التُّجَّارُ هُمُ الفُجَّارُ !!! 1444/8/4ه
يوسف العوض
عِبَادَ اَللَّهِ :أَخْرَجَ اَلْإِمَامٌ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اَللَّهُ فِي صَحِيحِهِ عَنْ تَمِيمِ اَلدَّارِي رضي اللهُ عنه :أَنَّ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : « اَلدِّينُ اَلنَّصِيحَةُ ، اَلدِّينُ اَلنَّصِيحَةُ ، اَلدِّينُ اَلنَّصِيحَةُ ، لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِنَبِيِّهِ وَلِأَئِمَّةِ اَلْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهُمْ » فَالنَّصِيحَةُ وَاجِبَةٌ فِي هَذَا اَلدِّينِ ، وَفَرِيضَةٌ عَيْنَيْهِ عَلَى جَمِيعِ اَلْمُسْلِمِينَ ، وَلِذَلِكَ كَانَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْرِضُهَا عَلَى أَصْحَابِهِ ، وَيَأْخُذُ عَلَيْهَا اَلْبَيْعَةَ مِنْ أَتْبَاعِهِ ، عَنْ جَرِيرِ بنِ عَبْدِ اَللَّهْ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ قَالَ : « بَايَعَتُ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِقَامِ اَلصَّلَاةِ ، وَإِيتَاءِ اَلزَّكَاةِ ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ » .
عِبَادَ اَللَّهِ : كَمَا أَوْجَبَ اَللَّهُ اَلنَّصِيحَةَ عَلَى اَلْمُؤْمِنِينَ ، وَجَعَلَهَا فَرْضًا عَيْنِيًّا عَلَى اَلْمُسْلِمِينَ ، فَقَدْ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ اَلْغِشَّ بِضُرُوبِهِ وَأَنْوَاعِهِ ، وَبِكُلِّ أَشْكَالِهِ وَأَلْوَانِهِ ، لِأَنَّ اَلْغِشَّ يُنَافِي اَلْإِيمَانَ ، وَيُنَاقِضُ اَلصِّدْقَ ، وَيُضَادُّ اَلْإِخْلَاصَ ، فَالْمُؤْمِنُ لَا يَكُونُ غَشَّاشًا ، وَالْغَشَّاشُ لَا يَكُونُ مُؤْمِنًا ، فَالْغِشُّ حَرَامٌ ، مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي اَلْإِسْلَامِ ، مَعْدُودٌ مِنْ كَبَائِرِ اَلْآثَامِ ، وَمَا ذَلِكَ إِلَّا لِعُمُومِ ضَرَرِهِ ، وَشُمُولِ خَطَرِهِ ، وَاسْتِفْحَالِ أَمْرِهِ ، وَكَثْرَةِ شَرِّه ، يَدْفَعُ اَلْمُجْتَمَعُ كُلُّه ثَمَنَهُ ، وَيَجْنِي اَلصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ نَتِيجَتَهُ وَثَمَرَهُ ، فَهُوَ عَائِقٌ مِنْ عَوَائِقِ اَلنَّهْضَةِ ، وَأَحَدُ أَسْبَابِ تَخَلُّفِ اَلْأُمَّةِ ، وَأَيمُ اَللَّهِ مَا تَخَلَّفَ اَلْمُسْلِمُونَ إِلَّا لَمَّا اِنْتَشَرَ فِيهِمْ اَلْغِشُّ وَالْخِيَانَةُ ، وَالْغَدْرُ وَالْخَدِيعَةُ ، إِلَى جَانِبِ أَمْرَاضٍ فَتَّاكَةٍ غَيْرَهَا ، وَلِهَذَا فَإِنَّ اَلْغَاشَّ لَا يَحِقُّ لَهُ أَنْ يَعُدَّ نَفْسَهُ مِنْ اَلْمُسْلِمِينَ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْتَحِلَ هُوِيَّةَ اَلْمُؤْمِنِينَ ، وَإِنْ اِسْتَقْبَلَ قِبلَتَهُمْ ، وَحَجَّ بَيْتَهُمْ ، وَصَامَ مَعَهُمْ ، وَأَدَّى زَكَاتَهُ لِفُقَرَائِهِمْ! اَلَّذِي يَغُشُّ اَلنَّاسَ وَيَخْدَعُهُمْ وِيمْكُرُهُمْ ، طَرَدَهُ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صُفُوفِ أُمَّتِهِ ، وَأَخْرَجَهُ مِنْ دَائِرَةِ أَتْبَاعِ مِلَّتِهِ ، رَوَى اَلْإِمَامُ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اَللَّهُ فِي صَحِيحِهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ أَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : « مِنْ حَمَلَ عَلَيْنَا اَلسِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا ، وَمِنْ غَشّنَا فَلَيْسَ مِنَّا ».
