهَ تجاوزَ عَن أمَّتي الخطأَ والنِّسيانِ وما استُكرِهوا علَيهِ" (أبو ذر الغفاري - الألباني، صحيح ابن ماجه ١٦٧٥).

 

  • رفع الحرج والإثم عن المخالفات التي سببها الجنون وما يدخل في حكمه كالإغماء والنوم، قال صلى الله عليه وسلم: "رُفِعَ القلمُ عن ثلاثةٍ عن النائمِ حتى يستيقظَ وعن الْمُبْتَلى حتى يبرأَ"، وفي رواية "وعن المجنونِ وفي لفظ المعتوهِ حتى يعقلَ أو يُفيقَ وعن الصبيِّ حتى يَكبُرَ"(عائشة أم المؤمنين - الألباني، إرواء الغليل ٢-٤ صحيح على شرط مسلم).

 

  • رفع الحرج والإثم عن المخالفات التي سببها الجهل، ويدخل فيه عدم الفهم أو الضعف والقصور في الإدراك، قال الله: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا)[الإسراء: 15].

 

  • رفع الحرج والإثم عن المخالفات التي سببها الإكراه والإجبار، قال سبحانه: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)[النحل: 106]، وفي سبب نزولها أن عمار بن ياسر -ضي الله عنهما- لما شدد عليه المشركون العذاب قالوا له: "لا نَتْرُكُك حتى تَسُبَّ مُحَمَّدًا أو تقولَ في اللاتِ والعُزَّى خيرًا ففعل، فتركوه فأَتَى النبيَّ -ﷺ- يبكي فقال: ما وراءَك. قال شَرٌّ يا رسولَ اللهِ، كان الأمرُ كذا وكذا!! قال: فكيف تَجِدُ قلبَك ؟ قال: أَجِدُه مطمئنًّا بالإيمانِ. فقال: يا عمارُ إن عادوا فَعُدْ. فأنزل اللهُ -تعالى-: (إِلَّا مَن أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ)". (الألباني - فقه السيرة ١٠٣).

 

  • رفع الحرج والإثم عن المخالفات التي سببها الضرورة والحاجة، قال عز وجل: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ)[الأنعام: 119].

 

  • رفع الحرج والإثم عن المخالفات التي سببها المشقة والعسر، قال سبحانه: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ)[المائدة: 6]، وقال سبحانه: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)[البقرة: 286].

 

  • رفع الحرج والإثم عن المخالفات التي باعثها الله ورسوله؛ مثل الغضب الذي يفضي إلى تجاوز الحد بسبب الغيرة لله ولرسوله، وفي ذلك قال الله: (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ)[الأعراف: 150]، ومنه قول عمر لحاطب يوم أرسل رسالة إلى أهل مكة يسر لهم بقدوم النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: "فقالَ عمرُ بنُ الخطَّابِ: دعني يا رسولَ اللَّهِ أضرِبْ عنقَ هذا المُنافقِ، فقالَ النَّبيُّ -ﷺ-: إنَّهُ قد شَهِدَ بدرًا، فما يُدريكَ لعلَّ اللَّهَ اطَّلعَ على أَهْلِ بدرٍ، فقالَ: اعمَلوا ما شئتُمْ فقد غفَرتُ لَكُم.."، (علي بن أبي طالب - الألباني، صحيح الترمذي ٣٣٠٥).

 

  • رفع الحرج والإثم عن المخالفات التي سببها دفع مفاسد كبرى أو تحقيق مصالح عظمى، قال الله: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ)[البقرة: 216]، قال الله: (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)[النساء: 19]. وقال الله: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا)[البقرة: 219].

 

وكما في قصة الخضر وموسى -عليهما السلام- حيث ارتكب الخضر مخالفات شرعية ثلاث وهي (خرق السفينة، قتل نفس الكفل الزكية، التي كان سببها تحقيق مصالح كبرى ودفع مفاسد أكبر.

 

فالحرج الذي سببه صفات الضعف أو المسوغات التي ذكرنا يدفع ويغفر؛ وهناك من الحرج ما يقع إلا أن ثبوته يمحو وعقوبته ترفع بأمور؛ ولعل في كلام شيخ الإسلام -رحمه الله- ما يفيد ذلك قال رحمه الله: "وقد دلت نصوص الكتاب والسنة: على أن عقوبة الذنوب تزول عن العبد بنحو عشرة أسباب:

أحدها: التوبة وهذا متفق عليه بين المسلمين. الثاني: الاستغفار. الثالث: الحسنات الماحية. الرابع: الدافع للعقاب. الخامس: ما يعمل للميت من أعمال البر كالصدقة ونحوها. السادس: شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- وغيره في أهل الذنوب يوم القيامة. السابع: المصائب التي يكفر الله بها الخطايا في الدنيا. الثامن: ما يحصل في القبر من الفتنة والضغطة والروعة فإن هذا مما يكفر به الخطايا. التاسع: أهوال يوم القيامة وكربها وشدائدها. العاشر: رحمة الله وعفوه ومغفرته بلا سبب من العباد.

فإذا ثبت أن الذم والعقاب قد يدفع عن أهل الذنوب بهذه الأسباب العشرة كان دعواهم أن عقوبات أهل الكبائر لا تندفع إلا بالتوبة مخالف لذلك. اهـ النقل من كتاب "الإيمان الأوسط، شرح حديث جبريل -عليه السلام-" وهو مستل من مجموع الفتاوى (7/ 487).

 

نسأل الله -تعالى- العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة. اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها خطأها وعمدها هزلها وجدها سرها وعلانيتها أولها وآخرها وما أنتم أعلم بها مننا.

 

المشاهدات 573 | التعليقات 0