التاريخ الهجري
عبدالله اليابس
1436/12/25 - 2015/10/08 15:26PM
ـ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، {ياأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران:102]، {ياَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}[النساء:1].(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما).
أما بعد: فإن وقفة التوديع مثيرة للأشجان، مهيجة للأحزان، إذ هي مصاحبة للرحيل، مؤذنة بالانقضاء، ولقد مضى ـ يا عباد الله ـ من عمر الزمن عام كامل، تقلبت فيه أحوال، وتصرمت فيه آجال، ونزلت فيه بالأمة النوازل التي تقض لها المضاجع، وتضطرب منها الألباب، وتجف القلوب، وإذا كان ذهاب الليالي والأيام ليس لدى الغافلين اللاهين غير مضي يوم ومجيء آخر، فإنه عند أولي الأبصار باعث حي من بواعث الاعتبار، ومصدر متجدد من مصادر العظة والادكار، يصور ذلك ويبينه أبلغ بيان قول الحسن البصري رحمه الله: "يا ابن آدم، إنما أنت أيام، فإذا ذهب يوم ذهب بعضك"
يا أمة محمد .. ذكر أهل الأخبار أن المسلمين لم يكونوا يعملون بالتاريخ السنوي في أول الأمر حتى كانت خلافة عمر بن الخطاب ، فإنه جمع الناس فاستشارهم، فقال بعضهم: أرخوا كما تؤرخ الفرس بملوكها، كلما هلك ملِك أرخوا بولاية من بعده، فكره الصحابة هذا الرأي، وقال آخرون: أرخوا بتاريخ الروم، فكرهوا ذلك أيضا، فقال بعضهم: أرخوا من مولد النبي ، وقال آخرون: بل من مبعثه، وقال آخرون: بل من مُهاجره، فقال عمر بن الخطاب وكان ملهمًا: الهجرة فرقت بين الحق والباطل، فأرخوا بها.
واليوم ـ نرى معظم الأمة الإسلامية ـ قد عدلت عن التأريخ بالتاريخ الإسلامي الهجري القمري إلى التأريخ بتاريخ النصارى الميلادي الشمسي الجريجوري، نسبة إلى البابا جريجوري، وهو تأريخ كما لا يخفى لا يمت إلى ديننا بصلة.
وإذا كان لبعض الناس شبهة من العذر حين استعمر النصارى بلادهم وأرغموهم على أن يتناسوا تاريخهم الإسلامي الهجري، فليس لهم الآن أي عذر في البقاء على تاريخ النصارى الميلادي، وقد علمتم أن الصحابة كرهوا التوريخ بتاريخ الفرس والروم، والهدى في اتباعهم، والضلالة في مخالفة سبيلهم.
قال الله تعالى: {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم }.
فقوله تعالى: {ذلك الدين القيم} أي: هذا هو الشرع المستقيم. فالعجب من أمة الإسلام تترك هذا الشرع القويم في باب التوريخ، وهذه أمة اليهود لا تزال تؤرخ بتاريخها منذ أزيد من خمسة آلاف سنة، وهذه النصارى لا تؤرخ إلا بتاريخها منذ ألفي عام، مع ما في توريخهم من اختلال علمي وديني.
يا أمة محمد .. من المؤسف حقا ما صارت إليه هذه الأمة في مجموعها إلا قليلا منهم، من التوقيت بتاريخ النصارى الميلادي بدلا من تاريخهم الإسلامي الهجري الذي اتفقت عليه كلمة السلف، الذي شهوره هلالية كما شرع الله وكما كتب في كتابه الأول، وهي الشهور التي جعلها الله تعالى مواقيت للناس كما قال عز وجل: {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج }
فهي مواقيت للناس كلهم، عربهم وعجمهم، ذلك لأنها علامات محسوسة وآيات مشهودة؛ ظاهرة لكل مبصر، يُعرَف بها دخول الشهر وانقضاؤه، فمتى رئي الهلال من أول الليل دخل الشهر الجديد وانصرم السابق، قال الله تبارك وتعالى: {وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا}.
فجعل سبحانه الليل آية أي: علامة يعرف بها، وهي الظلام وظهور القمر فيه، وللنهار علامة وهي النور وطلوع الشمس فيه، وهذا كما في الآية الأخرى:{ هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق }
فأخبر سبحانه أنه علق معرفة السنين والحساب على تقدير القمر منازل، وعلى آية النهار، وهي الشمس، فبالشمس يعرف الأسبوع والليل والنهار والأيام، وبالقمر تعرف الشهور والأعوام، وبهما يتم الحساب.
وإنما جعل الله تعالى الاعتبار بدور القمر، لأن ظهوره في السماء لا يحتاج إلى حساب ولا كتاب، بل هو أمر ظاهر يشاهد بالأبصار،يميزه الصغير والكبير, والعالم والجاهل، والحاضر والباد, بخلاف سير الشمس, فإن معرفتها تحتاج إلى حساب وكتاب, وفي ذلك عسر ومشقة, فالحساب لا يعرفه إلا الأقلون من الخلق, ولم يحوجنا الله تعالى إلى ذلك، كما قال النبي : ((نحن أمة أمية، لا نعرف الكتاب ولا الحساب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا)).
أما الشمس فإنما علق الله تعالى عليها أحكام الليل والنهار؛ من الصلاة والصيام.
فالصلاة تتعلق بطلوع الفجر وطلوع الشمس وزوالها ودلوكها وغروبها وغياب الشفق، والصيام موقت بمدة النهار من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فبالشمس يتم حساب مواقيت اليوم المتعلقة بالصلاة والصيام.
وأما حلول شهر الصيام والفطر والأشهر الحرم والحج وعِدد النساء ومدد الإيلاء وحلول آجال الزكاة والديون وغير ذلك من الأحكام والشرائع فهي موقتة بالأهلة. فبالشمس يتم حساب الليالي والأيام، وبالقمر يتم حساب الشهور والأعوام.
يا أمة محمد .. هذا هو الدين القيم الذي شرعه الله للناس أجمعين، ليس كالشهور الإفرنجية، فإنها شهور وهمية، فلا هي مما شرع الله في كتاب صريح، ولا هي مما بني على حساب علمي صحيح، بل هي شهور اصطلاحية مختلفة، بعضها واحد وثلاثون يوما، وبعضها ثمانية وعشرون يوما وبعضها بين ذلك، ولا يعلم لهذا الاختلاف من سبب حقيقي محسوس أو معقول، ولا مشروع على لسان رسول.
ولهذا طرحت مشروعات في الآونة الأخيرة لتغيير هذه الأشهر على وجه ينضبط، لكنها عورضت من قبل الكنيسة ورفضها القسيسون رفضا شديدا، تعصبا منهم لباطلهم وتقليدا لجهالهم.
وقد سئل الإمام أحمد بن حنبل فقيل له: إن للفرس أياما وشهورا يسمونها بأسماء لا تعرف، فكره ذلك أشد الكراهة.
هذه ذكرى ولعلكم تذكرون، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
*****
الحمد لله الذي جعل الهجرةَ فتحاً ونصراً وعزًّا للإسلام، أحمَدهُ سبحانه خصّ المهاجرين بسوابغ الفضلِ والإنعام والإكرام، وأشهَد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ لَه، وأشهَد أنَّ سيّدنا ونبيَّنا محمّداً عبده ورسوله، إمام المهاجرين وقدوة المتّقين الأبرار الأعلام، اللهمّ صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان.
أما بعد:فاتقوا الله عباد الله, ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ..
يا أمة محمد .. لا شك أن في الأخذ بالتاريخ الميلادي وترك التأريخ الهجري مفاسد, فمن ذلك: عزل أبناء الأمة عن تاريخهم وأمجادهم, وأسلافهم وسالف حضارتهم وعزهم, ولا يستريب عاقل أن الأمة لا تستطيع أن تصنع مستقبلها ولا أن تصلح واقعها, إلا من خلال دراستها لتاريخها ومعرفتها به, فبقدر ما تكون الأمة واعية بماضيها, محيطة بتاريخها, حريصة على الإفادة منه, بقدر ما تسمو شخصيتها, وتدرك غايتها, وتعرف سبيل الوصول إلى بُغيتها.
فالأمة المعزولة عن تاريخها أمة قريبة الجذور, سريعة الاجتثاث والأفول لأدنى عارض, ولأدهى عائق, ولذا حرص الأعداء بشتى صنوفهم؛ الكافرون والمنافقون, على عزل الأمة عن تاريخها, وسلكوا لذلك طرائق قددا, كان منها ـ بل من أبرزها ـ تغييب التأريخ العربي الإسلامي الهجري.
ومن مفاسد الاعتماد على التأريخ الإفرنجي, وجعله هو الأصل في حياة الأمة وتعاملاتها: ضياع كثير من الشعائر التعبدية, والمعالم الشرعية, فلا يدري المسلم على سبيل المثال متى الأيام البيض, التي رغب النبي في صيامها, ولا يعرف ما هي الأشهر الحرم, التي أوجب الله على المؤمنين احترامها وتعظيمها, ولا يعلم ما هي أشهر الحج, التي يفعل فيها وغير ذلك من العبادات, ولا ينتبه لعاشوراء, ولا يعلم عن اقتراب رمضان من كان عليه قضاء, ولا يتنبه لاقتراب الحج فيتأهب له, إلى غير ذلك, من المفاسد التي يغفل عنها الكثير.
يا أمة محمد .. قال الشيخ محمد العثيمين ’ متحدثًا عن الشهور الميلادية: (وهذه الشهور التي بين أيدي الناس الآن شهور وهمية، ليست مبنية على أساس، ولو كانت بروجاً لكان لها أساس،فإن البروج واضحة في السماء ومعروفة نجومها وأوقاتها، لكن هذه الوهمية ما لها أساس إطلاقاً, بدليل بعضها يكون ثمانية وعشرين، وبعضها يكون واحداً وثلاثين،فهي ليست مبنية على الأصل. لكن إذا ابتلينا وصار لابد من ذكر التاريخ الميلادي، فلماذا نعدل عن التاريخ الهجري العربي الشرعي إلى هذا التاريخ الوهمي الذي ليس له أساس؟! بل بالإمكان جداً أن نؤرخ بالتاريخ العربي ثم نقول:الموافق كذا).
وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :هل يعتبر التأريخ بالميلادي موالاة للكفار: فأجاب حفظه الله: (لا يعتبر موالاة ، لكن يعتبر تشبهاً بهم,والصحابة رضي الله عنهم كان التاريخ الميلادي موجوداً في عصرهم ، ولم يستعملوه ، بل عدلوا عنه إلى التاريخ الهجري, وفي هذا دليل على أن المسلمين يجب أن يستقلوا عن عادات الكفار وتقاليد الكفار ، لاسيما وأن التاريخ الميلادي رمز على دينهم ، لأنه يرمز إلى تعظيم ميلاد المسيح والاحتفال به على رأس السنة ).
فهذا عباد الله تأريخنا الإسلامي, تاج رؤوسنا, ورابطنا بأسلافنا, فلنتمسك به, ولا نفرط به.
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته أجمعين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين, وأذل الشرك و المشركين, ودمر أعداء الدين.
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد, يعز فيه أهل الطاعة, ويهدى فيه أهل المعصية, ويؤمر فيه بالمعروف, وينهى فيه عن المنكر.
اللهم إنك أنت الله لا إله إلا أنت أنت الغني ونحن الفقراء, أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين, اللهم أغثنا, اللهم أغثنا غيثًا مغيثًا هنيئًا مريئًا سحًا طبقًا مجللاً, عامًا نافعًا غير ضار, عاجلاً غير آجل,يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين يا غفور يا رحيم.
عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون .
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، {ياأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران:102]، {ياَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}[النساء:1].(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما).
أما بعد: فإن وقفة التوديع مثيرة للأشجان، مهيجة للأحزان، إذ هي مصاحبة للرحيل، مؤذنة بالانقضاء، ولقد مضى ـ يا عباد الله ـ من عمر الزمن عام كامل، تقلبت فيه أحوال، وتصرمت فيه آجال، ونزلت فيه بالأمة النوازل التي تقض لها المضاجع، وتضطرب منها الألباب، وتجف القلوب، وإذا كان ذهاب الليالي والأيام ليس لدى الغافلين اللاهين غير مضي يوم ومجيء آخر، فإنه عند أولي الأبصار باعث حي من بواعث الاعتبار، ومصدر متجدد من مصادر العظة والادكار، يصور ذلك ويبينه أبلغ بيان قول الحسن البصري رحمه الله: "يا ابن آدم، إنما أنت أيام، فإذا ذهب يوم ذهب بعضك"
يا أمة محمد .. ذكر أهل الأخبار أن المسلمين لم يكونوا يعملون بالتاريخ السنوي في أول الأمر حتى كانت خلافة عمر بن الخطاب ، فإنه جمع الناس فاستشارهم، فقال بعضهم: أرخوا كما تؤرخ الفرس بملوكها، كلما هلك ملِك أرخوا بولاية من بعده، فكره الصحابة هذا الرأي، وقال آخرون: أرخوا بتاريخ الروم، فكرهوا ذلك أيضا، فقال بعضهم: أرخوا من مولد النبي ، وقال آخرون: بل من مبعثه، وقال آخرون: بل من مُهاجره، فقال عمر بن الخطاب وكان ملهمًا: الهجرة فرقت بين الحق والباطل، فأرخوا بها.
واليوم ـ نرى معظم الأمة الإسلامية ـ قد عدلت عن التأريخ بالتاريخ الإسلامي الهجري القمري إلى التأريخ بتاريخ النصارى الميلادي الشمسي الجريجوري، نسبة إلى البابا جريجوري، وهو تأريخ كما لا يخفى لا يمت إلى ديننا بصلة.
وإذا كان لبعض الناس شبهة من العذر حين استعمر النصارى بلادهم وأرغموهم على أن يتناسوا تاريخهم الإسلامي الهجري، فليس لهم الآن أي عذر في البقاء على تاريخ النصارى الميلادي، وقد علمتم أن الصحابة كرهوا التوريخ بتاريخ الفرس والروم، والهدى في اتباعهم، والضلالة في مخالفة سبيلهم.
قال الله تعالى: {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم }.
فقوله تعالى: {ذلك الدين القيم} أي: هذا هو الشرع المستقيم. فالعجب من أمة الإسلام تترك هذا الشرع القويم في باب التوريخ، وهذه أمة اليهود لا تزال تؤرخ بتاريخها منذ أزيد من خمسة آلاف سنة، وهذه النصارى لا تؤرخ إلا بتاريخها منذ ألفي عام، مع ما في توريخهم من اختلال علمي وديني.
يا أمة محمد .. من المؤسف حقا ما صارت إليه هذه الأمة في مجموعها إلا قليلا منهم، من التوقيت بتاريخ النصارى الميلادي بدلا من تاريخهم الإسلامي الهجري الذي اتفقت عليه كلمة السلف، الذي شهوره هلالية كما شرع الله وكما كتب في كتابه الأول، وهي الشهور التي جعلها الله تعالى مواقيت للناس كما قال عز وجل: {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج }
فهي مواقيت للناس كلهم، عربهم وعجمهم، ذلك لأنها علامات محسوسة وآيات مشهودة؛ ظاهرة لكل مبصر، يُعرَف بها دخول الشهر وانقضاؤه، فمتى رئي الهلال من أول الليل دخل الشهر الجديد وانصرم السابق، قال الله تبارك وتعالى: {وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا}.
فجعل سبحانه الليل آية أي: علامة يعرف بها، وهي الظلام وظهور القمر فيه، وللنهار علامة وهي النور وطلوع الشمس فيه، وهذا كما في الآية الأخرى:{ هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق }
فأخبر سبحانه أنه علق معرفة السنين والحساب على تقدير القمر منازل، وعلى آية النهار، وهي الشمس، فبالشمس يعرف الأسبوع والليل والنهار والأيام، وبالقمر تعرف الشهور والأعوام، وبهما يتم الحساب.
وإنما جعل الله تعالى الاعتبار بدور القمر، لأن ظهوره في السماء لا يحتاج إلى حساب ولا كتاب، بل هو أمر ظاهر يشاهد بالأبصار،يميزه الصغير والكبير, والعالم والجاهل، والحاضر والباد, بخلاف سير الشمس, فإن معرفتها تحتاج إلى حساب وكتاب, وفي ذلك عسر ومشقة, فالحساب لا يعرفه إلا الأقلون من الخلق, ولم يحوجنا الله تعالى إلى ذلك، كما قال النبي : ((نحن أمة أمية، لا نعرف الكتاب ولا الحساب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا)).
أما الشمس فإنما علق الله تعالى عليها أحكام الليل والنهار؛ من الصلاة والصيام.
فالصلاة تتعلق بطلوع الفجر وطلوع الشمس وزوالها ودلوكها وغروبها وغياب الشفق، والصيام موقت بمدة النهار من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فبالشمس يتم حساب مواقيت اليوم المتعلقة بالصلاة والصيام.
وأما حلول شهر الصيام والفطر والأشهر الحرم والحج وعِدد النساء ومدد الإيلاء وحلول آجال الزكاة والديون وغير ذلك من الأحكام والشرائع فهي موقتة بالأهلة. فبالشمس يتم حساب الليالي والأيام، وبالقمر يتم حساب الشهور والأعوام.
يا أمة محمد .. هذا هو الدين القيم الذي شرعه الله للناس أجمعين، ليس كالشهور الإفرنجية، فإنها شهور وهمية، فلا هي مما شرع الله في كتاب صريح، ولا هي مما بني على حساب علمي صحيح، بل هي شهور اصطلاحية مختلفة، بعضها واحد وثلاثون يوما، وبعضها ثمانية وعشرون يوما وبعضها بين ذلك، ولا يعلم لهذا الاختلاف من سبب حقيقي محسوس أو معقول، ولا مشروع على لسان رسول.
ولهذا طرحت مشروعات في الآونة الأخيرة لتغيير هذه الأشهر على وجه ينضبط، لكنها عورضت من قبل الكنيسة ورفضها القسيسون رفضا شديدا، تعصبا منهم لباطلهم وتقليدا لجهالهم.
وقد سئل الإمام أحمد بن حنبل فقيل له: إن للفرس أياما وشهورا يسمونها بأسماء لا تعرف، فكره ذلك أشد الكراهة.
هذه ذكرى ولعلكم تذكرون، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
*****
الحمد لله الذي جعل الهجرةَ فتحاً ونصراً وعزًّا للإسلام، أحمَدهُ سبحانه خصّ المهاجرين بسوابغ الفضلِ والإنعام والإكرام، وأشهَد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ لَه، وأشهَد أنَّ سيّدنا ونبيَّنا محمّداً عبده ورسوله، إمام المهاجرين وقدوة المتّقين الأبرار الأعلام، اللهمّ صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان.
أما بعد:فاتقوا الله عباد الله, ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ..
يا أمة محمد .. لا شك أن في الأخذ بالتاريخ الميلادي وترك التأريخ الهجري مفاسد, فمن ذلك: عزل أبناء الأمة عن تاريخهم وأمجادهم, وأسلافهم وسالف حضارتهم وعزهم, ولا يستريب عاقل أن الأمة لا تستطيع أن تصنع مستقبلها ولا أن تصلح واقعها, إلا من خلال دراستها لتاريخها ومعرفتها به, فبقدر ما تكون الأمة واعية بماضيها, محيطة بتاريخها, حريصة على الإفادة منه, بقدر ما تسمو شخصيتها, وتدرك غايتها, وتعرف سبيل الوصول إلى بُغيتها.
فالأمة المعزولة عن تاريخها أمة قريبة الجذور, سريعة الاجتثاث والأفول لأدنى عارض, ولأدهى عائق, ولذا حرص الأعداء بشتى صنوفهم؛ الكافرون والمنافقون, على عزل الأمة عن تاريخها, وسلكوا لذلك طرائق قددا, كان منها ـ بل من أبرزها ـ تغييب التأريخ العربي الإسلامي الهجري.
ومن مفاسد الاعتماد على التأريخ الإفرنجي, وجعله هو الأصل في حياة الأمة وتعاملاتها: ضياع كثير من الشعائر التعبدية, والمعالم الشرعية, فلا يدري المسلم على سبيل المثال متى الأيام البيض, التي رغب النبي في صيامها, ولا يعرف ما هي الأشهر الحرم, التي أوجب الله على المؤمنين احترامها وتعظيمها, ولا يعلم ما هي أشهر الحج, التي يفعل فيها وغير ذلك من العبادات, ولا ينتبه لعاشوراء, ولا يعلم عن اقتراب رمضان من كان عليه قضاء, ولا يتنبه لاقتراب الحج فيتأهب له, إلى غير ذلك, من المفاسد التي يغفل عنها الكثير.
يا أمة محمد .. قال الشيخ محمد العثيمين ’ متحدثًا عن الشهور الميلادية: (وهذه الشهور التي بين أيدي الناس الآن شهور وهمية، ليست مبنية على أساس، ولو كانت بروجاً لكان لها أساس،فإن البروج واضحة في السماء ومعروفة نجومها وأوقاتها، لكن هذه الوهمية ما لها أساس إطلاقاً, بدليل بعضها يكون ثمانية وعشرين، وبعضها يكون واحداً وثلاثين،فهي ليست مبنية على الأصل. لكن إذا ابتلينا وصار لابد من ذكر التاريخ الميلادي، فلماذا نعدل عن التاريخ الهجري العربي الشرعي إلى هذا التاريخ الوهمي الذي ليس له أساس؟! بل بالإمكان جداً أن نؤرخ بالتاريخ العربي ثم نقول:الموافق كذا).
وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :هل يعتبر التأريخ بالميلادي موالاة للكفار: فأجاب حفظه الله: (لا يعتبر موالاة ، لكن يعتبر تشبهاً بهم,والصحابة رضي الله عنهم كان التاريخ الميلادي موجوداً في عصرهم ، ولم يستعملوه ، بل عدلوا عنه إلى التاريخ الهجري, وفي هذا دليل على أن المسلمين يجب أن يستقلوا عن عادات الكفار وتقاليد الكفار ، لاسيما وأن التاريخ الميلادي رمز على دينهم ، لأنه يرمز إلى تعظيم ميلاد المسيح والاحتفال به على رأس السنة ).
فهذا عباد الله تأريخنا الإسلامي, تاج رؤوسنا, ورابطنا بأسلافنا, فلنتمسك به, ولا نفرط به.
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته أجمعين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين, وأذل الشرك و المشركين, ودمر أعداء الدين.
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد, يعز فيه أهل الطاعة, ويهدى فيه أهل المعصية, ويؤمر فيه بالمعروف, وينهى فيه عن المنكر.
اللهم إنك أنت الله لا إله إلا أنت أنت الغني ونحن الفقراء, أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين, اللهم أغثنا, اللهم أغثنا غيثًا مغيثًا هنيئًا مريئًا سحًا طبقًا مجللاً, عامًا نافعًا غير ضار, عاجلاً غير آجل,يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين يا غفور يا رحيم.
عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون .
عبدالله اليابس
.
تعديل التعليق