إِخْوَةَ اَلْإِيمَانِ : اَلْغِشُّ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى مَيْدَانٍ ، وَلَا يَخُصُّ مَجَالاً دُونَ آخَرَ ، فَالْغِشُّ يُمْكِنُ أَنْ يُمَارِسَ فِي جَمِيعِ اَلْحِرَفِ وَالْمِهَنِ ، وَفِي كُلِّ اَلْمَنَاصِبِ وَالْوَظَائِفِ ، بَلْ وَحَتَّى فِي اَلتَّعْلِيمِ وَالدِّرَاسَةِ ، وَالزَّعَامَةِ وَالْإِمَامَةِ ، إِلَّا أَنَّ اَلْمَجَالَ اَلَّذِي بَرَزَ فِيهِ بِشَكْلٍ فَظِيعٍ وَمُثِيرٍ ، مَجَالُ اَلتِّجَارَةِ ، وَمَيْدَانُ اَلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ ، وَلِذَلِكَ نَبَّهَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ ، وَحَذَّرَ اَلتُّجَّارَ مِنْهُ ، وَأَمْرَهُمْ أَنْ يُبَيِّنُوا مَا قَدْ يَكُونُ فِي اَلسِّلَعِ وَالْبَضَائِعِ مِنْ عُيُوبٍ يُمْكِنُ أَنْ تَخْفَى عَلَى اَلْمُشْتَرِي وَلَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا إِلَّا لَاحِقًا بَعْدَ إِبْرَامِ اَلصَّفْقَةِ وَفَوَاتِ اَلْأَوَانِ ، فَهَذَا هُوَ اَلْغِشُّ اَلتِّجَارِيُّ ، رَوَى اَلْإِمَامْ مُسْلِمْ رَحِمَهُ اَللَّهُ فِي صَحِيحِهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ اَلْحَبِيبَ اَلْمُصْطَفَى صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" مَرَّ عَلَى صَبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا ، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلاً فَقَالَ : « مَا هَذَا يَا صَاحِبَ اَلطَّعَامِ ؟ » قَالَ أَصَابَتْهُ اَلسَّمَاءُ يَا رَسُولَ اَللَّهِ ، قَالَ : « أَفَلَا جَعَلَتْهُ فَوْقَ اَلطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ اَلنَّاسُ ، مِنْ غشَّ فَلَيْسَ مِنِّي ».
عِبَادَ اَللَّهِ : وَمِنَ غَشِّ اَلتِّجَارِيِّ اَلَّذِي حَرَّمَهُ اَلْإِسْلَامُ ، اَلْخَلْطُ بَيْنَ اَلْبِضَاعَةِ اَلْجَيِّدَةِ ، وَالْبِضَاعَةِ اَلرَّدِيئَةِ ، أَوْ اَلْبِضَاعَةِ اَلرَّخِيصَةِ وَالْبِضَاعَةِ اَلثَّمِينَةِ ، فَالْإِسْلَامُ يَأْمُرُ اَلتَّاجِرَ أَنْ يَعْرِضَ كُلَّ نَوْعٍ مِنْ اَلْبِضَاعَةِ عَلَى حِدَةٍ ، رَوَى اَلْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اَللَّهُ فِي مَسْنَدِهِ عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : مَرَّ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَعَامٍ وَقَدْ حَسَّنَهُ صَاحِبُهُ ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ ، فَإِذَا طَعَامٌ رَدِيءٌ فَقَالَ : « بِعْ هَذَا عَلَى حِدَةٍ ، وَهَذَا عَلَى حِدَةٍ ، فَمَنْ غَشّنَا فَلَيْسَ مِنَّا » ، وَالْغِشُّ كُلُّهُ دَمَارٌ ، وَهَلَاكٌ وَخَسَارٌ ، يَذْهَبُ بِالْبَرَكَاتِ ، وَيَجُرُّ اَلْوَيْلَاتِ ، وَيَأْتِي بِالْآفَاتِ ، وَيَفْتَحُ عَلَى صَاحِبِهِ أَبْوَابَ اَلْمُهْلِكَاتِ ، فَما يَخْسَرُهُ اَلْغَاشُّ أَكْثَرَ بِكَثِيرٍ مِمَّا يَرْبَحُهُ ، وَمَا يَفْقِدُهُ أَعْظَمَ مِمَّا يَسْتَفِيدُهُ ، فَقَدْ خَسِرَ دِينَهُ ، وَخَسِرَ عَاقِبَتَهُ ، وَخَسِرَ اَلسَّعَادَةَ اَلَّتِي يَنْشُدُهَا اَلْعِبَادُ ، وَيَسْعَى إِلَيْهَا اَلنَّاسُ ، فَلَا تَغُرَّنُكُمْ كَثْرَةُ أَمْوَالِ اَلْغَاشِّينَ ، وَلَا غِنَاهُمْ وَتَرَفُهُمْ ، وَلَا تَنَعُّمُهُمْ فِي حَيَاتِهِمْ ، فَالْعِبْرَةُ بِالْعَاقِبَةِ ، وَالنَّتِيجَةُ عِنْدَ اَلْخَاتِمَةِ ، فَعَمَّا قَلِيلٍ لِيُصْبِحُنَّ هَؤُلَاءِ نَادِمِينَ ، إِذَا وُضَعَ مِيزَانُ اَلْعَدْلِ أَمَامَهُمْ يَوْمَ اَلدِّينِ ، فَيُفْضَحُونَ عَلَى رُؤُوسِ اَلْأَشْهَادِ مِنْ اَلْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ ، رَوَى اَلْبَيْهَقِي فِي شُعُبِ اَلْإِيمَانِ عَنْ صَفْوَانَ بنِ سَلِيمٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ مَرَّ بِإِنْسَانٍ يَحْمِلُ لَبَنًا قَدْ خَلْطَهُ بِالْمَاءِ يَبِيعُهُ فَقَالَ لَهُ أَبُو هُرَيْرَة : كَيْفَ لَكَ إِذَا قِيلَ لَكَ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ : " خَلَّصْ اَلْمَاءَ مِنَ اَللَّبَنِ ؟ " . فَاتُّقُوا اَللَّه أَيُّهَا اَلْإِخْوَةُ اَلْمُسْلِمُونَ ، وَاحْذَرُوا اَلْغِشَّ فَإِنَّهُ حَرَامٌ عَلَى اَلْمُسْلِمِينَ ، وَلَا يَحُلُّ إِلَى يَوْمِ اَلدِّينِ ، وَكُونُوا مِنْ اَلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ فَيُتَّبَعُونَ ، وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ .