التبرج سبب فساد الشباب وذهاب طاقاتهم

أسامة كمال ساحلي
1441/06/06 - 2020/01/31 04:15AM



الخطبة الأولى:
أما بعد:
معشرَ الأحبَّة، فإنَّهُ لا يخفى على الذَّكيِّ منَّا والغبيّ، لا يخفى على الأبيِّ والدَّنيّ، ما صارَ إليهِ شأنُ نِسائنا وبناتِنا ـ إلا من رحمَ اللهُ الأعلى العليّ ـ فحالهنَّ وإلى الله المشتكى، ليسَ بالمستورِ عنَّا ولا الخفي، بل واضِحٌ للعالمينَ قاطِبَة، بَيِّنٌ جَلِيّ، فهُنَّ في حالٍ لا تُرْضِي أيَّ مؤمنٍ تقيّ، بل لا تُرضِي أيَّ عاقلٍ وَفِيّْ، لا يَرضى لهنَّ بسوءِ الحال، ولا بِقُبْحٍ ولا بِخِزيْ، نسألُ اللهَ عزَّ وجلَّ أن يَهديَهُنّ، وبالتوفيقِ والسَّدادِ أن يمُنَّ عليهِن، وأن لا يُفرَحَ بهِنَّ العَدُوَّ الغربيّ. آمين آمين
أمَّا بعدُ أيُّها المباركون: لقدِ انفردَ جيلُ هذا الزَّمان المتأخِّرِ بظهورِ شرٍّ عظيمٍ فيه من قِبَلِ النِّساءِ ـ إلا من رحم الله ـ بعدَ أن ظلَّتِ المرأةُ المسلمة، قُرونا متواترة، وأزمنةً كثيرة، مستورةَ الجسم في الجملة، بل والمرأةُ من أهل الكتابِ أيضا، فإلى عهدٍ قريبٍ لا يكادُ يُرى منهُنَّ إلا الوجه، ثمَّ شيئا فشيئا، فسَدَتِ المرأةُ الغربيةُ وأعلنَت فسادها، فتابَعَـها على ذلكَ بعضُ المسلمات، فَهُنَّ كالذَّيْلِ لها، مُنبَهِراتٍ بسُفُورها، مُنبَهِراتٍ بتعرِّيـها، وتَنَصُّلِها من ثِيابها وعفافها وشَرَفِها، فكانَ ما كانَ من تأثُّرِ بعضِ المسلماتِ بتلكَ العاهرات الكافرات، ومن ثمَّ هُنَّ بدورِهِنَّ أثَّرْنَ في مسلماتٍ أُخريات، حتى أفضينَا إلى ما أفضينَا إليه من مخازٍ ورَزِيَّات.
هذا باختصارٍ وعلى عجالة، مُلَخَّصُ ما حدثَ لنا، أعني ما حَدَثَ لنسائنا ـ حَوْرٌ بعد كَوْرٌـ ضلالٌ بعدَ هدى، ذُلٌّ بعدَ عزّ، وَعُرْيٌ بعدَ ستر، ومنهنَّ واللهُ المستعان، من نشأت على هذا الحال، فهيَ من أوَّلِ أمرِها في هذا الوبال، فليسَ ضلالٌ بعدَ هدى، بل ضلالٌ بعد ضلال.
معشر الأحبَّة: إنِّي أقول هذا وقلبي والله يتقَطَّعُ أسفا، ويضيقُ الصَّدرُ منه أيَّما ضيق، أقولُ ما أقول والحسرةُ تملأني، ولكن هذا هو الواقعُ الذي نُعانيه.
فمهما كانَ مُرّا، فلا لابُدَّ أن نُقِرَّ بما فيه، وأن نسعى جاهدينَ مجتهدين، مُستَعينينَ في ذلكَ بربِّ العالمين، على أن نُغَيِّرَ بَدْءًا من أنفُسنا والأهلين، إلى جيرانِنا والأقربين، بل وجميعِ المسلمين، فبهذا يصلُحُ الحالُ بإذن الله، وإلا. فيا هلاكَ المُتَخاذِلين.
في صحيح مسلم، عن أبي هريرةَ قال: صلى الله عليه وسلم: *صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإنَّ ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا*
فلنتأمَّل هذا الحديثَ جَيِّدا معشر الإخوة، فالصِّنفانِ لم يرهُما صلى الله عليه وسلم، لم يرَ هذا النَّوعَ من النِّساءِ ـ نسألُ اللهَ العافيةـ إذ لم يَكُنَّ في وقتِه، ففي وقتِهِ صلى الله عليه وسلم فقطِ الساتراتُ المتستِّرات، الكاسياتُ المصونات، الدَّيِّناتُ التَّقيَّات، لا مائلاتٌ ولا مُمِيلات، لا عارياتٌ ولا مترَجِّلات، حاشا أن يكونَ مثلُ هذا الجنسِ في الصَّحابيّات، ونساءِ الصَّحابةِ المرضيَّات، حاشاهنَّ ثُمَّ حاشاهُن، يقول صلى الله عليه وسلم: *سَيَكُونُ فِي آخَرِ أُمَّتِي نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، عَلَى رُءُوسِهِنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ، إلْعَنُوهُنَّ فَإِنَّهُنَّ مَلْعُونَاتٌ* رواه الطبرانيُّ في الصَّغير، وحسَّنَهُ الألبانيُّ في الثمر المستطاب.
*سَيَكُونُ فِي آخَرَ أُمَّتِي* لا في خيرِ القرون *نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ*
يقول الحافظ ابنُ عبد البرِّ المالكيّ: *أرادَ النبيُّ النساءَ اللواتي يَلبَسْنَ من الثِّيابِ الشيءَ الخفيف، الذي يصِفُ ولا يستُر، فهنَّ كاسياتٌ بالإسم، عارياتٌ في الحقيقة* إهــ *فهنَّ كاسياتٌ بالاسم، عارياتٌ في الحقيقة*

وقال شيخُ الإسلامِ حبرُ الأمّة، أحمدُ بنُ تيميةَ رحمه الله: وقد فُسِّر قولُهُ: *كَاسِيَاتٍ عَارِيَاتٍ* بأن تكتسي بما لا يَسْتُرُها ـ وهي في الحقيقةِ عارية، مثلُ من تكتسي الثَّوبَ الرَّقيق، الذي يصفُ بشرَتَها، أو الثَّوبَ الضيِّق الذي يُبدي تقاطيعَ خَلْقِها، مِثْلَ عَـجيزَتِها وساعِدِها ونحوِ ذلك، وإنَّما كِسوةُ المرأةِ ما يستُرُها، فلا يُبدي جسمَها ولا حجمَ أعضائها، لكونِهِ كثيفًا واسعا* إهــ
تأمَّلوا هذا معشر الإخوة: *إنَّما كِسوةُ المرأةِ ما يستُرُها، فلا يُبدي جسمَها ولا حجمَ أعضائها، لكونِهِ كثيفًا واسعا*
فإذا فَهِمنا هذا ـ إخوتي في الله ـ إذا فَهِمناهُ وعقِلناه، فلنُقارِن بينَ هذا وبينَ حالِ نسائنا وبناتِنا إلا من رحم الله، هل يَصْدُقُ على لباسِهِنَّ قولُ رسولِ الله..؟ هل يَصْدُقُ على حالِهِنَّ قولُ رسولِ الله..؟ هل تقيَّدنَ في لباسِهِنَّ بشرعِ الله..؟ أم أنَّها النَّفسُ وما تَهواه..؟ هل تأدَّبنَ بأدبِ دينِ الله..؟ أم أنَّهُنَّ مائلاتٌ مُمِيلات، خاضعاتٌ بالقولِ لا يتَّقينَ الله..؟ لا حول ولا قوة إلا بالله.
نسألُ الله عزَّ وجلَّ أن يُصلِحَ الأحوال، وأن يمُنَّ على نسائنا التَّأَدُّبَ بدينِ الله، وأن يَرْفَعَ عنَّا هذا الوبال.
فلقد رأينا في البنات كبائرًا * و عظائِمَ الآثام رأْيَ عيانِ
بارَزْنَ للرحمن إثمًا ظاهرًا * أَعلنَّ فُحشا بَيِّنَ العصيان
فترى الفتاةَ بلُبْسِها قد شابهت * للكافراتِ بِربنا الدَّيَّانِ
وتزيَّنت و تبرّجت و تعطّرت * و تجمَّلت ما كان في الإمكان
من بعدِ ذا خرجت لِتَفتِنَ من ترى * من نَّاقِصِي الإيمانِ من شُبَّانِ
ولها خليلٌ آخِذٌ بِيَدَيْها في * وسَطِ الطريقِ فَذَا بلا كِتمانِ
وَوليُّها عونٌ لها في غَيِّها * بِئسَ الولِيُّ معاشر الإِخوانِ
إِذْ يُنفِقُ الأموال في تزيينها * أعني تَزَيُّنَ زينةِ الشّيطانِ
يشري العطور وغالِيَ الأثواب ذَا * في ظَنِّهِ سيَجيءُ بالعِرسان
خان الأمانة راجيا حِفظًا لها * والله يُبغِضُ مِثلَ ذا الخوّانِ
بل تُنْكَحُ البنتُ العفيفة فانْتبِه * والعاريَاتُ يَبُؤْنَ بالنِّيرانِ
صحَّ الحديثُ بِلَعْنِهِنَّ بلا مِرَا * إِسنادَهُ قد حَسَّن الألباني
*إلْعَنُوهُنَّ فَإِنَّهُنَّ مَلْعُونَاتٌ* وفي حديثِ مسلم: *لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها*
فالخطبُ جليلٌ جدًّا معشرَ الأحبَّة، والخطورةُ كبيرة، لعنٌ، وعدمُ دخولِ الجنَّة، فليسَ الأمرُ بالهيِّن، لماذا..؟ ما سَبَبُ كلِّ هذا..؟ عدمُ اِلْتِزامِهِنَّ بأدبِ الدّين الذي فرضه الله عليهن، أمرهُنَّ أن يُدنينَ عليهنَّ من جلابيبهنّ، فإذا بهنَّ تَعَرَّيْنَ وتَكَشَّفن، وأسْفَرْنَ عَن مفاتِنِهنَّ، ولبسنَ ما يضِيقُ على أعضائِهِنّ.
قال جلَّ وعلا: *يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ* والمرأةُ عورةٌ يا عبادَ اللهِ بنصِّ رسول الله، والعورةُ حقُّها السِّتر، وهيهات اليومَ أن تُسْتُر، فلسنا نرى إلا التَّكشُّفَ والسُّفور، نسألُ الله أن يُصلِحَ الأمر، تظاهر أذيالُ الغربِ مع أهلِ الكفر، وتكاتفوا على فضحِ المسلمة، وعلى هتكِ السِّتر، فمن وَفَّقَهُ الله تفطَّنَ لهم، فلم يرضَ بذلك ولم ينقدْ لهم، وأمَّا من خذلهُ الله فقد قلنا: هو كالذَّنَبِ لهم، لم يقولوا قولا إلا قال بِقولهم، ولم يرفعوا شِعارًا إلا رفعَ شعارَهم، فتراهُ مبهورا بهم، قد شَغُفَ قلبُهُ بتقليدِهم، وهو في ذلكَ كالإمَّعَةِ الأحمق، والتَّافه الأخرق، كما أرادوهُ كان، وبأيِّ لونٍ أرادوهُ تَلَوَّنْ.
لا يستقِّرُ على حالٍ يُخالِفُهُم * كأبي براقش كلَّ يومٍ لونه يتغيَّرُ
فمن خذلانه أن تشبَّه بهم في شان، قد تشبَّهوا هم بدورهِم فيه بالشيطان. يقول ربُّنا جلَّ وعلا: *يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا* قال الإمام المفسِّر محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: *بهذا تَعرفونَ أنَّ كشف العورة، مقصدٌ أصيل عريقٌ من مقاصِدِ إبليس، لِـــيُـهينَ بهذا كرامةَ النوعِ الآدميَّ وإهانةُ كرامتهم تسُرُّهُ، وتُقِرُّ عينَه، لعداوَتِهِ لهم، ولم يَزَل إبليسُ يُحاولُ إهانةَ بني آدم بكشف العورة، وإبداءِ السَّوأة، حتى بلغَ غايتَهُ من ذلك... وله مع ذلكَ قصدٌ آخر، وهو أنَّ انكِشافَ عورَتِها يدعو إلى الفاحشة* إهــ
فهذا إخوة الإيمان، سببٌ من أسبابِ لعنِهِن، ألا وهوَ تبرُّجُهُنَّ وعُرْيُهُنّ، ولو كانتِ المتبرِّجةُ عاقلة، ما عاندتْ ربَّها ربَّ العالمين في قطعةِ قماشٍ أمرتْ أن تُدْنيها على جِسمِها، كي تصونَ نفسها وتُكْرِمَها. نعوذ بالله من السَّفَهِ وخفَّةِ العقل.
وقد أمر الله المرأةَ أيضا، بأوامرَ هي خيرٌ لها، ونهاها عن أمورٍ الخيرُ في تركها، فأبَتْ إلا أن تَعْصِيَ ربّها، وتَرْكَبَ ما عنهُ زجرَ ونهى، فاستَحَقَّتْ بذلكَ اللعنَ من الواحدِ الجبَّار، وأن تكونَ من حطبَ النَّار.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله لا يُحْمدُ حقًّا إلا الله، والصلاة والسلام على من لا نبيُّ بعده، خيرَةِ الله من خلقه، محمَّدٍ رسولِ الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه. أما بعد: إخوتي في االله:
يقول الله جلَّ وعلا: *يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ*
تدبَّروا القرآنَ معشرَ الإخوة، تأمَّلوهُ جيِّدا. يقول الحافظ ابنُ كثيرٍ: *هذه آدابٌ أمر اللّه تعالى بها نساءَ النبي صلى اللّه عليه وسلم، ونساءُ الأمة تبعٌ لهن في ذلك* إهــ
هل نساءُنا وبناتُنا يخضَعنَ بالقولِ أم لا..؟ الخضوعُ بالقولِ كما قال الشيخُ السَّعديُّ رحمه الله: *يتَكَلَّمْنَ بكلامٍ رقيق يدعو ويُطمِع*
ولكم سمعنا هذا منهنَّ وسمعنا، ولكم فتنَّ بهذا الصنيعِ رجالًا شُبَّانَا. *فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا* أي: غيرَ غليظٍ ولا جاف، كما أنَّهُ ليسَ بليِّنٍ ولا خاضع* قاله السَّعدي.
ثمَّ بعد ذلكَ تأتي قاصِمةُ الظهرِ يا عبادَ الله، يأتي داءٌ قلَّ أن تجدَ له شفاء، وبالٌ ما بعدَهُ من وبال.
* وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ* قال ابن كثير: *وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ* أيِ: الْزَمْنَ بيوتَكُنّ، فلا تَخرُجنَ لغيرِ حاجة*
واسمع أخي في الله هذا الحديثَ وتَعَقَّله، إسمعي يا أمةَ اللهِ حديثَ رسولِ الله، عن ابنِ عمرَ قال صلى الله عليه وسلم: المرأةُ عَوْرةٌ، و إنَّها إذا خَرَجَت من بَيْتِهَا استَشْرَفَها الشَيطانُ، وإنَّهَا لَا تَكُونُ أَقْرَبَ إلى اللهِ منها في قَعْرِ بَيْتِها* رواه الطبرانيُّ في الأوسط، وقال المنذريُّ في الترغيب: رجاله رجال الصحيح.
لا إله إلا الله. أينَ نساؤنا من هذا الحديث، أينَ هنّ..؟ *إنَّها لا تكون أقرب إلى الله منها في قعرِ بيتها*
وكأنَّ النساء قد سمعنَ هذا الحديثَ على عكسِه، ضاقت بهنَّ البيوتُ فلم تسعْهُنّ، ورُحْنَ يَطُفنَ الشوارعَ والأسواق والمحلات، لحاجةٍ ولغير حاجة، بل ربَّما تذهبُ إحداهنَّ إلى السوق ـ الذي هو شرُّ البلادِ وأبغَضُها إلى الله ـ لمجرَّدِ أنَّها مَلَّت، فأحبَّتْ أن تُرَوِّحَ عن نفسها، بتِطْوافِ الأسواق وما شابهَ ذلك. يا ربِّ لطفا بنا، يا ربِّ معذرةً فقد تَعَدَّينا.
* وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى* يقول العلامةُ السعديُّ: أَيْ: *لَا تُكْثِرْنَ الْخُرُوجَ مُتَجَمِّلَاتٍ أَوْ مُتَطَيِّبَاتٍ، كَعَادَةِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى، الَّذِينَ لَا عِلْمَ عِنْدَهُمْ وَلَا دِينٌ، فَكُلُّ هَذَا دَفْعٌ لِلشَّرِّ وَأَسْبَابِهِ * إهــ
وأسمع هذا الأثرَ أخي في الله، لتدرِكَ ما نحنُ فيه. قال التابعيُّ الجليلُ مجاهدُ بن جَبْر: *كانتِ المرأةُ تخرُجُ تمشي بينَ يَدَيِ الرجال، فذالكَ تَبَرُّجُ الجاهلية* لا حول ولا قوة إلا بالله. كانت تمشي قُدَّامَ الرجال وأمامهُم، فنُهِيَت عن ذلك.
فما بالكَ أن تُزاحِمَهُم في كلِّ مكان، أن تُداَفِعَهُم وتخالطَهُم، أن تُجادِلَهم وتُخاصِمَهُم. لا حول ولا قوَّةَ إلا بالله، وهي مع ذلك، قد أبدَتْ زينتَها، وتعطَّرت، وتبرَّجَت أيَّما تبرُّج، فقد أَتْقَنَّ هذا الأمرَ إتقانا عجيبا، فتراها تُبدِعُ في وضعِ المساحيقِ تدليسًا وتزويرَا، لا يُضاهيها أحدٌ في هذا الباب، وفي أسماءِ المساحيقِ وما أشبهَ ذلك، و لو روجِعَتْ إحداهُنَّ في كيفيَّةِ الصلاةِ، لَضُبِطتْ عليها أخطاءٌ كثيرة، بل لو روجِعَ كثيرٌ منهنَّ في معنى كلمة التوحيدِ، لم تعرفْ معناها وربِّ العالمين.
داءُ التَّبَرُّجِ ما داءُ التَّبرُّج، لو تكلَّمنا ما تكلَّمنا لمْ نُوَفِّ هذا الأمرَ حقَّه، لعمومِ البلوى به، وخفاءِ كثيرٍ من جُزئِيَّاتِهِ، على كثيرٍ من المسلمين، بل وكثيرٍ من خواصِّهِم، نسألُ الله أن يُعافينا منه.
في مسندِ الإمام أحمد، وصحَّح إسنادَهُ الحافظُ ابنُ كثيرٍ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: جاءتْ أُميمَةُ بنتُ رُقَيْقَةَ إلى رسول الله تُبايِعُهُ على الإسلام. ـ فلننتبِه إخوتي في الله ـ تبايعه على الإسلام، على دينِ اللهِ ربِّ العالمينَ الذّي لا يَقبلُ غيره، فقال صلى الله عليه وسلم: *أُبَايِعُكِ عَلَى أَلَّا تُشْرِكِي بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقِي وَلَا تَزْنِي، وَلَا تَقْتُلِي وَلَدَكِ، وَلَا تَأْتِي بِبُهْتَانٍ تَفْتَرِينَهُ بَيْنَ يَدَيْكِ وَرِجْلَيْكِ، وَلَا تَنُوحِي، وَلَا تَبَرَّجِي تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى* صححه العلامة أحمد شاكر *وَلَا تَبَرَّجِي تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى* كان صلى الله عليه وسلم يَنُصُّ على هذا الأمرِ عند مُبايَعَتِهِ للنساءِ، لعِظَم هذا الأمرِ، وبالغِ خَطَرِه، ولكبير الفسادِ الذي يَجُرُّهُ الإخلالُ به، وما ذاكَ الفسادُ عنا ببعيد.
وأختمُ بأثرِ، عن عائشَةَ رضيَ الله عنها، رواهُ الإمامُ أحمدُ بالسند الصَّحيحِ إليها، قالت: *لو أنَّ رسولَ الله رأى نِساءَ اليوم، نهاهُنَّ عن الخروجِ أو حرَّمَ عليهنَّ الخروج*
أقول: لو رأى رسولُ اللهِ النساءَ والبناتَ اليوم، واللهِ بصدق لا أدري ماذا فعل، إذا كانت أمُّنا عائشةُ تقول هذا في نِساءِ زمانِها، نساءِ القرونِ المُفضَّلة، فما القولُ في نساءِ هذا الزَّمان..؟
نمصٌ ووصلٌ والخضوعُ بقَوْلَةٍ * وتبرُّجٌ وتزيُّنٌ وتعطُّرُ
وترجُّلٌ وتجرُّؤٌ ووقاحةٌ * وبفعلها لا لا تُسِرُّ وتَـجْهَرُ
قبائحُ تترا جمَّةٌ وكثيرَةٌ * والأولياءُ كأنَّهم لم يشعروا
نشكو الى الربِّ الرؤوفِ شِكايَةً * نرجوا بها إصلاح ما يُستَقْذَرُ
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوبُ إليك.

المشاهدات 1103 | التعليقات 0